زنكي بن آق سنقر التركي أبي المظفر عماد الدين أبي سعيد
الأتابك زنكي
تاريخ الولادة | 478 هـ |
تاريخ الوفاة | 541 هـ |
العمر | 63 سنة |
مكان الولادة | حلب - سوريا |
مكان الوفاة | جعبر- الرقة - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
زنكي (عماد الدين) بن قسيم الدولة الحاجب آق سنقر:
أبو غازي ومودود ومحمود. كان من كبار الشجعان عرّفه ابن الأثير (في الباهر) بالملك الشهيد. ونوه بأن والده آق سنقرهو أول ملوك الدولة الأتابكية في الموصل. وكان تركيا من أصحاب ملكشاه بن ألب أرسلان. مات وابنه زنكي صغير فتواصى به أصحاب أبيه إلى أن شب وتولى مدينة واسط إقطاعا. وقاد ميمنة الجيش في حرب الخليفة المسترشد باللَّه مع دبيس ابن صدقة (في محرم 517) فظفر. وأقطع البصرة فحماها من الأعراب. وتتابعت الأحداث فتولى الموصل وسائر بلاد الجزيرة (521) وسلم إليه السلطان محمود ولده (فرخشاه) ليربيه، ولهذا قيل له (أتابك) وتملك حلب (22) واستفحل أمر الفرنج في الشام والعراق، فتصدى لهم وأجلاهم عن حلب وحماة (524) وأخذ منهم حصن الأثارب بعد معارك وتوغل في ديار بكر (528) ثم عاد إلى شيزر وسير جيشا إلى دمشق أدخلها في طاعته وأظهر دهاء مع الفرنج (534) واستعاد منهم الرها (539) وبينما كان يحاصر قعلة جعبر ويقاتل من فيها دخل عليه بعض مماليكه وهو نائم فقتلوه غيلة ودفن بصفين .
-الاعلام للزركلي-( تاريخ الولادة غير دقيق )
زنكي بن آقسنقر [عماد الدين أبو الجود، كان أبوه والي حلب للسلطان ملكشاه، قتله تتش. نشأ زنكي في حضانة أتابكات الموصل وصار من قواد السلاجقة حتى وصل مقام شحنة بغداد ثم نصبه السلطان محمود السلجوقي آتابكا على الموصل في سنة 523 بعد أن بذل له في كل سنة مائة ألف دينار وهدايا ومثله للخليفة وملك فيها مدينة حلب وحماة وأسر ملكها سونج بن تاج الملوك وفي سنة 524 مَلَك بلادًا كثيرة من الجزيرة ومن بلاد الإفرنج وجرت له معهم حروب طويلة انتصر عليهم وقتل خلقًا من جيش الروم حين قدم الروم إلى الشام. قال العماد قتله بعض مماليكه وهو سكران وقد كان من خيار الملوك وأحسنهم صورة وسيرة وكان شجاعًا حازمًا، خضعت له ملوك الأطراف وملك الموصل ابنه سيف الدين غازي وحلب ابنه الآخر نور الدين محمود].
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.
الملك عماد الدين الأتابك زنكي بن الحاجب قسيم الدولة آقسنقر ابن عَبْدِ اللهِ التُّرْكِيُّ، صَاحِبُ حَلَبَ.
فَوَّضَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ مَحْمُوْدُ بنُ مَلِكْشَاه شِحْنَكِيَّة بَغْدَاد فِي سنة إحدى عَشْرَةَ وَخَمْس مائَةٍ فِي العَامِ الَّذِي وُلِدَ لَهُ فِيْهِ ابْنُهُ الملكُ العَادلُ نورُ الدِّينِ الشَّهِيْدُ، ثُمَّ إِنَّهُ حَوَّلَهُ إِلَى مدينَةِ المَوْصِلِ، فَجَعَله أَتَابَكاً لولدِهِ المُلَقَّبِ بِالخفَاجِيِّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
ثُمَّ اسْتولَى عَلَى البِلاَدِ، وَعَظُمَ أَمرُهُ، وَافتَتَحَ الرُّهَا، وَتَملَّكَ حلبَ وَالمَوْصِلَ وَحَمَاةَ وَحِمْصَ وَبَعْلَبَكَّ وَبَانِيَاسَ، وَحَاصَرَ دِمَشْقَ، وَصَالَحهُم عَلَى أَنْ خطبُوا لَهُ بِهَا بَعْدَ حُرُوْبٍ يَطولُ شرحهَا. وَاسْتنقذَ مِنَ الفِرَنْجِ كَفرطَابَ وَالمَعَرَّةَ، وَدَوَّخَهُم، وَشغلهُم بِأَنْفُسِهِم، وَدَانت لَهُ البِلاَدُ.
وَكَانَ بَطَلاً شُجَاعاً مِقْدَاماً كَأَبِيْهِ، عَظِيْمَ الهيبَةِ، مليحَ الصُّوْرَةِ، أَسْمَرَ جَمِيْلاً، قَدْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ، وَكَانَ يُضْرَبُ بِشَجَاعَتِهِ المَثَلُ، لاَ يَقرُّ وَلاَ يَنَامُ، فِيْهِ غَيْرَةٌ حَتَّى عَلَى نسَاءِ جندِهِ، عَمَرَ البِلاَدَ.
قَصَدَ حلبَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ، وَكَانَتْ لِلبُرْسُقِيِّ قَدِ انتزعهَا مِنْ بَنِي أُرْتُق، ثُمَّ وَلِيهَا ابْنُهُ مَسْعُوْدٌ، وَالنَّائِبُ بِهَا قَيمَاز، ثُمَّ بَعْدُ قتلغ، فَنَازلهَا جوسلين ملك الفِرَنْج، فَبذلُوا لَهُ مَالاً، فَترحَّلَ، وَجَاءَ التَّقليدُ مِنَ السُّلْطَانِ مَحْمُوْدٍ بِحَلَبَ لزَنْكِي، فَدَخَلهَا، وَرتَّبَ أمورها، وافتتح مدائن عدة، ودوخ الفِرَنْج، وَكَانَ أَعدَاؤُهُ مُحيطينَ بِهِ مِنَ الجهَاتِ، وَهُوَ يَنْتصفُ مِنْهُم، وَيستولِي عَلَى بلادِهِم.
قَالَ ابْنُ وَاصِلٍ: لَمْ يُخلِّفْ قسيمُ الدَّوْلَةِ مَمْلُوْكُ السُّلْطَانِ أَلب آرسلاَن وَلداً غَيْر زَنكِي، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ عشر سِنِيْنَ، فَالْتَفَّ عَلَيْهِ غلمَانُ أَبِيْهِ وَربَّاهُ كربوقَا، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ.
قُلْتُ: نَازلَ زَنْكِي قَلْعَةَ جَعْبَر، وَحَاصَرَ ملكَهَا عَلِيَّ بنَ مَالِكٍ، وَأَشرفَ عَلَى أَخْذِهَا، فَأَصْبَحَ مَقْتُولاً، وَفَرَّ قَاتلُهُ خَادمُهُ إِلَى جَعْبَر، وَذَلِكَ فِي خَامِسِ رَبِيْعٍ الآخر سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَتَمَلَّكَ ابْنُهُ نورُ الدِّينِ بِالشَّامِ، وَابْنُهُ غَازِي بِالمَوْصِلِ.
وَقَالَ ابْنُ الأَثِيْرِ: وَثَبَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مماليكه في الليل، وهربوا إلى جعبر، فصاحب أَهْلُهَا، وَفَرِحُوا.
زَادَ عُمُرُ زَنكِي -رَحِمَهُ اللهُ- على الستين.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
زنكي بن آق سنقر :
أبو المظفر التركي، وقيل آق سنقر بن الترغال من قبيلة ساب يو، وقيل إن آق سنقر كان مملوكا للسلطان ملك شاه وقد ذكرنا ذلك في ترجمته، ويعرف زنكي بأتابك بن قسيم الدولة، لأنه كان عنده ولدان للسلطان محمود بالموصل يربيهما، وكان مولده بحلب في أيام ولاية أبيه في سنة ثمانين وأربعمائة، وربي بها، وكان في أول أمره مضافا الى آق سنقر البرسقي ، والبرسقي شحنة بغداد، وولاه البصرة، فلما عزل البرسقي عن شحنكية بغداد فارق البصرة وقصد السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، فأكرمه وأقطعه البصرة وأعاده اليها في سنة ثمان عشرة وخمسمائة، ثم ترقت به الحال الى أن ملك الموصل في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وكان ختلغ آبه بحلب وأساء السيرة مع أهلها، فحصروره، وبالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن أرتق، فأجمع رأي ختلغ آبه وسليمان على أن سارا الى أتابك زنكي ويحكماه فيما يفعل، فلم يوقع لواحد منهما بحلب، وتوجه إليها فقدمها، وكان له أتراب بحلب من الحلبيين، قد تربي بينهم، فكانوا يميلون إليه لذلك فسلموا الى نائبه حلب في شهر رمضان سنة احدى وعشرين وخمسمائة وتوجه إليها فتسلمها في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة في جمادى الآخرة وتوجه بعد ذلك الى السلطان محمود، وعاد في سنة ثلاث وعشرين ومعه توقيع مجدد بولاية الجزيرتين والشام وحلب والشط، وملك: حمص، وحماة، وبعلبك، والرقة ودارا، وحران، ورأس عين، واشتغل بمحاربة الفرنج، ففتح من أيديهم معرة النعمان، وكفر طاب وبارين والأثارب وزردنا وتل أعذى، وبزاعا، وسروج والرها، وكان له أثر عظيم في نصرة الإسلام، وكف عادية الفرنج ومهد لمن بعده فتح البلاد، بعد أن كان الفرنح قد ضايقوا مدينة حلب واستولوا على حصونها، وأخذوا المناصفة من المسامين الى بابها، فأغاثهم الله بزنكي وبولده من بعده.
وكان زنكي ملكا عظيما وشجاعا جبارا، كثير العظمة والتجبر، وهو مع ذلك يراعي أحوال الشرع وينقاد إليه، ويكرم أهل العلم، وبلغني أنه كان إذا قيل له: أما تخاف الله خاف من ذلك، وتصاغر في نفسه فأظهر الله تعالى سره المحمود في ولده محمود.
أنبأنا أبو اليمن الكندي عن الأستاذ أبي عبد الله محمد بن علي العظيمي- ونقلته من خط العظيمي- قال في حوادث سنة إحدى وعشرين وخمسمائة قال، بعد ذكر حصار الحلبين وبدر الدولة بن أرتق وابراهيم بن الملك رضوان ختلغ آبه غلام السلطان محمود: وطال الأمر على ختلغ آبه وحفروا خندقا حول القلعة، فكلما خرج منها رجل أو دخل اليها أخذ، الى نصف ذي الحجة وصل الأمير سنقر دراز، والأمير حسن قراقش، وجماعة أمراء في عسكر قوي الى باب حلب، واتفق الأمر على أن يسير بدر الدولة وختلغ آبه الى باب الموصل الى عماد الدين قسيم الدولة بن قسيم الدولة زنكي بن آق سنقر، الى الموصل، فلمن ولى عاد الى منصبه، وأقام بحلب الأمير حسن قراقش والرئيس ابن بديع، فأصلح عماد الدين بينهما، ولم يوقع لأحد منهما، وطمع بملك البلد، وسير سرية الى حلب مع الأمير الحاجب صلاح الدين العمادي، فوصل الى حلب، وأطلع الى القلعة واليا من قبله، ورتب الأمور وجرت على يده على السداد، وهو الذي تولى إنزاله وإليه إطمأن.
وقال العظيمي: سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، في جمادى الآخرة منها وصل الأمير عماد الدين قسيم الدولة أبو سعيد زنكي بن آق سنقر قسيم الدولة الى حلب وملكها، وصعد القلعة، وبات بها وعاد الى نقرة بني أسد، وقبض على ختلغ آبه، وحمله الى حلب وسلّمه الى عدوه ابن بديع، فكحلوه بداره في النصف من رجب.
وقال العظيمي: وفي جمادى الآخرة- يعني- من سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة عاد الأمير عماد الدين قسيم الدولة زنكي من عند السلطان الى الموصل ومعه طغراء بتجديد الجزيرتين والشام وحلب والشط، وما اتصل بذلك، بعدما خرج عن يده بالدركاه مائة وعشرون ألف دينار.
قال: وفي مستهل رجب- يعني- من سنة أربع وعشرين، وصل عماد الدين زنكي بن آق سنقر الى أكناف الفرات وفتح قلعة السن ، وسير سرية تقدمت مع الثقل الى باب حلب، ونهضت الخيل أغارت على بلد عزاز، وعاثوا في بلد جوسلين مقابلة له على قديم قبيحه في غيبة الأمير قسيم الدولة، ثم عبر الأمير قسيم الدولة بتاريخ الأحد ثامن عشرين رجب، فخيم بظاهر حلب، وتكررت الرسل في الصلح، فاصطلحوا مدة سنة، وكان الأمير قد رعى زرع الرها في طريقه وظفر بالتركمان أيضا وكسرهم.
قال: وفي هذه المدة تزوج أتابك قسيم الدولة بخاتون بنت الملك رضوان، ودخل بها ليلة الاثنين في عشرين من شعبان.
قال: وفي يوم الاثنين عاشر شوال تسلم أتابك عماد الدين حماه، وقبض على خير خان صاحب حمص، وأنهب عسكره وخف الى حمص، فنزل ربضها، وطلب من أولاد خير خان التسليم، فامتنعوا وشبت الحرب بينهم وشنّع على الأمير أطسيس ابن ترك فقتلوه، ورمي برأسه، ونقبوا القلعة فبطل النقب ونصبت المجانيق فبطلت، وطال الشرح، فهجم الشتاء، فعاد العسكر الى حلب ثاني ذي الحجة.
وقال فيها: يعني- سنة خمس وعشرين وخمسمائة في المحرم، سار أتابك عماد الدين مشرقا يوم الخميس غرته، وكان السلطان محمود شتى ببغداد، فلما كان في ثالث عشر ربيع الآخر شرق نحو أصبهان وبلغه أن أخاه باين بالعداوة، فرد أمر العراق الى عماد الدين قسيم الدولة زنكي مضافا الى ما كان في يده من الجزيرة والشام، هذا كله ودبيس مقيم بفم البرية يتواعد بغداد بالخراب، وبلغ أتابك عماد الدين وفاة السلطان محمود بن تبر، وهو على القريتين، فسار نحو الموصل ليلة الخميس سادس عشر شوال ومعه دبيس.
وكان لهذا السلطان عند الأمير ولدان أحدهما الذي كانت أمه عند سنقر البرسقي وماتت، اسمه ألب أرسلان أبو طالب، والآخر الذي كان عند دبيس، فبعث عماد الدين يسوم المسترشد أن يخطب لأبي طالب ولد السلطان، فاعتذر المسترشد إليه بأنه صبي، وأن المنقول رسم لولده داود وهو بأصبهان، وقد وصلت رسل البلاد كلها تقول: اخطب لداود فنحن له طائعون، وأنا منتظر جواب كتاب سنجر عم القوم، وكان أتابك عماد الدين قد أخذ خبر عودة ابن الأنباري رسول الخليفة من دمشق، كان المسترشد نفذه في معنى دبيس الى تاج الملوك، فوجده قد صار الى عماد الدين، فعاد وكانت في صحبته قافلة عظيمة فيها أموال، فبعث عماد الدين إليه سرية للقبض عليه، فقبضوا عليه ونهبوا القافلة في كياد الخليفة وفك القيود عن دبيس وخلع عليه، وحمل له من المال والجوهر والخيل والعدد ما لا حدّ عليه، وخرج من الدار التي كان يشرب فيها وسلمها إليه بآلاتها وكل ما فيها» .
قلت: وبعد ذلك وصل داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه الى زنكي، فأخذه وسار به الى بغداد وأنزله في دار السلطنة ببغداد، وزنكي في الجانب الغربي والخليفة إذ ذاك الراشد بعد قتل المسترشد، فوصل السلطان مسعود الى بغداد فحصرهم بها، فوقع الوباء في عسكره، فسار الى أرض واسط ليعبر الى الجانب الغربي، فاغتنم زنكي غيبته، وسار الى الموصل وسار داود الى مراغة ، وبلغ الخبر الى السلطان مسعود، فعاد فهرب الراشد ولحق أتابك زنكي بالموصل، ودخل مسعود بغداد، فبايع محمدا المقتفي، وخطب له ببغداد وأعمال السلطان وبقيت الخطبة بالشام والموصل على حالها الى أن اتفق زنكي والسلطان مسعود واصطلحا، وخطب بالشام والموصل للمقتفي ولمسعود، وفارق الراشد إذ ذاك زنكي، وسار عن الموصل الى خراسان، وذلك في سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة.
قرأت بخط القاضي علاء الدين أبي محمد الحسن بن ابراهيم بن الخشاب في تاريخ مختصر عمله أبو شجاع محمد بن علي بن شعيب الفرضي البغدادي المعروف بابن الدهان، وذكر: أنه نقله من خطه، قال في حوادث سنة إحدى وعشرين: واتفق الأمر على أن يسير بدر الدولة وخطلبا الى باب الموصل الى عماد الدين زنكي، فلمن ولى عاد الى منصبه وأقام بحلب الأمير قراقش والرئيس فضائل بن بديع، فأصلح عماد الدين بينهما، ولم يوقع لأحد منهما، وسيّر سرية الى حلب صحبة الحاجب صلاح الدين العمادي، فوصل الى حلب وطلع الى القلعة، وأقام فيها واليا من جانبه.
وقال: وفي هذه السنة- يعني- سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة دخل عماد الدين زنكي بن آق سنقر الى حلب في يوم الاثنين رابع عشر جمادى الآخرة والطالع السنبلة أربع عشرة درجة، وطالعه الأصلي الميزان، كذا حكى لي البرهان، وقبض على خطلبا وسلمه الى ابن بديع فكحله في منتصف رجب سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة، قال: وانحاز قاضي القضاة الزينبي الى الموصل في ولاية الراشد والآن عاد وسمع البينة في خلع الراشد وانضاف الى الراشد لما أصعد الى الموصل أبو الفتوح الواعظ الإسفرائيني وجلال الدين بن صدقة الذي كان وزيره، وقوام الدين بن صدقة وأكابر بيت صدقة، وحصل الجماعة عند زنكي بالموصل، ولما اتفقت الكلمة على المقتفي لأمر الله وعلى السلطان مسعود استشعر الراشد من زنكي، وطلب منه أن يعبر الى الجانب الغربي ليمضي الى همذان، فمشى بين يديه الى أن حصل في الشبارة وعبر وتخلف عند زنكي جلال الدولة صدقة وجماعة من بيته، وسمعت قوام الدين صدقة يحكي أن الراشد لما حصل على شاطىء دجلة بالموصل يريد العبور وزنكي بين يديه، قال لأبي الرضا بن صدقة: أريد أقتل زنكي، فقال أبو الرضا لابن عمه قوام الدين: قل لزنكي يسرع خطوه بحيث يبعد عن الراشد، ففعل، وعرف زنكي ذلك لأبي الرضا، فاستوزره، ومضى الراشد الى أصفهان وصحبته أبو الفتوح الإسفرائيني وأقام عليها الى أن قتل.
وقال: في خامس عشر جمادى الآخرة- يعني- سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، فتح زنكي الرّها، كان نازلا على آمد فكتب إليه رئيس حران يخبره أن صاحب الرها قد توجه الى الشام، فأغذ زنكي السير حتى نزل على الرّها، وحال بينها وبين صاحبها، وحاصرها أشد الحصار، وفتحها بالسيف فغنم المسلمون منها.
قرأت في تاريخ أبي المحاسن بن سلامة بن الحرّاني لحران، دفعه إليّ الخطيب سيف الدين أبو محمد عبد الغني بن شيخنا فخر الدين أبي عبد الله محمد بن الخضر بن تيمية، وذكر لي أنه نقله من خط شيخه المؤلف أبي المحاسن، قال: وفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة نزل- يعني- أتابك زنكي على الرها وفيها الافرنج، فحصرها وأخذها بالسيف يوم السبت السادس عشر من جمادى الآخرة، وكانت أيام الشتاء والبرد قال الشاعر:
إذا كانت جمادى في جمادى ... فذاك القر والبرد الشديد
ولما فتحها أوصى بأهلها خيرا، ولم يسب أهلها، ونوى عمارتها ووجدوا على عضادة المحراب مكتوبا:
أصبحت صفرا من بني الأصفر ... أختال بالأعلام والمنبر
دان من المعروف حال به ... ناء عن الفحشاء والمنكر
مطهر الرحب على أننى ... لولا جمال الدين لم أطهر
فبلغ ذلك رئيس حران جمال الدين فضل الله أبا المعالي فقال: امحوا جمال الدين واكتبوا عماد الدين، فبلغ ذلك أتابك عماد الدين فقال: صدق الشاعر لولاك ما طمعنا فيها، وأمر عماله إذا جاءت جائحة في الغلة أن يأخذوا الخراج على قدرها، فكانوا يأخذون خراجا، وتارة نصف خراج، وتارة ثلث خراج، وتارة ربع خراج، وتارة لا يأخذون شيئا إذ أمحلت البلاد، وقسم الماء الذي لحران ثلاثة أقسام: قسما للسلطان، وقسما للشتايات وقسما لآبار حران ولخندق القلعة، فلما أخذ الرها نزل على البيرة، وفيها الأفرنج وذلك في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة، وجاءه الخبر من الموصل أن نصير الدين نائبه بالموصل قتل، فخاف عليها وسار حتى دخل الموصل وأخذ فرخانشاه ابن السلطان الذي قتل نصير الدين جقر بن يعقوب فقتله بدم نصير الدين.
سمعت شيخنا قاضي القضاة أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم قاضي حلب رحمه الله يقول: كان عندنا بالموصل رجل يقال له موسى يؤذن بالمدرسة، وكان أشقر شكله شكل الأرمن، وكان جهوري الصوت، وكان له قرية ملّكه اياها أتابك زنكي، فسألته عن السبب في تمليكه القرية، فقال: إني كنت مع أتابك لما نزل محاصرا للرها، فنزلت الى السوق واشتريت لباسا من لباس الأرمن، وتزييت في زيهم، ووصلت الى البلد لأنظره وأكشف حاله، فجئت الى الجامع فدخلته ورأيت المنارة، فقلت في نفسي أصعد الى المنارة وأؤذن وحتى يجري ما جرى، فصعدت وناديت: الله أكبر الله أكبر، وأذّنت والكفار على الأسوار، فوقع الصياح في البلد إن المسلمين قد هجموا البلد من الجهة الأخرى، فترك الكفار القتال ونزلوا عن السور فصعد المسلمون وهجموا المدينة، فأعطاني أتابك هذه القرية لذلك.
قرأت في تاريخ حران جمع أبي المحاسن بن سلامة الحراني، قال: حدثني أبي رحمه الله قال: كان أتابك زنكي بن قسيم الدولة آق سنقر رحمه الله إذا ركب مشى العسكر خلفه كأنهم بين حيطين مخافة أن يدوس العسكر شيئا من الزرع، ولا يجسر أحد من هيبته يدوس عرقا من الزرع ولا يمشي فرسه فيه، ولا يقدر أحد من الأجناد يأخذ لفلاح علاقة تبن إلّا بثمنها أو بخط من الديوان الى رئيس القرية، وإن تعدى أحد عليه صلبه عليها، وكان إذا بلغه عن جندي أنه تعدى على فلاح قطع خبزه وطرده، حتى عمر البلاد بعد خرابها وأحسن الى أهل مملكته، وكان لا يبقي على مفسد، وأوصى ولاته بأهل حران وعماله، ونهى عن الكلف والمغارم والسخر والتثقيل على الرعية، وأقام الحدود في بلاده رضي الله عنه، هذا ما حكاه أبو المحاسن عنه.
وسمعت من جماعة من فلاحي حلب أنه كان عليهم منه جور وظلم في أيام ولايته، وأكثر ما كان يذكر عنه من الظلم ما يلزم الناس به من جمع الرجّالة للقتال والحصار، فإن كان ذلك في جهاد الكفار، فقد كان يجب عليهم ذلك، وله إلزامهم به، وبلغني أنه كان لا يتجاسر أحد من رعيته كائنا من كان أن يظلم أحدا من خلق الله، ويقول: لا يتفق ظالمان يعني نفسه وغيره.
وبلغي أن أتابك زنكي تزوج خاتون بنت الملك رضوان وبنى بها في دير الزبيب خارج مدينة حلب، وكان إذ ذاك فيه بقايا عمارة ودامت معه بحلب الى أن دخل يوما الى الخزانة بحلب ليعتبر ما فيها، فرأى الكبر الذي كان على أبيه آق سنقر حين أسره تاج الدولة تتش وقتله بين يديه صبرا، وهو ملوث بالدم، فقيل له: هذا كبر أبيك الذي قتل فيه، فانزعج لذلك وأخذه بيده، ودخل على زوجته بنت الملك رضوان، وألقى الكبر بين يديها وهو مضمخ بالدم وقال لها: أما هذا فعل من لا رحمه الله، يعني جدها تاج الدولة تتش؟ ثم هجرها من ذلك اليوم، وانقطع عن الدخول اليها، ودام على ذلك.
فحدثني عمي أبو غانم عن أبيه أبي الفضل قال: كان أتابك زنكي متزوجا بنت الملك رضوان فهجرها، وبقي مهاجرا لها مدة من الزمان، فجاءت الى والدي القاضي أبي غانم وهو قاضي حلب إذ ذاك وقالت له: أيها القاضي قد جئتك متمسكة بذيلك، ومستجيرة بالشريعة المطهرة، فإني مع أتابك لا أعلم حالي معه، أمطلقة أم معلقة، وأنا مهجورة من مدة طويلة، فوعدها الاجتماع به في ذلك، ثم صعد إليه الى القلعة ولقيه، وهو راكب على الباب فقال له: يا مولاي، قد جاءت إليّ خاتون وذكرت لي كذا وكذا، قال: فساق أتابك فرسه ولم يجبه بشيء، قال: فأمسك والدي بلجام الدابة ومنعه من المسير، وقال: يا مولاي هذه الشريعة المطهرة لا ينبغي الخروج عنها، فقال أتابك: اشهد على أنها طالق، قال: فأرسل والدي حينئذ لجام الدابة من يده، وقال: أما الساعة فنعم.
وسمعت عمي أبا غانم يقول: قال لي والدي أبو الفضل: لما مات أبي القاضي أبو غانم ولاني أتابك زنكي القضاء بعده على أهل حلب وأعمالها وأحضرني مجلسه، وقال لي: يا قاضي هذا أمر قد نزعته من عنقي وقلدتك اياه فانظر كيف تكون واتق الله ساو بين الخصمين هكذا، وجمع بين سبابته ووسطاه، ولا تمل على أحد الخصمين ولا تحاب أحدا ومن امتنع عليك فها إنّا من ورائك.
أخبرني أبو محمد عبد اللطيف بن محمد بن أبي الكرم بن المعلى السنجاري قال: أخبرني أبي قال: كان بالموصل رجل من أهل الصلاح ينكر المنكر أين رآه، فإن رأى خمرا أراقه أو رأى جنكا أو عودا كسره، فيضرب على ذلك، فيجلس في بيته ويداوي أثر الضرب، ثم يخرج، فإن رأى منكرا أنكره على عادته، فيضرب ضربا عنيفا، فيجلس في البيت على العادة ويداوي نفسه الى أن يبرئ ويخرج وينكر على عادته، فاتفق يوما من الأيام أن خرج فنظر الى دجلة، وزنكي بن آق سنقر راكب في شبارة وعنده مغنية تغني، وهو يشرب، وعنده جماعة، فنزع ذلك الرجل ثيابه وسبح وجاء الى الشبارة التي فيها زنكي، فعلّق يده فيها ليصعد، فقال بعض من مع زنكي: أأضرب يده بالسيف؟ فقال: لا اتركه، فتعلق وصعد فجلس فأشار ذلك الشخص الى زنكي أأضربه؟ فقال: لا اتركه، فقعد في الشبارة وأخذ الجنك وقطع أوتاره ثم أخذ الأقداح وصبها في دجلة وغسلها بالماء وتركها في الشبارة، وألقى جميع ما ثم من الخمر في الماء، وغسل الآنية وتركها، ثم مد يده الى إزار المغنية فأخذه وسترها به، ثم ألقى بنفسه في دجلة وسبح وعبر، ولم يكلمه زنكي كلمة، وأما زنكي فإنه لما سبح ذلك الرجل وعبر قال: نرجع وندخل الى دورنا فليس لنا في هذا اليوم اشتغال بما كنا فيه، وأمر الملاحين فأتوا بالشبارة الى داره فنزل فيها. قال: وأما الرجل الذي كان ينكر، فكان بعد ذلك إذا أنكر المنكر لا يتجاسر أحد على ضربه، وإذا رأوه مقبلا لينكر عليهم انهزموا منه، واختفوا من طريقه، ولما مات غلقت أسواق الموصل لحضور جنازته رحمه الله.
أنبأنا أبو المحاسن سليمان بن الفضل بن سليمان قال: أخبرنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن الدمشقي قال: زنكي بن آق سنقر أبو المظفر التركي المعروف بابن قسيم الدولة. دخل دمشق في صحبة الأمير ممدود صاحب الموصل، الذي قتل بدمشق، وكان من خواصه، ثم ترقت به الحال إلى أن ملك الموصل وحلب وحماة وحمص، وحصر دمشق ثم استقرت الحال على أن يخطب له على منبرها، وملك بعلبك وغيرها من بلاد الشام والجزيرة، واسترجع عدة من حصون الفرنج وبلادهم، مثل: المعرة وكفر طاب وتل بارين وفتح مدينة الرها، وكان له أثر حسن في مقاومة متملك الروم لما حصر شيزر ، وأسر عدة من أبطال العدو، وكان شهما صارما قتل وهو محاصر لقلعة ابن مالك في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة بالرقة رحمه الله .
قرأت في تاريخ أبي شجاع محمد بن علي بن الدهان الفرضي في حوادث سنة إحدى وأربعين وخمسمائة قال: وفي هذه السنة قتل عماد الدين زنكي ليلة الأحد سادس شهر ربيع الآخر على قلعة جعبر قتله خادم له اسمه يرنقش، وانهزم الى قلعة جعبر.
قلت: وفي تعليقي من الفوائد أن أتابك زنكي سار من الرها، ونزل على قلعة جعبر بالمرج الشرقي تحت القلعة يوم الثلاثاء ثالث ذي الحجة من سنة أربعين وخمسمائة فأقام عليها الى ليلة الأحد سادس شهر ربيع الآخر نصف الليل من سنة احدى وأربعين وخمسمائة، فقتله يرنقش الخادم، كان تهدده في النهار فخاف منه فقتله في الليل في فراشه، وقيل إنه شرب ونام فانتبه فوجد يرنقش الخادم وجماعة من غلمانه يشربون فضل شرابه، فتوعدهم، ونام فأجمعوا على قتله، فقتله يرنقش المذكور.
سمعت والدي رحمه الله يقول: أن حارس أتابك كان يحرسه في الليلة التي قتل فيها بهذين البيتين:
يا راقد الليل مسرورا بأوله ... إن الحوادث قد يطرقن أسحارا
لا تأمنن بليل طاب أوله ... فرب آخر ليل أجج النارا
قرأت في تاريخ حران تأليف أبي المحاسن بن سلامة الحراني قال: فلما كان في سنة أربعين وخمسمائة نزل- يعني- أتابك زنكي على قلعة جعبر بالمرج الشرقي تحت القلعة يوم الثلاثاء ثالث ذي الحجة، فأقام عليها الى ليلة الأحد سادس ربيع الآخر نصف الليل من سنة إحدى وأربعين وخمسمائة، فقتله يرنقش الخادم كان تهدده في النهار فخاف منه فقتله في الليل في فراشه، وجاء الى تحت القلعة فنادى أهل القلعة شيلوني، فقد قتلت السلطان، فقالوا له: اذهب الى لعنة الله قد قتلت المسلمين كلهم بقتله ، وافترقت العساكر فأخذ أولاد الداية نور الدين محمود الملك العادل ابن عماد الدين زنكي وطلبوا حلب والشام فملكها، وسار أجناد الموصل بسيف الدين غازي الى الموصل وأعمالها فملكها وملك الجزيرة، وبقي عماد الدين أتابك زنكي وحده فخرج اليه أهل الرافقة فغسلوه بقحف جرّة ودفنوه على باب مشهد الإمام علي عليه السلام في جوار الشهداء من الصحابة، وبنى بنوه عليه قبة فهي باقية الى الآن.
كذا قال أبو المحاسن، وإنما دفن أولا داخل مشهد علي رضي الله عنه قريبا من الباب ثم نقل من ذلك الموضع الى جوار الشهداء لما نذكره بعد هذا، وبني عليه ولده نور الدين محمود حائطا يقصر عن القامة ولم يبن عليه قبة.
أخبرني الأمير بدران بن جناح الدولة حسين بن مالك بن سالم بن مالك العقيلي قال: لما طال حصار أتابك زنكي لعمي علي بن مالك على قلعة جعبر تقدم حسان البعلبكي صاحب منبج الى عمي، وقال له: من تحت القلعة يا أمير علي ايش بقى يخلصك من أتابك؟ فقال له: يا عاقل يخلصني الذي خلصك من جب خرتبرت ، فذبح أتابك في تلك الليلة، وكان حسان قد قبض عليه بلك بن بهرام بن أرتق، وطلب منه أن يسلم إليه منبج فلم يفعل، فسيره الى خرتبرت وحبسه في جب بها وحاصر منبج، فجاءه سهم فقتله عليها وخلص حسان وعاد الى منبج.
وقال لي بدران: ومن عجيب ما اتفق في حصار القلعة ما حكاه لي جماعة من عبيدنا وشيوخ أصحابنا أن أتابك زنكي لما قصد القلعة وحاصرها، وبها عمي عليّ أقام مضايقا لها حتى عدموا الماء فبذل عمي ثلاثين ألف دينار ليرحل عنها فأجابه الى ذلك، ونزل رسول عمي اليه وقد جمع الذهب حتى قلع الحلق من آذان عماتي أخواته على ما حكى لي المشايخ.
قال: فلما نزل الرسول إليه قال لبعض خواصه: امض بفرسه وقدّمه الى قدر اليخني فإن شرب منه فأعلمني، قال: فمضى به الى قدر اليخنى وجعل مرقة اليخنى بين يديه فشربها الفرس فأخبره بذلك، فقال ان الماء عندهم قليل جدا، فقال للرسول: ارجع اليهم فلا سبيل الى الصلح إلّا على القلعة، فقال له الرسول:
لا تفعل، فقال: قد فعلت وأنتم فما بقي عندكم ماء يكفيكم، قال: فصعد الرسول الى القلعة وأخبر عمي بذلك فأسقط في يده، قال: وكان في القلعة بقرة وحش، وقد أجهدها العطش فصعدت في درجة المئذنة حتى علت عليها ورفعت رأسها الى السماء وصاحت صيحة عظيمة ملأت الوادي، قال: فأرسل الله سبحانه سحابة ظللت القلعة وأمطروا حتى رووا، ولما كان عشية ذلك اليوم باتوا تلك الليلة فقتل أتابك في جوف الليل وفرّج الله عنهم.
قلت: وكان القاضي أبو مسلم قاضي الرقة هو الذي خرج من الرقة مع جماعة من أهلها، وتولى تجهيز زنكي ونقله الى الرقة ودفنه، فكان ثوابه من نور الدين محمود بن زنكي أن وقف عليه وعلى ذريته من بعده قرية عامرة ببلد حلب.
أخبرني شهاب الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي مسلم قاضي الرقة، بالرقة، قال: كان أتابك زنكي حين قتل وحمل الى الرقة قد دفن في مشهد علي بن أبي طالب عليه السلام داخل الباب على يمين الداخل والمكان معروف، فأرانيه حين حكى لي هذه الحكاية، قال: وكان بالمشهد قيم أعجمي يقال له ببنار، وكان صالحا فاتفق ليلة النصف من شعبان أن رأى في المنام كأنه خرج من البلد وجاء الى المشهد فرأى على بابه ثلاثة أفراس يمسكها عبد أسود، قال: فدخلت المشهد فرأيت ثلاثة رجال، فقلت: من أنتم؟ فقال أحدهم: أنا علي بن أبي طالب وهذان الحسن والحسين، ثم سألني عن القبر فقلت هذا قبر سلطان عظيم، فقال لي: مه السلطان العظيم هو الله، فقلت هذا قبر أتابك زنكي الشهيد، فقال لي: تمضي إلى ولده محمود وتقول له: نحن جعلنا هذا المكان معبدا لم نجعله مدفنا، فقل له: ينقله من هاهنا، قال: ثم مشوا الى المكان الذي يقال فيه الكف، ودعوا ثم قال لي: يا ببنار أنت ما تقول له، نحن نقول له، قال: فأصبح ببنار ودخل الى جدي القاضي موفق الدين أبي مسلم فحكى له ما رأى وعنده جماعة، فأخذ جدي وكتب كتابا الى نور الدين محمود يخبره فيه بصورة المنام قال: فلم يصل إليه الكتاب حتى سير نور الدين محمود كتابا الى القاضي أبي مسلم يقول له: اني رأيت ليلة نصف شعبان علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين عليهم السلام، وقالوا لي: تنقل أباك من المشهد فنحن جعناه معبدا لم نجعله مدفنا وقد سيرت اليك أربعة آلاف قرطيس تبني له تربة مثل ترب الفقراء والمساكين، لا مثل ترب الملوك والسلاطين، وتنقله اليها، قال: فبنى له حظيرة مختصرة بالقرب من باب المشهد، ونقله اليها، ورأيتها بالرقة وهي قصيرة البنيان.
سمعت قاضي القضاة أبا المحاسن يوسف بن رافع بن تميم يقول: قد رؤي أتابك زنكي بعد موته في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بفتحي الرّها.
بغية الطلب في تاريخ حلب - كمال الدين ابن العديم (المتوفى: 660هـ)