محمد توفيق بن علي بن محمد البكري الصدّيقي:
شاعر، عالي الطبقة في عصره، وأديب مترسل، من أعيان مصر. مولده ووفاته في القاهرة. قال في ترجمة نفسه: (أنا الفقير إلى الله تعالى محمد بن علي، الملقب بتوفيق البكري الصديقي العمري سبط آل الحسن) .
تولى نقابة الأشراف ومشيخة المشايخ سنة 1309 هـ وعين (عضوا) دائما في مجلس الشورى والجمعية العمومية. وزار أوربا مرتين. وكان يجيد الفرنسية والتركية، ويتكلم الإنجليزية.
وعلت شهرته. ثم تغير عليه الخديوي عباس، فانزوى وخيّل إليه (سنة 1327) أن أعوان الخديوي يطاردونه لقتله، فأرسل إليه الخديوي يهدئ روعه، فكان (الوسواس) قد استحكم فيه.
وعانى آلاما، نقل بعدها إلى مستشفى (العصفورية) ببيروت سنة 1330 فلبث 16 عاما كان في خلالها هادئا يمضي أوقاته في التفكير والتريض ويقابل زواره وهو كامل العقل، إلا إذا ذكر الخديوي، فكان يعتقد أنه ما زال يلاحقه ليغتاله، فيهيج. وأقام بعض الأدباء ضجة في مصر يطلبون إعادته إلى بيته فأعيد سنة 1346 بعد خلع الخديوي عباس بمدة طويلة، فكان يكثر من وضع المرايا حوله، ويقول إنها تطرد الشياطين! واستمر في عزلته إلى أن توفي.
له (أراجيز العرب - ط) و (تراجم بعض رجال الصوفية - خ) وهي 76 ترجمة يظن أنها بخطه، و (بيت الصديق - ط) و (بيت السادات الوفائية - ط) و (المستقبل للإسلام - ط) و (التعليم والإرشاد - ط) و (فحول البلاغة - ط) و (صهاريج اللؤلؤ - ط) وأشهر شعره قصيدة يخاطب بها السلطان عبد الحميد بعد ظفره بحرب اليونان، مطلعها:
(أما ويمين الله حلفة مقسم ... لقد قمت بالإسلام عن كل مسلم) .
-الاعلام للزركلي-
محمد توفيق البكري
(1861 ـ 1932م)
مولده ونشأته:
هو السيد محمد توفيق بن علي بن محمد البكري الصديقي العامري الهاشمي، ولد في جمادى الثانية سنة 1287ﻫ ـ 1861م، وبعد أن درس مبادئ العلوم الأولية أُلحق في المدرسة التي أنشأها الخديوي محمد توفيق باشا لأنجاله، فتلقى العلوم النقلية والعقلية، وتعلم اللغة التركية والفرنسية والإنكليزية، واشتهر بالنجابة الفائقة بين أقرانه، ثم ترك المدرسة وأخذ يتلقى العلم على أساتذة في بيته، وفي سنة 1889م تولى مشيخة المشايخ ونقابة الأشراف مكان أخيه السيد عبد الباقي البكري، وعين عضواً بمجلس الشورى والجمعية العمومية واستقال منهما.
مواهبه العلمية: لقد أصاب ذرواً من الفنون العربية والشرعية من علم الأزهر، وقبس جذوة من الحكمة بصحبة الإمام محمد عبده، وحضور دروسه الخاصة في جامع عابدين، وتلقى غريب اللغة وآدابها عن إمامها في عصره العلامة الشيخ محمد محمود الشنقيطي الكبير، فكتب من إملائه أراجيز العرب، وشرح غريبها، ونظم الشعر، وأتقن النثر البليغ، وصنف الكتب، وكان داره (سراي الحرنفش) مثابة للوجهاء والكبراء، ونادياً للعلماء والأدباء، ونزلاً لإقامة المآدب للفضلاء والغرباء.
كان حظيًّا عند أمير مصر عباس حلمي باشا، ونال من عطف السلطان عبد الحميد، فأنعم عليه برتبة قاضي عسكر الأناضول العلمية العالمية ـ وهي تلي رتبة شيخ الاسلام ـ، وبعض الأوسمة السامية، فماذا عسى أن يطلب من المجد الطريف على مجده التليد فوق هذا، وهو عميد أرفع بيوتات المجد الديني الدنيوي في مصر عماداً، وأرسخها في الحسب والنسب أوتاداً.
آثاره الأدبية:
كان شاعراً فذًّا ومن أنبغ أعلام اللغة والأدب القديم، ومن شاء أن يشاهد تمثيل رواية الشعر القديم فليطالع شعر البكري المترجم، وهذه مؤلفاتـه الخالـدة:
1 ـ المستقبل للإسلام.
2 ـ اللؤلؤ في الأدب.
3ـ فحول البلاغة.
4 ـ صهاريج اللؤلؤ.
5 ـ سحر البلاغة.
6 ـ بيت الصديق.
7 ـ بيت السادات الوفائية.
8 ـ أراجيز العرب.
9 ـ أخبار أبي الطيب المتنبي.
مرضه:
أصيب بمرض عصبي طويل الأمد حجبه بضع عشرة سنة عن ميدان السياسة ومحافل العلم والأدب، قضى معظمها في مستشفى العصفورية في بيروت، ثم عاد إلى القاهرة وانقطع في مكتبه للمطالعة والكتابة زاهداً في المزاورة والمحاضرة والمناظرة، وكان مع مرضه حاضر الذهن، قوي الذاكرة، صائب الرأي، صحيح الحكم فيما يخوض فيه من مسائل الأدب والعلم، وكان يعثر فكره، ويأفن رأيه في الأمور السياسية، فقد جنت عليه السياسة، إذ كان وجيهاً عند اللورد كرومر عميد الاحتلال البريطاني، وكان يزوره في داره، وقد أضاعت عليه السياسة وعلى الأمة الانتفاع باستعداده النادر في مركزه الرفيع ما كان يرجى منه من خير في خدمة أدب اللغة التي كان يميل إليها بطبعه، وقد أوتي من ذكاء الفواد، ولوذعية الذهن، ومن السبق إلى المعالي ما تكبو في غاياته جياد الهمم سابقها ومصليها.
وفاته: لقد تعذر علينا معرفة تاريخ وفاته رغم مراسلة أقربائه، وأكد الذين على صلة به أنه توفي في غضون سنة 1932م أو بعدها، وقد قصرت الحكومة في تشييع جنازته، وقصر في تأبينه الخطباء، وفي رثائه الشعراء، وهو في مكانة من حملة الأقلام ومجيدي النظم والنثر.
أعلام الأدب والفن، تأليف أدهم آل الجندي الجزء الثاني – ص 450.