محمد بن الفضل بن محمد بن المعتمد أبي الفتوح الإسفرايني

تاريخ الولادة474 هـ
تاريخ الوفاة538 هـ
العمر64 سنة
مكان الولادةإسفرايين - إيران
مكان الوفاةبسطام - إيران

نبذة

أحد الْأَئِمَّة المشمرين فِي الْعباد الناصرين للسّنة الصابرين على مَا ينوبهم من الاذى فِي ذَلِك مولده فِي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بأسفراين سمع بنيسابور أَبَا الْحسن الْمَدِينِيّ وبهمذان شيرويه بن شهردار وَغَيرهمَا روى عَنهُ الحافظان ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا

الترجمة

 مُحَمَّد بن الْفضل بن مُحَمَّد بن الْمُعْتَمد الشَّيْخ الإِمَام أَبُي الْفتُوح الإسفرايني

أحد الْأَئِمَّة المشمرين فِي الْعباد الناصرين للسّنة الصابرين على مَا ينوبهم من الاذى فِي ذَلِك

مولده فِي سنة أَربع وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بأسفراين
سمع بنيسابور أَبَا الْحسن الْمَدِينِيّ
وبهمذان شيرويه بن شهردار وَغَيرهمَا
روى عَنهُ الحافظان ابْن عَسَاكِر وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا
قَالَ ابْن عَسَاكِر هُوَ آخر من رَأَيْته أفْصح لِسَانا وَأَكْثَرهم فِيمَا يُورد إعرابا وإحسانا وأسرعهم عِنْد السُّؤَال جَوَابا وأسلسهم عِنْد الْإِيرَاد خطابا مَعَ مَا رزق بعد صِحَة العقيدة من السجايا الْكَرِيمَة والخصال الحميدة من قلَّة المراآة لأبناء الدُّنْيَا وَعدم المبالاة بذوي الرتب الْعليا والإقبال على إرشاد الْخلق وبذل النَّفس فِي نصْرَة الْحق والصلابة فِي الدّين وَإِظْهَار صِحَة الْيَقِين وَمَا ينضاف إِلَى هَذِه الشيم من سَعَة النَّفس وَشدَّة الْكَرم والتحلي بالتصوف والزهادة والتخلي لوظائف الْعِبَادَة والاستحقاق لوصف السِّيَادَة والفوز فِي آخر عمره بِالشَّهَادَةِ
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ إِمَام واعظ حُلْو الْكَلَام حسن الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْجُمْلَة
وَقَالَ ابْن النجار كَانَ من أَفْرَاد الدَّهْر فِي الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْإِشَارَة حُلْو الْإِيرَاد
وَكَانَ أوحد وقته فِي مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ
وَله فِي التصوف قدم راسخ وَكَلَام دَقِيق

صنف فِي الْحَقِيقَة كتبا مِنْهَا كشف الْأَسْرَار وَبَيَان التقلب وَبث الْأَسْرَار وعد غير ذَلِك
قَالَ وَورد بَغْدَاد سنة خمس عشرَة وَظهر لَهُ الْقبُول التَّام من الْخَاص وَالْعَام
وَكَانَ يتَكَلَّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فثارت عَلَيْهِ الْحَنَابِلَة وَوَقعت فتن فَأمر المسترشد بِإِخْرَاجِهِ فَخرج إِلَى أَن ولي المقتفى فَعَاد واستوطن بَغْدَاد فَلم يزل يعظ وَيظْهر مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ إِلَى أَن عَادَتْ الْفِتَن على حَالهَا فَأخْرج ثَانِي مرّة وأدركه أَجله
قَالَ الْحَافِظ بَلغنِي أَنه لماوقعت لَهُ الْوَاقِعَة بِبَغْدَاد اجْتمعت إِلَيْهِ جمَاعَة من أَصْحَابه وشكو إِلَيْهِ مَا يتوقعونه من وَحْشَة فِرَاقه فَقَالَ لَعَلَّ فِي ذَلِك خيرة
قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ خرج من بَغْدَاد مُتَوَجها إِلَى خُرَاسَان فَأَصَابَهُ مرض الْبَطن فَمَاتَ غَرِيبا مبطونا شَهِيدا
وَدفن ببسطام إِلَى جنب قبر أبي يزِيد البسطامي فِي شهور سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَخَمْسمِائة
وَحكى جمَاعَة من أهل بسطَام أَن قيم مَسْجِد أبي يزِيد رَآهُ فِي الْمَنَام وَهُوَ يَقُول لَهُ غَدا يَجِيء أخي وَيكون فِي ضيافتي فَقدم الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح وَعمل لَهُ وَقت وَأقَام ثَلَاثَة أَيَّام ببسطام ثمَّ مَاتَ
قَالَ وَبَلغنِي من وَجه آخر أَن قيم مَسْجِد أبي يزِيد رأى أَبَا يزِيد فِي النّوم فِي اللَّيْلَة الَّتِي فِي صبيحتها دفن الإِمَام أَبُو الْفتُوح وَهُوَ يَقُول لَهُ غَدا يقبر إِلَى جَنْبي رجل صَالح

فاحفر لَهُ قبرا فَأصْبح الْقيم وحفر الْقَبْر وتلقى الصُّحْبَة الَّتِي قدم بِهِ فِيهَا فَوَجَدَهُ قد مَاتَ فدفنه إِلَى جنبه
وَمن وَجه آخر رأى أَبَا يزِيد يكنس الرِّبَاط ويملأ الْآنِية الَّتِي فِيهِ مَاء فَقلت أَنا أكفيك
فَقَالَ إِنَّه يقدم فِي غَد ضيف أحب أَن أتولى خدمته
فاسيقظت فَوجدت الْآنِية ملأى مَاء وَقدم الشَّيْخ أَبُو الْفتُوح
قَالَ الْحَافِظ وَسمعت خطيب بسطَام يَقُول نزلت فِي حُفْرَة الشَّيْخ أبي الْفتُوح فَكَانَ بَين حافتي الْقَبْر وصدري أَربع أَصَابِع فتناولته وتحيرت من الضيقة فَإِذا أَنا بعد ذَلِك بسعة كَثِيرَة فِي الْقَبْر وَكَأَنَّهُ أَخذ من يَدي فأخذني الغشي وأصعدت من الْقَبْر وَأَنا لَا أَعقل
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ وَقد ذكره إِمَام واعظ حُلْو الْكَلَام حسن الْوَعْظ فصيح الْعبارَة ظريف الْجُمْلَة

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

الوَاعِظ الكَبِيْر المُتَكَلِّم، أَبُو الفُتُوْحِ، مُحَمَّد بنُ الفضل الإسفراييني، المَعْرُوف بِابْنِ المُعْتَمِدِ.
كَانَ رَأْساً فِي الوَعظِ، فَصِيْحاً، عذب العبَارَة، حُلْو الإِيرَاد، ظرِيفاً، عَالِماً، كَثِيْر المَحْفُوْظ، صُوْفِيَّ الشَّارَة، جَيِّد التَّصنِيف.
وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ أَبِي الحَسَنِ بنِ الأَخْرَم، وَشِيْرَوَيْهِ الدَّيْلَمِيّ.
رَوَى عَنْهُ: السَّمْعَانِيّ، وَابْن عَسَاكِرَ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ مِنْ أَفرَاد الدَّهْر فِي الْوَعْظ، دَقِيق الإِشَارَة، وَكَانَ أَوحد وَقتِه فِي مَذْهَب الأَشْعَرِيّ، وَلَهُ فِي التَّصَوُّف قَدَمٌ رَاسخ، صَنّف فِي الحقيقَة كُتباً مِنْهَا كِتَاب "كشف الأَسرَار"، وَكِتَاب "بَيَان القَلْب"، وَكِتَاب "بَث السِّرّ"، وَكُلُّ كتبه نُكتٌ وَإِشَارَات، ظهر لَهُ الْقبُول التَّام بِبَغْدَادَ، وَكَانَ يَتَكَلَّم بِمَذْهَب الأَشْعَرِيّ، فَثَارت الحَنَابِلَة، فَأَمر المُسْترشد بِإِخرَاجه، فَلَمَّا وَلِي المُقْتَفِي رَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، وَعَاد فَعَادت الفِتَنُ، فَأَخرجُوهُ إِلَى بَلَده.
قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: هُوَ أَجرَأُ مَنْ رَأَيْتُهُ لِسَاناً وَجَنَاناً، وَأَكْثَرهُم فِيمَا يُورد إِعرَاباً وَإِحسَاناً، وَأَسرعهُم جَوَاباً، وَأَسلسهُم خطَاباً، مَعَ مَا رُزِقَ بَعْدَ صِحَّةِ العقيدَةِ مِنَ الخِصَال الحمِيدَةِ، وَإِرشَاد الْخلق، وَبَذْلِ النَّفْس فِي نُصْرَة الحَقِّ ... إِلَى أَنْ قَالَ: فَمَاتَ مبطوناً شهيداً غرِيباً، لاَزمتُ مَجْلِسه، فَمَا رَأَيْتُ مِثْله وَاعِظاً.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت فِي كِتَاب أَبِي بَكْرٍ المَارستَانِي قال: حدثني قَاضِي القُضَاة أَبُو طَالِبٍ بنُ الحَدِيْثيِّ قَالَ: مرّ بِنَا أَبُو الفُتُوْحِ وَحَوْلَهُ خلق، مِنْهُم مَنْ يَصيح: لاَ نحرف ولاَ نصوب بَلْ عبَادَة، فَرجمه العوَامُّ حَتَّى تَرَاجَمُوا بِكَلْب مَيت، وَعظمت الفِتْنَة، لَوْلاَ قُرْبُهَا مِنْ بَاب النُّوْبِي، لَهلكَ جَمَاعَة، فَاتَّفَقَ جَوَاز عَمِيدِ بَغْدَاد مُوَفَّق الْملك، فَهَرَبَ مَنْ مَعَهُ، فَنَزَلَ، وَدَخَلَ إِلَى بعض الدَّكَاكِينِ، وَأَغلقهَا، ثُمَّ اجْتَمَع بِالسُّلْطَانِ، فَحكَى لَهُ، فَأَمر بِالقبضِ عَلَى أَبِي الفُتُوْحِ وَتَسفِيرِهِ إِلَى هَمَذَان، ثُمَّ إِلَى إِسْفَرَايِيْنَ، وَأَشْهَد عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْهَا، فَدمُهُ هدر.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: أُزعِجَ عَنْ بَغْدَاد، فَأَدْرَكه المَوْت بِبِسْطَامَ فِي ثَانِي ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فَدُفِنَ بِجنب الشَّيْخ أَبِي يَزِيْدَ البِسْطَامِي.
قَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي "الْمُنْتَظِم": قَدِمَ السُّلْطَان مَسْعُوْد بَغْدَاد وَمَعَهُ الحَسَنُ بنُ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُوْرِيّ الحَنَفِيّ، أَحَدُ المُنَاظرِيْنَ، فَجَالَستُه، فَجَلَسَ بِجَامِعِ القَصْرِ، وَكَانَ يَلعن الأَشْعَرِيّ جهراً، وَيَقُوْلُ: كُن شَافِعِياً وَلاَ تَكُنْ أَشعرِياً، وَكُنْ حَنفِياً وَلاَ تَكُنْ مُعْتَزِلياً، وَكُنْ حَنْبَلياً، وَلاَ تَكُنْ مُشبِّهاً، وَكَانَ عَلَى بَابِ النِّظَامِيَّة اسْم الأَشْعَرِيّ، فَأَمر السُّلْطَان بِمحوِهِ، وَكَتَبَ مَكَانَهُ: الشَّافِعِيّ، وَكَانَ الإِسْفَرَايِيْنِي يَعظ فِي رِبَاطه، وَيذكر مَحَاسِن مَذْهَب الأَشْعَرِيّ، فَتقع الخُصُومَاتُ، فَذَهَبَ الغَزْنَوِيّ، فَأَخبر السُّلْطَانَ بِالفِتَنِ، وَقَالَ: إِنَّ أَبَا الفُتُوْح صَاحِبُ فِتْنَةٍ، وَقَدْ رُجم غَيْرَ مَرَّةٍ، وَالصَّوَاب إِخرَاجه، فَأُخْرِجَ، وَعَاد الحَسَن النَّيْسَابُوْرِيّ إِلَى وَطَنه، وَقَدْ كَانَتِ اللَّعْنَة قائمةً في الأَسواقِ، وَكَانَ بَيْنَ الإِسْفَرَايِيْنِي وَبَيْنَ الوَاعِظِ أَبِي الحَسَنِ الغَزْنَوِيِّ شَنآن، فَنُوْدِيَ فِي بَغْدَادَ أَنْ لاَ يَذْكُرَ أَحَدٌ مَذْهَباً.
قُلْتُ: لَمَّا سَمِعَ ابْنُ عَسَاكِرَ بِوَفَاةِ الإِسْفَرَايِيْنِي أَملَى مَجْلِساً فِي المَعْنَى، سَمِعْنَاهُ بِالاتِّصَالِ، فَيَنْبَغِي لِلمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعيذَ مِنَ الفِتَنِ، وَلاَ يَشغَبَ بِذِكرِ غَرِيْبِ المَذَاهِبِ لاَ فِي الأُصُوْلِ وَلاَ فِي الفُرُوْعِ، فَمَا رَأَيْتُ الحركَةَ فِي ذَلِكَ تُحَصِّلُ خَيْراً، بَلْ تُثِيرُ شَرّاً وَعَدَاوَةً وَمَقْتاً لِلصُّلحَاءِ وَالعُبَّادِ مِنَ الفَرِيْقَيْنِ، فَتمسَّكْ بِالسّنَة، وألزم الصَّمْت، وَلاَ تَخضْ فِيمَا لاَ يَعْنِيكَ، وَمَا أَشكلَ عَلَيْكَ فَرُدَّهُ إِلَى اللهِ وَرَسُوْلِه، وَقِفْ، وَقُلْ: اللهُ وَرَسُوْلُه أعلم.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.