محمد بن الموفق بن سعيد بن علي بن الحسن بن عبد الله الخبوشاني

تاريخ الولادة510 هـ
تاريخ الوفاة587 هـ
العمر77 سنة
مكان الولادةخبوشان - إيران
مكان الوفاةالقاهرة - مصر
أماكن الإقامة
  • نيسابور - إيران
  • مصر - مصر

نبذة

أحد الْأَئِمَّة علما ودينا وورعا وزهدا وخبوشان بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخرهَا نون بليدَة بِنَاحِيَة نيسابور ولد بهَا فِي رَجَب سنة عشر وَخَمْسمِائة وتفقه بنيسابور على مُحَمَّد بن يحيى ثمَّ قيل إِنَّه كَانَ يستحضر كِتَابه الْمُحِيط وَأَنه عدم الْكتاب فأملاه من خاطره وَقدم مصر سنة خمس وَسِتِّينَ فَأَقَامَ بمسجده بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة ثمَّ تحول إِلَى تربة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وتبتل لعمارة التربة الْمَذْكُورَة والمدرسة ودرس بهَا مُدَّة

الترجمة

 مُحَمَّد بن الْمُوفق بن سعيد بن عَليّ بن الْحسن بن عبد الله الخبوشاني الْفَقِيه الصُّوفِي

أحد الْأَئِمَّة علما ودينا وورعا وزهدا
وخبوشان بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخرهَا نون بليدَة بِنَاحِيَة نيسابور ولد بهَا فِي رَجَب سنة عشر وَخَمْسمِائة
وتفقه بنيسابور على مُحَمَّد بن يحيى ثمَّ قيل إِنَّه كَانَ يستحضر كِتَابه الْمُحِيط وَأَنه عدم الْكتاب فأملاه من خاطره
وَقدم مصر سنة خمس وَسِتِّينَ فَأَقَامَ بمسجده بِالْقَاهِرَةِ مُدَّة ثمَّ تحول إِلَى تربة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وتبتل لعمارة التربة الْمَذْكُورَة والمدرسة ودرس بهَا مُدَّة
وَكَانَ إِمَامًا جَلِيلًا كَبِير الْمحل فِي الْوَرع قل أَن ترى الْعُيُون مثله زهدا وعلما وأمرا بِالْمَعْرُوفِ وتصميما على الْحق
وَمن تصانيفه كتاب تَحْقِيق الْمُحِيط فِي سِتَّة عشر مجلدا

وَحدث بِالْقَاهِرَةِ عَن أبي الأسعد هبة الرَّحْمَن بن الْقشيرِي
وَكَانَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين رَضِي الله عَنهُ حسن العقيدة فِي الشَّيْخ الخبوشاني
وَكَانَ الخبوشاني لَهُ حَال غَرِيبَة وَمحل مكين ومقام فِي الدّين وَكَانَ يَقُول بملء فِيهِ أصعد إِلَى مصر وأزيل ملك بني عبيد الْيَهُودِيّ فصعدها وَصرح بلعنهم وحاروا فِي أمره وَأَرْسلُوا إِلَيْهِ بِمَال عَظِيم قيل مبلغه أَرْبَعَة الآف دِينَار فَلَمَّا وَقع نظره على رسولهم وَهُوَ بالزي الْمَعْرُوف نَهَضَ إِلَيْهِ بأشد الْغَضَب وَقَالَ وَيلك مَا هَذِه الْبِدْعَة وَكَانَ الرجل قد زور فِي نَفسه كلَاما يلاطفه بِهِ فأعجله عَن ذَلِك فَرمى عَن الدَّنَانِير بَين يَدَيْهِ فَضَربهُ على رَأسه فَصَارَت عمَامَته حلقا فِي عُنُقه وأنزله من السّلم وَهُوَ يَرْمِي بِالدَّنَانِيرِ على رَأسه ويسب أهل الْقصر
ثمَّ إِن العاضد توفّي وتهيب صَلَاح الدّين خوفًا من الْخطْبَة لبني الْعَبَّاس وحذرا من الشِّيعَة فَوقف الخبوشاني أَمَام الْمِنْبَر بعصاة وَأمر الْخَطِيب أَن يذكر بني الْعَبَّاس فَفعل وَلم يكن إِلَّا الْخَيْر وَوصل إِلَى بَغْدَاد الْخَبَر فزينوها وأظهروا من الْفَرح فَوق الْوَصْف
وَأخذ الخبوشاني فِي بِنَاء الضريح الشريف وَكَانَ ابْن الكيزاني رجل من المشبهة مَدْفُونا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ الخبوشاني لَا يكون صديق وزنديق فِي مَوضِع وَاحِد وَجعل ينبش وَيَرْمِي عِظَامه وَعِظَام الْمَوْتَى الَّذين حوله من أَتْبَاعه وتعصبت المشبهة عَلَيْهِ وَلم يبال بهم وَمَا زَالَ حَتَّى بنى الْقَبْر والمدرسة ودرس بهَا

وَلَعَلَّ النَّاظر يقف على كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي هَذَا الْموضع من تَرْجَمَة الخبوشاني فَلَا يحفل بِهِ وَبِقَوْلِهِ فِي ابْن الكيزاني إِنَّه من أهل السّنة
فالذهبي رَحمَه الله متعصب جلد وَهُوَ شَيخنَا وَله علينا حُقُوق إِلَّا أَن حق الله مقدم على حَقه وَالَّذِي نقُوله إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يسمع كَلَامه فِي حَنَفِيّ وَلَا شَافِعِيّ وَلَا تُؤْخَذ تراجمهم من كتبه فَإِنَّهُ يتعصب عَلَيْهِم كثيرا
وَمن ورع الخبوشاني
انه كَانَ يركب الْحمار وَيجْعَل تَحْتَهُ أكسية لِئَلَّا يصل إِلَيْهِ عرقه
وَجَاء الْملك الْعَزِيز إِلَى زيارته وَصَافحهُ فاستدعى بِمَاء وَغسل يَدَيْهِ وَقَالَ يَا وَلَدي أَنْت تمسك الْعَنَان وَلَا يتوقى الغلمان عَلَيْهِ فَقَالَ اغسل وَجهك فَإنَّك بعد المصافحة لمست وَجهك فَقَالَ نعم وَغسل وَجهه
وَلما خرج صَلَاح الدّين إِلَى الإفرنج نوبَة الرملة جَاءَ الشَّيْخ الخبوشاني إِلَى وداعه وَالْتمس مِنْهُ أمورا من المكوس يُسْقِطهَا عَن النَّاس فَلم يفعل فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ قُم لَا نصرك الله ووكزه بعصاة فَوَقَعت قلنسوة السُّلْطَان عَن رَأسه فَوَجَمَ لَهَا ثمَّ توجه إِلَى الْحَرْب فَكسر وَعَاد إِلَى الشَّيْخ فَقبل يَده وَعرف أَن ذَلِك بِسَبَب دَعوته
وَانْظُر إِلَى كَلَام الذَّهَبِيّ هُنَا فِي تَارِيخه وَقَوله ظن السُّلْطَان أَن ذَلِك بدعوته
وَلَو كَانَت هَذِه الْحِكَايَة لمن هُوَ على معتقده من المبتدعة لهول أمرهَا وَقَالَ جرى على صَلَاح الدّين بدعائه مَا جرى وَاسْتقر كَلَامه يثبت عنْدك مَا نقُوله
وَكَانَ تَقِيّ الدّين عمر بن أخي السُّلْطَان لَهُ مَوَاضِع يُبَاع فِيهَا المزر فَكتب الشَّيْخ ورقة إِلَى صَلَاح الدّين إِن هَذَا عمر لَا جبرة الله يَبِيع المزر
فسيرها صَلَاح الدّين إِلَى عمر وَقَالَ لَا طَاقَة لنا بِهَذَا الشَّيْخ فأرضه فَركب إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ حَاجِبه قف بِبَاب

الْمدرسَة حَتَّى أسبقك إِلَيْهِ فأوطئ لَك فَدخل وَقَالَ إِن تَقِيّ الدّين يسلم عَلَيْك
فَقَالَ الشَّيْخ بل شقي الدّين لاسلم الله عَلَيْهِ
فَقَالَ إِنَّه يعْتَذر وَيَقُول لَيْسَ لي مَوضِع يُبَاع فِيهِ المزر
فَقَالَ يكذب
فَقَالَ إِن كَانَ هُنَاكَ مَوضِع مزر فأرناه
فَقَالَ الشَّيْخ ادن وَأمْسك ذؤابتيه وَجعل يلطم على وَجهه وخديه وَيَقُول لست مزارا فأعرف مَوَاضِع المزر فخلصوه من يَده وَخرج إِلَى تَقِيّ الدّين وَقَالَ فديتك بنفسي
وعاش الشَّيْخ نجم الدّين عمره لم يَأْكُل من وقف الْمدرسَة لقْمَة وَلَا أَخذ من مَال الْمُلُوك درهما وَدفن فِي الكساء الَّذِي صَحبه من خبوشان وَكَانَ بِمصْر رجل تَاجر من بَلَده يَأْكُل من مَاله
وَدخل يَوْمًا القَاضِي الْفَاضِل وَزِير السُّلْطَان لزيارة الشَّافِعِي فَوَجَدَهُ يلقِي الدَّرْس على كرْسِي ضيق فَجَلَسَ على طرفه وجنبه إِلَى الْقَبْر فصاح الشَّيْخ فِيهِ قُم قُم ظهرك إِلَى الإِمَام فَقَالَ الْفَاضِل إِن كنت مستدبرة بقالبي فَأَنا مُسْتَقْبلَة بقلبي فصاح فِيهِ أُخْرَى وَقَالَ مَا تعبدنا بِهَذَا فَخرج وَهُوَ لَا يعقل
توفّي الشَّيْخ نجم الدّين فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وعَلى يَده كَانَ خراب بَيت العبيديين الرفضة الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم فاطميون وَإِنَّمَا هم منتسبون إِلَى شخص اسْمه عبيد قيل إِنَّه يَهُودِيّ وَقيل مَجُوسِيّ من أهل سلمية دخل الْمغرب وملكها وَبنى المهدية وتلقب بالمهدى وَكَانَ زنديقا خبيثا عدوا لِلْإِسْلَامِ قتل من الْفُقَهَاء والمحدثين أمما وَبَقِي هَذِه الْبلَاء على الْإِسْلَام من أول دولتهم إِلَى آخرهَا وَذَلِكَ من ذِي الْحجَّة سنة تسع وَتِسْعين وَمِائَتَيْنِ إِلَى سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة

وَقد بَين نسبهم جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي أَبُو بكر الباقلاني فَإِنَّهُ كشف فِي أول كِتَابه الْمُسَمّى بكشف أسرار الباطنية بطلَان نسب هَؤُلَاءِ إِلَى الإِمَام عَليّ كرم الله وَجهه
وهم أَرْبَعَة عشر رجلا مِنْهُم ثَلَاثَة بإفريقية وهم الملقبون بالمهدي والقائم والمنصور
وَأحد عشر بِمصْر وهم الْمعز والعزيز وَالْحَاكِم وَالظَّاهِر والمستنصر والمستعلي والآمر والحافظ والظافر والقائم والعاضد وَهُوَ آخِرهم
ولقدحكي أَن العاضد رأى فِي مَنَامه أَن حَيَّة خرجت من مَسْجِد مَعْرُوف بِمصْر ولسعته فَأرْسل جمَاعَة فِي صَبِيحَة ليلته إِلَى ذَلِك الْمَسْجِد فَمَا رَأَوْا فِيهِ إِلَّا شخصا أعجميا فَقِيرا فَردُّوا إِلَيْهِ وَقَالُوا لم نر إِلَّا فَقِيرا أعجميا وتكررت الرُّؤْيَا وَهُوَ يُرْسل فَلَا يرَوْنَ إِلَّا ذَلِك الأعجمي فَقيل لَهُ هَذِه أضغاث أَحْلَام وَكَانَ الأعجمي هُوَ الخبوشاني
وَكَانَ للعاضد وَزِير يُسمى بِالْملكِ الصَّالح على عَادَة وزراء الفاطميين أخيرا يسمون أنفسهم بالملوك وَهُوَ أَبُو الغارات طلائع بن رزيك فَقتله العاضد ثمَّ استوزر شاور ثمَّ قَتله وَذَلِكَ أَن أَسد الدّين شيركوه دخل الْقَاهِرَة وَقَامَ شاور بضيافته وضيافة عسكره وَتردد إِلَى خدمته فَطلب مِنْهُ أَسد الدّين مَالا يُنْفِقهُ على جَيْشه فماطله فَأرْسل إِلَيْهِ يَقُول قد ماطلت بنفقات الْجَيْش وهم يطالبون فَإِذا أتيتني فَكُن على حذر مِنْهُم فَلم يُؤثر هَذَا عِنْد شاور وَركب على عَادَته وَأتي أَسد الدّين مسترسلا وَقيل إِنَّه تمارض فجَاء شاور يعودهُ فاعترضه صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء النورية فقبضوا عَلَيْهِ فَجَاءَهُمْ رَسُول العاضد يطْلب رَأس شاور فذبح وَحمل رَأسه إِلَيْهِ واستقل أَسد الدّين وَلم يلبث أَن حَضرته الْمنية بعد خَمْسَة وَسِتِّينَ يَوْمًا من ولَايَته فقلد العاضد صَلَاح الدّين

يُوسُف ولقبه الْملك النَّاصِر وَكتب تَقْلِيده القَاضِي الْفَاضِل وبدت سَعَادَة صَلَاح الدّين وَضعف أَمر العاضد
وَكَانَ مبدأ ضعفه أَن الفرنج خذلهم الله قصدُوا مصر فِي جمع عَظِيم وجحفل كَبِير واستباحوا بلبيس وأناخوا على مصر وأحرق شاور مصر خوفًا عَلَيْهَا مِنْهُم وَبقيت النَّار تعْمل فِيهَا أَرْبَعَة وَخمسين يَوْمًا ثمَّ عرف الْعَجز وَشرع فِي الْحِيَل وَأرْسل إِلَيْهِم يصالحهم على ألف ألف دِينَار مصرية نصفهَا خَمْسمِائَة ألف دِينَار ليرحلوا عَنهُ وَأرْسل إِلَيْهِم مائَة ألف دِينَار حِيلَة وخداعا وواصل بكتبه الْملك نور الدّين من حَيْثُ لَا يعلم الفرنج يطْلب مِنْهُ الْغَوْث وَيَقُول إِن الفرنج قد استحكم طَلَبهمْ وطمعهم فِي الْبِلَاد المصرية فَجهز نور الدّين أسدا الدّين فِي عَسْكَر عَظِيم فرحلت الفرنج لما سَمِعت بِخَبَر الْعَسْكَر
وَدخل أَسد الدّين مصر وتأكدت الصداقة بَينه وَبَين شاور وَاسْتمرّ الْحَال إِلَى حِين ولَايَة صَلَاح الدّين واستمراره إِلَى مستهل سنة سبع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة فَخَطب لبنى الْعَبَّاس بِالْقَاهِرَةِ وَسَائِر بلادها وَكَانَت خطبتهم مُنْقَطِعَة مِنْهَا هَذِه الْمدَّة المديدة والدول السخيفة بعد أَن كَانَ جبن عَن ذَلِك واستعظم خطبه
وَكَانَ العاضد لما ضعف أمره وتنسم الخمول أرسل كتابا إِلَى نور الدّين يطْلب الاستقالة من الأتراك فِي مصر خوفًا مِنْهُم والاقتصار على صَلَاح الدّين فَكتب إِلَيْهِ نور الدّين الْخَادِم يهنى بِمَا سناه الله من الظفر الَّذِي أضْحك سنّ الْإِيمَان
يُشِير إِلَى نصْرَة الْمُسلمين على الفرنج فِي نوبَة دمياط وَيَقُول إِن الفرنج لَا تؤمن غائلتهم والرأي إبْقَاء التّرْك

بديار مصر فَبَقيت التّرْك إِلَى المستهل من السّنة الْمَذْكُورَة فَقطعت خطبه الفاطميين وخطب لأمير الْمُؤمنِينَ المستضيء وَأرْسل إِلَى بَغْدَاد بالْخبر
وَتُوفِّي العاضد بعد ذَلِك فِي يَوْم عَاشُورَاء بِالْقصرِ وَجلسَ السُّلْطَان صَلَاح الدّين بعد ذَلِك للعزاء وَأغْرب فِي الْحزن والبكاء وتسلم الْقصر بِمَا فِيهِ من خَزَائِن ودفائن وأموال لَا تعد وَلَا تحصى وأمتعته اسْتمرّ البيع فِيهَا بَعْدَمَا أهْدى ووهب وَأطلق وادخر عشر سِنِين
ويحكى أَن صَلَاح الدّين قَالَ لَو علمت أَن العاضد يَمُوت بعد عشرَة أَيَّام مَا قطعت خطبَته وَأَنه قَالَ مارأيت أكْرم من العاضد أرْسلت إِلَيْهِ مُدَّة مقَام الإفرنج على دمياط أطلب مِنْهُ نَفَقَة فَأرْسل إِلَيّ ألف ألف دِينَار مصرية نصفهَا خَمْسمِائَة ألف دِينَار غير الثِّيَاب والأمتعة
ثمَّ أودع صَلَاح الدّين أقَارِب العاضد السجْن وَقرر لَهُم النَّفَقَات وزائد الصلات
واستفحل أمره وَكَانَ على يَده فتح بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ الْفَتْح الَّذِي اشْتهر بِهِ شرقا وغربا وَحصل من الْجنَّة والقلوب قربا وَأبقى لَهُ إِلَى يَوْم الدّين ثَنَاء حسنا رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ
وَكتب فِي سنة سبعين وَخَمْسمِائة إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ المستضيء بِأَمْر الله كتابا من إنْشَاء القَاضِي الْفَاضِل يعدد مَاله من الفتوحات وَمن جِهَاد الفرنج مَعَ نور الدّين وفعالهم الْحَسَنَة وإقامتهم الْخطْبَة لأمير الْمُؤمنِينَ وَلَا عهدنا قِيَامهَا مُنْذُ دهر واستيلاءه على الْبِلَاد الْكَثِيرَة من أَطْرَاف الْمغرب إِلَى أقْصَى الْيمن وَأَن فِي هَذِه السّنة كَانَ عندنَا وَفد نَحْو سبعين رَاكِبًا كلهم يطْلب لسلطان بَلَده تقليدا ويرجو منا وَعدا وَيخَاف وعيدا وَأكْثر من ذَلِك إِلَى أَن قَالَ وَالْمرَاد الْآن تَقْلِيد جَامع بِمصْر واليمن وَالْمغْرب وَالشَّام وكل مَا تشْتَمل عَلَيْهِ الْولَايَة النورية يَعْنِي ولَايَة نور الدّين مَحْمُود وكل مَا يَفْتَحهُ الله للدولة

العباسية بسيوفنا وَلمن يَنْضَم من أَخ وَولد من بَعدنَا تقليدا يضمن للنعمة تخليدا
وَعظم خطْبَة بِحَيْثُ إِنَّه لما مَاتَ المستضيء وَولى النَّاصِر لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ لم تكن لَهُ قدرَة عَلَيْهِ مَعَ مَا كَانَ النَّاصِر عَلَيْهِ من عَظمَة لَا توازى وخضوع مُلُوك الأَرْض لَهُ شرقا وغربا وقهره الكافة بعدا وقربا وَأرْسل إِلَى صَلَاح الدّين كتابا يعاتبه على أُمُور مِنْهَا تَسْمِيَته بِالْملكِ النَّاصِر وَأَنه لَا يَنْبَغِي لَك يَا صَلَاح الدّين أَن تتسمى باسمي فَإِن مَا يصلح للْمولى على العَبْد حرَام
فَأَجَابَهُ بِأَن هَذِه التَّسْمِيَة من زمن المستضيء قبل أَن يكون مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ خَليفَة وَكَانَ هَذَا الْجَواب من القَاضِي الْفَاضِل وتلاطف بِهِ فَإِن القَاضِي الْفَاضِل كَانَ يهاب العباسيين لَا سِيمَا النَّاصِر لدين الله فَمَا أمكنه أَن يجِيبه إِلَّا بلطف وَقَالَ أخْشَى أَن أذبح على فِرَاشِي وَفِي مأمني وَيكون الذَّابِح لي النَّاصِر لدين الله وَهُوَ بِبَغْدَاد
وَاسْتقر صَلَاح الدّين إِلَّا أَنه تضعضعت تَسْمِيَته بِالْملكِ النَّاصِر بِحَيْثُ إِنَّه إِلَى الْيَوْم لَا يعرف إِلَّا بصلاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب مَعَ جلالته وعظمته وَلَو لم يكن لَهُ إِلَّا الحسنتان العظيمتان اللَّتَان برز بهما على الْأَوَّلين من السلاطين والآخرين وهما فتح بَيت الْمُقَدّس وإبادة الفاطميين وَقد علم النَّاس سيرتهم كَيفَ كَانَت وسبهم الصَّحَابَة وفعالهم القبيحة الَّتِي لَا تعد وَلَا تحصى من عدم مبالاتهم بِأُمُور الدّين وَقلة نظرهم إِلَّا فِي فَسَاد الْمُسلمين وَلَو لم يكن إِلَّا الْحَاكِم وفعاله الَّتِي صَارَت تواريخ وتسويته تَارَة بَين جَمِيع الْأَدْيَان وَحكمه آوانه بِخِلَاف ماأنزل الرَّحْمَن وَحمله النَّاس على مَا يوسوس بِهِ الشَّيْطَان وَلَقَد كَاد يَدعِي الإلهية وَرُبمَا ادَّعَاهَا وَمن أَرَادَ أَن ينظر الْعجب فَلْينْظر إِلَى تَرْجَمته فِي التواريخ المبسوطة
وَلَقَد أطلنا فِي هَذِه التَّرْجَمَة وَلَا بُد من فَائِدَة

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

الفَقِيْهُ الكَبِيْرُ، الزَّاهِدُ، نَجْمُ الدِّيْنِ، أَبُو البَرَكَاتِ مُحَمَّدُ بنُ مُوَفَّقِ بنِ سَعِيْدٍ، الخبُوْشَانِيُّ، الشَّافِعِيُّ، الصُّوْفِيُّ.
تَفَقَّهَ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَبَرَعَ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: فَكَانَ يَسْتَحضر كِتَابهُ الْمُحِيط وَهُوَ ستّةَ عشرَ مُجَلَّداً.
وَقَالَ المُنْذِرِيّ: وُلِدَ سَنَةَ عَشْرٍ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَحَدَّثَ عَنْ هبَة الرحمن ابْن القُشَيْرِيّ. وَقَدِمَ مِصْر فَأَقَامَ بِمسجدٍ مُدَّة، ثم بتربة الشَّافِعِيّ، وَتبتَّل لإِنشَائِهَا، وَدرَّس بِهَا، وَأَفتَى وَصَنَّفَ. وَخبُوشَان مِنْ قرَى نَيْسَابُوْر.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: كَانَ السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ يُقرِّبه، وَيَعتقد فِيْهِ، وَرَأَيْت جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابِهِ، فَكَانُوا يَصفُوْنَ فَضله وَدينه وَسلاَمَة بَاطِنه.
وَقَالَ المُوَفَّق عَبْد اللَّطِيْفِ: سكنَ السُّمَيْسَاطِيَّة، وَعرف الأَمِيْر نَجْم الدِّيْنِ أَيُّوْب، وَأَخَاهُ، وَكَانَ قشفاً فِي الْعَيْش، يَابساً فِي الدّين، وَكَانَ يَقُوْلُ: أَصعدُ إِلَى مِصْرَ، وَأُزِيل ملك بنِي عُبيد اليَهودِيّ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَنَزَلَ بِالقَاهِرَةِ، وَصرّح بِثَلْبِ أَهْل القَصْر، وَجَعَلَ سبّهم تَسْبِيحه، فَحَارُوا فِيْهِ، فَنفذُوا إِلَيْهِ بِمَال عَظِيْم قِيْلَ: أَرْبَعَة آلاَف دِيْنَار، فَقَالَ لِلرَّسُوْلِ: ويلك، ما هذه البدعَة?! فَأَعجله، فَرمَى الذَّهَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَضَرَبَه، وَصَارَت عِمَامَته حلقاً، وَأَنْزَله مِنَ السّلم. وَمَاتَ العَاضد، وَتهيّبوا الخطبَة لِبَنِي العَبَّاسِ، فَوَقَفَ الخبُوْشَانِيّ بعَصَاهُ قُدَّام المِنْبَر، وَأَمر الخَطِيْب بِذَلِكَ، فَفَعَل، وَلَمْ يَكُنْ إلَّا الخَيْر، وَزُيّنت بَغْدَاد. وَلَمَّا بَنَى مَكَان الشَّافِعِيّ، نبش عِظَام ابْن الكِيْزَانِيّ، وَقَالَ: لاَ يَكُوْن صدِّيْق وَزِنْدِيْق مَعاً، فَشدّ الحَنَابِلَة عَلَيْهِ، وَتَأَلَّبُوا، وَصَارَ بَيْنهُم حملاَتٌ حربيَة وَغلبهُم.
وَجَاءَ العَزِيْز إِلَى زِيَارته وَصَافحه، فَطَلبَ مَاء، وَغسل يَده، وَقَالَ: يَا وَلدِي إِنَّك تَمسّ العنَان، وَلاَ يَتوقَّى الغلمَان، قَالَ: فَاغسلْ وَجهك، فَإِنَّك مَسَحْت وَجهك. قَالَ: نَعَمْ، وَغَسَلَهُ.
وَكَانَ أَصْحَابُه يَأْكلُوْنَ بِسَببِهِ الدُّنْيَا، وَلاَ يَسْمَعُ فِيهِم، وَهُم عِنْدَهُ مَعْصُوْمُوْنَ.
وَكَانَ مَتَى رَأَى ذميًا راكبًا، قصد قتله، فظفر بواحد طبيب يُعرف بِابْنِ شُوعَة، فَأَندر عينه بعَصَاهُ، فَذَهَبت هدراً.
وَقِيْلَ: الْتمس مِنَ السُّلْطَان إِسقَاط ضرَائِب لاَ يَمكن إِسقَاطهَا، وَسَاء خلقه، فَقَالَ: قُمْ لاَ نَصرك الله! وَوكزه بعَصَاهُ، فَوَقَعت قَلَنْسُوَته، فَوجم لِذَلِكَ، ثُمَّ حضَر وَقْعَة، فَكُسِر، فَظَنّ أَنَّهُ بدعَائِهِ، فَجَاءَ وَقبل يَدَيْهِ، وَسَأَلَهُ الْعَفو.
وَجَاءهُ حَاجِب نَائِب مِصْر المُظَفَّر تَقِيِّ الدِّيْنِ عُمَر، وَقَالَ لَهُ: تَقِيُّ الدِّيْنِ يُسلِّم عَلَيْك. فَقَالَ الخبُوْشَانِيّ قل: بَلْ شَقِيّ الدِّيْنِ لاَ سلَّم الله عَلَيْهِ، قَالَ: إِنَّهُ يَعتذرُ، وَيَقُوْلُ: لَيْسَ لَهُ مَوْضِعٌ لبيع المِزْرِ1. قَالَ: يَكْذِب. قَالَ: إِنْ كَانَ ثَمَّ مَكَانٌ، فَأَرنَاهُ. قَالَ: ادن. فدنا، فأمسك بِشعرِهِ، وَجَعَلَ يَلطمُ عَلَى رَأْسه، وَيَقُوْلُ: لَسْتُ مزَاراً فَأَعْرف موَاضِع المِزْرِ، فَخلَّصوهُ مِنْهُ.
وَعَاشَ عُمُره لَمْ يَأْخُذْ دِرْهَماً لمَلِكٍ، وَلاَ مِنْ وِقْفٍ، وَدُفِنَ فِي الكِسَاء الَّذِي صَحبه مِنْ بَلَده، وَكَانَ يَأْكُل مِنْ تَاجر صَحِبَه مِنْ بَلَده.
وَأَتَاهُ القَاضِي الفَاضِل لزِيَارَة الشَّافِعِيّ، فَرَآهُ يَلقِي الدّرس، فَجَلَسَ وَجَنْبه إِلَى القَبْرِ، فَصَاحَ: قُمْ قُمْ، ظهْرك إِلَى الإِمَام?! فَقَالَ: إِنْ كُنْت مُسْتَدبرَهُ بقَالبِي، فَأَنَا مُسْتَقْبِلُه بِقَلْبِي. فَصَاح فِيْهِ، وَقَالَ: مَا تُعُبِّدنَا بِهَذَا، فَخَرَجَ وَهُوَ لاَ يَعقل.
قُلْتُ: مَاتَ الخبُوْشَانِيّ فِي ذِي القعدة سنة سبع وثمانين وخمس مائة.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

نجم الدين الخبوشاني 510 - 587 للهجرة
محمد بن مُوَفَّق بن سعيد الخُبوشاني الزاهد، مات سنة سبع وثمانين وخمسمائة. ودفن بالقرب من الشافعي، خلف الشباك الذي تحت رجله.
ترجمته في " طبقات الشافعية ".

طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.

 

 

محمد بن الموفق بن سعيد بن علي، أبو البركات نجم الدين الخبوشانيّ:
فقيه شافعيّ، نسبته إلى (خبوشان) من نواحي نيسابور، ومولده بقربها. انتقل إلى مصر، وحظي عند السلطان صلاح الدين،
وصنف (تحقيق المحيط) في الفقه، قال ابن خلكان: رأيته في ستة عشر مجلدا.
وقال السخاوي: ردَّ الخبوشانيّ على أهل البدع واستتابهم وأظهر معتقد الأشعرية بالديار المصرية. توفي بالقاهرة  .

-الاعلام للزركلي-