بدر الدين أبي النور عثمان بن سند النجدي الوائلي

تاريخ الوفاة1250 هـ
أماكن الإقامة
  • نجد - الحجاز
  • البصرة - العراق
  • بغداد - العراق

نبذة

الشيخ بدر الدين أبي النور عثمان بن سند النجدي الوائلي ثم البصري المالكي هو السيد السند، والعلامة البطل الأوحد، خاتمة البلغاء، ونادرة النبغاء، من له في العلوم على اختلافها القدم الراسخ، ولا غرو فهو طود أعلامها الشامخ، كرع من نمير حياضها حتى ارتوى

الترجمة

الشيخ بدر الدين أبي النور عثمان بن سند النجدي الوائلي ثم البصري المالكي
هو السيد السند، والعلامة البطل الأوحد، خاتمة البلغاء، ونادرة النبغاء، من له في العلوم على اختلافها القدم الراسخ، ولا غرو فهو طود أعلامها الشامخ، كرع من نمير حياضها حتى ارتوى، وعرج إلى سماء المعالي وعلى عرش كمالها استوى:
مولى به كل الفضائل قد زهت ... وغدت تقاد إليه كالخدام
وفضله وعلو كماله لا يحتاج إلى تعريف، بل تنبىء ألسنة مؤلفاته الفائقة بحسن الترصيف والتوصيف. أخذ العلم ورواه عن مشايخ أجلاء، وجهابذة حكوا في السمو كواكب الجوزاء، منهم علامة العراق على الإطلاق، وفهامتها الموسوم بحسن الشمائل والأخلاق، الرحلة المرشد لكل فضيلة وهادي، الشيخ علي بن محمد السويدي البغدادي، ومنهم العلامة الأوحد، والجهبذ المفخم المفرد، المنلا محمد أسعد بن عبيد الله بن صبغة الله الحيدري الماوراني، مفتي الحنفية والشافعية، بدار السلام المحمية، ومنهم العلامة المفضال، زين أرباب المعارف والكمال، السيد زين العابدين جمل الليل المدني، فإنه لازمه حين ورد إلى بغداد والبصرة في دروس الحديث وغيرها، وأجازه بمروياته كلها، وحرر له إجازة لطيفة فيها بيت من نظمه وهو قوله:

أنا الدخيل إذا عدت أصول علا ... فكيف أذكر إسناداً لدى ابن سند
وأخذ الطريقة الخالدية، وألف في ترجمة حضرة مولانا الشيخ خالد النقشبندي قدس سره المعيد المبدي، الكتاب الشهير الذي أمسى في البلاغة والفصاحة عديم المثل والنظير، وهو أصفى الموارد، من سلسال أحوال مولانا خالد. وأخذ عن غيرهم من علماء الحجاز والعراق، وغيرهما من الآفاق، وفي عام ألف ومائتين وسبعة عشر ولي مدرسة المفاسية، في البصرة المحمية، فصار بها شيخ المدرسين، ومرجع أهل الفضل والتمكين. وقد كان رحمه الله تعالى آية باهرة في النثر الفائق البديع، الذي يخجل الحريري والبديع، والنظم الرائق المريع، الذي يزري بعقود الجمان، في نحور الحسان، ولا بدع فهو حسان الزمان السائد على الجميع. وبالجملة فقد خصه الله تعالى من تراث العلم بأوفى قسم، وضرب له من المعارف والمعالي بأوفر قسم. وقد ألف عدة مؤلفات مفيدة هي في جبهة الدهر غرر، وفي سمط الفصاحة والبلاغة درر، فمما اطلعت عليه منها: كتاب هداية الحيران، وهو نظم عوامل الجرجاني، قال في أثناء خطبته:
هذا وإن النحو لما جلا ... مقامه بين الورى محلا
جعلت من قبل اعتمام العمة ... أعمل فيه يعملات الهمة
أسوم ذود الفكر في شعابه ... وأورد الأنظار في عبابه
وإذ قضى الله الكريم أني ... أهصر من غصونه وأجني
نظمت ما ينمى إلى الجرجاني ... عواملاً منثورة الجمان
وهي منظومة على هذا النسق العجب، وموشحة بأمثلة غزلية تكتب بماء الذهب، ومنها جيد العروض في القوافي والعروض قال فيه:
وسميته جيد العروض لكي أرى به جيد من رام العروض مجملا ومنها كتاب الصارم القرضاب في نحر من سب أكارم الصحاب وهو ديوان جليل رد فيه على دعبل بن علي الخزاعي الرافضي في عدة قصائد بديعة، ختمها بقصيدة ميمية ضمنها أنواع البديع، مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، ومنها مطالع السعود، بطيب أخبار الوالي داود وهو تاريخ جمع كثيراً من أخبار العراق وتراجم رجاله ووزرائه، خصوصاً وقد اشتمل على تفصيل أحوال عالم الوزراء ووزير العلماء، الوزير الشهير داود باشا والي بغداد سابقاً طاب ثراه، وقد بيض المترجم هذا التاريخ الجميل، بأمر هذا الوزير الجليل، سنة ألف ومائتين وأربعين، لما استدعاه إلى بغداد، فأكرمه وأجله، ورفع مقامه ومحله، وأمره بما تقدم، ليكون ذكر عدله وعلمه مخلداً بين الأمم، وقد اختصره الفاضل الهمام الشيخ أمين المدني وطبع مختصره في مدينة بومباي، ولو طبع الأصل لكان أكثر فائدة، وأجدر عائدة، غير أنه أراد الاقتصار على ذكر الوقائع التاريخية فقط والله تعالى أعلم. وفي سنة ألف ومائتين وخمس وعشرين أرسل المترجم بخطه كتاباً إلى العلامة المرحوم الشيخ غنام النجدي الزبيري، نزيل دمشق الشام، المتوفى بها سنة ألف ومائتين وسبع وثلاثين، ذكر فيه بعض ما له من التآليف والآثار، فذكر أن له شرحاً على نظمه للعوامل، وعلى منظومته التي نظمها في العروض، وأنه نظم الشافية في التصريف، ونظم مغني اللبيب على ترتيب عجيب، ينوف على خمسة آلاف بيت، ووشحه بأمثلة هي من بنات فكره، ونظم الورقات لإمام الحرمين، وشرحه، ونظم النخبة في المصطلح، ونظم في الحساب كتاباً وشرحه، ونظم القواعد وهو مشتمل على غزل الغزل المقل، وله نظم في الاستعارات، ومنظومة في مدح إمام أهل السنة سيدنا الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه، وذكر أيضاً أن له تاريخاً على نحو سلافة العصر سماه الغرر في وجوه القرن الثالث عشر وطلب منه إرسال ما تيسر له ترجمته من أجلاء دمشق، وله غير ذلك كثير، لأنه عاش بعد تاريخ ذلك الكتاب الذي أرسله للشيخ غنام المرقوم ما ينوف على عشرين سنة. ومن كلامه برد الله مضجعه:
لولاك يا ظبية الوعساء لم أرق ... دمعاً ولم أكحل العينين بالأرق
ولم أسر أكحل الظلما بيعملة ... كالميل جال بمسود من الحدق
أرمى بها كل فج لو تجشمه ... مع الرياح لما هبت من الغرق
إلى أن قال:
حتى إذا سال ريق الفجر من فمه ... على البسيطة واحمرت لمى الشفق
أشرت للركب أن صلوا فقد جعلت ... أيدي ذكا تسلخ الظلما عن الأفق
وهي طويلة الغزل مشتملة على وصف الليل وأنجمه ووصف الركاب وأنواع جمة.
وقد ذكر المترجم وأثنى عليه جم غفير من الأفاضل، منهم العلامة الشهير السيد محمد أمين عابدين، حيث قال في كتابه سل الحسام الهندي ما نصه: ومن أراد الزيادة على ذلك من أوصاف هذا الإمام، فليرجع إلى الكتاب الذي ألفه فيه الهمام، خاتمة البلغاء، ونادرة النبغاء، الأوحد السند، الشيخ عثمان بن سند، الذي سماه أصفى الموارد في ترجمة حضرة سيدنا خالد فإنه كتاب لم يحك ببنان البيان على منواله، ولم تنظر عين إلى مثاله، مما اشتمل عليه من الفقرات العجيبة، والقصائد الرائقة الغريبة، عارض فيه المقامات الحريرية، والأشعار الحسانية والجريرية. وذكره أيضاً وأثنى عليه خاتمة المفسرين العلامة شهاب الدين محمود أفندي الألوسي، في الفيض الوارد والعلامة السيد إبراهيم فصيح الحيدري في المجد التالد وكان حضرة مولانا خالد يصفه بحريري الزمان، وناهيك بهذه الشهادة من مثل هذا العارف الجليل الشان، وقد ترجمه أيضاً حضرة الفاضل المفرد، والمؤرخ الأوحد، أحمد بن محمد بن علي بن إبراهيم الأنصاري اليمني الشرواني، في حديقته فقال: القول فيه أنه طرفة الراغب، وبغية المستفيد الطالب، وجامع سور البيان، ومفسر آياتها بألطف تبيان، أفضل من أعرب عن فنون لسان العرب، وهو إذا نثر أعجب، وإذا نظم أطرب، فوالعصر، إنه لإمام هذا العصر، أخبرني بديع الزمان، شيخنا الشيخ عبد الله بن عثمان، أن هذا الفاضل الأديب، أبدع في نظمه مغني اللبيب وأبرز أسرار البدائع بتصانيفه المشتملة على اللطائف والروائع، متع الله بحياته ذوي الكمال، وجمعني به على أجمل حال، فمن شعره هذه الأبيات، وقد وجدتها بخطه في ظهر كتاب تضمن حاشية الشيخ العلامة ياسين على مختصر المطول، قال أنجحت آماله: وقلت على لسان محبوب طلب وصاله:
أيها الصب الأديب ... لا ترى وصل الحبيب
فالثريا لا ترى ... قبل تغيب الرقيب
قد زارني والليل يحكي فرعه ... ظبي الشذا أنا في النحول كخصره
فجنيت من وجناته ما أشتهي ... ورشفت من صبب بحمرة ثغره
فسكرت حتى مست مثل قوامه ... طرباً ولم أشعر عواقب وزره
ويطربني قوله
قلت لما قال لي خشف الفلا ... صف عذاري وقوامي واعجلا
يا عديم المثل قد كلفتني ... غير ما أقدر حتى قلت لا

أي لا أقدر من الاكتفا ولا هي جوابه فاللام عذاره والألف قوامه. هذا ما وجدت من نظمه المباهي بأنواره البدور، والميسور لا يسقط بالمعسور. انتهى كلام الشرواني في ترجمة هذا الإمام.
والحاصل أن هذا الفرد الهمام قد اشتمل شعره على ما تستلذ به الأسماع، ونثره على ما تميل إليه الطباع، وتأليفاته على درر غالية الأثمان، وتصنيفاته على عقود لآليها مزرية بقلائد العقيان، قد انتخبها واختبأها لمن هو أهل، لا لمن غلب عليه دعوى العلم على جهل. فلا ريب أنه خزانة الفضائل، وتاج هامة الأفاخم الأفاضل، قد قضى له الفضل بأنه أحق به ممن سواه، واختاره فن البيان سنداً له فقدمه وأحسن مثواه. ولم يزل يترقى على درج العلم والعمل، ويحرر ما يخلد له الذكر الجميل بين الأمم، ويقبل على المتعلمين إقبال الوالد الشفوق بالولد البار، ويبث لهم ما ينفعهم في دنياهم وفي دار القرار، إلى أن دعاه الداعي إلى الديار الآخرة، والمنزلة الفائقة الفاخرة، فلبى الداعي من غير إمهال، معتمداً على فضل ذي العظمة والنوال. وذلك في سنة ألف ومائتين وخمسين من هجرة السيد الأمين.

حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.