سالم بن سعادة بن عبد الله بن أحمد بن علي الحمصي
المهذب
تاريخ الولادة | 560 هـ |
تاريخ الوفاة | 618 هـ |
العمر | 58 سنة |
مكان الولادة | حمص - سوريا |
مكان الوفاة | حلب - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
سالم بن سعادة بن عبد الله بن أحمد بن علي الحمصي
وقيل في أبيه سعيد، شاعر مجيد، ويعرف بالمهذب، وكان عارفا بالأدب، يكتب القصيدة من أولها إلى آخرها ويعربها فلا يوجد فيها لحنه، فإذا أوردها لا يأتي بحرف منها صحيحا، لأنه كان أقلف اللسان لا يستطيع تصحيح الكلام بلسانه، وكان قد أوطن حلب، وخدم الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب، وأجرى له معلوما مع الشعراء الذين في خدمته، وكان أمثل الشعراء عنده بعد راجح الحلي.
روى لنا عن أبيه شيئا من شعره، وعن قاضي حمص أبي البيان محمد بن عبد الرزاق بن أبي حصين، وعبد الله بن أسعد الموصلي، نزيل حمص، وأنشدنا من شعره عدة مقاطيع وقصائد، وكان وعدني أن يحمل مسودات شعره إلي جميعها خوفا أن يموت وتصير في أيدي الناس فيدعيها غيره، ومات ولم يحمل شيئا، وسألته عن مولده فقال: يكون لي إلى اليوم أربعة وخمسون أو خمسة وخمسون سنة وكان سؤالي إياه في شهر ربيع الآخر من سنة أربع عشرة وستمائة، فيكون مولده تقديرا بحمص في سنة ستين أو سنة تسع وخمسين وخمسمائة.
أنشدني سالم بن سعادة الحمصي لنفسه بحلب:
هل الطرف من فيض الدموع جريح ... أم النوم ما بين الجفون ذبيح
وهل نار ليلى أم تألق بارق ... دجى الليل يخبو نارة ويلوح
فتاة بها علّقت في كبدي أسى ... تسربلت منه السقم وهو صحيح
وبان فؤادي يوم بان فريقها ... ودمعي على سفح الكثيب سفوح
فأنشدت قلبي والدموع لدى النوى ... أفي كل يوم غربة ونزوح
وما أنا صاح من سلاف صبابة ... بها لي غبوق دائم وصبوح
وكم هب ينشئ مزنة من مدامعي ... غرام له بين الجوانح لوح
على دارسات طال في عرصاتها ... بكاء جفوني والحمام تنوح
وقفت بها إذ مالعافي رسومها ... كجسمي من البين المشتّ وضوح
ومن جفن عيني لا تغب سحابة ... ومن زفراتي ليس تركد ريح
ولله برق فيه برؤ حشاشتي ... وريح لقلبي من جواه تريح
فهل لصبا نجد على ذي صبابة ... هبوب وهل برق الحجاز لموح
ويا حبذا الروض الذي نفحاته ... بسرّ شذاه المندلي تبوح
وقد دّبجته للغيوث أنامل ... فهل هو في الغازي الغياث مديح
وأنشدني سالم بن سعادة أيضا لنفسه:
باح من الدمع بأسراري ... ماء مرته نار أفكاري
وطار من جفني محمرة ... شرار زند الكمد الواري
وشادن شيمة ألحاظه ... سفك دم القسورة الضاري
عزولي ذل فهيهات أن ... أدرك يوما عنده ثاري
وكل ما عاينته خاطرا ... غرقت في لجّه أخطار
فياله من حاكم في الهوى ... كم جار في الحب على جار
خو فؤادي خده واكتسى ... صبغته من دمه الجاري
خد يرينا الصبح تحت الدجى ... عليه بين الماء والنار
وحبذا مسك العذار الذي ... فيه تمسكت بأعذاري
عذار من لولاه ما هتّكت ... يستهل الدمع أستاري
لم أنس لما زارني والدجى ... قد حار فيه النجم يا حار
وقد سعى بالبدر من قدّه ... غصن على دعص نقا هار
وطاف بالصبح الذي في الدجى ... أطلعه من غسق القار
بقهوة أنجم كاساتها ... دائرة ما بين أقمار
في مونق ينثر در الحيا ... عليه في أصداف أزهار
أبدى من النور كنوزا بها ... أغنى الثرى من بعد إقتار
سمعت المهذب سالم بن سعادة الحمصي ينشد الملك الظاهر غازي قصيدة في مستهل شهر رجب من سنة اثنتي عشرة وستمائة وهو واقف بين يديه:
عسى ينطوي بالوصل نشر صدوده ... ويفضي إلي ريّ أوام عميده
ويا ليت ينأى بالرضا قرب سخطه ... وتطفى بماء الوعد نار وعيده
ويصبح قلبي نافرا من همومه ... وقد بات جفني آنسا بهجوده
وإني لعان قيدته صبابة ... سيقضي ولا تقضي بفك قيوده
وعقد اصطباري حلّه بطلوعه ... هلال بدا في هالة من عقوده
ومن ثغره المعسول نظما حشاشتي ... إلى برد من لي برشف بردوه
تديرّ نجدا بعد منعرج اللوى ... وبدّل من واديه سقط زروده
فكاد الى اجراع نجد يطير بي ... هبوب نسيم الشوق بعد ركوده
ولما مضى أبقى له بجوانحي ... لهيب غرام شبّ بعد خموده
وأجريت نفسي بالتنفس أدمعا ... تحدرها يوم النوى بصعوده
ويا حبذا لو عاد عيشي كما بدا ... رطيبا ولهوي في نضارة عوده
ولم يرد ضرغام العرين على النقا ... سوى رشأ ما بين أسراب غيده
بذي كحل يضحي السديد مجدلا ... إذا ما رمى ريم النقا بسديده
وما طرف الخطى بالطعن في الطلا ... بأفتك من طرف الغزال وجيده
وذي أمل أدمى مناسم عنسه ... يجوب الفلا من نصّه ووخيده
ترامى بها شرقا وغربا وقد أبى ... ترجّله حطّا لرفع قيوده
وصار من الغازي الى الملك الذي ... تخر الملوك الصيد دون وصيده
فتى شام من دون الشآم اعتزامه ... فأغناه عن تجريد ما في غموده
تدفق بحرا إذ علا أفق دسته ... تألق بدرا في سماء سعوده
يقيسون بالبحر الغطامط جوده ... وهيهات أين البحر من فيض جوده
أبيّ له الجد الذي حاز إرثه ... عن الصيد من آبائه وجدوده
نشا ولواء السمهري قماطه ... وليس ظهور الخيل غير مهوده
به آل أيوب حللن من العلى ... ذرى باذخ نائي المحل بعيده
وكل ملوك الخافقين صعودها ... الى الشرف السامي بلثم صعيده
وما فخرها إلّا بغازي بن يوسف ... إذا ما دعا أحرارها من عبيده
أقصى مناها لو تكون أمامه ... قياما على الهامات عند قعوده
له الجيش مهما جاش في الروع بحره ... تلاطم بالشجعان موج حديده
ومهما سرى في البر خلت رعاله ... رعانا على أنجاده ووهوده
يشنّ به الغارات يقظان ... يصادم رضوى هدّ ركن مشيده
وأين غدا قلنا لصدر خميسه ... وقد نشرت بالنصر حمر بنوده
ترى لطيور الجو فوق لوائه ... عليه ازدحام كازدحام وفوده
وفوق متون الفتخ من مقرباته ... عرين قنا آساده من جنوده
خيول إذا ما النقع أبرق مزنه ... سيوفا غدا تصهالها من رعوده
هنالك يردي الليث بالحتف صاديا ... وقد ورد الهندي ماء وريده
وقد أصبح الإيمان للكفر صادعا ... كما صدع الصبح الدجى بعموده
فيا ملكا عم الأنام سماحة ... بطارفه يوم الندى وتليده
وزهّد أبناء القريض بقصدها ... الى كل منزور النوال زهيده
سلمت فأنت الأريحي الذي به ... هلاك معاديه وكبت حسوده
وهنيت في الشهر الأصم بما ضفا ... عليك بأيدي يمنه من بروده
ودمت دوام المدح فيك فإنه ... سيبقى ويفنى الدهر طول خلوده
وسمعت سالم بن سعادة ينشد الملك الظاهر لنفسه:
غزانا بسيف المقلتين المهند ... غزال نقا أعيا على المتصيد
من الغيد لا يرعى الخزامى تنزها ... وأين الخزامى من قلوب وأكبد
نصبت حبالات الكرى لاقتناصه ... فعاقب جفني بالسهاد المؤبد
خليلي عقلي يوم برقة عاقل ... عليه كدمعي يوم برقة ثهمد
فهذا طليق من قيود شؤونه ... وهذا أسير في قيود التبلد
فيا فرقد الحي الذي مذ هويته ... تكفل طرفي رعي نسر وفرقد
تأن فلو أرسلت سهمك في الصفا ... غدا مارقا من كل صماء جلمد
وبادية باتت سماء بيوتهم ... بكاظمة تبدي كواكب خرّد
وأقمار تم في سماء ذوائب ... تطالعنا من كل أفق بأسعد
وقفن بنا في موقف البين حشّرا ... ينشّرن ريحان الأثيث المجعّد
ويسترن بالعناب وردا يصونه ... حيا لؤلؤ يرفضّ من نرجس ند
وموماة قفر بت أجزع مرتها ... بلا جزع في متن وجناء جلعد
إذا نست عند الكلال وقد ونت ... نسيم غياث الدين قلت لها خدي
الى ملك نيطت حمائل سيفه ... تعانق سيف مصلت غير مغمد
قال فيها:
وفي حلب لما أفاض على الورى ... غيوث ندى تنهل من كفه الندي
دعا لورود الجود كل مفوّه ... بتحبير ألفاظ القريض المجوّد
فجبت إليه البيد فوق شملة ... مضبرة الضبعين مفتولة اليد
وجئت كما جاء ابن حيوس مادحا ... لأعظم ممدوح وأكرم موفد
وسمعته ينشد أيضا لنفسه:
عسى ظبية الوعساء تدنى مزارها ... وتطوى بنشر الأنس عنا نفارها
مضى حيها تحت الدجنة ظاعنا ... وأبقى لنفسي وجدها وادّكارها
ولمّا بها شط الفريق عن الحمى ... وأبعد عن اجراعه الميث دارها
ولم أر منها جوّه وهو مشرق ... بشمس ضحى يحكى الهلال سوارها
أطلت وقوفي في الطلول ولو عتى ... يضرم ماء الدمع في الصدر نارها
ديار على آثارها لي تشوق ... أجد صباباتي بها وأثارها
عهدت بها الشمس التي لو جمالها ... تغير به شمس الضحى لأغارها
فتاة فتات المسك تهتك في الدجى ... إذ زارت الصب الكئيب استتارها
تشد على البدر المنير نقابها ... وترخي على الغصن النضير إزارها
ومن بعد أيام أطال وصالها ... إليّ بها روحاتها وابتكارها
وجدت الليالي بالهموم طويلة ... على مهجتي لما عدمت قصارها
ومن لي بأن يعتاد طرفي رقاده ... عسى طيفها في النوم يدني مزارها
ويا حبذا بالرقمتين خمائل ... همي الغيث فيها ليلها ونهارها
وأضحى بها مرّ النسيم مريحا ... بدار الندى حوذانها وعرارها
وخلنا بها دارين إذ بهبوبه ... من الزهر المطلول فتق فارها
وضوّع فيها ذلك الروح مندلا ... فهل مدح الغازي الغياث استعارها
توفي سالم بن سعادة بحلب في سادس عشر جمادى الأولى من سنة ثمان عشرة وستمائة.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)