السيد الشيخ الإمام أحمد بن إدريس المغربي الحسني نسباً الإدريسي
من ذرية الإمام إدريس بن عبد الله، قال العلامة السيد حسن بن أحمد البهكلي في الديباج الخسرواني: هو شيخنا إمام المفسرين، ومقدام المحدثين، جعل الكتاب والسنة إماميه، وجعلهما الدليل الذي لا يعتمد في عبادته إلا عليه، فليس له مذهب يقلده، أو منهج يقويه ويشيده، سوى السنة والكتاب، فيعمل بهما بلا شك ولا ارتياب، وكان يكافح أهل التقليد، بالملام والإنكار الشديد، ويعلن لهم بأن قصر الحق على هذه المذاهب المعروفة من البدع، وأن الجزم بتعذر الحكم من دليله لا مستند له، وأنه من باب تضييق الواسع لأن فضل الله غير مقصور على شخص دون شخص، والفهم الذي هو شرط التكليف قد منحه الله تعالى كل أحد ولو كان مختصاً به أحد دون أحد أو زمان دون زمان، لما قامت الحجة على العباد بكتاب الله العزيز والسنة البيضاء، وهذا لا يرتضيه أحد، وهذا الصنيع من كفران النعمة، وقد تكلم في هذه المسألة جماعة من أهل العلم وأفردها الشيخ صالح الفلاني بمؤلف، وأجاد في الكلام على هذه المسألة الإمام الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في عواصمه، نعم انحرف عنه علماء مكة لهذا السبب ولله در القائل:
ألا قل لمن بات لي حاسداً ... أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب
ومع هذا فهم إذا أشكلت عليهم مسألة دسوا إليه من يسأله فيجليها لهم؛ وقد نشر الله تعالى له من الصيت وحسن الذكر ما ملأ الآفاق، وما ضره حسدهم ولا تمالؤهم على غمط فضائله والاتفاق، على أنه طاهر السريرة صافي القلب من داء الحسد، والحقد وكان عند ملوك مكة هو العين الناظرة، منزولاً عندهم في أرفع المنازل، ملحوظاً بعين الإجلال في جميع المحافل، وفي آخر مدته خرج من مكة إلى اليمن وكان وصوله إلى زبيد سنة ألف ومائتين وثلاث وأربعين، وتلقاه شيخنا الحافظ السيد عبد الرحمن بن سليمان الأهدل وجعل نفسه له مقام التلميذ وأجله غاية الإجلال، ثم ترجح له المسير نحو الشام وأنشد لسان حالهم قول بعض الأنام:
أيها السائر عنا عجلا ... إنما سرت فما عنك خلف
إنما أنت سحاب هاطل ... حيثما صرفه الله انصرف
ليت شعري أي قوم أجدبوا ... فأغيثوا بك من بعد التلف
وكانت ولادة المترجم سنة عشر ومائتين وألف.
وقد ذكر صاحب النفس اليماني لصاحب الترجمة، ترجمة حافلة قد ذكرت حاصلها وهو: شيخنا السيد العلامة الإمام ذو المعارف الربانية، والمواهب الرحمانية، صفي الإسلام أحمد المغربي الحسيني، وفد إلى مدينة زبيد سنة ألف ومائتين وأربع وأربعين ناشراً فيها ما منحه الله من علوم أسرار الكتاب والسنة، وكاشفاً عن إشارتهما الباهرة، ولطائفهما الزاهرة، بعبارته الجلية المشرق عليها نور الاذن الرباني، واللائح عليها أثر القبول الرحماني، كما قال ابن عطا: من أذن له في التعبير، فهمت في مسامع الخلق عبارته، وجليت إليهم إشارته، ولقد أملى من تلك الدقائق والحقائق ما استنارت به قلوب سليمة، وتداوت من جراحات غفلاتها أفئدة أليمة، وازدحم الخاص والعام على الاستفادة من تلك العلوم، والاقتباس من نور مشكاة تلك الفهوم.
جميع العلم في القرآن لكن ... تقاصر عنه أفهام الرجال
وتلقى كل أحد من تلك المعاني واللطائف على قدر الاستعداد، وعلى ما قدره الله من مسوق فيض الإمداد.
على قدرك الصهباء تعطيك نشوة ... ولست على قدر السلاف تصاب
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في شرح منازل السائرين: القوم يسمون أخبارهم عن المعارف والمطلوب إشارة، لأن المعروف والمطلوب أجل من أن يفصح عنه بعبارة تطابقه وشأنه فوق ذلك، فالكامل إشارته إلى الغاية، ولا يكون ذلك إلا لمن فني عن اسمه وهواه وحظه، وبقي بربه، وكل أحد فإشارته بحسب معرفته وهمته، ومعارف القوم وهمهم تؤخذ بإشاراتهم انتهى وهذا السيد الجليل طريقته السالك بها والداعي إليها الإقبال بالكلية على تدبر معاني كتاب الله، وإطالة التفكر في استجلاب أسرار معانيه، ولقد ذكر لي أنه مكث عدة سنين لا شغل له إلا تلاوة كتاب الله والتعرض لنفحات أسرار علومه، ولطائف رقائقه وفهومه، حتى منح الله بما منح وفتح بما فتح، وهذه الطريقة هي التي أشار إليها الإمام ابن القيم في شرح منازل السائرين حيث قال ما نصه: والطريقة المختصرة القريبة السهلة الموصلة إلى الرفيق الأعلى التي لا يلحق سالكها خوف ولا عطب، ولا فيها آفة من آفات سائر الطرق البتة، وعليه من الله حارس وحافظ يحرسه ويحفظه ويحميه، ويدفع عنه كل أذى، هي أن تنقل قلبك من وطن الدنيا إلى وطن الآخرة، ثم وأنت بهذا الموطن لا تجعل له التفاتاً إلا إلى معاني القرآن واستجلائها وتدبرها وفهم ما يراد به وما نزل لأجله، وأخذ نصيبك وحظك من كل آية من آياته وتنزيلها على أدواء قلبك، ولا يعرف قدر هذه الطريقة إلا من عرف طرق الناس وغوائلها وقطاعها والله المستعان انتهى كلامه قال ونزل السيد المذكور على العبد الحقير، وكان نزوله كنزول العافية على السقيم والشفاء للجرح الأليم، والحمد لله على ذلك، ونسأله التوفيق لدوام الشكر على ما هنالك. ثم بدا له التوجه إلى جهة بندر المخا ثم جهة موزع، فلما وصل إلى تلك الجهات ازدحم عليه الخاص والعام وانتفعوا به في أمر دينهم انتفاعاً عظيماً، لأن السيد هديه في عباداته وعاداته الهدي النبوي لاسيما الصلاة فإنه نفع الله به يقيمها ويحسنها على الوجه التام، الذي وردت به الأحاديث الصحاح والحسان، عن معلم الشريعة صلى الله عليه وسلم، لا يلتزم في إقامتها ولا إقامة غيرها مذهباً من المذاهب، بل مذهبه ما صح به الحديث كما هي طريقة خلائق من العلماء الأعلام.
ومذهبي كل ما صح الحديث به ... ولا أبالي بلاح فيه أوزاري
وله كلام منظوم رائق عذب. ثم عاد بعد إقامته في تلك الجهات إلى زبيد، والعود كما يقال في المثل السائر أحمد، ولم تزل الأيام والليالي زاهرة رياضها بلطائف علومه، ورقائق فهومه، معمورة أوقاتها بعباداته، والأقلام تكتب من إملاء السيد من الفوائد العوائد، النوادر والشوارد، ما ملئت منه الدفاتر وفي هذه المدة وقعت إجازات منه لكل من طلب ذلك، بل إجاز أهل زبيد خصوصاً وأهل اليمن عموماً، كما وقع نظير ذلك للحافظ ابن حجر العسقلاني عند قدومه زبيد فإني رأيت بخط الفقيه الولي الكبير العلامة المحدث عبد النور بن عبد الواحد الهائلي ما نصه: رأيت بخط غير خط الإمام شهاب الدين بن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: أجزت لأهل زبيد خصوصاً ولأهل اليمن كافة عموماً أن يرووا عني هذه الكتب صحيح البخاري وصحيح مسلم والجمع بين الصحيحين للحميدي، وكتاب السنن لأبي داوود، وكتاب السنن للحافظ النسائي وهو المختار من السنن الكبرى، وكتاب الجامع للإمام أبي عيسى الترمذي وكتاب العلل له أيضاً، وكتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس الأصبحي، وكتاب التجريد للقاضي عبد الرحمن البارزي بأسانيدي التي ذكرتها إجازة معين لمعين، وكذلك ما يصح عندهم من مر ويأتي من الأجزاء الحديثية والكتب المسندة، وما لي من قول ونظم ونثر على اختلاف جميع ذلك وتباين أنواعه وأجنايسه، إجازة تامة بشرطه المعتبر عند أهل الأثر، قاله وكتبه أحمد ابن علي بن محمد العسقلاني الشهير بابن حجر انتهى قال: وهو باق إلى هذا العام سنة ألف ومائتين وثمان وأربعين يذكر الله ويذكر بآلائه، ويملي من علوم السنة والكتاب ما يفيد ذوي العقول والألباب انتهى أقول: وقد توفي المترجم المرقوم نفعنا الله ببركاته وأعاد علينا وعلى المسلمين من صالح دعواته سنة ألف ومائتين وثلاث وخمسين هجرية.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
السيد الإمام أحمدُ بن إدريس المغربيُّ، الحسنيُّ نسبًا، من ذرية الإمام إدريس بن عبد الله المحض.
قال العلامة السيد حسن بن أحمد البهلكي في "الديباج الخسرواني": هو شيخنا، إمام المفسرين، ومقدام المحدثين، جعل الكتابَ والسنةَ إماميه، وتقيد بهما حالاً وقالاً، ومشى على سنن السير المحمدية طريقة وفعالاً، له قوة فكر في أخذ الدليل من الكتاب والسنة استنباطًا وانتزاعًا، وهو لا مذهب له غير ما دل عليه الدليل من كتاب وسنة، وكان يكافح أولئك بتزييف هذه المذاهب، والعكوف على ما مضى عليه الناس من التقليد، ويعلن لهم بأن قصر الحق على هذه المذاهب المعروفة من البدع، وأن الجزم بتعذر الحكم من دليله لا مستند له، وأنه من تحجر الواسع؛ لأن فضل الله غير مقصور على شخص دون شخص، والفهم الذي هو شرط التكليف قد منحه الله تعالى كل أحد، ولو كان مختصًا به أحد دون أحد، أو زمان دون زمان، لما قامت الحجة على العباد بكتاب الله العزيز، والسنة البيضاء، وهذا لا يرتضيه أحد، وهذا الصنيع من كفران النعمة.
وقد تكلم في هذه المسألة جماعة من أهل العلم، وأفردها الشيخ صالح الفلاني (هو الشيخ صالح بن محمد بن نوح بن عبد الله بن عمر بن موسى العمري، الشهير بالفلاني، المتوفى سنة (1218 هـ 1803 م)، وتأليفه المسمى: "إيقاظ همم أولي الأبصار للاقتداء بسيد المهاجرين والأنصار، وتحذيرهم عن الابتداع الشائع في القرى والأمصار من تقليد المذاهب مع الحمية والعصبية بين فقهاء الأعصار". طبع هذا الكتاب طبعة حجرية، ثم طبع في مصر سنة 1354 هـ.) بمؤلف، وأجاد في الكلام على هذه المسألة الإمام الحافظُ محمد بن إبراهيم الوزير في "عواصمه"، نعم! انحرفَ عنه علماء مكة لهذا السبب، ولله در القائل:
ألا قلْ لمنْ باتَ لي حاسدًا ... أَتَدري على مَنْ أسأتَ الأَدَبْ
أسأتَ على الله في فعلِه ... لأنك لم ترضَ لي ما وَهَبْ
ومع هذا، فهم إذا أشكلت عليهم مسألة، دَسُّوا إليه من يسأله، فيجلِّيها لهم، وقد نشر الله تعالى له من الصيت وحسن الذكر ما ملأ الآفاق، وما ضرُّه حسدُهم ولا تمالؤهم على غمط فضائله، والاتفاق على أنه طاهر السريرة، صافي القلب من داء الحسد والحقد، وكان عند ملوك مكة هو العين الناظرة منزولاً عندهم في أرفع المنازل، ملحوظًا بعين الإجلال في جميع المحافل، وفي آخر مدته خرج من مكة إلى اليمن، وكان وصوله إلى زَبيد سنة 1243، وتلقاه شيخنا الحافظ السيد عبدُ الرحمن بن سليمان الأهدل، وجعل نفسَه له مقام التلميذ، وأجَّله غاية الإجلال، ثم ترجح له المسير نحو الشام، وأنشد لسانُ حالهم قولَ بعض الأنام:
أَيُّها السائرُ عَنَّا عَجِلاً ... إنَّما سِرْتَ فما عنكَ خَلَفْ
إنما أنتَ سحابٌ هاطِلٌ ... حيثما صَرَّفَهُ اللهُ انصرَفْ
ليتَ شعري أَيّ قومٍ أجدَبوا ... فأُغيثوا بكَ من بعدِ التَّلَفْ
قلت: مات صاحب الترجمة - رح - سنة 1253، وهو عام وفاة والد محرر هذه السطور أيضًا، وقد كان - رحمه الله - على علم تام بحال المترجَم له، وأقواله وفعاله في اتباع الدليل، وطرح التقليد، وإيثار الحق على الخلق، واختيار التقوى على الفتوى، وكانت ولادته الشريفة سنة 1210، وقد ذكر صاحب "النفس اليماني" لصاحب الترجمة ترجمةً حافلة، هذا حاصله: قال شيخُنا: السيد العلامة الإمام، ذو المعارف الربانية، والمواهب الرحمانية، صفيُّ الإسلام، أحمد المغربي الحسينيُّ، وفد إلى مدينة زبيد سنة 1244، ناشرًا فيها ما منحه الله من علوم أسرار الكتاب والسنة، وكاشفًا عن إشاراتهما الباهرة، ولطائفهما الزاهرة، بعبارته الجلية المشرق عليها نور الإذن الرباني، واللائح عليها أثر القبول الرحماني.
كما قال ابن عطاء: من أذن له في التعبير، فهمت في مسامع الخلق عبارته، وجليت إليهم إشارته، ولقد أملى - عافاه الله - من تلك الدقائق والحقائق ما استنارت به قلوب سليمة، وتداوت من جراحات غفلاتها أفئدة أليمة، وازدحم الخاص والعام على الاستفادة من تلك العلوم، والاقتباس من نور مشكاة تلك الفهوم:
جميعُ العلمِ في القرآنِ لكنْ ... تقاصر عنه أفهامُ الرجالِ
وتلقى كلُّ أحد من تلك المعاني واللطائف على قدر الاستعداد، وعلى ما قدره الله من مسوق فيض الإمداد:
على قدرِكَ الصهباءُ تُعطيكَ نشوةً .... ولستَ على قدرِ السُّلافِ تُصابُ
قال ابن القيم - رحمه الله - في "شرح منازل السائرين": القوم يسمُّون أخبارهم عن المعارف والمطلوب: إشارات؛ لأن المعروف والمطلوب أجلُّ من أن يفصح عنه بعبارة تطابقه، وشانه فوق ذلك، فالكامل إشارتُه إلى الغاية، ولا يكون ذلك إلا لمن فني عن اسمه، وهوى حظه، وبقي بربه، وكلُّ أحد فإشارته بحسب معرفته وهمته، ومعارفُ القوم وهممُهم تؤخذ من إشارتهم، انتهى.
وهذا السيد الجليل: طريقتُه السالكُ بها، والداعي إليها، الإقبالُ بالكلية على تدبر معاني كتاب الله، وإطالة التفكر في استجلاب أسرار معانيه، ولقد ذكر لي - عافاه الله - أنه مكث عدة سنين لا شغلَ له إلا تلاوة كتاب الله، والتعرضُ لنفحات أسرار علومه، ولطائف رقائقه وفهومه، حتى منح الله بما منح، وفتحَ بما فتح، وهذه الطريقة هي التي أشار إليها الإمام ابنُ القيم في "شرح منازل السائرين" حيث قال ما نصه: والطريقة المختصرة، القريبة السهلة الموصلة إلى الرفيق الأعلى، التي لا يلحق سالكَها خوفٌ ولا عطب، ولا فيها آفة من آفات سائر الطرق البتة، وعليه من اللهِ حارسٌ وحافظ، يكلأ السالكين فيها، ويحميهم ويدفع عنهم، هي: أن تنقل قلبك من وطن الدنيا إلى وطن الآخرة، ثم به كله إلى معاني القرآن واستجلائها وتدبرها، وفهمِ ما يُراد منه، وما نزل لأجله، وأخذُ نصيبك وحظك من كل آية من آياته، وتنزيلُها على أدواء قلبك، ولا يعرف قدرَ هذه الطريقة إلا من عرف طرق الناس وغوائلها وقطاعها، والله المستعان، انتهى كلامه. قال: ونزل السيد المذكور على العبد الحقير، وكان نزوله كنزول العافية على السقيم، والشفاء للجراح الأليم، والحمد لله على ذلك، ونسأله التوفيق لدوام الشكر على ما هنالك، ثم بدا له التوجهُ إلى جهة بندر "المخا"، ثم جهة موزع.
فلما وصل إلى تلك الجهات، ازدحم عليه الخاص والعام، وانتفعوا به في أمر دينهم انتفاعًا عظيمًا؛ لأن السيد: هديُه في عباداته وعاداته الهديُ النبوي، سيما الصلاة؛ فإنه - نفع الله - به يُقيمها ويحسنها على الوجه التام الذي وردت به الأحاديث الصحاح والحسان، عن معلم الشريعة - صلى الله عليه وسلم -، لا يلتزم في إقامتها ولا إقامة غيرها مذهبًا من المذاهب، بل مذهبه ما صحَّ به الحديث؛ كما هي طريقة خلائق من العلماء الأعلام:
ومذهبي: كلُّ ما صَحَّ الحديثُ به ... ولا أُبالي بلاحٍ فيه أو زاري
وله فيَّ كلامٌ منظوم رائق عذب، ثم عاد بعد إقامته مدةً في تلك الجهات إلى زَبيد، والعود -، كما يقال في المثل السائر:- أحمدُ، ولم تزل الأيام والليالي زاهرة رياضُها بلطائف العلوم، ورقائق الفهوم، معمورة أوقاتُها بالعبادات، والأقلام تكتب من إملاء السيد من الفوائد العوائد، النوادرَ والشوارد، ما ملئت منه الدفاتر، وفي هذه المدة وقعت إجازات منه لكل من طلب ذلك، بل أجاز أهلَ زبيد خصوصًا، وأهل اليمن عمومًا، كما وقع نظير ذلك للحافظ ابن حجر العسقلاني عند قدومه زَبيد؛ فإني رأيت بخط الفقيه الولي الكبير العلامة المحدث عبد النور بن عبد الواحد الهائلي ما نصه: رأيت بخط غير خط الإمام شهاب الدين بن حجر العسقلاني - رحمه الله تعالى -:
أجزت لأهل "زبيد" خصوصًا، ولأهل اليمن كافة عمومًا، أن يرووا عني هذه الكتب: "صحيح البخاري"، و"صحيح مسلم"، و"الجمع بين الصحيحين" للحميدي، وكتاب "السنن" لأبي داود، وكتاب "السنن" للحافظ النسائي، و"المختار من السنن الكبرى"، وكتاب "الجامع" للإمام أبي عيسى الترمذي، وكتاب "العلل" له أيضًا، وكتاب "الموطأ" للإمام مالك بن أنس الأصبحي، وكتاب "التجريد" للقاضي عبد الرحمن البارزي، بأسانيدي التي ذكرتها إجازة معين لمعين، وكذلك ما يصح عندهم من مروياتي من الأجزاء الحديثية، والكتب المسندة، ومالي من قول ونظم ونثر، على اختلاف جميع ذلك، وتباين أنواعه وأجناسه، إجازةً تامة بشرطه المعتبر، عند أهل الأثر، قاله وكتبه أحمد بن علي بن محمد العسقلاني الشهير بابن حجر، انتهى. قال: وهو باق إلى هذا العام سنة 1248، يذكر الله، ويذكر بأيامه، ويملي من علوم السنة والكتاب ما يفيد ذوي العقول والألباب، أمتع الله للمسلمين في حياته، وبارك لنا ولهم في أوقاته. وامتدحه أهل تلك الجهات بقصائد فرائد، انتهى.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.