محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الأموي القرشي

أبي المظفر الأبيوردي

تاريخ الوفاة507 هـ
مكان الوفاةأصبهان - إيران
أماكن الإقامة
  • أبيورد - تركمانستان

نبذة

المنكوب ابْن عَنْبَسَة الْأَصْغَر بن عتبَة الْأَشْرَاف بن عُثْمَان بن عَنْبَسَة ابْن أبي سُفْيَان بن صَخْر بن حَرْب الْأمَوِي كَذَا أورد نسبه الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ الأديب الماهر الْمجمع على علمه وذكائه وَقُوَّة نَفسه وَكَثْرَة تعففه أَبُو المظفر الأبيوردي

الترجمة

مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن الْحسن ابْن مَنْصُور بن مُعَاوِيَة الْأَصْغَر بن مُحَمَّد بن عُثْمَان وَهُوَ المنكوب ابْن عَنْبَسَة الْأَصْغَر بن عتبَة الْأَشْرَاف بن عُثْمَان بن عَنْبَسَة ابْن أبي سُفْيَان بن صَخْر بن حَرْب الْأمَوِي
كَذَا أورد نسبه الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَابْن السَّمْعَانِيّ
هُوَ الأديب الماهر الْمجمع على علمه وذكائه وَقُوَّة نَفسه وَكَثْرَة تعففه
أَبُي المظفر الأبيوردي
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ أوحد عصره وفريد دهره فِي معرفَة اللُّغَة والأنساب وَغير ذَلِك
أورد فِي شعره مَا عجز عَنهُ الْأَوَائِل من معَان لم يسْبق إِلَيْهَا وأليق مَا وصف بِهِ بَيت أبي الْعَلَاء المعري
(وَإِنِّي وان كنت الْأَخير زَمَانه ... لآت بِمَا لم تستطعه الْأَوَائِل)

وَله تصانيف كَثِيرَة مِنْهَا تَارِيخ ابيوردونسا والمختلف والمؤتلف وطبقات الْعلم

هَذَا بعض كَلَام ابْن السَّمْعَانِيّ
وَذكره عبد الغافر فَقَالَ فَخر الْعَرَب أَبُو المظفر الأبيوردي الكوفني الرئيس الْكَاتِب الأديب النسابة من مفاخر الْعَصْر وأفاضل الدَّهْر
وَأطَال فِي مدحه
سمع أَبُو المظفر الحَدِيث من إِسْمَاعِيل بن مسْعدَة الأسماعيلي وَأبي بكر بن خلف الشِّيرَازِيّ وَمَالك بن أَحْمد البانياسي وَعبد القاهر الْجِرْجَانِيّ النَّحْوِيّ
روى عَنهُ السلَفِي وَأَبُو بكر بن الخاضبة وَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي
وتفقه على إِمَام الْحَرَمَيْنِ وامتدحه بقصائد بديعة
وَأثْنى عَلَيْهِ غير وَاحِد بِحسن العقيدة وَجَمِيل الطَّرِيقَة وَكَمَال الْفَضِيلَة حَتَّى قَالَ السلَفِي كَانَ الأبيوردي وَالله من أهل الدّين وَالْخَيْر وَالصَّلَاح وَالْفِقْه
قَالَ لي وَالله مَا نمت فِي بَيت فِيهِ كتاب الله أَو حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احتراما لَهما
قَالُوا إِلَّا أَنه كَانَ ذَا نفس أبيَّة تحدثه بالخلافة وبأمور رفيعة فَلذَلِك نسبت إِلَى نقص فِي الْعقل
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت غير وَاحِد من شيوخي يَقُولُونَ إِنَّه إِذا صلى يَقُول اللَّهُمَّ ملكني مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا

وَمن شعره الدَّال على قُوَّة نَفسه
(يَا من يساجلني وَلَيْسَ بمدرك ... شأوي وَأَيْنَ لَهُ جلالة منصبي)
(لَا تتبعن فدون مَا حاولته ... خرط القتادة وامتطاء الْكَوْكَب)
(وَالْمجد يعلم أننا خير أَبَا ... فَاسْأَلْهُ تعلم أَي ذِي حسب أبي)
(جدي مُعَاوِيَة الْأَغَر سَمِعت بِهِ ... جرثومة من طينها خلق النَّبِي)
(وورثته شرفا رفعت مَنَارَة ... فبنو أُميَّة يفخرون بِهِ وَبِي)
وترجمه الْحَافِظ السلَفِي فِي جُزْء مُفْرد وعظمه كثيرا
وَذكر أَنه فوض إِلَيْهِ إشراف الممالك بخراسان كلهَا
وأحضر عِنْد السُّلْطَان أبي شُجَاع مُحَمَّد بن ملكشاة لتشخيصه وَهُوَ على سَرِير ملكه فارتعد وَوَقع وَرفع مَيتا
وَلَعَلَّ ذَلِك من الله مُقَابلَة لَهُ لقُوَّة نَفسه
وَمن شعره أَيْضا
(تنكر لي دهري وَلم يدر أنني ... أعز وأحدث الزَّمَان تهون)
(فَبَاتَ يريني الْخطب كَيفَ اعتداؤه ... وَبت أريه الصَّبْر كَيفَ يكون)

قَالَ عبد الغافر حصلت لَهُ من السُّلْطَان مَكَانَهُ ونعمة ثمَّ كَانَ يرشح من كَلَامه نوع تشبيب بالخلافة ودعوة إِلَى اتِّبَاع فَضله وادعاء اسْتِحْقَاق الْإِمَامَة يبيض وسواس الشَّيْطَان فِي رَأسه ويفرخ وَيرْفَع الْكبر بِأَنْفِهِ ويشمخ فاضطره الْحَال إِلَى مُفَارقَة بَغْدَاد وَرجع إِلَى همذان فَأَقَامَ بهَا يدرس ويفيد ويصنف مُدَّة
توفّي مسموما بأصبهان فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وَخَمْسمِائة
كتب إِلَى أَحْمد بن أبي طَالب عَن ابْن النجار أَن القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد بن الْعمريّ حَدثهُ عَن أبي عَامر مُحَمَّد بن سعدون بن مرجي الْعَبدَرِي قَالَ حَدثنَا أَبُو المظفر الأبيوردي من لَفظه بِبَغْدَاد فِي جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة أخبرنَا أَبُو سعد إِسْمَاعِيل بن عبد القاهر بن عبد الرَّحْمَن الْجِرْجَانِيّ بجرجان أخبرنَا أَبُو الْحُسَيْن عبد الغافر بن مُحَمَّد الْفَارِسِي حَدثنَا أَبُو أَحْمد الجلودي حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن سُفْيَان حَدثنَا مُسلم بن الْحجَّاج حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن علية عَن عبد الْعَزِيز عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايتمنين أحدكُم الْمَوْت لضر نزل بِهِ فَإِن كَانَ لَا بُد متمنيا فَلْيقل اللَّهُمَّ أحيني مَا كَانَت الْحَيَاة خير لي وتوفني إِذا كَانَت الْوَفَاة خيرا لي)

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

 

 

الأُسْتَاذُ العَلاَّمَةُ الأَكملُ أَبُو المُظَفَّرِ مُحَمَّدُ بنُ أبي العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بن مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ بن الحَسَنِ بنِ مَنْصُوْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان ابن حَرْب بن أُمَيَّةَ الأُمَوِيّ, العَنبسِي المُعَاوِيّ, الأَبِيوَرْدي اللُّغَوِيّ، شَاعِرُ وَقته، وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ، فَالوَاسِطَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي سُفْيَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَباً.
سَمِعَ: إِسْمَاعِيْل بنَ مَسْعَدَةَ، وَأَبَا بَكْرٍ بنَ خَلَفٍ الشِّيرَازِي، وَمَالِكَ بنَ أَحْمَدَ البَانِيَاسِيّ، وَأَخَذَ العَرَبِيَّةَ عَنْ عبدِ القَاهِر الجُرْجَانِيّ.
رَوَى عَنْهُ ابْنُ طَاهِر المَقْدِسِيّ، وَأَبُو الفُتُوْح الطَّائِيُّ، وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ، وَجَمَاعَةٌ.
قَالَ يَحْيَى بنُ مَنْدَه: سُئِلَ الأَدِيْب أَبُو المُظَفَّرِ عَنْ أَحَادِيْثِ الصِّفَات، فَقَالَ: تُقَرُّ وَتُمَرُّ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيّ: صَنّف كِتَاب "الْمُخْتَلف"، وَكِتَاب "طَبَقَات العِلْم"، وَكِتَاب "أَنسَاب الْعَرَب"، وَلَهُ في اللغة مصنفات ما سبق إليها.

قُلْتُ: "دِيْوَانُهُ" كَبِيْر، وَهُوَ أَقسَام: العِرَاقيَات، وَالنّجديَات، والوجديات، وعمل "تاريخًا" لأبيورد.
قَالَ السَّمْعَانِيّ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِد يَقُوْلُوْنَ: كَانَ الأَبِيوَرْدِي يَقُوْلُ فِي صَلاَتِهِ: اللَّهُمَّ ملِّكْنِي مشَارق الأَرْض وَمَغَارِبَهَا.
قُلْتُ: هُوَ ريَّان مِنَ العُلُوْم، موصوفٌ بِالدّين وَالوَرَع، إلَّا أَنَّهُ تيَّاهُ، مُعْجَبٌ بِنَفْسِهِ، قَدْ قَتَلَهُ حُبُّ السُّؤْدُدِ، وَكَانَ جَمِيْلاً لبَّاساً لَهُ هيئَة وَرُوَاء، وَكَانَ يَفتخِرُ، وَيَكْتُب اسْمَه: العبشمِي المُعَاوِيّ، يُقَالُ: إِنَّهُ كتب رُقعَة إِلَى الخَلِيْفَة المُسْتظهِر بِاللهِ، وَكَتَبَ: المَمْلُوْكُ المُعَاوِيّ، فَحكَّ المُسْتظهر المِيم، فَصَارَ العَاوِي، وَردَّ الرُّقعَة إليه.
قال جماد الحَرَّانِيّ: سَمِعْتُ السِّلَفِيّ يَقُوْلُ: كَانَ الأَبِيْوَرْدِي -وَاللهِ- مِنْ أَهْلِ الدّين وَالخَيْرِ وَالصَّلاَحِ وَالثِّقَة، قَالَ لِي: وَاللهِ مَا نمتُ فِي بَيْت فِيْهِ كِتَابُ اللهِ، وَلاَ حَدِيْثُ رَسُوْل اللهِ احترَاماً لَهُمَا أَنْ يَبْدُوَ مِنِّي شيءٌ لاَ يَجُوْز.
أَنشدنَا أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الفَقِيْه، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِي لِنَفْسِهِ:
وشادنٍ زَارَنِي عَلَى عجلٍ ... كَالبَدْرِ فِي صَفْحَةِ الدُّجَى لَمَعَا
لم أَزَلْ مُوْهِناً أُحَدِّثُهُ ... وَالبَدْرُ يُصْغِي إِلَيَّ مُسْتَمِعَا
وَصَلْتُ خَدِّي بِخَدِّهِ شَغَفاً ... حَتَّى التَقَى الرَّوْضُ وَالغَدِيْرُ مَعَا
قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي "السِّيَاقِ": فَخْرُ العربِ أَبُو المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي الكُوفَنِي، الرَّئِيْسُ الأديب، الكاتب النسابة، من مفاخر العصر، وَأَفَاضِلِ الدَّهْر، لَهُ الفَضَائِلُ الرَّائِقَة، وَالفُصولُ الفَائِقَة، وَالتَّصَانِيْفُ المُعجزَة، وَالتَّوَالِيفُ المُعجِبَة، وَالنَّظْمُ الَّذِي نَسخَ أَشعَارَ المُحْدَثِيْنَ، وَنسجَ فِيْهِ عَلَى مِنوَال المعرِي، وَمَنْ فَوْقَه مِنَ المفلقين، رَأَيْتُهُ شَابّاً قَامَ فِي درسِ إِمَام الحَرَمَيْنِ مرَاراً، وَأَنشَأَ فِيْهِ قصَائِد كباراً، يَلْفِظُهَا كَمَا يَشَاء زَبَداً مِنْ بَحر خَاطِره كَمَا نشَاء، ميسرٌ لهُ الإِنشَاء، طَوِيْلُ النَفْس، كَثِيْرُ الحِفْظِ، يَلتَفِتُ فِي أَثْنَاء كلاَمه إِلَى الفِقَرِ وَالوقَائِع، وَالاستنباطَات الغرِيبَة، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى العِرَاقِ، وَأَقَامَ مُدَّةً يَجْذِبُ فَضلَه بِضَبْعِهِ، وَيَشتهر بَيْنَ الأَفَاضِل كَمَالُ فَضله، وَمتَانَةُ طبعه، حَتَّى ظهر أَمرُه، وَعلاَ قدرُه، وَحصل لَهُ مِنَ السُّلْطَان مكانةٌ وَنعمَة، ثُمَّ كَانَ يَرْشُحُ مِنْ كلاَمه نوعُ تَشبُّثٍ بِالخِلاَفَةِ، وَدعوَةٌ إِلَى اتِّبَاع فَضلِه، وَادَّعَاء اسْتحقَاقِ الإِمَامَة، تبيضُ وَسَاوسُ الشَّيْطَانِ فِي رَأْسِهِ وَتُفَرِّخُ، وَتَرفَعُ الكِبْرَ بِأَنفِهِ وَتَشْمَخُ، فَاضطره الحَالُ إِلَى مُفَارَقَةِ بَغْدَادَ، وَرَجَعَ إِلَى هَمَذَانَ، فَأَقَامَ بِهَا يُدَرِّسُ وَيُفِيدُ، ويصنف مدة.

وَمِنْ شِعْرِهِ:
وَهيفَاءَ لاَ أُصْغِي إِلَى مَنْ يَلُوْمُنِي ... عَلَيْهَا وَيُغْرِينِي بِهَا أَنْ يَعِيبَهَا
أَمِيْلُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيَّ إِذَا بَدَتْ ... إِلَيْهَا وَبَالأُخْرَى أُرَاعِي رَقِيْبَهَا
وَقَدْ غَفَلَ الوَاشِي فَلَمْ يَدْرِ أَنَّنِي ... أَخَذْتُ لِعَيْنِي مِنْ سُلَيْمَى نَصِيْبَهَا
وَلَهُ:
أكوكبٌ مَا أَرَى يَا سَعْدُ أُمْ نَارُ ... تَشُبُّهَا سَهْلَةُ الخَدَّيْنِ مِعْطَارُ
بَيْضَاءُ إِنْ نَطَقَتْ فِي الحيِّ أَوْ نَظَرَتْ ... تَقَاسَمَ الشَّمْسَ أسماعٌ وَأَبْصَارُ
وَالرَّكْبُ يَسرُوْنَ وَالظَّلْمَاء رَاكِدَةٌ ... كَأَنَّهُم فِي ضَمِيْرِ اللَّيْلِ أَسرَارُ
فَأَسرَعُوا وَطُلا الأَعْنَاقِ مائلةٌ ... حَيْثُ الوَسَائِدُ لِلنُّوَّامِ أَكْوَارُ
وَلَهُ:
تَنَكَّرَ لِي دَهْرِي وَلَمْ يَدْرِ أَنَّنِي ... أَعِزُّ وَأَحْدَاثُ الزَّمَانِ تَهُونُ
فَبَاتَ يُرِينِي الخَطْبَ كَيْفَ اعتِدَاؤُهُ ... وَبِتُّ أُرِيهِ الصَّبْرَ كَيْفَ يَكُوْنُ
وَلَهُ:
نَزَلْنَا بِنُعْمَانِ الأَرَاكِ وَلِلنَّدَى ... سقيطٌ بِهِ ابْتَلَتْ عَلَيْنَا المَطَارِفُ
فَبِتُّ أُعَانِي الوَجْدَ وَالرَّكْبُ نومٌ ... وَقَدْ أَخَذَتْ مِنَّا السُّرَى وَالتَّنَائِفُ
وَأَذْكُرُ خُوْداً إِنْ دَعَانِي عَلَى النَّوَى ... هَوَاهَا أَجَابَتْهُ الدُّمُوعُ الذَّوَارِفُ
لَهَا فِي مَغَانِي ذَلِكَ الشِّعْبِ منزلٌ ... لَئِنْ أَنْكَرَتْهُ العَيْنُ فَالقَلْبُ عَارِفُ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ الحَافِظُ: أَنشدنَا أَبُو المُظَفَّرِ الأَبِيوَرْدِي لنَفسِهِ:
يَا مَنْ يُسَاجِلُنِي وَلَيْسَ بمدركٍ ... شَأوِي وَأَيْنَ لَهُ جَلاَلَةُ مَنْصِبِي
لاَ تَتْعَبَنَّ فَدُوْنَ مَا حَاوَلْتَه ... خَرْطُ القَتَادَةِ وَامْتِطَاءُ الكَوْكَبِ
وَالمَجْدُ يَعْلَمُ أَيُّنَا خيرٌ أَباً ... فَاسْأَلْهُ تَعْلَمْ أَيُّ ذِي حسبٍ أَبِي
جَدِّي مُعَاوِيَةُ الأَغَرُّ سَمَتْ بِهِ ... جرثومةٌ مِنْ طِيْنِهَا خُلِقَ النَّبِي
وَرّثتُه شرفاً رَفَعْتُ مَنَارَه ... فَبَنُو أُمَيَّةَ يَفخرُوْنَ بِهِ وَبِي

أَنشدنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِيُّ لِنَفْسِهِ:
مَنْ رَأَى أَشْبَاحَ تبرٍ ... حُشِيَتْ رِيقَةَ نَحْلَهْ
فَجَمَعْنَاهَا بُدُوراً ... وَقَطَعْنَاهَا أَهِلَّهْ
تُوُفِّيَ الأَبِيوَرْدِي بِأَصْبَهَانَ مسمومًا, في ربيع الأول, سنة سبع وخمسين وَخَمْس مائَة كَهْلاً. قَالَ قَاضِي القُضَاة عبد الوَاحِد بن أَحْمَدَ الثَّقَفِيّ: أَنشدنَا الأَبِيوَرْدِي:
لَمْ يُبْقِ مِنِّي الحُبُّ غَيْرَ حشاشةٍ ... تَشْكُو الصَّبَابَةَ فَاذْهَبِي بِالبَاقِي
أَيَبِلُّ مَنْ جَلَبَ السَّقَامَ طَبِيْبُهُ ... وَيَفِيْقُ مَنْ سَحَرَتْهُ عَيْنُ الرَّاقِي
إِنْ كَانَ طَرْفُكِ ذَاقَ رِيْقَكَ فَالَّذِي ... أَلْقَى مِنَ المَسْقِيِّ فِعْلُ السَّاقِي
نَفْسِي فِدَاؤُكَ مِنْ ظلومٍ أُعْطِيَتْ ... رق القلوب وطاعة الأحداق
وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ طَاهِر، فَلَمْ يُتقن نسبه، وَقَالَ: كَانَ أَوحدَ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي عُلُوْمٍ عِدَّةٍ.
وَقَدْ عَمِلَ السِّلَفِيّ لَهُ سِيرَةً وَطوَّل، وَقَالَ: كَانَ فِي زَمَانِهِ دُرَّةَ وِشَاحِهِ، وَغُرَّةَ أَوضَاحِهِ، وَمَالِكَ رِقِّ المَعَانِي، فَلِلَّه دَرُّهُ حِيْنَ يَتنَاثرُ مِنْ فِيْهِ دُرُّهُ.
فِي كُلِّ مَعْنَىً يَكَادُ المَيْتُ يَفْهَمُهُ ... حُسْناً وَيَعْبُدُهُ القِرْطَاسُ وَالقَلَمُ
هَذَا مَعَ مَا تَجَمَّع فِيْهِ مِنَ الخَلاَّل الرَّضِيَّةِ، وَالخِصَالِ المرضيَّةِ، كَالتَّبَحُّرِ فِي اللُّغَةِ، وَالتَّقَدُّم فِي النَّحْوِ، وَالمَعْرِفَةِ برِجَالِ الحَدِيْث وَالأَنسَابِ، وَنزَاهَةِ النَفْس، وَالمُوَاظبَةِ عَلَى الشَّرعِ، وَالتَّوَاضعِ الزَّائِد لِلزَّاهِدين، والصلف التام على أبناء الدنيا، وكان نادرًا في أنساب العرب قاطبة، كأنه يَغْرِفُ مِنْ بَحرٍ، سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا دَخَلتُ بَلَداً يُرْوَى فِيْهِ الحَدِيْث إلَّا بدَأَتُ بِسمَاعِ شيءٍ مِنْهُ قَبْل التَّصدِّي لِشُؤونِي، وَحَفِظتُ كِتَاب "البلغَة" فِي اللُّغَة وَأَنَا صَبِيّ، وَمَا مَقَلْتُ لغوياً قَطُّ، وَأَمَّا النَّحْو، فَعبدُ القَاهِر، وَأَثْنَى عليه.
وحكى لي الشريف أبو البلقاء خطيبُ جَامِعِ السُّلْطَان قَالَ: كَانَ أَبُو المُظَفَّرِ يُطَالع الرّقعَةَ الطَّوِيْلَة مرَّةً وَاحِدَة، وَيُعيدهَا حِفْظاً، قَالَ: وَمِمَّنْ كَانَ يُبَالِغُ فِي مَدحه أَبُو نَصْرٍ بنُ أَبِي حَفْصٍ، وَأَبُو إِسْمَاعِيْلَ الأَثعل الأَصْبَهَانِيَّانِ كَاتِبَا الْعَصْر، وَبَلَغَنِي وَأَنَا بِسَلْمَاسَ أَنَّهُ فُوِّض إِلَيْهِ إِشْرَاف المَمَالِك، وَأُحضِرَ عِنْد السُّلْطَان مُحَمَّد بن مَلِكْشَاه لِلشخصيَة وَهُوَ عَلَى سرِيرِ المُلكِ، فَارْتَعَدَ مِنْهُ وَوَقَعَ، وَرُفِعَ ميتاً.

قَالَ شِيْرَوَيْه: سَمِعَ الأَبِيوَرْدِي مِنْ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مَسْعَدَةَ، وَعبدِ القَاهِر الجُرْجَانِيّ، وَأَبِي الفَتْحِ الشيرَازِي بِالرَّيِّ، وَعَاصِمِ بنِ الحَسَنِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ مِنْ أَفرَادِ الوَقْتِ الَّذِيْنَ ملكُوا القُلوبَ بِفَضلِهِم، وَعَمَرُوا الصُّدُوْر بودِّهم مُتعصِّباً لِلسُّنَّة وَأَهْلِهَا، وَلَهُ تَصَانِيْفُ كَثِيْرَة، أَلَّف "تَارِيخَ أَبِيْوَرْدَ وَنَسَا" وَ "الْمُخْتَلف وَالمُؤتلف" وَ "طَبَقَات العُلَمَاء فِي كُلِّ فَن" وَ "مَا اخْتلف وَائِتلف مِنْ أَنسَاب العربِ"، وَلَهُ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَة مُصَنَّفَات مَا سُبِقَ إِلَيْهَا، حسنَ السِّيْرَةِ، خَفِيفَ الرّوح، مُتَوَاضِعاً، طِرَازاً لأَهْل الْبَلَد.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ الهَمَذَانِيّ: قَدِمَ بَغْدَاد سَنَة ثَمَانِيْنَ، وَلاَزَمَ خزَانَة الكُتُب النّظَامِيَّة، وَكَانَ مِنَ الذّكَاء عَلَى وَصفٍ عَجِيبٍ، كَانَ يَسْمَعُ القصيدَةَ الطَّوِيْلَة فِي نوبةٍ، فَيرويهَا، وَيَتصفَّحُ الكِتَاب مرَّة، فيذكُرُ فَوَائِدَه وَيَحْكِيهَا، كَانَ يُعَابُ بِإِعجَابه بِنَفْسِهِ، وَكَانَ عَفِيْفاً متصوناً، أَكْثَر مِنْ مدَائِح الوَزِيْر أَبِي مَنْصُوْرٍ بن جَهير، فَصَادف مِنْهُ رِفداً جَلِيْلاً، ثُمَّ هَجَاهُ فِي هوَى مُؤيدِ الْملك بن النّظَام، فَسعَى ابْنُ جَهير إِلَى الخَلِيْفَة بِأَنَّهُ قَدْ هجَاك، وَمدح صَاحِبَ مِصْرَ، فَأُبيح دَمُهُ، فَهَرَبَ إِلَى هَمَذَان، وَاختلق هَذَا النسبَ حَتَّى ذهب عَنْهُ اسمُ صَاحِب مِصْر، وَيُقَالُ: إِنَّ الْخَطِير الوَزِيْر سَمَّه، فَمَاتَ فَجْأَةً.
قَالَ ابْنُ الخَشَّاب: قَرَأْتُ عَلَى عَبْدِ الرَّحِيْمِ بن الاخوَة ثَلاَثَةَ أَجزَاء مِنْ أَوّل كِتَاب "زَادَ الرِّفَاقِ لِلأَبِيوَرْدِي، وَهَذَا الكِتَاب -نَعَمْ وَاللهِ- بَارِدُ الْوَضع، مَشُوبٌ أَدبُه بِفُضُولٍ مِنْ عُلُوْمٍ لاَ تُعدُّ فِي الفَضْلِ، دَالَة عَلَى أَنَّ الأَبِيوَرْدِي كَانَ مُمَخْرِقاً مُحِباً لأَنْ يُرَى بِعينِ مُفْتَنٍّ، متشبعاً بِمَا لَمْ يُعْطِ.
وَلأَبِي إِسْمَاعِيْلَ الطُّغْرَائِي يَرْثي الأبيوردي:
إن ساغ لي بَعْدَكَ لِي ماءٌ عَلَى ظَمَأٍ ... فَلاَ تَجَرَّعْتُ غَيْرَ الصَّابِ وَالصَّبْرِ
أَوْ إِنْ نَظَرْتُ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى حسنٍ ... مُذْ غِبْتَ عَنِّي فَلاَ متعت بالنظر
صَحِبْتَنِي وَالشَّبَاب الغَضُّ ثُمَّ مَضَى ... كَمَا مَضَيْتَ فَمَا فِي العَيْشِ مِنْ وَطَرِ
هَبْنِي بَلَغْتُ مِنَ الأَعْمَارِ أَطْوَلَهَا ... أَوِ انتَهَيْتُ إِلَى آمَالِيَ الكُبَرِ
فَكَيْفَ لِي بشبابٍ لاَ ارْتجَاعَ لَهُ ... أُم أَيْنَ أَنْتَ فَمَا لِي عَنْكَ مِنْ خَبَرِ
سَبَقْتُمَانِي وَلَوْ خُيِّرْتُ بَعْدَكُمَا ... لَكُنْتُ أَوَّلَ لحاقٍ على الأثر

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.

 

 

 

 

محمد بن أحمد بن محمد القرشي الأموي، أبو المظفر:
شاعر عالي الطبقة، مؤرخ، عالم بالأدب.
ولد في أبيورد (بخراسان) ومات مسموما في أصبهان كهلا.
من كتبه " تاريخ أبيورد " و " المختلف والمؤتلف " في الأنساب، و " طبقات العلماء في كل فن " و " أنساب العرب " و " ديوان شعره - ط " و " زاد الرفاق - خ " في المحاضرات. قال الذهبي: كان على غزارة علمه تباها معجبا بنفسه جميلا لبّاسا، وكان يكتب اسمه " العبشمي المعاوي " ويقال إنه كتب رقعة إلى المستظهر العباسي وكتب: " المملوك المعاوي " فحك المستظهر الميم فصار " العاوي " وردها إليه. وكان يرشح من كلام الأبيوردي نوع تشبث بالخلافة. ولم يكن من أبناء معاوية بن أبي سفيان، وإنما هو من أبناء " معاوية ابن محمد " من سلالة أبي سفيان، ولممدوح حقي كتاب " الأبيوردي ممثل القرن الخامس في برلمان الفكر العربي - ط " .

-الاعلام للزركلي-