محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي أبي بكر

تاريخ الولادةغير معروف
تاريخ الوفاة645 هـ
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةسبتة - الأندلس
أماكن الإقامة
  • المرية - الأندلس
  • سبتة - الأندلس
  • غرناطة - الأندلس

نبذة

محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي: يكنى أبا بكر، من أهل شلب من العليا. كان رجلا عالما راسخا، عظيم النزاهة، حافظا للمروءة، شهير الذكر، خطيبا مصقعا، مهيبا كشهرته، قديم الرياسة، يعضّد حديثه قديمه. واستقرّ بألمرية، لمّا تغلّب العدو على بلد سلفه.

الترجمة

محمد بن مفضل بن مهيب اللخمي
يكنى أبا بكر، من أهل شلب من العليا.

حاله: قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير: كان منقبضا عن الناس، أديبا، شاعرا، خمّس عشرينيات الفازازي، رحمه الله تعالى. وذكره صاحب الذيل، وقال لي شيخنا أبو البركات، وهو جدّه، أبو أبيه، ما معناه: كان شريفا، عالي الهمة، عظيم الوقار، ألوفا، صموتا، نحيف الجسم، آدم اللون، خفيف العارض، مقطّب الوجه، دائم العبوس، شامخ الأنف، إلّا أنه كان رجلا عالما راسخا، عظيم النزاهة، حافظا للمروءة، شهير الذكر، خطيبا مصقعا، مهيبا كشهرته، قديم الرياسة، يعضّد حديثه قديمه. واستقرّ بألمرية، لمّا تغلّب العدو على بلد سلفه.
ولمّا توفي شيخ المشايخ؛ أبو إسحاق بن الحجاج، تنافس الناس من البلدين، وغيرهم، في خطبة بنته. قال شيخنا أبو البركات: ومن خطّه نقلت، وكان ابن مهيب واحدا منهم في الإلحاح بالخطبة، متقدما في حلبتهم، بجيوش الأشعار.
ورام غلبته ذوو اليسار، من حيث كان بحمراء جيش الإعسار، فأذلّهم بالمقابلة في عقر الدار، فلم يراجعوا من الغنيمة إلّا بالفرار. قلت: وجلب في هذا المعنى شعرا كثيرا، ناسب الغرض. ونال من المتغلب على ألمريّة، على عهده، حظوة، فاستظهر به تارة على معقل مرشانة، وتارة على الرسالة إلى الحضرة الحفصية بتونس. ولما آب من سفره إليها، سعى به لديه بما أوجب أن يحجر عليه التّصرف، وسجنه بمنزله. فلمّا قصد ألمرية الغالب بالله، مستخلصا إياها من يد الرئيس أبي عبد الله بن الرّميمي، ونزل بمدينتها، وحاصر قصبتها، وقع اختيار الحاصر والمحصور على تعيين ابن مهيب، بمحاولة الأمر، وعقد الصلح، رضى بدينه وأمانته، فعقد الصلح بينهما على أن يسلم ابن الرميمي القصبة، ويعان على ركوب البحر بماله وأهله وولده، فتأتّى ذلك واكتسب عند الغالب بالله، ما شاء من عزّة وتجلة.
وقفني شيخنا أبو البركات على ظهير سلطاني، صدر عن الأمير الغالب بالله، يدل على جلالة قدره، نصّه:
هذا ظهير كريم، أظهر العناية الحافلة لمستوحيها ومستحقّها، وأجراه من الرعاية الكاملة على الحبّ طرقها. أمر بإحكام أحكامه، والتزام العمل بفصوله وأقسامه، الأمير أبو عبد الله محمد بن يوسف بن نصر نصر الله أعلامه، وأدام لإقامة قسط العدل أيامه، لوليّه العليّ المكانة، وصفيّه المليء بأثرتي المعرفة والدّيانة، الحريّ بما اختصّه، أيّده الله، من الحفظ لمرتبته السامية والصّيانة. للشيخ الفقيه، الجليل، العالم، الأوحد، العلم، الأتقى، الأزهر، الفاضل، الخطيب الأرفع، المحدّث الثقة، الرّاوية، الصالح، السّني، الحافظ، الحافل، الماجد، السّري، الطاهر، المكرّم، المبرور، الكامل، أبي بكر ابن الشيخ الوزير الأجلّ، الفقيه، الحسيب، الأصيل، الأمجد، المكرم، المبرور، الأفضل، المرحوم، أبي عمرو بن مهيب، أدام الله عزّة جانبه، ووصل بالعلم والعمل ارتقاء مراتبه، أقام به الشّواهد على اعتقاده، أنه أخلص أوليائه ودّا، وأفضلهم قصدا، وأكرمهم عهدا، حين ظهرت له، أيّده الله، آثار آرائه الأصيلة، وبانت في الصلاح والإصلاح ميامن مناقبه الجميلة، ووجب له من العناية والمزيّات أتمّ ما توجبه معارفه، وتقتضيه مجادته، وزهادته، التي لا يفنّد في وصفها واصف. وأعلن بأنه دام عزّه، أحقّ من حفظت عليه مرتبة صدور العلماء الراسخين في العلم، وأبقيت مزيّة ما تميز به التّقى والورع الكافي والحلم، وبرع بصلة العناية بجانبه، لما أهّلته إليه معرفته من نفع المتعلمين، وإرشاد من يسترشده في مسائل الدين من المسلمين، وأفصح بأنه أولى مخصوص بالتجلّة والتوقير، وأجدر منصوص على أن قدره لديه معتمد بالتكريم والتكبير. وأمر، أعلى الله أمره، أن يستمرّ له ولزوجه الحرّة الأصيلة الزكية، التقية الصالحة، المصونة المكرمة المبرورة، عائشة بنت الشيخ الفقيه الجليل العالم الصالح السّني، الزاهد الفاضل، المرحوم المقدس، الأرضى، أبي إسحاق ابن الحاج؛ ما اطّردت به العادة لهما قديما وحديثا، وتضمنه الظهيران الكريمان، المؤرخ أحدهما بالعشر الأواخر لشوال عام خمسة وثلاثين وستمائة، من صرف النظر في أعشارهما وزكواتهما إليهما، ليضعا ذلك في أحقّ الوجوه، ويؤدّيا فيه حقّ لله تعالى، ما مثلهما علما ودينا من يؤدّيه، موكولا ذلك لله، إلى ما لديهما، من نشر الأمانة، مصروفا إلى نظرهما الجاري مع العلم والديانة، وتجديد أحكام ما بأيديهما من الظّهائر والأوامر القديمة والحديثة، المتضمنة تسويغ الأملاك، على اختلافها، وتباين أجناسها وأوصافها، لهما ولأعقاب أعقابهما، على التأبيد والتّخليد، والمحاشاة من اللّوازم، والمعاوز والمغارم، وأن يطّرد لشركائهما، وعمرة أملاكهما، ووكلائهما، وحواشيهما، ومن اتصل بهما، جميل العناية، وحفيل الرعاية، وموصول الحماية، الاستمرار الذي يطّرد العمل به مدى الأيام، وتتوالى التّمشية له من غير انصرام على الدوام، موفى بذلك، ما يحقّ لجانب الفقيه العالم، الأوحد الأسنى، أبي بكر، أدام الله عزته، من حظوظ الإجلال، منتهى فيه إلى أبعد آماد العنايات الشريفة، الفسيحة المجال، مقضى على حقّ ما انفرد به من العلم، واتصف به من الديانة، اللذين أضفيا عليه ملابس البهاء والجلال. فمن وقف على هذا الظهير الكريم من الولاة والعمّال، وسائر ولاة الأشغال، وليتلقّه بغاية الائتمار والامتثال، إن شاء الله. وكتب في الثاني عشر من ذي الحجة عام ثلاثة وأربعين وستمائة.
مشيخته: أخذ عن أبي العباس أحمد بن منذر الإشبيلي، تلا عليه بإشبيلية، وعلى عباس بن عطية أبي عمرو. وروى عن أبي محمد عبد الكبير الإشبيلي، وصحب أبا الحسن بن زرقون، وتفقّه عليه. وانتقل إلى ألمرية، فصحب أبا إسحاق البليفيقي وأخذ عنه، وتزوج ابنته. وأجاز له أبو عبد الله بن هشام الشّواش وغيره. ثم انتقل آخر عمره إلى سبتة.
شعره: نقلت من خطّ شيخنا أبي البركات قوله في غرض الوصية: [الطويل]
أليل النّوى، هل من سبيل إلى فجر؟ ... ويا قلب، كم تأسى ويا دمع، كم تجري
أبى القلب إلّا أن يهيم بحبّكم ... وأن تبرحوا إلّا القليل عن الفكر
رحّلت عنكم لا بقلبي وإنما ... تركت لديكم حين ودّعتكم سرّي
أعود بدهر الوصل من حين هجركم ... وربّ وصال مستعاد من الهجر
لتلعاب نفسي لست أنفق قربكم ... لزهدي فيكم بل حرصت على البرّ
تقطّع أكباد عليكم صبابة ... فاصبر فإنّ الخير أجمع في الصبر
وبالقلب من لا يصلح الصبر عنهم ... وإن كان خيرا فهو عنهم من الشّرّ
فلولاهم ما كنت أحسب ساعة ... فقدتكم فيها عيانا من العمر
ألا يا أخي فاسمع وصاتي فإنها ... أتتك ، لعمري، من أخ سالم الصّدر
يحبّك في ذات الإله ويبتغي ... بحبّك عند الله مدّخر الأجر
ألا إنما التوفيق كنت من أهله ... مراعاة حقّ الله في السّرّ والجهر
بتوحيده في ذاته وصفاته ... وأفعاله أيضا وفي النّدّ والأمر
فثابر على القرار والأثر الذي ... يصحّ عن المختار والسّادة الغرّ
وعدّ لك الخيرات عما سواها ... وكن بها مستمسكا أبد الدهر
إذا يسلك الشيطان فجّا سوى الذي ... سلكت ولا يلفي سبيلا إلى مكر

وفرّق من الأجناس حاشا تقيّهم ... فقد ظهر الإفساد في البرّ والبحر
ولا تنسني واذكر أخاك بدعوة ... فإنك منه يا أخي لعلى ذكر
قال شيخنا أبو البركات: ومن شعره، ومن خطّه نقلت: [الكامل]
للصالحين إلى الصلاح طريق ... رحبت بهم وغدت عليك تضيق
صرفوا النفوس من الهوى عن صوبها ... فغدت إلى طلب النّجاة تتوق
منها بعد أبيات:
يا قرّة العين استمع من ناصح ... في صدره قلب عليك شفيق
أنت الشّقيق ولادة ولذلك لي ... روح لروحك في الخلوص شقيق
لا تخدعنّك ترّهات أحدثت ... وخزعبلات للجهول تروق
واعكف على القرآن دهرك واجتمع ... فالشّغل عنك لغيره تفريق
إنّ الحديث وفقهه وعلومه ... هذا الذي للمؤمنين يليق
واهجر بني الدنيا فإنّ بهجرهم ... يتضاعف الإيمان والتصديق
والحق بقوم قد عنوا بتجارة ... نفقت لهم يوم القيامة سوق
واحفظ لسانك عن أذيّة مسلم ... فسبابه قال الرسول فسوق
لا تبك همّ الرزق فهو مقدّر ... والعبد طول حياته مرزوق
ولترض بالرحمن ربّا حاكما ... ودع الفضول فمنه ضلّ فريق
حلّوا عقال عقولهم وتحكّموا ... إنّ التحكم بالعقول مروق
ولقد أتتك نصيحتي ولشمسها ... في أفق حبّك يا حبيب شروق
فكن القريب مكانه من نفعها ... فمكان سدّتها إليك سحيق
واصطد بباري العزم أطيار الرضا ... فأخوك غاية بازه التّحليق
ولتجعل التسبيح شأنك إنه ... في الصّعب ممن شأنه التّصفيق
واقنع بعلم الوحي علما ثم لا ... يذهب بك التّشقيق والتوفيق
لا ترض فيه بالدنيّة ولتمت ... عطشا إذا لم تسق منه رحيق
ما كلّ علم يهتدى بحصوله ... منه الرّكيك نعم ومنه رقيق

كمدارك الأصوات منها طيّب ... تسلو النفوس به ومنه نهيق
وعليكم منّي تحيّة من له ... قلب إليكم أجمعين مشوق
وقال: ألفيت بخطه ما نصّه: وكان بعض السفهاء قد كتب إليّ بيتين من شعر وهما: [الطويل]
إليك، أبا بكر، رفعت وسيلتي ... ومثلك من تلقى إليه الوسائل
غرقت ببحر الذّل يوما وليس لي ... بأرضكم إلّا اهتمامك ساحل
وأساء المحاولة في دفعها، فصرفته، ولم أقف عليهما، فضرب عليهما، وكتب في ظهرهما: [الطويل]
حللت، أبا بكر، بموطن عزة ... فأنسيت ما قد كنت فيه من الذّلّ
وأصلك من كبر وكن متكبّرا ... وكيف يطيب الفرع من ذلك الأصل؟
وكتبت إليه صحبة دراهم وجّهت بها إليه: [الطويل]
جفوت وما زال الجفاء سجيّة ... لمثلك ما إن زال تبلى بها مثلي
وما قلت في أصلي فكذبة فاجر ... رأى الفرع محمودا فعاب على الأصل
وبالإفك ما عثرت لا بحقيقة ... فما الكبر من شأني ولا كنت في ذلّ
وما زلت، والله، الحميد مكرّما ... وفي نائبات الدهر للعقد والحلّ
ولو كنت من يتّقي الله لم تكن ... تمرّ متى تسخط وعند الرّضا تحلي
أما قلت أني ساحل لك عندما ... غرقت ببحر الذّلّ في زمن المحل؟
وكيف نسخت المدح بالذّمّ قبل أن ... تبثّ لي الشكوى وتدلي بما تدلي
ولكنّ لؤم الطّبع يحمل أهله ... على الصّعب من سبّ الكرام أو النّيل
إذا كان بعض الكبر نقصا فإنه ... عليك من الأوغاد يحسب في الفصل
وما الذّلّ إلّا ما أتى بك نحونا ... فقيرا من التّقوى سليبا من العقل
ومطلوبك الدّنيا فخذها خسيسة ... توافي خسيس النّفس والقول والفعل

وما الجود إلّا ما أصبت مكانه ... ومهما فقدت الأصل لا عار في البخل
ومثلك من يجفي ويقلب خاسئا ... فلست لإسداء الصّنيعة بالأهل
ولكنني عوّدت نفسي عادة ... من البذل لم أعدل بها قطّ عن نذل
فخذها، لحاك الله، غير مبارك ... لسعيك فيها يا ابن خانية النّعل
ومثلي من يؤذى فيحتمل الأذى ... ولكنه قد يدرأ الجهل بالجهل
وقد قال من لا شكّ في قوله من حك ... مة إنما القتل أذهب للقتل
فإن زدتنا زدنا وإن كنت نادما ... قبلناك أخذا في أمورك بالعدل
ففي كل شيء لست عنك مقصّرا ... بما شئت من قطع وما شئت من وصل
قال الشيخ: قول الهاجي: وأصلك من كبر، معناه التعريض يكون سلف أبي بكر بن مهيب، علوا في أنفسهم وتكبروا، فثاروا بسبب ذلك بطبيرة وجهاتها، ثار منهم عبد الرحمن جدّ أبي بكر، ثم حسن، ثم عامر أخوه، وإلى هذا أشار أبو بكر بن مهيب بقوله في بعض شعره: [الكامل]
إن لم أكن ملكا فكنت رئيسا
وأنشد في الصلة الزبيرية ، قوله رحمه الله: [الكامل]
أملي من الدنيا المباحة كسرة ... أبقي بها رمقي ودار نابيه
قد أضرب الزمان عن سكانها ... فكأنها في القفر دار خاليه
ومن شعره في المقطوعات: [الطويل]
ترحّل صبري والولوع مقيم ... وصحّ اشتياقي والسّلوّ سقيم
فياليت شعري هل أفوز بعطف من ... زيّنت خدّي وردا عليه أقوم ؟
ويا جنّة قد حيل بيني وبينها ... بقلبي من شوقي إليك جحيم
دخوله غرناطة: قال الشيخ: دخل غرناطة مرتين، أخبرني بذلك الشيخ القاضي أبو الحسن بن عبيدة، وهو بصير بأخباره، إذ هو من أصحاب سلفه، وممن رافق جدّه في الكتب عن بعض الأمراء مدة، وفي الخطابة بألمريّة أخرى.

وفاته: توفي بسبتة أول ليلة من جمادى الآخرة عام خمسة وأربعين وستمائة.
الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب.