أحمد بن منير بن أحمد الطرابلسي أبي الحسين مهذب الدين عين الزمان

الرفاء الطرابلسي

تاريخ الولادة473 هـ
تاريخ الوفاة548 هـ
العمر75 سنة
مكان الولادةطرابلس - لبنان
مكان الوفاةحلب - سوريا
أماكن الإقامة
  • حلب - سوريا
  • دمشق - سوريا
  • طرابلس - لبنان

نبذة

أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح أبو الحسين الاطرابلسي الشاعر: كان كثير التردد الى حلب والإقامة بها، وبها مات، ومدح ملوكها وأمراءها ورؤساءها، وكان شاعرا مجيدا حسن النظم كثير الهجاء والفحش، وذكره أبو يعلي بن القلانسي في تاريخه الذيل في تاريخ دمشق وذمه.

الترجمة

أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح أبو الحسين الاطرابلسي الشاعر:
كان كثير التردد الى حلب والإقامة بها، وبها مات، ومدح ملوكها وأمراءها ورؤساءها، وكان شاعرا مجيدا حسن النظم كثير الهجاء والفحش، وذكره أبو يعلي بن القلانسي في تاريخه الذيل في تاريخ دمشق وذمه، فقال في ذمّه: كان يصله بهجائه مالا يصله بمدحه وثنائه  .
وكان ابن منير عارفا باللغة، وبلغني أنه كان يحفظ الجمهرة لأبي بكر بن دريد حفظا جيدا، روى عنه الأمير أبو الفضل اسماعيل بن سلطان بن منقذ، وأبو عبد عبد الله الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة، والخطيب أبو طاهر هاشم بن أحمد بن هاشم، وأبو القاسم عيسى بن أحمد المعروف بالحنيك وكان رواية شعره، وابنه الوجيه بن الحنيك، وعلي بن الحكم الحلبي، ويحيى بن سعد ابن ثابت الحلبي المعروف بابن المراوي، وأبو الحسن علي بن ابراهيم بن نجا الدمشقي، ومجد العرب العامري، وروى لنا عنه شيئا من شعره الحكيم نافع بن أبي الفرج الحلبي، وكان شيخا كبيرا مولعا بشعره مفتونان به وجمع أشتات شعره، وكان يخدمه أيام شبابه.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا علي بن الحسن قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحميري الكاتب أن مولد أبي الحسين بن منير سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة بأطرابلس.
أنبأنا أبو المحاسن سليمان بن الفضل بن الحسين بن إبراهيم بن سليمان بن البانياسي قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح أبو الحسين الأطرابلسي الشاعر الرفاء، كان أبوه منير منشدا ينشد أشعار العوني في أسواق أطرابلس ويغني، ونشأ أبو الحسين وحفظ القرآن وتعلم اللغة والادب، وقال الشعر وقدم دمشق فسكنها، وكان رافضيا خبيثا، يعتقد مذهب الإمامية وكان هجّاء خبيث اللسان يكثر الفحش في شعره، ويستعمل فيه الألفاظ العامية، فلما كثر الهجو منه سجنه بوري بن طغتكين أمير دمشق في السجن مدة، وعزم على قطع لسانه، فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب جرمه، فوهبه له، وأمر بنفيه من دمشق، فلما ولي ابنه اسماعيل بن بوري عاد الى دمشق، ثم تغير عليه اسماعيل لشيء بلغه عنه فطلبه، وأراد صلبه، فهرب واختفى في مسجد الوزير أياما، ثم خرج عن دمشق ولحق بالبلاد الشمالية ينتقل من حماة الى شيزر، والى حلب، ثم قدم دمشق آخر قدمة في صحبة الملك العادل  لما حاصر دمشق الحصر الثاني، فلما استقر الصلح دخل البلد، ورجع مع العسكر الى حلب فمات، رأيته غير مرة ولم أسمع منه. أخبرني نافع بن أبي الفرج بن نافع الحلبي، وكان أحد غلمان أبي الحسين بن منير، أن ابن منير انهزم من أتابك طغتكين الى بغداد، وهربّه الحاجب يوسف بن فيروز، وكان سبب ذلك أنه شبّب في قصيدة له ببعض أقارب طغتكين، وكان صبيا أمرد، وهو حسام الدين دلق بن أبق، والقصيدة هي التي أولها:
من ركّب البدر في صدر الرديني....
قال: وأركبه الحاجب يوسف علي خيل البريد فهرب إلى بغداد  .
وحكى لي القاضي أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر قاضي العسكر، أن سبب طلب صاحب دمشق ابن منير واستتاره منه وخروجه من دمشق أن ابن منير مدحه بقصيدة فيها بيت أوله:
مني ومنك استفاد الناس ما كسبوا....
وكان ابن منير كثير الأعداء عنده، فقال له بعض الأعداء عنده بعد خروج ابن منير: انظر أيها الأمير الى قول ابن منير لك يهددك في هذا البيت «مني ومنك» وكان رجلا تركيا، وقد سمع الناس يقولون عند تهديد بعضهم بعضا «مني ومنك» فوقع ذلك في نفسه وغضب وطلبه، فاختفى وخرج عن دمشق، هذا معنى ما حكي لي قاضي العسكر، ويحتمل أن يكون خوفه واختفاؤه لمجموع الأمرين والله أعلم.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن أبي الحجاج المقدسي قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني المعروف بالعماد الكاتب في كتاب «خريدة القصر وجريدة العصر» قال: المهذب أبو الحسين أحمد بن منير الطرابلسي كان شاعرا مجيدا مكثرا هجّاء، معارضا للقيسراني في زمانه، وهما كفرسي رهان، وجوادي ميدان، وكان القيسراني سنيا متورعا وابن منير مغاليا متشيعا، سمعت الأمير مؤيد الدولة أسامة بن منقذ بدمشق سنة احدى وسبعين وهو يذكره، وجرى حديث شعر ابن مكنسة المصري وقوله:
لا تخدعنك وجنة محمرة ... رقت ففي الياقوت طبع الجلمد
فقال: من هذا أخذ ابن منير حيث يقول:
خدع الخدود تلوح تحت صفائها ... فحذارها إن موهت بحيائها
تلك الحبائل للنفوس وإنما ... قطع الصوارم تحت رونق مائها
فقلت له: هذا شعر جيد، وأنت لأهل الفضل سيد، فاحكم لنا كيف كان في الشعر، وهل كان قادرا على المعنى البكر؟ فقال: كان مغوارا على القصائد يأخذها ويعول في الذب عنها على ذمّه للناقد أو للجاحد.
قال: وسمعت زين الدين ابن نجا الواعظ الدمشقي يذكره ويفضله ويقرظه ويبجله، ويقول: ما كان أسمح بديهته، وأوضح طريقته، وأبرع بلاغته، وأبلغ براعته ورأيته يستجيد نثره ويستطيب ذكره، ويحفظ منه رسائل مطبوعة، يتبع له في الاحسان طرائق متبوعة، ويقول كانت الجمهرة على حفظه، وجّمة المعاني تتوارد من لفظه، ويصف ترفعه على القيسراني، واستنكافه في الوقوع في مرعى مناقضته، ولقد كان مقيما بدمشق الى أن أحفظ أكابرها، وكدر بهجوه مواردها ومصادرها، فأوى الى شيزر، وأقام بها وروسل مرارا بالعودة الى دمشق، فضرب بالرّد وجه طلبها وكتب رسائل في ذم أهلها، وبين عذره في تنكب سبلها، واتصل في آخر عمره بخدمة نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله، ووافى الى جلق رسولا من جانبه قبل استيلائه عليها، وتملكه لها، وارتدى عنده من الوجاهة والكرامة حللها، ومحاسن أبي الحسين بن منير منيرة، وفضائله كثيرة، وذكر مجد العرب العامري بأصفهان لما سألته عن شعراء الشام فقال:
ابن منير ذو خاطر منير، وله شعر جيد لطيف، لولا أنه يمزجه بالهجو السخيف قال: وأنشدني يوما قصيدة له، فما عقدت خنصري الا على هذا البيت.
أنا حزب والناس والدهر حزب ... فمتى أغلب الفريقين وحدي
شعره ككنيته حسن، ونظمه كلقبه مهذب، أرق من الماء الزلال، وأدق من السحر الحلال وأطيب من نيل الأمنية، وأعذب من الأمان من المنية، وقع القيسراني في مباراته ومعارضته ومجاراته في مضمار القريض ومناقضته، فكأنهما جرير العصر وفرزدقه، وهما مطلع النظم ومشرقه، وشى بالشام عرفهما، وفشا عرفهما، وكثر رياشهما وتوفر معاشهما، وعاشا في غبطة ورفعة وبسطة، وكنت أنا بالعراق أسمع أخبارهما، ثم اتفق انحداري الى واسط سنه اثنتين وخمسين وخمسمائة فانحدر بعض الوعاظ الشاميين اليها طالبا منتجعا جدوى أعيانها، راغبا في احسانها، فسألته عنهما، فأخبر بغروب النجمين وأفول الفرقدين في أقرب مدة من سنتين، قال:
واتفق انتزاح ابن منير من دمشق بسبب خوفه من رئيسها ابن الصوفي، ومقامه بشيزر عند بني منقذ  .
قرأت بخط مؤيد الدولة أبي المظفر أسامه بن مرشد بن علي بن منقذ في جزء كتبه لابن الزبير بأسماء جماعة من الشعراء، سأله عنهم ليودع ذكرهم كتابه المعروف «بجنان الجنان ورياض الأذهان» قال: ومنهم شرف الأدباء أبو الحسين أحمد بن منير الطرابلسي، أوحد عصره، ولسان دهره، تأخر زمانه وتقدم فضله وبيانه، فهو زهير الفصاحة، وابن حجاج الملح والطرافة، في أشعاره لطافة تستخف القلب، وتملك السمع وكل فن من فنون الشعر يقصده يستولي على محاسنه وفنونه، ويحرز أبكار معانيه وعونه، فمن شعره في الغزل.
يا غريب الحسن ما أغ ... ناك عن ظلم الغريب
أترى الافراط في حب ... بك أضحى من ذنوبي
حل بي من حبك ... الخطب الذي لا كالخطوب
وعجيب أن ترى فع ... لك بي غير عجيب
لا تغالطني فما تخ ... فى أمارات المريب
أين ذاك البشر يامو ... لاي من هذا القطوب
يا هلالا يلبس ... الارض نقابا من شحوب
ما بدا إلّا ونادى ... وجهه يا شمس غيبي
أيها الظبي الذي مر ... تعه أرض القلوب
والذي قادني الحي ... ن له قود الجنيب
سقمي من سقم جف ... نيك وفي فيك طبيبي
وسنا وجهك مص ... باحي وأنفاسك طيبي
أنا خير الناس إذ ... كنت من الناس نصيبي
عشقوا قبلي ولكن ... ما أحبوا كحبيبي
بأبي برد ثناياك ... وإن أذكى لهيبي
لا بلاك الله إن أح ... ببت يوما بالذي بي
أنشدني القاضي أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد الخشاب الحلبي قال:
أنشدني الوجيه بن أبي القاسم الحنيك بحلب قال: أنشدني ابن منير لنفسه، وقد اجتمعت بالوجيه ابن الحنيك في دار قاضي العسكر محمد بن يوسف بن الخضر وهو يذاكره بأقطاع من شعر ابن منير، فلا أتحقق هل كانت هذه الأبيات فيها أم لا، وهذه الأبيات مدح بها ابن منير نور الدين محمود بن رنكي، وقد كسر عسكر الفرنج بالروج وقتل ملكهم البرنس:
صدم الصليب على صلابة عوده ... فتفرقت أيدي سبا خشابته
وسقى البرنس وقد تبرنس ذلة ... بالروج ممقر ما جنت غدراته
تمشي القناة برأسه وهو الذي ... نظمت مدار النيرين قناته
قال لي القاضي أبو محمد: قال لي ابن الحنيك حين أنشدني هذه الأبيات:
ما يقدر ابن عويدان السقاء يقول مثل هذا- يعني أبا الطيب المتنبي.
حدثني الحكيم نافع بن أبي الفرج بن نافع الحلبي وكان شيخا مسنا قال:
كنت يوما مع أبي الحسين بن منير وقد مر به غلام حسن الصورة يقال له عمر بوبلة، وكان من أحسن الناس وجها، وأدركته أنا وقد هرم وهو يستعطي، قال: فناوله ابن بوبلة وردة ومضى، قال: فارتجل أبو الحسين بن منير:
كأنما قطفت من خد مهديها ... كأنما قطفت من حد مهديها
رقت فراقت فأحيت قلب ناشقها ... كأن عبقة فيه أفرغت فيها
وأنشدنا نافع بن أبي الفرج قال: أنشدني ابن منير لنفسه:
أصغى لهينمة الواشي فقال: سلا ... وكاذب في الهوى من يحتوي العذلا
كان الصبا مزنة هبت عليه صبا ... هز الصلا مرها ثم استحال صلا
وتمامها نذكره ان شاء الله تعالى في ترجمة الحكيم نافع.
أنشدني الرئيس بهاء الدين أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن سعيد بن الخشاب قال: أنشدنا الشيخ الرئيس أبو زكرى يحيى بن سعد بن ثابت الحلبي قال: أنشدني مهذب الملك أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الأطرابلسي لنفسه في سنة ست وأربعين وخمسمائة:
جعل القطيعة سلما لعتابه ... متجرم جان على أحبابه
ما زال يضمر غدره متعللا ... بوشاته متسترا بكذابه
حتى تحدث ناظراه فحللا ... ما كان أوثق من عرى أعتابه
والله لولا ما يقوم بنصره ... من نار وجنته وماء شبابه
لأبحت ما حظر الهوى من هجره ... ليصح أو حرمت حل رضا به
ولكان من دين المروءة تركه ... فالصبر أعذب من أليم عذابه
حتام أقبل وهو ثان عطفه ... والحب يحملني على استجذابه
وأقول: غرّ ظن غي وشاته ... رشدا فأرجو أن يضيق لما به
وإذا تغيره لمعنى باطن ... لا خوف عاتبه ولا مغتابه
يا ظالما أعطى مواثق عهده ... بوفائه والغدر ملء ثيابه
زينت لي وجه الغرور بموعد ... كذب فوا ظمأي للمع سرابه
ونبذتني نبذ الحصاة مضيعا ... ودا بخلت به على خطابه
ما كان وصلك غير هجعة ساهر ... غض الجفون فريع في أهبابه
آها لهذا القلب كيف خدعته ... متصنعا فسكنت سر حجابه
ولناظر كتبت إليك جفونه ... خبرا فما أحسنت رد جوابه
هذا هواك محكما  ما ضره ... ما قطع الحساد من أسبابه
ومكانك المأهول لم يحلل به ... أحد سواك ولا أقام ببابه
وأنا الذي جربته فوجدته ... ماء تقرّ النّفس باستعذابه
فإن استقمت فأنت أنت وإن تزغ ... فالبغي مصرعه على أربابه
أنشدني الحسن بن أبي طاهر الحلبي قال: أنشدني يحيى بن سعد الحريري قال: أنشدني أحمد بن منير لنفسه:
إذا غضب الأنام وأنت راض ... علي فما أبالي من جفاني
وكيف أذمّ للأيام فعلا ... وقد وهبتك يا كل الأماني
فقل للحاسدين ثقوا بكبت ... يقودكم الى درك التفاني
صفا ورد الصفاء ورق روح ال ... وفاء وأينعت ثمر التداني
وواصل من أحبّ فبتّ منه ... أرود اللحظ في روض الجنان
ويا عين الرقيب سخنت عينا ... فما أغنى سهادك إذ رعاني
وصلت الى مناي وأنت عبرى ... تضللك المدامع عن مكاني
فمن لقي الزمان بوجه سخط ... فإني قد رضيت على الزمان
قرأت بخط أبي الحسين أحمد بن منير في رقعة كتبها الى جدي أبي الفضل هبه الله بن محمد بن أبي جرادة يقتضيه موعده بإعارة كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي أبي الحسن الجرجاني:
يا حائزا غاي كل فضل ... تضلّ في كنهه الإحاطه
ومن ترقى الى محلّ ... أحكم فوق السها مناطه
الى متى أوسط التمني ... ولا ترى المنّ بالوساطه
أخبرني تاج الدين أبو المعالي الفضل بن عبد المطلب بن الفضل الهاشمي قال: سمعت الوجيه بن أبي القاسم الحنيك يحكي قال: كان ابن منير مقيما بشيزر في جوار صاحبها أبي العساكر سلطان بن منقذ، فخلع عليه ابنه يوما ثوبا فاخرا، واتفق أنه دخل ذلك اليوم مع أبي العساكر الى الحمام فأخذ رجله يحكها، فدخل عليه حاجبه وقال له: الأمير فلان ولدك يطلب منك الثوب الفلاني وأشار الى ثوب فاخر له، فقال له: أعطه، وقل له: لا تعطه لنحس آخر، ثم ارتأى على نفسه ورأى ابن منير فاعتذر إليه وقال له: والله ما خطر لي أنك هاهنا، فرمى برجله وقال: والله إنك أمير نحس، فاحتملها ابن منقذ منه ولم يبد له ما يكره.
سمعت والدي رحمه الله يقول: كان بلغ نور الدين محمود بن زنكي أن ابن منير يسب الصحابة، فقال له يوما: ما تقول في الشيخين؟ فقال: مدبران ساقطان سفلتان، فقال نور الدين وقد غضب: من هما ويلك؟ قال: أنا والقيسراني، فسرّي عنه وضحك.
ذكر أبو يعلى بن القلانسي في تاريخه المذيل به على تاريخ دمشق: أن ابن منير توفي في جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربعين وخمسمائة  .
وأنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن قال: وبلغني أن أبا الحسين بن منير مات بحلب في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة في جمادى الآخرة.
ووقع إليّ نسخة من شعر ابن منير بخط أبي المكارم عبد الوهاب بن سالم بن أبي الحسن وبخطه، في آخره وجدت على ظهر الأصل المنقول منه هذا الديوان أن الشيخ أبا الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح مرض بحلب في دار ابن عسرون يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بالمائتنرا  ، وكان سببه أنه أكل تينا أخضر وجلس في الشمس ففصد في الحال، وورم وجهه وبقي الى يوم الأربعاء العشرين من جمادى، وتوفي الى رحمة الله وصلي عليه بالجامع، ودفن بظاهر باب قنّسرين بالقرب من تربه مشرق رحمه الله.
قلت يعني مشرق بن عبد الله العابد، ورأيت قبر ابن منير من قبلي قبر مشرق وبينهما بعد، وعلى قبره بيتان من شعر ذكر لي أنه قالهما حين احتضر، وأوصى أن يكتبا على قبره فنقشا على أحجار قبره وهما:
من زار قبري فليكن موقنا ... أن الذي ألقاه يلقاه
فيرحم الله امرأ زارني ... وقال لي يرحمك الله
ولما حرر السلطان الملك الظاهر رحمه الله خنادق حلب ووضع ترابها على المقابر القريبة منها خارج باب قنسرين خاف الحكيم نافع بن أبي الفرج ابن نافع أن يوضع التراب على قبر ابن منير فيمحى ويدرس أثره، فنبشه ونقل عظامه وحوّل قبره الى سفح جبل جوشن بالقرب من مشهد الحسين، وقبره الآن ظاهر هناك، وكان في تربة بني الموصل بالقرب من قبر ابن أبي نمير العابد.
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد بن الحسن فيما أذن لنا في روايته عنه قال: أخبرنا أبو القاسم بن أبي محمد قال: قرأت بخط صديقنا أبي اسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد القيسي وكان صديقا لابن منير وعنده اختفى لما اختفى بمسجد الوزير قال: حدثني الخطيب السديد أبو محمد عبد القاهر بن عبد العزيز خطيب حماة قال:
رأيت أبا الحسين بن منير الشاعر في النوم بعد موته وأنا على قرنة بستان مرتفعة، فسألته عن حاله وقلت له: اصعد الى عندي فقال: ما أقدر من رائحتي، فقلت:
تشرب الخمر؟ قال: شر من الخمر يا خطيب، فقلت: ما هو؟ فقال: تدري ما جرى علي من هذه القصائد التي قلتها في مثالب الناس؟ فقلت له: ما جرى عليك منها؟
فقال: لساني قد طال وثخن وصار مدّ البصر، وكلما قرأت قصيدة منها قد صارت كلّابا يتعلق في لساني، وأبصرته حافيا عليه ثياب رثّة الى غاية، وسمعت قارئا يقرأ من فوق: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ  الآية، ثم انتبهت مرعوبا  . 
حكى لي أبو طالب القيّم، وكان شيخا مسنا عندنا بحلب، وكان أولا قيما بالمسجد الجامع بحلب، ثم صار قيما بمدرسة شاذبخت  النوري رحمه الله، والعهدة عليه، قال: لما مات ابن منير خرجنا جماعة من الأحداث تنفرج بمشهد الحف فقال بعضنا لبعض: قد سمعنا أنه لا يموت من كان يسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما إلا ويمسخه الله في قبره خنزيرا، ولا نشك أن ابن منير كان يسبّهما، وأجمع رأينا على أن نمضي الى قبره تلك الليلة وننبشه لنشاهده، قال لي: فمضينا جميعا ونبشنا قبره فوجدنا صورته صورة خنزير ووجهه منحرف عن القبلة الى جهة الشمال وكان معنا ضوء فأخرجناه على شفير قبره ليشاهده الناس، ثم بدا لنا فأحرقناه ووضعناه في القبر وأعدنا التراب عليه، هذا معنى ما حكاه لي أبو طالب القيّم والله أعلم.
وقال شيخنا بدر الدين يونس بن محمد بن محمد بن محمد الفارقي بدمشق: مات ابن منير سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، وهذا وهم اشتبه عليه ما قبل الخمسين بسنتين بما بعدها بثلاث والصحيح ما ذكرناه أولا أن وفاته كانت في سنة ثمان وأربعين وخمسمائة  .
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)

 

 

ابن منير الطرابلسي
أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي الملقب مهذب الدين عين الزمان الشاعر المشهور؛ له ديوان شعر، وكان أبوه ينشد الأشعار، ويغني في أسواق طرابلس ، ونشأ أبو الحسين المذكور، وحفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة والأدب، وقال الشعر، وقدم دمشق فسكنها، وكان رافضياً كثير الهجاء خبيث اللسان، ولما كثر منه ذلك سجنه بوري بن أتابك طغتكين صاحب دمشق مدة وعزم على قطع لسانه، ثم شفعوا فيه فنفاه، وكان بينه وبين أبي عبد الله محمد بن نصر بن صغير المعروف بابن القيسراني مكاتبات وأجوبة ومهاجاة، وكانا مقيمين بحلب ومتنافسين في صناعتهما كما جرت عادة المتماثلين.
ومن شعره من جملة قصيدة:
وإذا الكريم رأى الخمول نزيله ... في منزل فالحزم أن يترحلا
كالبدر لما أن تضاءل جد في ... طلب الكمال فحازه متنقلا
سفها لحلمك أن رضيت بمشربٍ ... رنق ورزق الله قد ملأ الملا
ساهمت عيسك مر عيشك قاعداً ... أفلا فليت بهن ناصية الفلا
فارق ترق كالسيف سل فبان في ... متنيه ما أخفى القراب وأخملا
لا تحسبن ذهاب نفسك ميتةً ... ما الموت إلا أن تعيش مذللاً
للقفر لا للفقر هبها إنما ... مغناك ما أغناك أن تتوسلا
لا ترضى من دنياك ما أدناك من ... دنس وكن طيفاً جلا ثم انجلى
وصل الهجير بهجر قوم كلما ... أمطرتهم شهداً جنوا لك حنظلا
من غادر خبثت مغارس وده ... فإذا محضت له الوفاة تأولا
لله علمي بالزمان وأهله ... ذنب الفضيلة عندهم أن تكملا
طبعوا على لؤم الطباع فخيرهم ... إن قلت قال وإن سكت تقولا
أنا من إذا ما الدهر هم بخفضه ... سامته همته السماك الأعزلا
واعٍ خطاب الخطب وهو مجمجم ... راعٍ أكل العيس من عدم الكلا
زعم كمنبلج الصباح وراءه ... عزم كحد السيف صادف مقتلا
ومن محاسن شعره القصيدة التي أولها:
من ركب البدر في صدر الرديني ... وموه السحر في حد اليماني
وأنزل النير الأعلى إلى فلك ... مداره في القباء الخسرواني
طرف رنا أم قراب سل صارمه ... وأغيد ماس أم أعطاف خطي
أذلني بعد عز والهوى أبداً ... يستعبد الليث للظبي الكناسي
ومنها أيضاً:
أما وذائب مسكٍ من ذوائبه ... على أعالي القضيب الخيزراني
وما يجن عقيقي الشفاه من ال ... ريق الرحيقي والثغر الجماني
لو قيل للبدر من في الأرض تحسده ... إذا تجلس لقال ابن الفلاني
أربى علي بشتى من محاسنه ... تألفت بين مسموع ومرئي
إباء فارس في لين الشآم مع الظ ... رف العراقي والنطق الحجازي
وما المدامة بالألباب أفتك من ... فصاحة البدو في ألفاظ تركي
وله أيضاً :
أنكرت مقلته سفك دمي ... وعلى وجنته فاعترفت
لا تخالوا خاله في خده ... قطرة من دم جفني نطفت
ذاك من نار فؤادي جذوة ... فيه ساخت وانطفت
ثم طفت وله من جملة قصدة:
لا تغالطني فما تخ ... فى علامات المريب
أين ذاك البشر يامو ... لاي من هذا القطوب
ونقلت من خط الشيخ الحافظ المحدث زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري المصري رحمه الله تعالى قال: حكى لي أبو المجد قاضي السويداء، قال: كان بالشام شاعران ابن منير وابن القيسراني، وكان ابن منير كثيراً ما يبكت ابن القيسراني بأنه ما صحب أحدا إلا نكب ، فاتفق أن أتابك عماد الدين زنكي صاحب الشام غناه مغن على قلعة جعبر، وهو يحاصرها، قول الشاعر:
ويلي من المعرض الغضبان إذ نقل ال ... واشي إليه حديثا كله زور
سلمت فازور يزوي قوس حاجبه ... كأنني كأس خمر وهو مخمور
فاستحسنها زنكي، وقال: لمن هذه فقيل: لابن منير، وهو بحلب، فكتب إلى والي حلب يسيره إليه سريعاً، فسيره، فليلة وصل ابن منير قتل أتابك زنكي - قلت: وسيأتي شرح الحال في ذلك على التفصيل في ترجمة زنكي إن شاء الله تعالى - قال: فأخذ أسد الدين شيركوه، صاحب حمص، نور الدين محمود بن زنكي وعسكر الشام وعاد بهم إلى حلب، وأخذ زين الدين علي ولد مظفر الدين صاحب إربل عساكر بلاد الشرق وعاد بهم إلى الموصل، وإلى سيف الدين غازي بن زنكي وملكه الموصل، فلما دخل ابن منير إلى حلب صحبة العسكر، قال له ابن القيسراني: هذه بجميع ما كانت تبكتني به! قلت: ولابن القيسراني المذكور في ابن منير، وكان قد هجاه:
ابن منير هجوت مني ... حبراً أفاد الورى صوابه
ولم تضيق بذاك صدري ... فإن لي أسوة الصحابه
أشعاره لطيفة فائقة.
وكانت ولادته سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس، وكانت وفاته في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بحلب، ودفن في جبل جوشن، بقرب المشهد الذي هناك، رحمه الله تعالى.
وزرت قبره ورأيت عليه مكتوبا:
من زار قبري فليكن مرقناً ... أن الذي ألقاه يلقاه
فيرحم الله امرءا زارني ... وقال لي: يرحمك الله
وذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق، فقال في ترجمته: حدث الخطيب السديد أبو محمد عبد القاهر بن عبد العزيز خطيب حماة، قال: رأيت أبا الحسين ابن منير الشاعر في النوم بعد موته، وأنا على قرنة بستان مرتفعة، فسألته عن حاله وقلت له: اصعد إلي، فقال: ما أقدر من رائحتي، فقلت: تشرب الخمر فقال: شراً من الخمر يا خطيب، فقلت له: ما هو فقال: تدري ما جرى علي من هذه القصائد التي قلتها في مثالب الناس فقلت له: ما جرى عليك منها فقال: لساني قد طال وثخن حتى صار مد البصر، وكلما قرأت قصيدة منها قد صارت كلابا تتعلق في لساني، وأبصرته حافياً عليه ثياب رثة إلى غاية، وسمعت قارئا يقرأ من فوقه لهم من فوقهم ظلل من النار - الآية ثم انتبهت مرعوبا.
قلت: ثم وجدت في ديوان أبي الحكم عبيد الله الآتي ذكره أن ابن منير توفي بدمشق سنة سبع وأربعين، ورثاه بأبيات تدل على أنه مات بدمشق منها وهي هزلية على عادته في ذلك:
أتوا به فوق أعواد تسير به ... وغسلوه بشطي نهر قلوط
وأسخنوا الماء في قدر مرصصة ... وأشعلوا تحته عيدان بلوط
وعلى هذا التقدير فيحتاج إلى الجمع بين هذين الكلامين، فعساه أن يكون قد مات بدمشق قم نقل إلى حلب فدفن بها، والله أعلم.
ومنير: بضم الميم وكسر النون وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها راء.
ومفلح: بضم الميم وسكون الفاء وكسر اللام وبعدها حاء مهملة.
والطرابلسي - بفتح الطاء المهملة والراء وبعد الألف باء موحدة مضمونة ثم سين مهملة - هذه النسبة إلى طرابلس، وهي مدينة بساحل الشام قريبة من بعلبك، وقد تزاد الهمزة إلى أولها فيقال أطرابلس، وأخذها الفرنج سنة ثلاث وخمسمائة، وصاحبها يومئذ أبو علي عمار بن محمد بن عمار، بعد أن حوصرت سبع سنين، والشرح في ذلك يطول.
وجوشن: بفتح الجيم وسكون الواو وفتح الشين المثلثة ثم نون [جبل بحلب] .
مقصر الصدغ ممدود ذؤابته ... بي منه وجدان: ممدود ومقصور
سلمت فازور يزوي قوس حاجبه ... كأنني كأس خمر وهو مخمور
فيه محاسن شتى قد فتنت بها ... وكل مفتتن بالحسن معذور
مهفهف في هواه ما استجرت به ... إلا وجدت غرامي وهو منصور
وله مما يكتب على سرج:
للسبعة النيرات عن شرفي ... عجز وفي العالمين تبريج
وهل أداني في نيل مكرمة ... والبحر فوقي وتحتي الريح
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

مهذّب الملك عَينُ الزَّمَان أبو الحسين أحمد بن مُنير بن أحمد بن مُفْلح، المعروف بالرَّفَّاء الطرابلسي الشاعر المشهور، المتوفى بحلب سنة ثمان وأربعين وخمسمائة أو بعده، عن خمس وسبعين سنة.
حفظ القرآن وتأدَّب وقال الشعر وقدم دمشق فسكنها وكان رافضيًا كثير الهجاء، فحبسه صاحبها تاج الملوك بُوري وعزم على قطع لسانه ثم نفاه عنها، فأقام بحلب وكان مع ابن القيسراني في زمانه كجرير والفرزدق في المهاجاة. وله ديوان شعر جمعه نافع بن أبي الفرج الحلبي وكان يخدمه. قال ابن خلكان: زرت قبره ورأيت عليه مكتوبًا:
من زار قبري فليكنْ موقنًا ... أن الذي ألقاهُ يلقاهُ
فرحم الله أمرءا زارني ... وقال لي: يرحمُك الله
ذكره في "وفيات الأعيان".
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة. 

 

 

أحمد بن منير بن أحمد، أبو الحسين مهذب الدين:
شاعر مشهور من أهل طرابلس الشام. ولد بها، وسكن دمشق، ومدح السلطان الملك العادل (محمود بن زنكي) بأبلغ قصائده.
وكان هجّاءاً مرّا حبسه صاحب دمشق على الهجاء، وهمّ بقطع لسانه، ثم اكتفى بنفيه منها، فرحل إلى حلب وتوفي بها. له (ديوان شعر - ط) .
-الاعلام للزركلي-

 

 

شَاعِرُ الشَّامِ، أَبُو الحُسَيْنِ، أَحْمَدُ بنُ مُنَيْرِ بن أحمد بن مفلح، الأَطَرَابُلُسِيُّ الرّفَّاءُ، صَاحِبُ "الدِّيْوَانِ" المَشْهُوْرِ.
لَهُ نَظْمٌ بَدِيْع.
وَكَانَ يُلَقَّبُ بِمُهذَّب الدِّيْنِ، وَيُقَالُ لَهُ: عين الزَّمَان.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: رَأَيْتهُ مَرَّات، وَكَانَ رَافِضِيّاً، خَبِيْث الهَجْو وَالفحش، سجنه بُورِي مُدَّة، وَهَمَّ بِقطع لِسَانه، ثُمَّ تسْحَب، فَلَمَّا وَلِي شَمْس المُلُوْك عَادَ إِلَى دِمَشْقَ، فَبَلَغَ شَمْس المُلُوْك عَنْهُ أَمر، وَأَرَادَ صلبه، فَاخْتَفَى، وَهَرَبَ، ثُمَّ قَدِمَ فِي صُحْبَة الْملك نُوْر الدِّيْنِ، وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ بِحَلَبَ.
وَكَانَ هُوَ وَالقَيْسَرَانِيّ كفرسي رهان، لكن القيسراني سني دين.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.