منصور بن محمد بن عبد الجبار التميمي المروزي

أبي المظفر السمعاني

تاريخ الولادة426 هـ
تاريخ الوفاة489 هـ
العمر63 سنة
مكان الولادةمرو - تركمانستان
مكان الوفاةمرو - تركمانستان
أماكن الإقامة
  • خراسان - إيران
  • نيسابور - إيران
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • بغداد - العراق
  • مرو - تركمانستان

نبذة

منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر، الإمام أبي المظفّر، السَّمعاني التميمي المَرْوَزِيّ، الفقيه الحنفي ثم الشافعي، ولد بمرو سنة: (426هـ)، كان بحرًا في الوعْظ، حافظًا لكثير من الرّوايات والحكايات والنُّكَت والأشعار، فظهر له القبول عند الخاصّ والعامّ، تفقّه على والده الإمام أبي منصور حتى برع في مذهب أبي حنيفة وبرز على أقرانه

الترجمة

منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر، الإمام أبي المظفّر، السَّمعاني التميمي المَرْوَزِيّ، الفقيه الحنفي ثم الشافعي، ولد بمرو سنة:(426هـ)، كان بحرًا في الوعْظ، حافظًا لكثير من الرّوايات والحكايات والنُّكَت والأشعار، فظهر له القبول عند الخاصّ والعامّ، تفقّه على والده الإمام أبي منصور حتى برع في مذهب أبي حنيفة وبرز على أقرانه، وأكبر شيوخه: أبي غانم أحمد بن علي الكراعي، ثم دخل بغداد وانتقل إلى مذهب الشافعي، من مصنفاته: الاصطلام، وقواطع الأدلة في الأصول، توفي رحمه الله بمرو سنة: (489هـ). 

ينظر: تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام للذهبي: 10/640، طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي: 5/335 ومايليها.

 

 

أبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزي السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعيّ،: مفسر، من العلماء بالحديث. من أهل مرو، مولدا ووفاة, كان مفتي خراسان، قدمه نظام الملك على أقرانه في مرو. له تفاسير السمعاني , والقواطع في أصول الفقه , وتوفي سنة (531)ه. ينظر : طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي : 7/69 ,الأعلام للزركلي: 7/303 .

 

 

السَّمْعاني
(426 - 489 هـ = 1035 - 1096 م)
منصور بن محمد بن عبد الجبار ابن أحمد المروزي السمعاني التميمي الحنفي ثم الشافعيّ،
أبو المظفر: مفسر، من العلماء بالحديث. من أهل مرو، مولدا ووفاة. كان مفتي خراسان، قدمه نظام الملك على أقرانه في مرو.
له (تفاسير السمعاني - خ) ثلاث مجلدات، و (الانتصار لاصحاب الحديث) و (القواطع - خ) في أصول الفقه، و (المنهاج لأهل السنّة) و (الاصطلام) في الرد على أبي زيد الدبوسي، وغير ذلك. وهو جد السَّمْعَاني صاحب (الأنساب) عبد الكريم بن محمد .

-الاعلام للزركلي-

 

 

 مَنْصُور بن مُحَمَّد بن عبد الْجَبَّار بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أَحْمد ابْن عبد الْجَبَّار بن الْفضل بن الرّبيع بن مُسلم بن عبد الله التَّمِيمِي الإِمَام الْجَلِيل الْعلم الزَّاهِد الْوَرع أحد أَئِمَّة الدُّنْيَا أَبُي المظفر بن الإِمَام أبي مَنْصُور ابْن السَّمْعَانِيّ

الرفيع الْقدر الْعَظِيم الْمحل الْمَشْهُور الذّكر أحد من طبق الأَرْض ذكره وعبق الْكَوْن نشره
ولد فِي ذِي الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع الحَدِيث فِي صغره وَكبره
سمع أَبَاهُ وَأَبا غَانِم أَحْمد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الكراعي وَأَبا بكر مُحَمَّد بن عبد الصَّمد الترابي الْمَعْرُوف بِأبي الْهَيْثَم وَأَبا صَالح الْمُؤَذّن وَأَبا حَاجِب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الإستراباذي وَأَبا الْحُسَيْن ابْن الْمُهْتَدي وَأَبا الْغَنَائِم بن الْمَأْمُون وَأَبا جَعْفَر بن الْمسلمَة

وَابْن هزارمرد الصريفيني وسعدا الزنجاني وهياجا الحطيني وخلقا بخراسان والعراقين والحجاز
روى عَنهُ أَوْلَاده وَأَبُو طَاهِر السنجي وَإِبْرَاهِيم المروروذي وَعمر بن مُحَمَّد السَّرخسِيّ وَمُحَمّد بن أبي بكر السنجي وَإِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد التَّمِيمِي الْحَافِظ وَخلق
شرح ابْتِدَاء حَاله وانتهاء حَده فِي اشْتِغَاله
كَانَ الإِمَام أَبُو مَنْصُور وَالِده من أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة فولد لَهُ ولدان أَحدهمَا أَبُو المظفر هَذَا وَالثَّانِي أَبُو الْقَاسِم عَليّ وتفقها عَلَيْهِ وبرعا فِي مَذْهَب أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَرَأس أَبُو الْقَاسِم وَحصل على جاه عَظِيم ونعمة زَائِدَة وَولد لَهُ أَبُو الْعَلَاء عالي بن عَليّ بن الإِمَام أبي مَنْصُور مُحَمَّد وتفقه وبرع أَيْضا فِي مَذْهَب أبي حنيفَة
وَدخل أَبُو المظفر بَغْدَاد فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة
وناظر بهَا الْفُقَهَاء وَجَرت بَينه وَبَين أبي نصر بن الصّباغ مناظرة أَجَاد فِيهَا الْكَلَام وَاجْتمعَ بالشيخ أبي إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ وَهُوَ إِذْ ذَاك حَنَفِيّ ثمَّ خرج إِلَى الْحجاز على غير الطَّرِيق الْمُعْتَاد فَإِن الطَّرِيق كَانَ قد انْقَطع بِسَبَب اسْتِيلَاء الْعَرَب فَقطع عَلَيْهِ وعَلى رفقته الطَّرِيق وأسروا وَاسْتمرّ أَبُو المظفر مأسورا فِي أَيدي عرب الْبَادِيَة صَابِرًا إِلَى أَن خلصه الله تَعَالَى

فحكي أَنه لما دخل الْبَادِيَة وأخذته الْعَرَب كَانَ يخرج مَعَ جمَالهَا إِلَى الرَّعْي قَالَ وَلم أقل لَهُم إِنِّي أعرف شَيْئا من الْعلم فاتفق أَن مقدم الْعَرَب أَرَادَ أَن يتَزَوَّج فَقَالُوا نخرج إِلَى بعض الْبِلَاد ليعقد هَذَا العقد بعض الْفُقَهَاء فَقَالَ أحد الأسراء هَذَا الرجل الَّذِي يخرج مَعَ جمالكم إِلَى الصَّحرَاء فَقِيه خُرَاسَان فاستدعوني وسألوني عَن أَشْيَاء فأجبتهم وكلمتهم بِالْعَرَبِيَّةِ فخجلوا وَاعْتَذَرُوا وعقدت لَهُم العقد فَفَرِحُوا وسألوني أَن أقبل مِنْهُم شَيْئا فامتنعت وسألتهم فحملوني إِلَى مَكَّة فِي وسط السّنة وَبقيت بهَا مجاورا وصحبت فِي تِلْكَ الْمدَّة سَعْدا الزنجاني
وَقَالَ الْحُسَيْن بن الْحسن الصُّوفِي رَفِيق أبي المظفر إِلَى الْحَج اكترينا حمارا رَكبه الإِمَام أَبُو المظفر من مرو إِلَى خرق وَهِي على ثَلَاثَة فراسخ من مرو فنزلنا بهَا وَقلت مَا مَعنا إِلَّا إبريق خزف فَلَو اشترينا آخر فَأخْرج من جيبه خَمْسَة دَرَاهِم وَقَالَ يَا حُسَيْن لَيْسَ معي إِلَّا هَذِه خُذ واشتر مَا شِئْت وَلَا تطلب مني بعد هَذَا شَيْئا
قَالَ فخرجنا على التَّجْرِيد وَفتح الله لنا ثمَّ لما قضى أَبُو المظفر حجه وَأتم نُسكه عَاد إِلَى خُرَاسَان وَدخل مرو فِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة فَلَمَّا ألْقى عَصا السّفر بهَا وَاسْتقر قلد الشَّافِعِي وَرجع عَن مَذْهَب أبي حنيفَة رحمهمَا الله وَترك طَرِيقَته الَّتِي نَاظر عَلَيْهَا أَكثر من ثَلَاثِينَ سنة

ذكر ابْتِدَاء ذَلِك وَمَا كَانَ من مُقَدمَات هَذِه النتيجة الَّتِي تمت هُنَالك
قَالَ أَبُو المظفر فِيمَا يحكيه عَن نَفسه لما اختلج فِي ذهني تَقْلِيد الشَّافِعِي وَزَاد التَّرَدُّد عِنْدِي رَأَيْت رب الْعِزَّة جلّ جَلَاله فِي الْمَنَام فَقَالَ عد إِلَيْنَا يَا أَبَا المظفر فانتبهت وَعلمت أَنه يُرِيد مَذْهَب الشَّافِعِي فَرَجَعت إِلَيْهِ
وَعَن أبي المظفر كنت فِي الطّواف بِمَكَّة فوصلت إِلَى الْحجر والملتزم وَالْمقَام وزمزم وَإِذا أَنا بِرَجُل قد أَخذ بِطرف رِدَائي من ورائي فَالْتَفت فَإِذا أَنا بالشيخ الإِمَام سعد الزنجاني فتبسمت إِلَيْهِ فَقَالَ أما ترى أَيْن أَنْت قلت لَا
قَالَ أعز مَكَان وأشرفه هَذَا الْمقَام مقَام الْأَنْبِيَاء والأولياء ثمَّ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَقَالَ اللَّهُمَّ كَمَا وصلته إِلَى أعز مَكَان فأعطه أشرف عز فِي كل مَكَان وَحين وزمان ثمَّ ضحك إِلَيّ وَقَالَ لَا تخالفني فِي سرك وارفع معي يَديك إِلَى رَبك وَلَا تقولن أَلْبَتَّة شَيْئا واجمع لي همتك حَتَّى أَدْعُو لَك وَأمن أَنْت فَبَكَيْت وَرفعت مَعَه يَدي وحرك شَفَتَيْه وَأمنت مَعَه ثمَّ أرسل يَدي وَقَالَ لي سر فِي حفظ الله فقد أُجِيب فِيك صَالح دُعَاء الْأمة فمضيت من عِنْده وَمَا شَيْء أبْغض إِلَيّ من مَذْهَب الْمُخَالفين
وَعَن الْحسن بن أَحْمد الْمروزِي قَالَ خرجت مَعَ الشَّيْخ أبي المظفر إِلَى الْحَج فَكلما دَخَلنَا بَلْدَة نزل على الصُّوفِيَّة وَطلب الحَدِيث من المشيخة وَلم يزل يَقُول فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ بَين لي الْحق من الْبَاطِل
فَلَمَّا دَخَلنَا مَكَّة نزل على أَحْمد ابْن عَليّ بن أَسد الكوجي وَدخل فِي صُحْبَة سعد الزنجاني وَلم يزل مَعَه حَتَّى صَار ببركته من أَصْحَاب الحَدِيث

وَعَن أبي نصر الأبيوردي كنت قد قُمْت لَيْلَة على وردي فركعت مَا كتب الله لي فغلبني النّوم فَرَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم كَأَنِّي على سطح عَال بِمَدِينَة مرو وَإِذا أَبْوَاب السَّمَاء قد فتحت وَرَأَيْت الْمَلَائِكَة قد جَاءُوا بزينة عَظِيمَة وَرَأَيْت نورا قد سَطَعَ من ذَلِك الْبَاب وَخرج حَتَّى صَار كَأَنَّهُ طَرِيق مُسْتَقِيم فوصل إِلَى السَّطْح وَرَأَيْت الْخَلَائق مُتَمَسِّكِينَ بِهِ يصعدون إِلَيْهِ إِلَى السَّمَاء والنور يسطع فَوْقهم فَقلت لرجل كَانَ معي مَا هَذِه العلامات فَقَالَ أما ترى مَا نَحن فِيهِ مُنْذُ اللَّيْلَة هَذَا سطح دَار ابْن السَّمْعَانِيّ الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ وَهَذَا الطَّرِيق الَّذِي أَخذ بِهِ إِلَى الْحق وَهَذَا الْخلق تبعوه يطْلبُونَ مَعَه الْحق
فَقلت هَل وصلوا أَو هم بعد فِي السّير فَقَالَ بل وصلوا وَأَعْطَاهُ الله عز وَجل السَّبِيل الْمُسْتَقيم
فانتبهت فَزعًا فَأَصْبَحت واكتريت دَابَّة وَجئْت إِلَى مرو فَوَجَدته قد انْتقل إِلَى مَذْهَب أَصْحَاب الحَدِيث
وَعَن سعد بن أبي الْخَيْر الميهني كنت بميهنة بَين النَّائِم وَالْيَقظَان فَرَأَيْت نورا ساطعا من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَقلت مَا هَذَا فَقَالَ لي قَائِل من المشهد هَذَا نور بَينه الله لِعِبَادِهِ من بَين المراوزة
فَرَأَيْت خُرَاسَان بأسرها قد أَصَابَهَا ذَلِك النُّور فَلَمَّا أَصْبَحْنَا حكيت للصوفية وَإِذا بِابْن السَّمْعَانِيّ قد انْتقل من مذْهبه

وَعَن أبي بكر مُحَمَّد بن أَحْمد بن سعيد الإِمَام النسوي رَأَيْت لَيْلَة فِي الْمَنَام كَأَنِّي أَمْشِي فِي الصَّحرَاء فانتهيت إِلَى مَوضِع يتشعب مِنْهُ طرق مُخْتَلفَة فَإِذا أَنا بِالْإِمَامِ أبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ وَهُوَ وَاقِف على رَأس الطّرق كالمتحير يلْتَفت يمنة ويسرة فَسمِعت صائحا يَصِيح يَا أَبَا المظفر أقبل إِلَيّ فَإِن الجادة هَذِه فَمضى الإِمَام أَبُو المظفر على يَمِينه نَحْو الصَّوْت وتبعته وَهُوَ يترنم بِبَيْت من الشّعْر
(الطّرق شَتَّى طَرِيق الْحق مُنْفَرد ... والسالكون سَبِيل الْحق أَفْرَاد)
فانتهيت إِلَى مَوضِع نزه فَإِذا نَحن بشاب حسن الْوَجْه طيب الرَّائِحَة وَاقِف على بُسْتَان فِيهِ أَشجَار وأنهار مَا رَأَيْت أحسن مِنْهُ وَإِذا حوالي الْبُسْتَان قُصُور فِي نِهَايَة الْحسن فَدخل الإِمَام أَبُو المظفر الْبُسْتَان واستقبله جوَار وغلمان وأظهروا السرُور بقدومه فَسَأَلت بعض من يليني من هَذَا الْوَاقِف على الْبَاب فَقَالَ رضوَان خَازِن الْجنَّة وَهَذِه الْقُصُور والبساتين لأبي المظفر بن السَّمْعَانِيّ
فانتبهت فَبعد ذَلِك بأيام بلغنَا انْتِقَاله إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي
وَلما اسْتَقر انْتِقَاله إِلَى مَذْهَب الشَّافِعِي وانفصاله عَن الرَّأْي النعماني قَامَت الْحَرْب على سَاق واضطربت بَين الْفَرِيقَيْنِ نيران فتْنَة كَادَت تملأ مَا بَين خُرَاسَان وَالْعراق واضطرب أهل مرو لذَلِك اضطرابا وَفتح المخالفون للمشاقة أبوابا وَتعلق أهل الرَّأْي بِأَهْل الحَدِيث وَسَارُوا إِلَى بَاب السُّلْطَان السّير الحثيث وَلم يرجِعوا إِلَى ذَوي الرَّأْي وَالنَّهْي وَلَا وقفُوا عِنْد مقَالَة من أَمر وَنهى وَعدلُوا وَمَا عدلوا وحملوا حَملَة رجل وَاحِد وَعَن الصَّوَاب عدلوا وراموا إخفاء ضوء الْبَدْر وَقد برزت ضمائره

وقصدوا كتم الصَّباح وكركيه مجاب على مُدَّة محلق يمْلَأ الدُّنْيَا بشائره وَالشَّيْخ أَبُو المظفر ثَابت على رُجُوعه غير ملتفت إِلَى مَحْمُول الْكَلم وموضوعه مُسْتَقر على الِانْتِقَال مُسْتَمر على الارتحال هجره لذَلِك أَخُوهُ أَبُو الْقَاسِم فزجره وَلم يلو على لوم اللائم وَكتب إِلَيْهِ كَيفَ خَالَفت مَذْهَب الْوَالِد فِي كَلِمَات كَانَ غير نَاظر إناها وَلَا قَائِل فِي جوابها إِلَّا
(وَكنت امْرأ لَا أسمع الدَّهْر سبة ... أمس بهَا وَإِلَّا كشفت غطاها)
وتعاتبا وَلم يزدْ أَحدهمَا أَخَاهُ إِلَّا امتناعا وَكَانَا كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(بليت بِصَاحِب إِن أدن شبْرًا ... يزدني فِي مباعدة ذِرَاعا)
(كِلَانَا جَاهد أدنو وينأى ... فَذَلِك مَا اسْتَطَعْت وَمَا استطاعا)
ثمَّ قبل أَبُو الْقَاسِم عذر أبي المظفر وَوجه إِلَيْهِ ابْنه أَبَا الْعَلَاء عالي بن عَليّ بن مُحَمَّد للتفقه عَلَيْهِ وَصَارَت السمعانية شافعية بعد أَن كَانُوا حنفيه فالحنفيه من السمعانية الإِمَام أَبُو مَنْصُور وَولده أَبُو الْقَاسِم عَليّ وَولده أَبُو الْعَلَاء عالي وَالشَّافِعِيَّة الإِمَام أَبُو المظفر وَأَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده وكل سمعاني جَاءَ بعده

وَمن ثَنَاء الْأَئِمَّة على الشَّيْخ أبي المظفر
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ لَو كَانَ الْفِقْه ثوبا طاويا لَكَانَ أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ طرازه
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بن إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَبُو المظفر بن السَّمْعَانِيّ شَافِعِيّ وقته
وَقَالَ عَليّ بن أبي الْقَاسِم الصفار إِذا ناظرت أَبَا المظفر فَكَأَنِّي أناظر رجلا من التَّابِعين
وَقَالَ عبد الغافر الْفَارِسِي أَبُو المظفر وحيد عصره فِي وقته فضلا وَطَرِيقَة وزهدا وورعا
وَقَالَ ابْن ابْنه الْحَافِظ أَبُو سعد ابْن الإِمَام أبي بكر بن أبي المظفر السَّمْعَانِيّ هُوَ إِمَام عصره بِلَا مدافعة وعديم النّظر فِي وقته وَلَا أقدر على أَن أصف بعض مناقبه وَمن طالع تصانيفه وأنصف عرف مَحَله من الْعلم
صنف التَّفْسِير الْحسن الْمليح الَّذِي استحسنه كل من طالعه
وأملى الْمجَالِس فِي الحَدِيث وَتكلم على كل حَدِيث بِكَلَام مُفِيد وصنف التصانيف فِي الحَدِيث مثل منهاج أهل السّنة والانتصار وَالرَّدّ على الْقَدَرِيَّة وَغَيرهَا
وصنف فِي أصُول الْفِقْه القواطع وَهُوَ يُغني عَن كل مَا صنف فِي ذَلِك الْفَنّ
وَفِي الْخلاف الْبُرْهَان وَهُوَ مُشْتَمل على قريب من ألف مَسْأَلَة خلافية والأوساط والمختصر الَّذِي سَار فِي الأقطار الْمُسَمّى بالاصطلام رد فِيهِ على أبي يَد الدبوسي وَأجَاب عَن الْأَسْرَار الَّتِي جمعهَا
انْتهى
ذكره فِي الْأَنْسَاب

قلت وَلَا أعرف فِي أصُول الْفِقْه أحسن من كتاب القواطع وَلَا اجْمَعْ كَمَا لَا أعرف فِيهِ أجل وَلَا أفحل من برهَان إِمَام الْحَرَمَيْنِ فبينهما فِي الْحسن عُمُوم وخصوص

وَكَانَ رُجُوع أبي المظفر عَن مَذْهَب أبي حنيفَة فِي دَار ولي الْبَلَد ملكانك بِحُضُور أَئِمَّة الْفَرِيقَيْنِ فِي شهر ربيع الأول سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة واضطرب أهل مرو وَأدّى الْأَمر إِلَى تشويش الْعَوام وَالْخُصُومَة بَين أهل المذهبين وأغلق بَاب الْجَامِع الأقدم وَترك الشَّافِعِيَّة الْجُمُعَة إِلَى أَن وَردت الْكتب من جِهَة ملكانك من بَلخ فِي شَأْنه وَالتَّشْدِيد عَلَيْهِ فَخرج عَن مرو لَيْلَة الْجُمُعَة أول لَيْلَة من شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وصحبة الشَّيْخ الْأَجَل ذُو المجدين أَبُو الْقَاسِم الموسوي وَطَائِفَة من الْأَصْحَاب وَسَار إِلَى طوس ثمَّ قصد نيسابور واستقبلوه اسْتِقْبَالًا عَظِيما حسنا وَكَانَ فِي نوبَة نظام الْملك وعميد الحضرة أبي سعيد مُحَمَّد بن مَنْصُور فأكرموا مورده وأنزلوه فِي عز وحشمة وَعقد لَهُ مجْلِس التَّذْكِير وَكَانَ بحرا فِيهِ حَافِظًا لكثير من الحكايات والنكت والأشعار فَظهر لَهُ الْقبُول عِنْد الْخَاص وَالْعَام واستحكم أمره فِي مَذْهَب الشَّافِعِي ثمَّ عَاد إِلَى مرو وَعقد لَهُ مجْلِس التدريس فِي مدرسة أَصْحَاب الشَّافِعِي والتذكير وَعلا شَأْنه وَقدمه نظام الْملك على أقرانه وَكَانَ خليقا بذلك من أَئِمَّة الْمُسلمين وأعلام الدّين يَقُول مَا حفظت شَيْئا فَنسيته وَجَمِيع تصانيفه على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلم يُوجد لَهُ شَيْء على مَذْهَب أبي حنيفَة

توفّي يَوْم الْجُمُعَة ثَالِث عشرى ربيع الأول سنة تسع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة بمرو
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَن أبي المظفر ومستحسن كَلَامه
ونفتتح بدعائه فِي خطْبَة كِتَابه الاصطلام قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل صَدْرِي خزانَة توحيدك ولساني مِفْتَاح تمجيدك وجوارحي خدم طَاعَتك فَإِنَّهُ لَا عز إِلَّا فِي الذل لَك وَلَا غنى إِلَّا فِي الْفقر إِلَيْك وَلَا أَمن إِلَّا فِي الْخَوْف مِنْك وَلَا قَرَار إِلَّا فِي القلق نَحْوك وَلَا روح إِلَّا فِي النّظر إِلَى وَجهك وَلَا رَاحَة إِلَّا فِي الرِّضَا بقسمك وَلَا عَيْش إِلَّا فِي جوَار المقربين عنْدك
وَقَالَ فِي بَاب الرِّبَا فِي مَسْأَلَة أَن الْعلَّة الطّعْم الْفِقْه صَعب مرامه شَدِيد مراسه لَا يعْطى مقاده لكل أحد وَلَا ينساق لكل طَالب وَلَا يلين فِي كل حَدِيد بل لَا يلين إِلَّا لمن أيد بِنور الله فِي بَصَره وبصيرته ولطف مِنْهُ فِي عقيدته وسريرته وَعِنْدِي أَن الْفِقْه أولى بِهَذَا النّظر من النَّحْو حَيْثُ قَالَ قَائِلهمْ
(النَّحْو صَعب وطويل سلمه ... إِذا ارْتقى فِيهِ الَّذِي لَا يُعلمهُ)
(زل إِلَى الحضيض مِنْهُ قدمه ... يُرِيد أَن يعربه فيعجمه)
وَرجح القَوْل بِأَن الصَّفْقَة متحدة وَإِن تعدد المُشْتَرِي ثمَّ أبعد فَقَالَ بالاتحاد وَإِن جَوَّزنَا إِفْرَاد أَحدهمَا حِصَّته بِالرَّدِّ
وَالْمَعْرُوف أَن هَذَا القَوْل مَأْخُوذ من القَوْل بِمَنْع الْإِفْرَاد

قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ فِي الرسَالَة القوامية وَكَانَ صنفها لنظام الْملك فِي تَقْدِيم أَدِلَّة الْإِمَامَة قَالَ أهل السّنة أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أفضل الصَّحَابَة فِي جَمِيع الْأَشْيَاء
قَالَ وَجُمْلَة من وسم بالنفاق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَيف وَثَمَانُونَ رجلا

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

الإِمَامُ العَلاَّمَةُ، مُفْتِي خُرَاسَان، شَيْخُ الشَّافعيَة، أَبُو المُظَفَّرِ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ بن أَحْمَدَ التَّمِيْمِيّ، السَّمْعَانِيُّ، المَرْوَزِيّ، الحَنَفِيُّ كَانَ، ثُمَّ الشَّافِعِيُّ.
وُلِدَ سَنَةَ ستٍّ وَعِشْرِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ: أَبَا غَانم أَحْمَد بن عَلِيٍّ الكُراعي، وأبا بكر بن عبد الصمد التُّرَابِيَّ، وَطَائِفَةً بِمَرْوَ، وَعبدَ الصَّمد بنَ المَأْمُوْنِ، وَطَبَقَته بِبَغْدَادَ، وَأَبَا صالحٍ المُؤَذِّنَ، وَنَحْوَهُ بِنَيْسَابُوْرَ، وَأَبَا عليٍّ الشَّافِعِيَّ، وَأَبَا القَاسِمِ الزنجَانِيَّ بِمَكَّةَ، وَأَكْبَرُ شيخٍ لَهُ الكُرَاعِيُّ، وَبَرَعَ فِي مَذْهَب أَبِي حَنِيْفَةَ عَلَى وَالِدِهِ العَلاَّمَة أَبِي مَنْصُوْرٍ السَّمْعَانِيّ، وَبَرَّزَ عَلَى الأَقرَان.
رَوَى عَنْهُ: أَوْلاَدُهُ، وَعُمَر بن مُحَمَّدٍ السَّرْخَسيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الفَاشَانِي، وَمُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ السِّنْجِيّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ الغَازِي، وَأَبُو سَعْدٍ بنُ البَغْدَادِيّ، وخلقٌ كَثِيْرٌ.
حَجَّ عَلَى البرِيَّة أَيَّامَ انْقَطَع الرَّكْبُ، فَأُخِذَ هُوَ وجماعةٌ، فَصَبَرَ إِلَى أَنْ خلَّصَهُ الله مِنَ الأَعرَاب، وَحَجَّ وَصَحِبَ الزَّنْجَانِي. كَانَ يَقُوْلُ: أَسَرونَا، فَكُنْتُ أَرْعَى جِمَالَهُم، فَاتَّفَقَ أَنَّ أَمِيْرَهُم أَرَادَ أَنْ يُزَوِّج بِنْته، فَقَالُوا: نَحتَاجُ أَن نَرحلَ إِلَى الحَضَر لأَجْل مَنْ يَعْقِدُ لَنَا. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَّا: هَذَا الَّذِي يَرْعَى جِمَالَكُم فَقِيْهُ خُرَاسَان، فَسَأَلونِي عَنْ أَشيَاءَ، فَأَجبتُهُم، وَكلمتُهُم بِالعَرَبِيَّة، فَخَجِلُوا وَاعتَذَرُوا، فَعقدتُ لَهُم العَقْدَ، وَقُلْتُ الخُطبَةَ، فَفَرِحُوا، وَسَأَلونِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْهُم شَيْئاً، فَامتنعتُ، فَحملونِي إِلَى مَكَّةَ وَسَط العَام.
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي "تَارِيْخِهِ": هُوَ وَحِيدُ عصره فِي وَقته فَضْلاً وَطرِيقَةً، وَزُهْداً وَوَرِعاً، مِنْ بَيْتِ العِلْم وَالزُّهْد، تَفَقَّهَ بِأَبِيْهِ، وَصَارَ مِنْ فُحُوْل أَهْلِ النَّظَر، وَأَخَذَ يُطَالِعُ كتبَ الحَدِيْث، وَحَجَّ وَرَجَعَ، وَتركَ طرِيقَتَه الَّتِي نَاظَرَ عَلَيْهَا ثَلاَثِيْنَ سَنَةً، وَتَحَوَّلَ شَافِعيّاً، وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ ثمانٍ وَسِتِّيْنَ، فَاضْطَرَب أَهْلُ مَرْو، وَتَشَوَّشَ العَوَامُّ، حَتَّى وَردت الكُتُب مِنَ الأَمِيْرِ بِبَلْخَ، فِي شَأْنه وَالتَّشدِيْدِ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ مِنْ مَرْوَ، وَرَافقه ذُو المَجْدَيْنِ أَبُو القَاسِمِ المُوسَوِي، وَطَائِفَةٌ مِنَ الأَصْحَاب وَفِي خِدمته عِدَّةٌ مِنَ الفُقَهَاء، فَصَارَ إِلَى طُوْس، وَقَصَدَ نَيْسَابُوْرَ، فَاسْتقبله الأَصْحَابُ اسْتِقبالاً عَظِيْماً أَيَّامَ نِظَام المُلك، وَعَمِيد الحضرَة أبي سعد، فأكرموه، وأنزل في عزٍّ وَحِشْمَةٍ، وَعُقِدَ لَهُ مَجْلِسُ التَّذكير فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَّة، وَكَانَ بَحْراً فِي الوعظِ، حَافِظاً، فَظَهَرَ لَهُ القَبُولُ، وَاسْتَحكمَ أَمرُه فِي مَذْهَب الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَرْوَ، وَدَرَّس بِهَا فِي مَدرسَةِ الشَّافعيَة، وَقَدَّمه النِّظَام عَلَى أَقرَانِهِ، وَظَهر لَهُ الأَصْحَابُ، وَخَرَجَ إِلَى أَصْبَهَانَ، وَهُوَ فِي ارْتقَاء.
صَنَّفَ كِتَاب "الاصْطِلاَم"، وَكِتَاب "البُرْهَان"، وَلَهُ "الأَمَالِي" فِي الحَدِيْثِ، تَعصب لأَهْل الحَدِيْث وَالسُّنَّة وَالجَمَاعَة، وَكَانَ شَوكاً فِي أَعْيُن المُخَالفِيْن، وَحُجَّةً لأَهْلِ السّنَّة.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ: صَنَّف جَدِّي التفسير، وفي الفقه والأصول وَالحَدِيْث، وَ "تَفْسِيْرُهُ" ثَلاَثُ مُجلَّدَات، وَلَهُ "الاِصطِلامُ" الَّذِي شَاع فِي الأَقطَار، وَكِتَاب "القَوَاطع" فِي أُصُوْل الفِقْه، وَلَهُ كِتَاب "الانتصَار بِالأَثر" فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالفِيْن، وَكِتَاب "المِنْهَاج لأَهْل السُّنَّة"، وَكِتَاب "القَدَر"، وَأَملَى تِسْعِيْنَ مَجْلِساً. سَمِعْتُ مَنْ يَحكِي عَنْ رفِيق جَدِّي فِي الحَجِّ حُسَيْن بن حَسَنٍ، قَالَ: اكتَرَينَا حِمَاراً، رَكبه الإِمَامُ أَبُو المُظَفَّرِ إِلَى خَرَق، وَبَينهَا وَبَيْنَ مَرْو ثَلاَثَةُ فَرَاسخ، فَنَزَلنَا، وَقُلْتُ: مَا مَعَنَا إلَّا إِبرِيق خَزف، فَلَو اشتَرَينَا آخرَ? فَأَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ: يَا حُسَيْن، لَيْسَ مَعِي إلَّا هَذِهِ، خُذْ وَاشتَرِ، وَلاَ تَطْلُبْ بَعْدهَا مِنِّي شَيْئاً. قَالَ: فَخَرَجْنَا عَلَى التَّجرِيْد، وَفتح اللهُ لَنَا.
وَسَمِعْتُ شَهْردَار بنَ شِيْرَوَيْه، سَمِعْتُ مَنْصُوْرَ بن أَحْمَدَ، وَسَأَلَهُ أَبِي، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ حَنفِيّاً، فَبدَا لِي، وَحججتُ، فَلَمَّا بلغتُ سَمِيْرَاء، رَأَيْتُ رَبَّ العِزَّةِ فِي المَنَامِ، فَقَالَ لِي: عُدْ إِلَيْنَا يَا أَبَا المُظَفَّر، فَانْتبهتُ، وَعلمتُ أَنَّهُ يُرِيْد مَذْهَبَ الشافعي، فرجعت إليه.
وَقَالَ الحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ الحَاجِي: خَرَجتُ مَعَ أَبِي المُظَفَّر إِلَى الحَجِّ، فَكُلَّمَا دخلنَا بَلَدَةً، نَزل عَلَى الصُّوْفِيَّة، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ، وَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِيَ الحَقَّ، فَلَمَّا دَخلنَا مَكَّةَ، نَزلَ عَلَى أَحْمَدَ بنِ عَلِيِّ بن أَسَدٍ، وَصَحِبَ سَعْداً الزَّنْجَانِي حَتَّى صَارَ مُحَدِّثاً.
وَقَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ الهَمَذَانِيِّ الحَافِظ: سَمِعْتُ أَبَا المُظَفَّر السَّمْعَانِيّ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي الطَّوَاف، فَوصلتُ إِلَى المُلْتَزَمِ، وَإِذَا بِرَجُل قَدْ أَخَذَ بردَائِي، فَإِذَا الإِمَامُ سعدٌ، فَتبسَّمتُ، فَقَالَ: أَمَّا تَرَى أَيْنَ أَنْتَ?! هَذَا مقَامُ الأَنْبِيَاء وَالأَوليَاء، ثُمَّ رفع طَرْفَه إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا سُقْتَهُ إِلَى أَعزِّ مَكَان، فَأَعْطِهِ أَشْرَف عزٍّ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ، ثُمَّ ضَحِكَ إِلَيَّ، وَقَالَ: لاَ تُخَالِفْنِي فِي سِرِّكَ، وَارفَعْ يَديك مَعِي إِلَى رَبِّك، وَلاَ تَقُوْلنَّ البَتَّةَ شَيْئاً، وَاجمعْ لِي هِمَّتَك حَتَّى أَدعُوَ لَكَ، وَأَمِّنْ أَنْتَ، وَلاَ يُخَالِفْنِي عَهدُكَ القَدِيْمُ، فَبَكَيْتُ، وَرفعتُ مَعَهُ يَديَّ، وَحرَّك شَفَتَيْه، وَأَمَّنتُ، ثُمَّ قَالَ: مُرَّ فِي حِفْظِ الله، فَقَدْ أُجيبَ فِيك صَالِحُ دُعَاءِ الأُمَّة، فَمضيتُ وَمَا شيءٌ أَبغضَ إِلَيَّ مِنْ مَذْهَب المخَالفِيْن.

وَبِخَطِّ أَبِي جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ إِمَام الحَرَمَيْنِ يَقُوْلُ: لَوْ كَانَ الفِقْه ثَوْباً طَاوياً، لَكَانَ أَبُو المُظَفَّرِ السَّمْعَانِيّ طِرَازَهُ.
وَقَالَ الإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ بنُ الصَّفَّارُ: إِذا نَاظرتُ أَبَا المُظفَّر، فَكَأَنِّي أُنَاظِرُ رَجُلاً مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِيْنَ، مِمَّا أَرَى عليه من آثار الصالحين.
قَالَ أَبُو سَعْدٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الوَفَاءِ عَبْدُ اللهِ بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُوْك أَبُو بَكْرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا حَفِظتُ شَيْئاً فَنسيتُه.
وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ: سَمِعْتُ أَبَا الأَسَعْد بن القُشَيْرِيِّ يَقُوْلُ: سُئِلَ جَدُّك بِحُضُوْر وَالِدي عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَات، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِدِيْنِ العَجَائِزِ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وُلِدَ جَدِّي سَنَة "426"، وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الجُمُعَةِ, الثَّالِثَ وَالعِشْرِيْنَ مِنْ رَبِيْع الأَوّل, سَنَة تِسْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ. عَاشَ ثَلاَثاً وستين سنة رحمه الله.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.