محمد المهدي الحفني الأزهري

تاريخ الوفاة1230 هـ
أماكن الإقامة
  • القاهرة - مصر

نبذة

الشيخ محمد المهدي الحفني الأزهري الأستاذ الفاضل الفريد والملاذ الكامل المجيد، الإمام العلامة والهمام الفهامة، والجهبذ الفقيه والسميدع النبيه، علامة عصره وفريد مصره، كان والده من الأقباط فأسلم قبل بلوغه على يد الشيخ الحفني، فحلت عليه أنظاره وأشرقت عليه أنواره، فحضنه الشيخ ورباه وزاد في وداده، وأنزله بمنزله مع خاصته وأولاده، ولما ترعرع اشتغل بطلب العلم وكان جيد الهمة حسن الفهم، فلازم دروس الشيخ وأخيه الشيخ وغيرهما من السادة الأعلام

الترجمة

الشيخ محمد المهدي الحفني الأزهري
الأستاذ الفاضل الفريد والملاذ الكامل المجيد، الإمام العلامة والهمام الفهامة، والجهبذ الفقيه والسميدع النبيه، علامة عصره وفريد مصره، كان والده من الأقباط فأسلم قبل بلوغه على يد الشيخ الحفني، فحلت عليه أنظاره وأشرقت عليه أنواره، فحضنه الشيخ ورباه وزاد في وداده، وأنزله بمنزله مع خاصته وأولاده، ولما ترعرع اشتغل بطلب العلم وكان جيد الهمة حسن الفهم، فلازم دروس الشيخ وأخيه الشيخ وغيرهما من السادة الأعلام، كالشيخ العدوي والشيخ عطية الأجهوري والشيخ الدردير والبيلي والجمل والخرشي والشيخ عبد الرحمن المقري والشرقاوي وأمثالهم من القادة الفخام، واجتهد في التحصيل وجد في منهج التوصيل، ولازم مجالس الذكر بعد وفاة الشيخ الحفني خليفة الدردير المكين، وتصدر للتدريس سنة ألف ومائة وتسعين، ولما مات الشيخ محمد الهلباوي سنة اثنتين وتسعين جلس مكانه في الأزهر، وقرأ شرح الألفية لابن عقيل وغيره من العلم الأنور، ونما أمره واشتهر ذكره، وبعد صيته في الآفاق وطار قدره وفاق، ولم يزل أمره ينمو واسمه يسمو، مع حسن السمت ووجاهة الطلعة، وجمال الهيئة وبشاشة الوجه وطلاقة اللسان وسرعة الجواب، واستحضار الصواب في ترداد الخطاب، ومسايرة الأصحاب، وصاهر الشيخ محمد الحريري على ابنته، وأقبلت عليه الدنيا وتداخل في الأكابر ونال منهم حظاً وافراً بحسن معاشرته، وعذوبة ألفاظه وتنميق كلماته، ومعاملة كل إنسان بما يليق به.
ولما وقع الطاعون في مصر سنة خمس ومائتين وألف خصه إسماعيل بك كتخدا حسن باشا الجزائرلي بما أحبه مما انحل عن الموتى من إقطاعات ورزق وغيرهما، فزادت ثروته وتمن شهرته، ولما حضرت الفرنساوية إلى مصر واستولت عليها خافتهم الناس وهرب كثير من العلماء والأعيان، فكان للمترجم عندهم قدر عظيم وجاه جسيم، فلا تهان جماعته ولا ترد شفاعته، ولا زالت تعلو شهرته في مصر حتى صار يلقب عند الأجانب وعند الأهالي بكاتم السر، وجعلوه رئيس الديوان، إذا حكم قابله الجميع بالرضى والأذعان، وكان يخدمه كبراء الناس وعظماؤهم، ويلتجئ إليه أعيانهم وعلماؤهم، وكان يؤمن من أراد ويرده إلى الوطن والبلاد، فلا يعارضه أحد ولا يصل إلى من احتمى به هم ولا نكد، فحسن صنعه وعم نفعه.
ولما انتقل الحكم إلى العثمانيين، بقي على حاله وقدره المكين، ولما كان آخر المحرم سنة ثلاثين ومائتين وألف توعك المترجم أياماً، ثم عوفي وذهب إلى الحمام وهنأه الناس بالعافية، وذهب إلى جيرانه يتحدث عندهم كعادته، فخرج ليلة الجمعة الثاني من شهر صفر ودخل عند عثمان بن سلامة السناري، فتحدث عندهم حصة من الليل، ثم قام ذاهباً إلى داره ماشياً على أقدامه حتى وصل إلى داره ومضى نحو ساعة، وقد جامع زوجته واضطجع فحركوه فإذا هو ميت فجهزوه وصلي عليه في الأزهر ودفن عند الشيخ الحفني بجانب قبره، فسبحان الحي الذي لا يموت، وكان عمره نحواً من خمس وسبعين سنة.
وحاصل أمر المرحوم المترجم أنه كان من فحول العلماء يدرس الكتب الصعاب في المعقول والمنقول، بالتحقيق والتدقيق، وانتفع عليه الكثير من الطلبة إلى أن صاروا مدرسين مميزين على أقرانهم من أهل العصر، ولو أنه استمر على طريقة أهل العلم السابقين وبعض اللاحقين، ولم يشتغل بالانهماك على الدنيا وكثرة المداخلة مع الأكابر وذوي الحكومة، لكان نادرة عصره ونقطة مدار مصره، ولكن ذلك أداه إلى قطع الاشتغال، حتى أنه إذا ابتدأ كتاباً كان في الغالب لا يتمه، ولا ألف كتاباً ولا رسالة في فن من الفنون مع كمال أهليته لذلك. ثبت الله قلوبنا على التقوى وحفظنا من كل تقصير في السر والنجوى، وعصمنا والمسلمين مما يضر ويشين.

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.