فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر الأنصاري أبي سعيد

تاريخ الولادة646 هـ
تاريخ الوفاة720 هـ
العمر74 سنة
أماكن الإقامة
  • مالقة - الأندلس

نبذة

فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر الرئيس الجليل، أبو سعيد، وكان حقّه أن يفرد له باب في الأمراء، لكنه الأبواب المتعددة الأسماء، نؤثر فيها الجمع والاختصار كما شرطنا.

الترجمة

فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر
الرئيس الجليل، أبو سعيد، وكان حقّه أن يفرد له باب في الأمراء، لكنه الأبواب المتعددة الأسماء، نؤثر فيها الجمع والاختصار كما شرطنا.
أوليته: معروفة؛ وكان والده، رحمه الله، صنو أمير المسلمين الغالب بالله أبي عبد الله، وآثره بمدينة مالقة وما يرجع إليها، عند تصير الملك إليه أو بعده. وكان دونه في السّنّ، فاستمرّت أيامه بها إلى أن توفي، رحمه الله، وتصيّر أمره إلى الرئيس أبي محمد بن إشقيلولة، وتخللت ذلك الفتن، حسبما وقع الإلماع به، وتصيّر أمرها إلى ملوك المغرب. ثم لما انجلت الحال عن عودتها إلى الملك النّصري، ولّى عليها الرئيس أبا سعيد، ومكّنه من ميراث سلفه بها، وهو كما استجمع شبابه، وعقد له على ابنته الحرة لباب الملك، فقام بأمرها خير قيام، وثبت لزلزال الفتنة، حسبما هو مذكور في موضعه.
حاله: كان هذا الرئيس نسيج وحده في الحزم والجزالة وفخامة الأحوال، مما يرجع إلى الفتية. ناغى السلطان ابن عمّه في اقتناء العقار، وتخليد الآثار، فيما يرجع إلى الفلاحة والاعتمار والازدياد والاستكثار، وأربى عليه بإنشاء المراكب الكبار، فعظمت غلّاته، وضاقت المسارح عن سائمته، وغصّت الأهراء بحبوبه، وسالم الخرج دخل ماله، فبذّ الملوك جدة ويسارا، تقتحم العين منه ظاهرا ساذجا، غفلا من الزينة والتصنّع، في طيّه ظرف وذكاء وحنكة وحلاوة، جهوريا، مرسل عنان النّادرة، باذلا النصفة، مهيب السّطا، خصيب المائدة، شهير الجلالة، بعيد الصيت. ولّي مالقة عام سبعة وسبعين وستمائة، فعانى بها الشّدة واللّيان، حتى رسخت بها قدمه، وطالت لأهلها صحبته، وعظم بها قراره وعساكره، وأينعت غرسانه، ونمت متاجره، وتبنّكت النّعيم حاشيته، وأضيفت إليه الجزيرة الخضراء، فاتسعت العمالة، وانفسحت الخطّة، إلى أن كان من تغلّبه على مدينة سبتة، واستيلائه عليها، مما وقع الإلماع به في موضعه من هذا الكتاب، في شهر شوال عام خمسة وسبعمائة، فساس رعيتها، وتملّك جبالها، وشنّ الغارة على ما وراءها، وتملّك القصر المضاف لها، ولم يزل نظره عليها، إلى أواخر ذي قعدة من عام ثمانية وسبعمائة، فصرف عنها، وجهل قدره، وأوغر صدره، وأوعز للولاة بالتضييق على حاشيته، فدعا بمالقة إلى نفسه في شهر شعبان من عام أحد عشر وسبعمائة، وقدّم لطلب الملك ولده إسماعيل، وسمّاه السلطان، ورتّب له الألقاب، ودوّن الدواوين، فنزع إليه الجند، وانضافت إلى عمالته الحصون. ثم وقعت المهادنة، وأعقبتها المفاتنة، وكان من أمره ما وقع التّنبيه على عيون منه في ذكر ولده.
نكبته: ولمّا استأصلت القطيعة محتجنه الراكد في مغابن الخزائن من لدن عام سبعة وسبعين وستمائة، واستنفدت عتاده المطاولة، نظر لنفسه فوجّه كاتبه الوزير أبا عبد الله بن عيسى، وعاقده على الخروج له عن مالقة، متعوّضا عنها بمدينة سلا من عمل ملك المغرب، وتمّ ذلك في شهر رمضان من عام ثلاثة عشر وسبعمائة، وذاع خبره، وضاقت بأولياء انتزائه السّبل، إذ تحققوا بإخفاق المسعى، وسقوط العشيّ بهم على سرحان من سلطانهم الراغبين عنه، فداخلوا ولده المقدّم الأمر، أبا الوليد، واتفق أمرهم على خلعه، ومعاجلة الأمر قبل تمامه، في ... من شهر رمضان، ركب الرئيس، رحمه الله، في نفر من مماليكه المروقة إلى بعض بساتينه، فلمّا قضى وطره، وهمّ بالخروج عنه، اعترضه القوم عند بابه، فالتفّوا به، وأشعروه غرضهم فيه، وجاءوا به إلى بعض القصور بظاهر البلد، فجعلوه به تحت رقبة، وقد بادر ولده القصبة، فاستولى عليها من غير ممانعة؛ لعدم استرابة ثقاته به، إلّا ما كان من خائن يتولّى القيام ببعض أبوابها همّ بسدّه، فطاح لحينه، وتمّ لولده الاستبداد بالأمر، واستولى على النّصب والذخيرة وباقي المال، ونقل الرئيس إلى معقل قرطبة، فلمّا خلص الأمر لولده، انتقل إلى معقل شلوبانية، فلم يزل به لا يبرح عن باب قصره، مرفّها عليه إلى أن قضى نحبه.
وفاته: في الرابع عشر لشهر ربيع الأول من عام عشرين وسبعمائة، توفي، رحمه الله، بشلوبانية، وجيء بجنازته محمولا على رؤوس صدور الدولة ووجوه رجالها، متناغين في لباس شعار الحزن بما لم يتقدّم به عهد، ودفن بمقبرة السّبيكة، وولده أمير المسلمين واقف بإزاء لحده، مظهر الاكتراث لفقده، وعلى قبره الآن مكتوب نقشا في الرخام البديع ما نصّه:
«هذا قبر علم الأعلام، وعماد دين الإسلام، جواد الأجواد، أسد الآساد، حامي الثغور وممهّد البلاد، المجاهد في ذات الله حقّ الجهاد، شمس الملك وبدره، وعين الزمان وصدره، الكريم الأخلاق، الطاهر الذات والأعراق، الذي سار ذكره في الآفاق، وخلّد من فضائله ما تتحلّى به ظهور المنابر وبطون الأوراق، كبير الإمامة النّصرية، وعظيم الدولة الغالبية، فرع الملك وأصله، ومن وسع الأنام عدله وفضله، مخلّد الفخر الباقي على الأعصار، والعمل الصالح الذي ينال به الحسنى وعقبى الدار، بسلالته الطاهرة الكريمة المآثر والآثار، الإمام الرضي ناصر دين المختار، المنتخب من آل نصر ونعم النسب الكريم في الأنصار، الهمام، الأكبر، الأشهر، المقدم، المرحوم، الأطهر، أبو سعيد بن الإمام الأعلى، ناصر دين الإيمان، وقاهر عبدة الصلبان، صنو الإمام الغالب بالله، ومجهز الجيوش في سبيل الله، سهام العدا، وغمام النّدى، وضرغام الحروب، ذي البأس المرهوب، والجود المسكوب، بطل الأبطال، ومناخ الآمال، المجاهد، الظاهر، المقدّس، المرحوم، أبي الوليد بن نصر، قدّس الله مضجعه، ورقاه إلى الرفيق الأعلى ورفعه. كان، رضي الله عنه، وحيد عصره، وفريد دهره، علت في سماء المعالي رتبه، وكرم من أمير المسلمين صهره ونسبه، فلا يزاحم مكانه، ولا يدانى منصبه، نفذت أحكامه في الشرق والغرب، ومضت أوامره في العجم والعرب، إلى أن استأثر الله به، فكانت وفاته ليلة الخميس الرابع عشر لشهر ربيع الأول من عام عشرين وسبعمائة، وكان مولده يوم الجمعة الثامن لشهر رمضان المعظم من عام ستة وأربعين وستمائة، فسبحان الله الملك الحق، الباقي بعد فناء الخلق: [الطويل]
سلام على قبر المكارم والمجد ... مقام الرضى والفوز والبشر والسّعد
مثابة إحسان ومعهد رحمة ... ومستودع العلياء والسّرّ والعدّ
فيا أيها القبر الذي هو روضة ... تفوح شذى أذكى من المسك والنّدّ
لك الفضل إذ حملت أرضى أمانة ... تؤدّى بإكرام إلى جنة الخلد
ففيك من الأنصار من آل نصرهم ... همام كريم الذات والأب والجدّ
وقسم أمير المسلمين ابن عمّه ... ونخبة بيت الملك واسطة العقد
وحامي ذمار الدين ناصره أبو ... سعيد عماد الملك في الحلّ والعقد
ليبكي أمير العدوتين بواجب ... من الحق أبناء الوغى وبنو الرّفد
وتبكي بلاد كان مالك أمرها ... أفاض بها النّعماء سابغة الورد
أقام بها العدل والفضل سنّة ... بإنصاف مستعد وإسعاف مستجد
وتبكي أسى ملء العيون لفقده ... وبالحق لو فاضت نفوس من الوجد
فيا أيها المولى الذي لمصابه ... بدا الحزن حتى في المطهّمة الجرد
لك الله ما أعلى مكارمك التي ... تسير بها الركبان في الغور والنّجد
وحسبك أن أورثت خير خليفة ... وأبديت منه للورى علم الرّشد
إمام هدى أعماله لهي رحمة ... تنال بها الزّلفى من الصّمد الفرد
عليك من الرحمن أزكى تحية ... توفّيك من إحسانه غاية القصد
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.