محمد بن داود الداودي المقدسي أبي البركات شمس الدين

تاريخ الولادة942 هـ
تاريخ الوفاة1006 هـ
العمر64 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • دمشق - سوريا
  • القدس - فلسطين
  • مصر - مصر

نبذة

مُحَمَّد بن دَاوُد المنعوت شمس الدّين بن صَلَاح الدّين الداودى القدسى الدمشقى الشافعى الْمُحدث الْفَقِيه علم الْعلمَاء الاعلام والمفتى الْمدرس الْهمام قَرَأَ بالقدس على الْعَلامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبى اللطف المقدسى وَغَيره ثمَّ رَحل الى مصر وَأخذ عَن جمَاعَة من المصريين مِنْهُم النَّجْم الغبطى.

الترجمة

مُحَمَّد بن دَاوُد المنعوت شمس الدّين بن صَلَاح الدّين الداودى القدسى الدمشقى الشافعى الْمُحدث الْفَقِيه علم الْعلمَاء الاعلام والمفتى الْمدرس الْهمام قَرَأَ بالقدس على الْعَلامَة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أَبى اللطف المقدسى وَغَيره ثمَّ رَحل الى مصر وَأخذ عَن جمَاعَة من المصريين مِنْهُم النَّجْم الغبطى والناصر الطبلاوى وَالْجمال يُوسُف ابْن القاضى زَكَرِيَّاء والخطيب الشربينى وَالشَّمْس الرملى وَدخل دمشق فَأخذ بهَا عَن الْبَدْر الغزى ولازم دروسه وَأعَاد للعلامة اسمعيل النابلسى بالشامية وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَكَانَ لَهُ مُشَاركَة جَيِّدَة فى الْفِقْه ومسايرة تَامَّة فى الْمعَانى وَالْبَيَان وَسَائِر عُلُوم الْعَرَبيَّة واستحضار جيد للشواهد والامثال وَأما الحَدِيث فَكَانَ فِيهِ متقنا ماهرا وَلما دخل دمشق سكن فى حجرَة فى العزيزية وَكَانَ فَقِيرا فسعى لَهُ شَيْخه النابلسى الْمَذْكُور فى أَقسَام من الْعِمَارَة السليمانية ثمَّ ولى مشيخة الحافظية خَارج دمشق ودرس فى الحَدِيث بالجامع الاموى بعد موت الْبَدْر الغزى وَبِه اشْتهر فأقرأ صَحِيح مُسلم ثمَّ صَحِيح البخارى ثمَّ السِّيرَة وَكَانَ يقْرَأ بَين يَدَيْهِ الشَّيْخ مُحَمَّد الحادى الصيداوى ونقلت عَن خطه مَا نَصه وَقع الْخَتْم للسيرة النَّبَوِيَّة بِقِرَاءَة الشَّيْخ مُحَمَّد الحادى على الْفَقِير بِجَامِع بنى أُميَّة عَشِيَّة الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف وحضره جمع من الْعلمَاء والمشايخ والطلبة وَغَيرهم وأملينا فِيهِ حديثين وهما مِمَّا ذكره الْحَافِظ العراقى فى أَمَالِيهِ أَحدهمَا حَدِيث اعذار الله الى عبد أخر عمره الى السِّتين أَو السّبْعين وَذكر ان البخارى رَوَاهُ من غير أوالسبعين وَالْآخر حَدِيث قَالَ رجل يَا رَسُول الله أى النَّاس خير قَالَ من طَال عمره وَحسن عمله قَالَ فأى النَّاس شَرّ قَالَ من طَال عمره وساء عمله فسقناهما باسنادين منا الى النبى
وَكَذَا مَا أملاه فى مَعْنَاهُمَا عقب املائهما وَهُوَ قَوْله نظما
(أكملت فى ذَا الْيَوْم سبعين سنه ... مرت وَمَا كَأَنَّهَا الا سنه)
(لم أدخر فِيهَا سوى توحيده ... وَحسن ظنى فِيهِ وَهُوَ حسنه)
(مَا حَال من لم يتعظ بزاجر ... وفى مراعى اللَّهْو أرْخى رسنه)
(قد أعذر الله الذى السِّتين هَل ... يلفى مسئ عمل أَو محسنه)
(وان شَرّ النَّاس من طَالَتْ بِهِ ... حَيَاته وَفعله مَا أحْسنه)
(وان خير النَّاس من طَالَتْ بِهِ ... حَيَاته وَفعله قد أحْسنه)
(لكننا نأمل من خالقنا ... عَافِيَة دائمة مستحسنه)
(متعنَا الله بأسماع تعى ... وأعين باصرة وألسنه)
(ونرتجى عِنْد انقضا آجالنا ... ختما بِخَير ووفاة حسنه)
(وانما النَّاس نيام من يمت ... مِنْهُم أَزَال الْمَوْت عَنهُ وسنه)
قَالَ وَقلت أَنا من لفظى لنفسى عقب املائى لما ذكر يَوْم الْخَمِيس عشرى شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَألف وَهُوَ
(أدْركْت فى ذَا الْعَام سِتِّينَ سنه ... وَقد مَضَت مثل خيال وسنه)
(ظلمت فِيهَا النَّفس ظلما بَينا ... قصرت عَن كسب الْخِصَال الحسنه)
(لم آل جهدا فى اتباعى للهوى ... وَلم أحصل قربا مستحسنه)
(واخجلتا فى مَوَاقِف الْعرض اذا ... يصير سر كل شخص علنه)
(لَكِن ظنى فى كريم حسن ... ينيلنى من الْجَمِيل حسنه)
(الا أجى يَوْم اللقا معترفا ... بالفقر وَالْعجز وذل المسكنه)
(مرتجيا غفرانه عَن زلتى ... بخصلتين كل احدى حسنه)
(توحيده بِالْقَلْبِ منى مخلصا ... كَذَاك نشرى للنبى سنَنه)
(فالفوز أَرْجُو من الهى بِالرِّضَا ... فى جنَّة الفردوس دَار المأمنه)
(وبشفاعة النبى أرتجى ... منزلَة تقرب فِيهَا وَطنه)
(فصل با رب عَلَيْهِ دَائِما ... وَاجعَل الهى ختم عمرى أحْسنه)
وَلما وقفت على مَا أسْندهُ الْحَافِظ أَبُو الْفضل العراقى الى الامام أَبى الْقَاسِم الرافعى مِمَّا أملاه من لَفظه لنَفسِهِ وَلم يذكر تَارِيخ املاء الرافعى لذَلِك وَلَا مَكَانَهُ وَذكر تَارِيخ املائه هُوَ لَهُ ومكانه وَهُوَ الْمجْلس الْمِائَة الْوَاقِع بِالْقَاهِرَةِ بِالْمَدْرَسَةِ القراسنقرية يَوْم الثُّلَاثَاء تَاسِع جُمَادَى الاولى سنة سبع وَتِسْعين وَسَبْعمائة وَهُوَ
(طُوبَى لمن طيب أوقاته ... اذا نأى عَنْكُم بذكراكم)
(اذا دنا عطر أردانه ... بِمَا يغِيظ الْمسك رياكم)
(كل فؤاد بكم مغرم ... وكل عين تترضاكم)
(اذا حييتُمْ فدعونى أمت ... فانما محياى محياكم)
(رفقا بِمن صَار أَسِيرًا لكم ... أما ترقون لاسراكم)
(أمالكم فى وَجهه سيمة ... روحى فدَاء لثناياكم)
(أمالكم فى شَأْنه رَحْمَة ... رحمنا الله واياكم)
فَقلت أَنا من لفظى لنفسى وأمليته عقد ختمى لمجلس الْوَعْظ على الكرسى بالجامع الاموى فى يَوْم الِاثْنَيْنِ سلخ شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ بعد الألف
(اذا حضرتم واجتمعنا بكم ... فقد تَمَتعنَا برؤياكم)
(وان نأت عَن دَارنَا داركم ... فقد تداوينا بذكراكم)
(طُوبَى لمن أنستموه بكم ... فَهُوَ بِغَيْب يتراآكم)
(وَقد سكنتم فى سويدائه ... فأينما وَجه يلقاكم)
(فَالْعَبْد مِنْكُم واليكم وفى ... بَاب رضاكم يترجاكم)
(وَمَاله من سَبَب موصل ... الى مناه غير رحماكم)
(فَمن يُرْجَى جودكم صَادِقا ... تولوه من فيض عطاياكم)
وَكَانَ يعظ يَوْم الاحد وَالْخَمِيس من كل جِهَة فى الاشهر الثَّلَاثَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان عَن ظهر قلب وَكَانَ الوعاظ غَيره يعظون النَّاس من الكراريس فثار جمَاعَة الشهَاب الطيبى الْمُتَوفَّى فى سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة اليه وَقَالُوا كَيفَ يأتى رجل غَرِيب ويعظ غيبا وَأَنت شيخ الوعاظ والمفسرين بِدِمَشْق وتعظ النَّاس من الكراريس فَلَا زَالُوا بِهِ حَتَّى ترك الكراريس وَصَارَ يملى فى التَّفْسِير وَغَيره ففاق على الداودى لانه كَانَ وَاسع الصَّوْت فصيح الْعبارَة سريع الاملاء وَكَانَ الداودى منخفض الصَّوْت وَله فى لِسَانه رتة الا انه كَانَ صَحِيح الْعبارَة حسن الاستحضار عَلَيْهِ مهابة الْعلمَاء وَله سكينَة وَولى آخر تدريس الاتابكية بالصالحية وانتفع بِهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ من الْفُضَلَاء الْمشَار اليهم أنبلهم الْحسن البورينى فانه أَخذ عَنهُ الحَدِيث وَذكره فى تَارِيخه وَأَطْنَبَ فى مدحه على عَادَته ثمَّ قَالَ وَكَانَ مَعَ كَمَال فَضله وَغَايَة فطنته ونبله ينظم الشّعْر البديع الذى يعْتَرف بحسنه البديع كتب الى وكتبت اليه وَأورد على وأوردت عَلَيْهِ فَمن ذَلِك أرسل الى ملغزا فى ورد فَقَالَ
(يَا اماما قد حَاز كل الْمعَانى ... ورقى للعلى بِغَيْر توانى)
(دمت للمجد والفضائل كنزا ... دَائِما آمنا من الْحدثَان)
(مَا اسْم شئ لَهُ حُرُوف ثَلَاث ... وحروف تزيد فَوق ثَمَان)
(واذا مَا حرفته كَانَ دأبا ... لذوى الدّين من أولى الْعرْفَان)
(وَكَذَا مَا حذفت أول حرف ... مِنْهُ أضحى فعلا لماضى الزَّمَان)
(واذا مَا عكست ذَا الامر تلقى ... جوهرا فى نحور حورحسان)
(واذا مَا بدلت أول حرف ... مِنْهُ بَاء أضرّ بالانسان)
(أَو بجيم فوصف ثوب معنى ... فَاقِد الْقُوت عادم الامكان)
(أَو بفاء أبدلته فَهُوَ وصف ... للاله الْمُهَيْمِن الديَّان)
(أَو بنُون فَذا حرَام علينا ... معشر النَّاس من أولى الايمان)
(واذا قلبه أزلت تَجدهُ ... لَك فى قلب خلص الاخوان)
(واذا مَا أبدلت بِالْقَلْبِ عينا ... صَار مِمَّن تحب أقْصَى الامانى)
(أَو بغين أبدلته فَهُوَ وصف ... لرقيب مِنْهُ الكروب أعانى)
(أَو بفاء فاسم لمن لحماكم ... أم يَرْجُو منا هَل الاحسان)
(أَو بقاف فوصف مَا بفؤادى ... للقاكم من لاعج النيرَان)
(وَهُوَ مَا يبْقى بالجسم للنَّاس دهرا ... وبروح ان جِسْمه صَار فانى)
(وَيسر النُّفُوس فى مجْلِس الانس اذا ضَاعَ نشره فى الْمَكَان ... )
(وَهُوَ فى وَجه من تحب ترَاهُ ... وَاضحا دَائِما مدى الازمان)
(ورد اللغز نَحْو بابك يسْعَى ... يرتجى حلّه بِحسن الْبَيَان)
(فأجب سيدى فَلَا زلت أَهلا ... للمعالى فى نعْمَة وأمان)
قَالَ وَهَذَا الْجَواب الذى كتبته اليه وَهُوَ
(أمعان بَدَت لنا من مبانى ... أم عُقُود فاقت عُقُود الجمان)
(أم سلاف راقت ورقت فَلَمَّا ... مَا زجتنى غَدَوْت كَالسَّكْرَانِ)
(أم حبيب مواصل بعد هجر ... من لطفا بِقُرْبِهِ والتدانى)
(أم نظام قد جَاءَنَا من امام ... وَاحِد الدَّهْر مَاله فِيهِ ثانى)
(فظباء الْعُلُوم ترتع زهوا ... فى رباه مَا بَين تِلْكَ المغانى)
(مَا امْرُؤ الْقَيْس فى القريض وَقس ... عِنْدَمَا قلت يَا امام الزَّمَان)
(أَنْت بَحر الندى وَحبر المعالى ... أَنْت انسان عين هَذَا الزَّمَان)
(أَنْت شمس لَكِن بِغَيْر كسوف ... أَنْت بدر لَكِن بِلَا نُقْصَان)
(لَك يَا أوحد الزَّمَان بَيَان ... قد غَدا حاويا بديع الْمعَانى)
(كل أهل الْعُلُوم ركن وَلَكِن ... أَنْت مولاى عُمْدَة الاركان)
(فَضلكُمْ شَامِل الانام فانى ... وَاجِد شكركم بِكُل لِسَان)
(كل شخص أَتَى يؤم حماكم ... شملته هواطل الاحسان)
(جَاءَ من در بَحر فضلك لغز ... فاق لطفا قَائِد العقيان)
(هُوَ روض وفاح مِنْهُ عبير ... فغدا مذكرى خدود الحسان)
(ان هَذَا وَالله سحر حَلَال ... فاتنى حلّه بِعقد اللِّسَان)
(كَانَ فى خُفْيَة فَهبت عَلَيْهِ ... نسمات الافكار والاذهان)
(فأثارت مِنْهُ العبير فاضحى ... وَاضحا ظَاهرا لعين جنانى)
(واذا مَا قلبته قلب بعض ... صَار دور ايا كَامِل الْعرْفَان
(واذا مَا حذفت قلبا فَيبقى ... مشبهى صدغ شادن فتان)
(فِيهِ نشر حكى ثنائى عَلَيْكُم ... لعطاء كالوابل الهتان)
(يَا اماما سما على كل سَام ... فعلا رفْعَة على كيوان
(خُذ جَوَابا أَتَاك يبدى قصورا ... هن حَلِيف الهموم والاحزان)
(أَيْن نظم القريض من فكر شخص ... أغرقته مواطر الاشجان)
(عاندته يَد الزَّمَان فاضحى ... فى مَكَان وقصده فى مَكَان)
(ثمَّ قل لى مَا اسْم ثلاثى وضع ... ثُلُثَاهُ عش دَائِما فى أَمَان)
(واذا مَا فتحت عينا ترَاهُ ... صَار فعلا لماضى الازمان)
(آخر مِنْهُ مثل علمك طود ... أول مِنْهُ أَنْت فى الانسان)
(لَيْسَ يَخْلُو مِنْهُ لطيف وإنى ... صرت مِنْهُ فى النَّاس كالحيران)
(ان تصحفه تلقه ضد ضوء ... فِيهِ أبكى من زَائِد الهجران)
(فاكشفنه وأوضحن لِمَعْنى ... دمت فى رفْعَة مدى الازمان)
(مَا تغنت على الاراكة ورق ... فأمالت مَوَائِد الاغصان)
قَالَ فأجابنى بقوله بِهَذِهِ وهى
(أَيهَا الْفَاضِل الذى فى الْمعَانى ... وَبَيَان علا بديع الزَّمَان)
(يَا فصيحا قد فاق فى الْفضل قسا ... وبليغا أربى على سحبان)
(من يجارى جواد فكرك يكبو ... طرفه فى غَدَاة يَوْم الرِّهَان)
(هَكَذَا هَكَذَا القريض والا ... فالاحق السُّكُوت للانسان)
(قد حللت الْمَعْقُود أحسن حل ... وعقدت المحلول عقد الجمان)
(وبذكر الخدود هيمت قلبا ... كَانَ من قبل زَائِد الهيمان)
(وبواو الاصداغ وَالدَّال أضحى ... لى دور فى فى الْورْد وَالريحَان)
(وحوى نظم عقد لفظك لغزا ... سَاب الرّوح من يَد الجثمان)
(هُوَ شئ لَهُ على النَّاس حكم ... من تولى عَلَيْهِ أصبح عانى)
(حَاكم ظَالِم لطيف عنيف ... بَاطِن ظَاهر بِلَا كتمان)
(جَائِر فى قُضَاته لَيْسَ يخْشَى ... من وَزِير علا وَلَا سُلْطَا)
(وَقُلُوب الاسود بالرغم أمست ... مِنْهُ قهرا مراتع الغزلان)
(كم لَهُ فى الاحياء مثلى قَتِيلا ... من كماة لَدَى الوغى شجعان)
(وَهُوَ فى اللَّفْظ ذُو حُرُوف ثَلَاث ... ولدى الْبسط وَاحِد مَعَ ثَمَان)
(أول مِنْهُ ان بدا لى أنادى ... مرضى من مرضة الاجفان)
(وأخير مماثل طور سينا ... عَكسه فاق شامخ الْبُنيان)
(ان تفصل حُرُوفه وتصحف ... تلقه فى مفصل الْقُرْآن)
(وتراه مُصحفا عَاد كالصبح ... اذا من هَاجر بالندانى)
(وَهُوَ فى الْقلب كامن وتراه ... ناطقا مفصحا بِغَيْر لِسَان)
(ثُلُثَاهُ أودعته فى مقالى ... عِشْت دهرا ممتعا فى أَمَان)
(خُذ جَوَابا بَينته لَك حَتَّى ... صَار من بعد وَاضح التِّبْيَان)
(ثمَّ دم راقيا سَنَام المعالى ... حائز الْمجد فائق الاقران)
(مَا جرى بَين أهل فضل سُؤال ... وَجَوَاب يفوق زهر الْجنان)
وَمِمَّا أوردهُ النَّجْم الغزى مَا أنْشدهُ اياه قَوْله
(لَوْلَا ثَلَاث هن من ودى ... مَا كنت أخْشَى الرمس فى لحدى)
(ان أنشر السّنة أبغى بهَا ... نصرا على الْحَاسِد والضد)
(وأتلو الْقُرْآن لَيْلًا اذا ... نَام الورى فى الْفرش والمهد)
(وان أرى فى عمل مخلصا ... لَدَى الاله الْوَاحِد الْفَرد)
(فهى ثَلَاث أرتجى فى غَد ... أرقى بهَا فى جنَّة الْخلد)
قَالَ النَّجْم مولده كَمَا سمعته من لَفظه ثمَّ قرأته من خطه فى أحد الربيعين سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى يَوْم الاربعاء ثَالِث شعْبَان سنة بعد الالف وَكَانَت جنَازَته حافلة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير قَالَ وَكَانَ سَبَب مَوته مرض عقب غيظ حصل لَهُ فى مجْلِس عقده عَلَيْهِ شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا حِين كَانَ قَاضِيا بالشأم بِسَبَب حمية لابى زَوجته السَّيِّد أَبى بكر الحصرى بِسَبَب دَعْوَى سبقت مِنْهُ فى زمن الْمولى كَمَال الدّين حُسَيْن كَانَ قاضى الشأم على زين الدّين بن المريد أَنه سبه وَسَب أجداده وَكَانَت مفتراة على ابْن المريد أَن يذب عَن عرضه وَيدْفَع مَا سجل عَلَيْهِ من الدَّعْوَى فعرضت صُورَة الدَّعْوَى على شُيُوخ الْعَصْر فوجدوها متناقضة هى وَالشَّهَادَة وبينوا التَّنَاقُض فعارف فى ذَلِك الداودى فَجمع قاضى الْقُضَاة الْعلمَاء مِنْهُم شَيخنَا القاضى محب الدّين الحنفى وَالشَّيْخ شهَاب الدّين العيثاوى الشافعى وَكَانَا قد أفتيا بِعَدَمِ مُطَابقَة الشَّهَادَة للدعوى فعارضهما الداودى وأيد أهل الْمجْلس كَلَامهَا وأفهموا القاضى مَا أفهماه وَوَقع من القاضى فى حَقه بِسَبَب انه قَالَ معتذرا عَن قِيَامَة فى ذَلِك الْمُصَاهَرَة تقتضى المناصرة وَقَالَ لَهُ القاضى لَا تكْتب على الْفَتْوَى بعْدهَا فَحصل لَهُ غيظ وانزعاج وَمرض من يَوْمئِذٍ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الذى مَاتَ فِيهِ ابرهيم بن الطباخ الْمُقدم ذكره دخل ضحوة النَّهَار جمَاعَة يعودون الداودى فَبَيْنَمَا هم عِنْده اذ دخل عَلَيْهِ منلا على العجمى الاعرج وَكَانَ من أصدقائه وتلاميذه فَقَالَ لَهُ أعظم الله أجركُم فى الشَّيْخ ابراهيم بن الطباخ فتألم الداودى وتأوه وتأسف عَلَيْهِ وتكدر الْمجْلس لما كَانَ بَينهمَا من الصداقة والتلاميذ فَخرج النَّاس فَقَالَ لاخيه الشَّيْخ عبد الْقَادِر أقعدنى يَا أخى فأقعده فلقف ثَلَاث لقفات وَمَات لوقته رَحمَه الله تَعَالَى
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.

 

 

محمد بن محمد بن محمد بن داود المقدسى
أبو البركات.
كان أديبا ناظما ناثرا، وكان حيا سنة 983 .
ترجم له فى خلاصة الأثر 4/ 145 - 152 باسم محمد بن داود: شمس الدين بن صلاح الدين الداودى القدسى الدمشقى الشافعى المحدث الفقيه. ثم ذكر أنه قرأ بالقدس على العلامة: محمد بن محمد بن أبى اللطف المقدسى وغيره. ثم رحل إلى مصر، وأخذ عن جماعة من المصريين منهم النجم الغيطى والشربينى، والرملى، ودخل دمشق فأخذ بها عن البدر الغزى، ولازم دروسه واشتغل معيدا مع العلامة إسماعيل النابلسى، وأخذ عنه العلوم العقلية والنقلية، وكانت له مشاركة تامة فى الفقه والمعانى والبيان وكان فى الحديث متقنا ماهرا ثم ولى مشيخة الحافظية خارج دمشق، ودرس الحديث بالجامع الأموى- بعد موت البدر الغزى، ثم أقرأ صحيح مسلم والبخارى، والسيرة النبوية. وولى آخر تدريس الأتابكية بالصالحية.
من نظمه يخاطب تلميذه بدر الدين حسن البورينى ما لغزا :
يا اماما حوى كمال المعالى … ورقى للعلى بغير توان 
دمت للمجد والفضائل أهلا … دائما آمنا من الحدثان
ما اسم شئ له حروف ثلاث … وحروف تزيد فوق ثمان
فإذا ما حرفته كان دأبا … لذوى الدّين من أولى العرفان
وإذا ما حذفت أوّل حرف … منه أضحى فعلا لماضى الزمان
وكذا مصدر وتحريف هذا … فعل أمر أوضحته فى بيانى
وإذا ما عكست ذا الأمر تلقى … جوهرا فى نحور حور حسان
وإذا ما أبدلت أول حرف … منه باء أضرّ بالإنسان
أو بجيم فوصفها ثوب معنى … فاقد القوت عادم الإمكان
أو بفاء أبدلته فهو وصف … للإله المهيمن الديّان
أو بنون فذا حرام علينا … معشر الناس من أولى الإيمان
وإذا قلبه أزلت تجده … لك فى قلب خالص الإخوان
وإذا ما أبدلت بالقلب عينا … صار ممن تحب أقصى الأمانى
أو بغين أبدلته عاد وصفا … لرقيب منه الكروب أعانى
أو بفاء فاسم لمن لحماكم … أمّ يرجو مناهل الإحسان
أو بقاف فوصف ما بفؤادى … للقاكم من لاعج النيّران
وهو يبقى بالجسم فى الناس دهرا … وبروح إن جسمه صار فانى
وهو فى وجه من تحبّ تراه … واضحا دائما مدى الأزمان
ويلين النّفوس فى مجلس الأ … نس إذا ضاع نشره فى المكان
ورد اللغز نحو بابك يسعى … يرتجى حلّه بحسن بيان
فأجب سيدى فلا زلت أهلا … للمعالى فى نعمة وأمان
فأجابه بدر الدين وألغز هو أيضا، فقال:
أمغان بدت لنا أم معانى … أو عقود فاقت عقود جمان؟ !
أم سلاف راقّت ورقت فلما … مازجتنى غدوت كالسّكران؟ !
أم حبيب مواصل بعد هجر … منّ لطفا بقريه والتدانى؟ !
أم نظام قد جاءنا من إمام … واحد الدهر ما له فيه ثانى؟ !
وظباء العلوم ترتع زهوا … فى رباه ما بين تلك المغانى
ما امرؤ القيس فى القريض وقسّ … عند ما قلت يا بديع المعانى
أنت بحر النّدى وفخر المعالى … أنت إنسان عين هذا الزمان
أنت شمس لكن بغير كسوف … أنت بدر لكن بلا نقصان
لك يا واحد الزمان بيان … قد غدا جامعا عقود المعانى
كلّ أهل العلوم ركن ولكن … أنت مولاى عمدة الأركان
فضلكم شامل الأنام وإنّي … واجد شكركم بكلّ لسان
كلّ [شخص أتى يؤمّ حماكم … شملته هواطل الإحسان
جاء] من درّ بحر فضلك لغز … فاق لطفا قلائد العقيان
هو روض قد فاح منه عبير … فغدا مذكرى خدود الحسان
إن هذا-والله-سحر حلال … فاتنى حلّه بعقد لسانى
كان فى خفية، فهبّت عليه … نسمات الأفكار والأذهان
فإذا ما قلبته قلب بعض … صار دورا يا كامل العرفان
وإذا ما حذفت قلبا تراه … مشبهى صدغ شارد فتّان
وحليفا للشوك أضحى فقلنا … عمرك الله كيف يلتقيان
يا إماما سما على كلّ سام … فعلا رفعة على كيوان
خد جوابا أتاك يبدى قصورا … من حليف الهموم والأحزان
أين نظم القريض من فكر شخص … أغرقته خواطر الأشجان
عاندته يد الزمان؛ فأضحى … فى مكان. وقصده فى مكان 
[ثم قل لى ما اسم ثلاثىّ وضع … ثلثاه عش دائما فى أمان
وإذا ما فتحت عينا تراه … صار فعلا يلقى لماضى الزّمان
آخر منه مثل علمك طود … أول منه أنت فى الإنسان
ليس يخلو منه لطيف وإنّي … صرت منه فى الناس كالحيران
إن تصحّفه تلقه ضدّ ضوء … فيه أبكى من زائد الهجران
فاكشفنه وأوضحن لمعمّى … دمت فى نعمة مدى الأزمان
ما تغنّت على الأراكة ورق … فأمالت موائد الأغصان ...
فأجابه محمد بن داود بقوله:
أيها الفاضل الذى فى المعانى … وبيان علا بديع الزمان
يا فصيحا قد فاق فى الفضل قسّا … وبليغا أربى على سحبان
من يحارى جواد فكرك يكبو … طرفه فى غداة يوم الرهان
هكذا هكذا القريض وإلا … فالأحقّ السّكوت للإنسان
قد حللت المعقود أحسن حلّ … وعقدت المحلول عقد الجمان
وبذكر الحدود هيّمت قلبا … كان من قبل زائد الهيمان
وبواو الأصداغ والدال أضحى … لى دور فى الورد والريحان
وحوى نظم عقد لفظلك لغزا … سلب الروح من يد الجثمان
هو شئ له على الناس حكم … من تولّى عليه أصبح عانى
حاكم، عالم، لطيف، عنيف … باطن، ظاهر، بلا كتمان
جار فى أحكامه ليس يخشى … من وزير علا ولا سلطان
وقلوب الأسود بالرغم أمست … منه قهرا مراتع الغزلان
كم له فى الأحبّاء مثلى قتيل … من كماة لدى الوغى شجعان
[و] هو فى اللفظ ذو حروف ثلاث … ولدى البسط واحد مع ثمان
أول منه إن بدا لى أنادى … مرتضى من مريضة الأجفان
وأخير مماثل طور سينا … عكسه فاق شامخ البنيان
إن تفصّل حروفه وتصحف … تلقه فى مفصّل القرآن
وتراه مصحّفا عاد كالصبح … إذا من هاجر بالتدانى
وهو فى القلب كامن وتراه … ناطقا مفصحا بغير لسان
ثلثاه أودعته فى مقالى … عشت دهرا ممتعا فى أمان
خذ جوابا بينته لك حتى … صار من بعد واضح التّبيان]
فلتدم راقيا سنام المعالى … حائز المجد فائق الأقران
[ما جرى بين أهل فضل سؤال … وجواب يفوق زهر الجنان] ... 
كان إنشاد النظم المذكور فى أوائل سنة 983 .
كان مولده سنة 942 ووفاته سنة 1006 على ما فى الخلاصة.
- ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال» المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ‍).