حسين بن علي بن سليمان الحنفي، المعروف بالشيخ حسين خوجه:
فاضل، من أهل تونس. ووفاته بها. كان رئيس ديوان الاءنشاء فيها وترجمانا للدولة الحسينية. له (الذيل لكتاب بشائر أهل الإيمان - ط) في التراجم .
-الاعلام للزركلي-
خوجة (حوالي 1077 - 1145 هـ) (1) (1666 - 1782 م)
حسين خوجة بن علي بن سليمان الحنفي، رئيس ديوان الانشاء بالحاضرة التونسية، وترجمان الدولة الحسينية ومؤرخها.
أخذ عن الشيخ محمد زيتونة المنستيري، والشيخ مصطفى بن عبد الكريم، والشيخ محمود مهتار الحنفي ختم عليه كتاب «نور الإيضاح» في الفقه، والشيخ علي الصوفي قال: «كنت تتلمذت عليه ولازمته مدة من الزمان، فخصني وأكرمني وأعزّني وأحظاني ولطالما أفادني في الطريقة، وأرشدني في الحقيقة، وكلما أشار عليّ من ارشاداته شاهدت نفعه ونلت بركته»، كما أخذ عن الشيخ علي عزّوز الصوفي.
كانت رحلته الأولى إلى الشرق لاداء فريضة الحج سنة 1111/ 1700 في أواخر الدولة المرادية التي كانت في حالة احتضار مؤذن بزوالها من الوجود، وبعد أداء فريضة الحج أقام بمصر مدة طويلة، وكان موجودا بالاسكندرية سنة 1114/ 1703 حيث لقي بها شيخه محمد زيتونة، وسافر مرة ثانية إلى المشرق وحج، وهذه الرحلة الثانية تعرض لها بتوسع في تاريخه «ذيل بشائر أهل الإيمان» وكانت في سنة 1125/ 1714 وكان خروجه من تونس إلى القيروان عن طريق البر، ثم من القيروان إلى المنستير، ومنها ركب البحر إلى الاسكندرية، ثم سافر إلى البحر الأحمر، وركب منه إلى رابغ، وزار المدينة المنورة، ثم قصد مكة المكرمة، واجتمع فيها بشيخه محمد زيتونة الذي كان مجاورا بمكة منذ حجته الثانية 1124 هـ قال: «وبعد إتمام الحج وقضاء التفث والعج والثج، اتخذته إمامي وملكته زمامي، فأخذ يدور بي على الأماكن المشرّفة، والأفاضل المتنسّكة، ثم سار بي إلى زيارة الشيخ البركة المعتقد الزاهد الشيخ سيدي محمد العابد، فلقيته وتبركت به، وهو من أجلّ من لاقيت ونالنا منه من دعاء الخير ما شهدت نفعه وبركته، فاستخرت الله تعالى وشاورت الشيخ العابدين في مسيرتي إلى دمشق، وزيارة القدس، وخليل الرحمن»، ودخل دمشق هو والشيخ محمود بن محمود، وتعرفا هنالك بالسيد الحصفي صالح دمشق ومعتقدها، وبالعلامة الشهير الشيخ عبد الغني النابلسي، زاره أولا بداره قرب الجامع الأموي وذكر أنه وجده يشرب الدخان فكفّ حتى ألح عليه زائره في الاستمرار ثم لقيه مرة ثانية بمقام الشيخ محيي الدين بن العربي وكان شيخ مدرسة ذلك المقام، وأقام بدمشق أياما معدودات ثم سافر مع قافلة إلى القدس، وأقام هنالك اثني عشر يوما زار فيها المسجد الأقصى، وقبة الصخرة، ومدينة الخليل، ثم عاد إلى مكة، قال: «ثم عدنا إلى مكة المشرفة، فأخذني الشيخ محمد زيتونة المذكور - حفظه الله - وزورني وطاف بي على عدة رجال مشاهير من أولياء الله منهم القطب السيد جعفر، ثم الشيخ العارف بالله، السالك في الطريقة والحقيقة العلامة المدرس بدار الخيزران الشيخ سيدي محمد الوليدي، فأخذت عنه اجازات في وظائف وأحزاب، ولقنني اسم الله الأعظم، ودعا لي بخير، ودار بي على أمثال هؤلاء».
ثم رجع إلى مصر وقصد الاسكندرية، فركب البحر منها على نية النزول بحاضرة تونس بمرسى حلق الوادي، لكن عوارض البحر صدت الركاب عن خليج الحمامات وأرجعتهم أدراجهم حتى أرسوا بالمنستير، فكان نزوله من حيث ركب. والمترجم كان عارفا بالتركية، والفارسية واللاتينية، توفي في شعبان سنة 1145 لا سنة 1169 كما ذكر محمد بن الخوجة ناشر «ذيل بشائر أهل الإيمان» للمرة الأولى، قال أميرالاي الهادي صاحب الطابع في مقال له عنوانه «على هامش أسفار وزراء الدولة الحسينية إلى الحج» المنشور بمجلة «الثريا» ع 3 س 3 ربيع الثاني /1365 مارس 1946، ص 16 والحقيقة أن حسين خوجة توفي 1145 حسبما يفيد ذلك رسم وفاته الذي عثرت عليه أخيرا بين أوراق عائلتي حيث تربطني بحسين خوجة قرابة عائلية، وإليك محل الحاجة من رسم الوفاة المشار إليه الذي هو من تحرير العدلين الشيخ محمد الشريف والشيخ محمد الرصاع الأنصاري من عدول دولة حسين بن علي:
«الحمد لله بعد أن توفي المعظم الأرفع، الفقيه الأكتب الأنفع، الحاج الأبر، الناسك المعتمر، أبو عبد الله حسين خوجة ابن المنعم المرحوم الصائر لرحمة الله القيّوم أبي الحسن علي بن سليمان الحنفي إلى عفو الله تعالى وأحاط بارثه الخ».
إلى أن يقول الكتب: «شهد على أشهادهم في الحالة الجائزة غرة شعبان الأكرم عام خمسة وأربعين ومائة وألف».
مؤلفاته:
الأسرار الكهينة بأحوال الكينة كينة، وهي رسالة في مقدمة واثنتي عشرة مقالة وخاتمة، وذكر فيها البلاد التي توجد فيها شجرة الكينة، ومتى دخلت أوربا، وأوصافها وخصائصها، والرد على من ادعى أنه تجدد الأمور الناشئة عن الحمى ومفعولها الوقتي لا يمنع الحمى من الرجوع، ثم ذكر أنواع الحميات وظهورها والحث على المبادرة بعلاجها.
وسبب تأليف هذه الرسالة أنه أصيب بمرض الحمى سنة 1138/ 1726 فسافر إلى ايطاليا للعلاج، واجتمع بالأطباء، وكانت شجرة الكينة حديثة عهد بالاكتشاف في أوربا، وكانت تسمى الكينة كينة وقشرها دواء للحمى، ولما انتشرت بتونس حمى المستنقعات في السنة التي سافر فيها جلب من ايطاليا مسحوقا من هذه القشور وفرقه على أصدقائه فحصلت الفائدة من استعمال هذا الدواء، والرسالة توضح استعمال الكينة ترجمها عن اللاتينية، واستعان على حل العويص من ألفاظها الصناعية بالصيدلي هارون أبي العيون، توجد من هذه الرسالة نسخة بالمكتبة الوطنية في تونس.
بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، ترجمه عن التركية من تأليف المولى مصلح الدين اللاري، وهو (اي اللاري المذكور) اعتمد على تاريخ النشري، وأضاف اليه من تاريخ شرف الدين في واقعة تيمور لنك وذيله لادريس الملازم لركاب السلطان سليم، ثم اعتمد ما نقله قطب الدين النهر والي المكي في كتاب «الاعلام باعلام بيت الله الحرام» وأتمه بما تضمنه تاريخ الشيخ البكري «نصرة أهل الإيمان بتاريخ دولة آل عثمان» ونص على هذا الاقتباس من كتب مختلفة بقوله: «هذا ما استخرجته من لساني التركية والفارسية وترجمة العربية، المستمطر سحائب الرحمة والغفران من الله المنّان حسين خوجة».
والكتاب في تاريخ سلاطين آل عثمان من أولهم إلى عهد السلطان أحمد، ويحتوي على مقدمة وعشرين بابا، فالمقدمة للكلام عن أصول القبائل التركية التي انحدر منها آل عثمان، وخصص لكل سلطان بابا تحدث فيه عن خلافته وغزواته وانجازاته العمرانية، وختم الباب بتراجم وافية لعلماء دولته، والكتاب في مجلد من القطع الكبير، توجد منه نسخ في المكتبة الوطنية بتونس.
ذيل بشائر أهل الإيمان خصصه لتونس، تعرض فيه باختصار لتاريخ تونس من الفتح التركي إلى عهد حسين بن علي (مؤسس دولة البايات)، ثم ترجم لمجموعة من العلماء ابتداء من العهد التركي، ثم العهد الحسيني، وأخيرا عقد خاتمة ذكر فيها جماعة من الصوفية والعباد في تونس، ومصر ومكة، ودمشق أثناء رحلته إلى الحج.
وقد صنف العلماء حسب المدن التي ينتسبون إليها ونشئوا فيها، وهو مصدر هام في هاته الناحية إذ اعتمده من جاء بعده من المؤرخين وكتاب التراجم، ومن الناحية السياسية هو مصدر مهم لمعرفة تطور أنظمة الحكم بتونس من عهد سنان باشا إلى عهد حسين بن علي، وأهمية منصبي الباي والدي والصراع الذي نشأ بينهما من أجل التنافس على الحكم.
وعرض كتابه حين شرع في تأليفه على بعض مشايخه وأصدقائه فقد قال في ترجمة محمد الصغير داود: «وكنت لما استخرت الله، وأردت ترجمة هذا الكتاب بقيت مدة أتردد بين اقدام وإحجام، وأقدم رجلا وأؤخر أخرى مع قصور وقلة بضاعتي فاستخرجت منه نبذة، وعرضتها عليه في خلوة، واستشرته في أن ينهاني أو يأمرني أن أطلق بناني، فأجابني وقال: «أكتب في الحين والله لك معين»، ثم إني عرضت تلك الوريقات على شيخنا وقدوتنا المولى الفاضل الشيخ سيدي محمد زيتونة، فحسن لي في جوابه والمقال، فامتثلت أمره في الحال، وكذلك فعلت أيضا مع أخي في الله وشيخي المولى الفاضل، القدوة الكامل، سيدي أحمد برناز فأجابني بجواب حسن وأجاز، فاستنجدته للاعانة والامداد فقال لي: اكتب والله يمدك بالاسعاد».
وشيخاه اللذان ذكرهما برناز وزيتونة، هما من جملة مصادره الشفهية، التي نقل عنها مباشرة وأشار إلى شيخه أحمد برناز وتشجيعه وإعانته له بقوله: «وكان أول قادح لزندي، ومعين رفدي، استاذي المتصرف في سبيلي الحقيقة والمجاز، المولى أبو العباس أحمد برناز» ثم قال «وعاهدني على الإعانة، وقد وفى بما وعد».
وهو في التراجم لا يذكر مصادره إلا قليلا، ويبدو أن غالبها شفهية وهم شيوخه: أحمد برناز، الصغير داود، علي الصوفي، محمد زيتونة، وهم زيادة على تشجيعهم له امدوه بالمعلومات الخاصة بالأشخاص الذين لا يعرفهم، فالأول مثلا أملى عليه الفصل المتعلق بالحالة الثقافية بتونس في عهد الاحتلال التركي، وذكر بأمانة ما رواه الثاني عن الشيخ إبراهيم الجمّني، والثالث أعلم بوفاة الشيخ التركي الأصل محمد قارة خوجة، ونقل عن الشيخ أحمد الطرودي ترجمة الشيخ محمد الصغير المعروف بالكفيف الحنفي المذهب، كما نقل عنه في ترجمة الشيخ المحجوز، وقد أخذ عن معاصرين آخرين معلومات كالشيخ يوسف برتقيز إمام حسين بن علي أمده بمعلومات عن الشيخ علي عزوز
وأحيانا لا يذكر المصدر كما في ترجمة شيخه مصطفى بن عبد الكريم، واكتفى بقوله عند ذكر ميلاده «فيما سمعت من بعض من يعرف التاريخ» وأحيانا لا يذكر المخبر مكتفيا بقوله «من أثق به» على أنه في الغالب عرف مباشرة الأشخاص الذين ترجم لهم والأحداث التي رواها.
وتراجمه لا تشير إلى منهج مضبوط، ولا خطة معينة، مما يدل على أنه كان يلحق زيادات بعد الفراغ من الترجمة، ولم يتمكن من تنقيح تأليفه، أو أنه تعوزه ملكة التنظيم والترتيب، مثلا في ترجمة علي شعيب الباجي قاضي المحلة، بعد أن عدّد شيوخه، والخطط التي تولاها ختمها بقوله «وأخذ أيضا عن الشيخ سعيد والشيخ سعيد الشريف» وكان من المناسب أن يذكر هذا عند الكلام عن شيوخه الذين أخذ عنهم.
وذكر وفاة الشيخ زيتونة مرتين في بداية الترجمة وفي آخرها، وقال في أثناء ترجمته «وهو في تدريسه - حفظه الله - يهدي لضعيف القريحة الدواء»، ويفهم من هذا أنه كتب الترجمة لشيخه وهو بقيد الحياة، ثم أضاف تاريخ الوفاة أولا وآخرا وهذا ما يؤيد أنه كان يضيف زيادات إلى تراجمه، ولم يتناول تأليفه بالتهذيب والتنقيح بوضع الزيادات في أماكنها الطبيعية، وحذف ما يحتاج إلى حذف كالدعاء ب «حفظه الله» وقد ذكر وفاته في الأول، ولغة الكتاب ساذجة بسيطة تميل إلى الضعف والركاكة مع التحريف اللغوي أحيانا.
وذكر في آخر الكتاب ظروف تأليفه، وتاريخ البداية والفراغ منه إذ قال: «هذا آخر ما أوردناه، وختام خاتمة ما تلقيناه وجمعناه مع قصور وضعف الحال، وكثرة الأشغال وكان الابتداء في تعريبه وجمعه في أوائل شهر محرم الحرام سنة ست وثلاثين ومائة وألف، وكان ختامه - بحمد الله وحسن عونه - وتمامه جمعا وكتابة في صبيحة يوم السبت غرة شهر ربيع الأول عام سبعة وثلاثين ومائة وألف، ولما كان هذا المجموع مشتملا على فتوحات آل عثمان، وكسي ديباجة حسن بذكر علماء الزمان وأولياء وصلحاء، وذكر الأمير حسين وخيراته الحسان، وافق أن جاء تاريخ ختمه أمان 1137/ 1725».
ويبدو أنه أضاف إليه زيادات بعد هذا التاريخ بقليل فقد ذكر في ترجمة الشيخ زيتونة أنه توفي سنة 1138، وفي ترجمة الشيخ أحمد برناز أنه توفي في سنة 1138، طبع الكتاب لأول مرة بالمطبعة الرسمية بتونس سنة 1326/ 1908 باشراف المؤرخ محمد بن الخوجة اعتمد فيها على مخطوطة مع تبديل وتغيير في المقدمة التاريخية، وطبع مرة ثانية طبعة علمية محققة اعتمادا على عدة نسخ مخطوطة بتحقيق الأستاذ الطاهر المعموري، بتونس سنة 1395/ 1975، مصدرا بمقدمة حافلة نفيسة استفدت منها كثيرا في عرض الكتاب
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثاني - صفحة 250 - للكاتب محمد محفوظ