دلف بن جحدر أبي بكر الشبلي جعفر بن يونس

أبي بكر الشبلي دلف

تاريخ الولادة247 هـ
تاريخ الوفاة334 هـ
العمر87 سنة
مكان الولادةسامراء - العراق
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • دنباوند (دماوند) - إيران
  • بغداد - العراق

نبذة

دلف بن جحدر أبي بكر الشبلي صوفي اختلف في اسمه فقيل: دلف بن جحدر ويقال: اسمه جعفر بن يونس. الزاهد المشهور، صاحب الأحوال والتصوف . وكان فقيها عالما، كتب الحديث الكثير ، وقرأ في أول أمره الفقه، وبرع في مذهب مالك، ثم سلك، وصحب الجنيد، وكان أبيه من حجّاب الدولة . مولده بسرّ من رأى . توفي سنة : أربع وثلاثين وثلاث مائة

الترجمة

دلف بن جحدر أبي بكر الشبلي صوفي اختلف في اسمه فقيل: دلف بن جحدر ويقال: اسمه جعفر بن يونس حكى ذلك كله أبي عبد الرحمن السلمي في طبقاته وقال: كذا وجدت على قبره ببغداد مكتوباً يعني  القول الأخير وقيل في اسمه غير هذا.
هو الشبلي شيخ الصوفية وإمام أهل علم الباطن وذو الأنباء البديعة والإشارات الغريبة وأحد المتصرفين في علوم الشريعة أصله خراساني من مدينة أشروسة من قرية يقال لها شبلية ومنشؤه ببغداد كان عالماً فقيهاً على مذهب مالك وكتب الحديث الكثير وصحب الجنيد ومن في عصره من المشايخ وصار أوحد الوقت: حالاً وعلماً وأسند الحديث.
روى عن محمد بن مهدي البصري روى عنه أبي بكر الأبهري وأبي بكر الرازي وأبي سهل الصعلوكي والحسين بن أحمد الصفار وجماعة غيرهم وكان مشايخ العراق يقولون: عجائب بغداد ثلاثة في التصوف: إشارات الشبلي ونكت المرتعش وحكايات جعفر الخلدي وقد ألف في فضائله أبي عبد الرحمن السلمي وأبي القاسم القشيري وأبي بكر المطوعي.
قال أبي بكر الرازي: لم أر في الصوفية أعلم من الشبلي وقال الجنيد: هو عين من عيون الله وقال: لكل قوم تاج وتاج هؤلاء القوم: الشبلي رضي الله عنه.
وسئل عن معنى قوله عز وجل: " الرحمن على العرش استوى " طه: 5 فقال: الرحمن لم يزل والعرش محدث والعرش بالرحمن استوى.
وكانت مجاهدته - في بدايته - فوق الحد ودخل الشبلي - يوماً - على علي بن عيسى الجراح الوزير وعنده بن مجاهد المقرئ فقال بن مجاهد للوزير: سأسكته الساعة وكان من شأن الشبلي إذا لبس شيئاً خرق فيه موضعاً فلما جلس قال له بن مجاهد: يا أبا بكر أين في العلم: إفساد ما ينتفع به؟ فقال الشبلي: أين في العلم: " فطفق مسحاً بالسوق والأعناق "؟ فسكت بن مجاهد فقال له بن الجراح: أردت أن تسكته فأسكتك؟ ثم قال الشبلي: قد أجمع الناس أنك مقرئ الوقت أين في القرآن: الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فسكت بن مجاهد وقال: قل يا أبا بكر فقال: قوله تعالى: " وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ولله ملك السموات والأرض وما بينهما وإليه المصير " المائدة: 18.

قال ابن مجاهد: كأني ما سمعتها قط وكان الشبلي يقول: إنما يحفظ هذا الجانب بي يعني من الديلم فمات يوم الجمعة وعبرت الديلم إلى الجانب الغربي يوم السبت وقال الشبلي: كتبت الحديث عشرين سنة وجالست الفقهاء عشرين سنة وكان يتفقه بمالك.
قال: وخلف أبي ستين ألف دينار سوى الضياع والعقار فأنفقتها كلها ثم قعدت مع الفقراء لا أرجع إلى مأوى ولا أستظهر بعلوم وكان يقول: يا دليل المتحيرين زدني تحيراً. يعني في عظمته وجلاله وقال بعضهم: دخلت على الشبلي وقد هاج وهو يقول:
على بعدك لا يصبر من عادته القرب

ولا يقوى على حجبك من تيمه الحب
فإن لم ترك العين فقد يبصرك القلب
وقال له رجل: ادع الله لي فقال:
مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى سعدى الغداة شفيع؟
وقيل له: تراك جسيماً بديناً والمحبة تفني؟ فأنشد:

أحب قلبي وما درى بدني ... ولو درى الحب ما أقام في السمن
ورئي خارجاً من المسجد في يوم عيد وهو يقول:
إذا ما كنت لي عيداً ... فما أصنع بالعيد؟
جرى حبك في قلبي ... كجري الماء في العود
وسئل عن الزهد فقال: تحويل القلب من الأشياء إلى رب الأشياء وقال: التصوف ضبط حواسك ومراعاة أنفاسك وسئل عن الدنيا فقال: قدر يغلي وحش يملي ومات الشبلي رحمه الله تعالى في ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة يوم الجمعة لليلتين بقيتا من الشهر وسنه سبع وثمانون سنة ودفن في مقبرة الخيزران ببغداد وقبره بها معروف رحمة الله تعالى عليه

الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - ابن فرحون، برهان الدين اليعمري

 

 

دلف بن جحدر الشبلي:
ناسك. كان في مبدإ أمره واليا في دنباوند (من نواحي رستاق الريّ) وولي الحجابة للموفق العباسيّ، وكان أبوه حاجب الحجاب، ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، فاشتهر بالصلاح. له شعر جيد، سلك به مسالك المتصوفة. أصله من خراسان، ونسبته الى قرية (شبلة) من قرى ما وراء النهر، ومولده بسر من رأى، ووفاته ببغداد. اشتهر بكنيته، واختلف في اسمه ونسبه، فقيل (دلف بن جعفر) وقيل (جحدر بن دلف) و (دلف ابن جعترة) و (دلف بن جعونة) و (جعفر ابن يونس) وللدكتور كامل مصطفى الشيبي (ديوان أبي بكر الشبلي - ط) جمع فيه ما وجد من شعره .

-الاعلام للزركلي-

 

 

دلف بن جحدر، أبي بكر الشبلي، وهذا هو المكتوب على قبره ، الزاهد المشهور، صاحب الأحوال والتصوف . وكان فقيها عالما، كتب الحديث الكثير ، وقرأ في أول أمره الفقه، وبرع في مذهب مالك، ثم سلك، وصحب الجنيد، وكان أبيه من حجّاب الدولة . مولده بسرّ من رأى . توفي سنة : أربع وثلاثين وثلاث مائة (334 ه ) . ينظر : شذرات الذهب في اخبار من ذهب / 4 / 189 ، و وفيات الاعيان / 2 / 273 ــ 276.

 

الشبلي :
شَيْخُ الطَّائِفَةِ، أبي بَكْرٍ، الشِّبلِيُّ البَغْدَادِيُّ. قِيْلَ: اسْمه دُلَف بنُ جَحْدر. وَقِيْلَ: جَعْفَر بن يُوْنُسَ. وَقِيْلَ: جَعْفَر بن دُلَف.
أَصلُه مِنَ الشِّبْليَّة -قريَة. وَمَوْلِدُهُ بِسَامَرَّاء.
وَكَانَ أبيهُ مِنْ كِبار حُجَّاب الخِلاَفَة. وَولِي هُوَ حجَابَة أَبِي أَحْمَدَ الْمُوفق، ثُمَّ لَمَّا عُزلَ أبي أَحْمَدَ مِنْ وَلاَيَة، حضَرَ الشِّبْلِي مَجْلِسَ بَعْض الصَّالِحِيْنَ. فتَاب ثُمَّ صَحِبَ الجُنَيْدَ وَغَيْرَهُ، وَصَارَ مِنْ شَأْنه مَا صَارَ.
وَكَانَ فَقِيْهاً عَارِفاً بِمَذْهَب مَالِك، وَكَتَبَ الحَدِيْثَ عَنْ طَائِفَةٍ. وَقَالَ الشِّعْرَ، وَلَهُ أَلْفَاظٌ وَحِكَم وَحَال وَتَمَكُّن، لكنَّه كَانَ يحصُل لَهُ جفَافُ دِمَاغ وَسُكْرٍ. فَيَقُوْلُ: أَشيَاء يُعتَذرُ عَنْهُ،

فِيْهَا بأوٌ لاَ تكُون قدوَة.
حكى عنه: محمد بن عبد الله الرازي، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ البَغْدَادِيُّ، وَمَنْصُوْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ الهَرَوِيّ الخَالدِي، وَأبي القَاسِمِ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيُّ، وَابْن جُمَيْع الغَسَّانِيّ، وَآخَرُوْنَ.
قِيْلَ إِنَّهُ مَرَّة قَالَ: آهِ. فَقِيْلَ لَهُ: مِنْ أَيِّ شَيْء؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَقِيْلَ: إِنَّ ابْنَ مُجَاهد قَالَ لَهُ: أَيْنَ فِي العِلْمِ إِفسَاد مَا ينفع؟ قَالَ: قَوْله {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33] . وَلَكِن يَا مُقْرِئ أَيْنَ مَعَكَ أَنَّ المحبَّ لاَ يُعَذّب حَبيبه؟ فَسَكَتَ ابْنُ مُجَاهِد. قَالَ: قَوْله {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ} [المائدة: 18] .
 

 

وَعَنْهُ: قَالَ: مَا قُلْتُ: الله إلَّا وَاسْتغفرتُ اللهَ مِنْ قَوْلِي: الله.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ عَطَاء الرُّوذَبارِيُّ: سَمِعْتُ الشِّبْلِي يَقُوْلُ: كتبتُ الحَدِيْث عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ عِشْرِيْنَ سَنَةً. وَكَانَ لَهُ يَوْم الجُمُعَةِ صيحَةٌ، فصَاح يَوْماً، فَتشوَّش الخَلْقُ، فَحرِدَ أبي عِمْرَانَ الأَشيب وَالفُقَهَاء فَجَاءَ إِلَيْهِم الشِّبْلِي، فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ إِذَا اشْتَبَه عَلَيْهَا دَمُ الْحيض بِالاسْتحَاضَة مَا تصنع؟ فَأَجَابَ بثَمَانيَةَ عشرَ جَوَاباً. فَقَامَ أبي عِمْرَانَ، فقبل رأسه.
وَكَانَ -رَحِمَهُ اللهُ- لَهجاً بِالشِّعر الغَزِل وَالمحبَّة. وَلَهُ ذَوْقٌ فِي ذَلِكَ، وَلَهُ مُجَاهَدَاتٌ عَجِيْبَةٌ انْحَرَفَ مِنْهَا مِزَاجه.
قَالَ السُّلَمِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الحَسَنِ، سَمِعْتُ الشبلِي يَقُوْلُ: أَعرفُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا الشَّأْن حَتَّى أَنفقَ جَمِيْعَ ملكه، وَغرَّق سَبْعِيْنَ قِمطراً بِخَطِّه فِي دجلَة الَّتِي تَرَوْنَ وَحَفِظَ "المُوَطَّأ"، وَتلاَ بكذَا وَكَذَا قِرَاءة -يَعْنِي: نَفْسه.
وَسُئِلَ: مَا علاَمَة العَارف؟ قَالَ: صَدْرُه مشروحٌ، وَقَلْبه مَجْرُوح، وَجسمه مَطْروح.
تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِيْنَ وَثَلاَثِ مائة. عن نيف وثمانين سنة.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

أبي بَكْر دلف بْن جحدر الشبلي بغدادي المورد والمنشأ وأصله من أسروشنة صحب الجنيد ومن فِي عصره وَكَانَ شيخ وقته حالا وظرفا وعلما، مالكي المذهب عاش سبعا وثمانين سنة وَمَاتَ سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة، وقبره ببغداد ولما تاب الشبلي فِي مجلس خير النساج أتي دوماوند وَقَالَ: كنت والي بلدكم فاجعلوني فِي حل، وكانت مجاهداته فِي بدايته فَوْقَ الحد.
سمعت الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق رحمه اللَّه يَقُول: بلغني أَنَّهُ أكتحل بكذا وكذا من الملح ليعتاد السهر ولا يأخذه النوم، ولو لَمْ يكن من تعظيمه للشرع إلا مَا حكاه بكران الدينوري فِي آخر عمره لكان كثيرا.
سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا الْعَبَّاس البغدادي يَقُول: كَانَ الشبلي رحمه اللَّه يَقُول فِي آخر أيامه:

وكم من موضع لو مت فِيهِ ... لكنت بِهِ نكالا فِي العشيرة
وَكَانَ الشبلي إِذَا دَخَلَ شَهْر رمضان جد فَوْقَ جد من عاصره وَيَقُول: هَذَا شَهْر عظمه ربي فأنا أول من يعظمه.
سمعت الأستاذ أبا عَلِيّ يحكى ذَلِكَ عَنْهُ.

الرسالة القشيرية.   لعبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري.
 

 

 

أَبُو بكر الشبلي واسْمه دلف يُقَال ابْن جحدر وَيُقَال ابْن جَعْفَر وَيُقَال اسْمه جَعْفَر بن يُونُس
سَمِعت الْحُسَيْن بن يحيى الشَّافِعِي يذكر ذَلِك وَكَذَلِكَ رَأَيْته بِبَغْدَاد مَكْتُوبًا على قَبره
وَهُوَ خراساني الأَصْل بغدادي المنشأ والمولد وَأَصله من أسروشنة ومولده كَمَا قيل سامرا
تَابَ فِي مجْلِس خير النساج وَصَحب الْجُنَيْد وَمن فِي عصره من الْمَشَايِخ وَصَارَ أوحد وقته حَالا وعلما وَكَانَ عَالما فَقِيها على مَذْهَب مَالك عَاشَ سبعا وَثَمَانِينَ سنة وَمَات فِي ذِي الْحجَّة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَدفن فِي مَقْبرَة الخيزران وقبره الْيَوْم ظَاهر
كتب الحَدِيث الْكثير وَرَوَاهُ
حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن الْعَبَّاس حَدثنَا عَليّ بن الْجمال قَالَ سَمِعت أَبَا بكر الشبلي يَقُول حَدثنَا مُحَمَّد بن مهْدي الْمصْرِيّ حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة حَدثنَا صَدَقَة بن عبد الله عَن طَلْحَة بن زيد عَن أبي فَرْوَة الرهاوي عَن عَطاء عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله ﷺ لِبلَال (الق الله فَقِيرا وَلَا تلقه غَنِيا) قَالَ يَا رَسُول الله كَيفَ لي بذلك قَالَ (مَا سُئِلت فَلَا تمنع وَمَا رزقت فَلَا تخبأ) قَالَ يَا رَسُول الله كَيفَ لي بِذَاكَ قَالَ (هُوَ ذَاك وَإِلَّا فَالنَّار)
سَمِعت مَنْصُور بن عبد الله الْهَرَوِيّ يَقُول سَمِعت الشبلي وَقيل لَهُ إِن أَبَا تُرَاب ذكر أَنه جَاع فِي الْبَادِيَة فَرَأى الْبَادِيَة كلهَا طَعَاما فَقَالَ عبد رفق وَلَو بلغ إِلَى مَحل التَّحْقِيق لَكَانَ كمن قَالَ إِنِّي أظل عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني
سَمِعت أَبَا بكر الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت عمر المزوق يَقُول سَمِعت الشبلي وَسُئِلَ عَن الْوَفَاء فَقَالَ هُوَ الْإِخْلَاص بالنطق واستغراق السرائر بِالصّدقِ
سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول مَا ظَنك بِعلم علم الْعلمَاء فِيهِ تُهْمَة
وسمعته يَقُول كَانَ الشبلي إِذا نظر إِلَى أَصْحَابه يسافرون وَيرى تقطعهم فِي أسفارهم يَقُول وَيْلكُمْ أَبَد مِمَّا لَيْسَ مِنْهُ بُد بل بُد مِمَّن لَيْسَ مِنْهُ بُد
وسمعته يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول الْأَرْوَاح تلطفت فتعلقت عِنْد لذعات الْحَقِيقَة فَلم تَرَ غير الْحق معبودا يسْتَحق الْعِبَادَة فأيقنت أَن الْمُحدث لَا يدْرك الْقَدِيم بِصِفَات معلولة فَإذْ صفاه الْحق أوصله إِلَيْهِ فَيكون الْحق أوصله إِلَيْهِ وَلَا وصل هُوَ
سَمِعت أَبَا الْقَاسِم النصراباذي يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول التصوف ضبط حواسك ومراعاة أنفاسك
سَمِعت عبد الْوَاحِد بن بكر يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول التصوف التآلف والتعاطف
وسمعته يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن الْفضل يَقُول سَمِعت الشبلي وَسُئِلَ مَتى يكون الرجل مرِيدا فَقَالَ إِذا اسْتَوَت حَاله فِي السّفر والحضر والمشهد والمغيب
سَمِعت مُحَمَّد بن الْحسن الْبَغْدَادِيّ يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول أَنْتُم مِنْكُم مخفوضة وَأَنا مني مَنْصُوبَة
سَمِعت أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي يَقُول كنت وَاقِفًا يَوْمًا على حَلقَة الشبلي فَجعل يبكي وَلَا يتَكَلَّم فَقَالَ رجل يَا أَبَا بكر مَا هَذَا الْبكاء كُله فَأَنْشَأَ يَقُول
(إِذا عاتبته أَو عاتبوه ... شكا فعلي عدد سيئاتي)
(أيا من دهره غضب وَسخط ... أما أَحْسَنت يَوْمًا فِي حَياتِي)
سَمِعت أَبَا سعيد الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت الشبلي وَسُئِلَ عَن الزّهْد فَقَالَ تَحْويل الْقلب من الْأَشْيَاء إِلَى رب الْأَشْيَاء
قَالَ وَسمعت الشبلي يَقُول من عرف الله خضع لَهُ كل شَيْء لِأَنَّهُ عاين أثر ملكه فِيهِ
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ سَمِعت الشبلي وَسُئِلَ مَا الدُّنْيَا فَقَالَ قدر تغلي وكنيف يمْلَأ
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ سَمِعت الشبلي وَسُئِلَ بِمَ يقمع الْهوى فَقَالَ برياضات الطباع وكشف القناع
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ سَمِعت الشبلي يَقُول لَيْسَ يخْطر الْكَوْن ببالي

وَكَيف يخْطر الْكَوْن ببال من عرف المكون
سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس مُحَمَّد بن الْحسن بن الخشاب يَقُول سَمِعت بعض أَصْحَاب الشبلي يَقُول رَأَيْت الشبلي فِي الْمَنَام فَقلت لَهُ يَا أَبَا بكر من أسعد أَصْحَابك بصحبتك فَقَالَ أعظمهم لحرمات الله وألهجهم بِذكر الله واقومهم بِحَق الله وأسرعهم مبادرة فِي مرضاة الله وأعرفهم بنقصانه وَأَكْثَرهم تَعْظِيمًا لما عظم الله من حُرْمَة عباده
وَسمعت أَبَا سعيد الرَّازِيّ يَقُول قَالَ رجل للشبلي ادْع الله لي فَأَنْشَأَ يَقُول
(مضى زمن وَالنَّاس يستشفعون بِي ... فَهَل لي إِلَى ليلى الْغَدَاة شَفِيع)
وسمعته يَقُول قيل للشبلي نرَاك جسيما بدينا والمحبة تضني فَأَنْشَأَ يَقُول
(أحب قلبِي وَمَا درى بدني ... وَلَو درى مَا أَقَامَ فِي السّمن)
سَمِعت عبد الْوَاحِد بن بكر يَقُول سَمِعت عمر بن عبد الله يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول لَو قبلني الْعَالم بِمن فِيهِ لكَانَتْ مُصِيبَة عَليّ إِذْ لَو لم يكن شربهم شربي وذوقهم ذوقي لم يقبلوني
وَسمعت أَبَا نصر الطوسي يَقُول سَمِعت الحصري يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول أعمى الله بصرا يراني وَلَا يرى فِي آثَار الْقُدْرَة فَأَنا أحد آثَار الْقُدْرَة وَأحد شَوَاهِد الْعِزَّة لقد ذللت حَتَّى عز فِي ذلي كل ذل وعززت حَتَّى مَا تعزز أحد إِلَّا بِي أَو بِمن تعززت بِهِ وَمَا افترقنا وَكَيف نفترق وَلم يجر علينا حَال الْجمع أبدا

سَمِعت أَبَا الْعَبَّاس النسوي يَقُول سَمِعت السيرواني يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول ليكن همك مَعَك لَا يتَقَدَّم وَلَا يتَأَخَّر
وسمعته يَقُول سَمِعت أَبَا عَليّ الْجَعْفَرِي يَقُول سَمِعت بعض الْمَشَايِخ يَقُول سَمِعت إِبْرَاهِيم بن ظريف يَقُول قَالَ الْجُنَيْد للشبلي لَو رددت أَمرك إِلَى الله لاسترحت فَقَالَ الشبلي يَا أَبَا الْقَاسِم لَو رد الله أَمرك إِلَيْك لاسترحت فَقَالَ الْجُنَيْد سيوف الشبلي تقطر دَمًا
سَمِعت عبد الله بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول سَهْو طرفَة عين عَن الله لأهل الْمعرفَة شرك بِاللَّه
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ سَمِعت الشبلي الْفَرح بِاللَّه أولى من الْحزن بَين يَدي الله
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ سَمِعت الشبلي يَقُول قُلُوب أهل الْحق طائرة إِلَيْهِ بأجنحة الْمعرفَة ومستبشرة إِلَيْهِ بموالاة الْمحبَّة
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ سَمِعت الشبلي يَقُول الْحُرِّيَّة هِيَ حريَّة الْقلب لَا غير
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ سَمِعت الشبلي يَقُول لَيْسَ من احتجب بالخلق عَن الْحق كمن احتجب بِالْحَقِّ عَن الْخلق وَلَيْسَ من جذبته أنوار قدسه إِلَى أنسه كمن جذبته أنوار رَحمته إِلَى مغفرته
سَمِعت الْحُسَيْن بن عبد الله يَقُول سَمِعت أَحْمد الخلقاني يَقُول كثيرا مَا كَانَ الشبلي يَقُول
(ولي فِيك يَا حسرتي حسرة ... تقضي حَياتِي وَمَا تَنْقَضِي)

سَمِعت الشَّيْخ أَبَا سهل مُحَمَّد بن سلمَان يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول أحبك الْخلق لنعمائك وَأَنا أحبك لبلائك
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ سَمِعت الشبلي يَقُول من كَانَ بِالْحَقِّ تلفه كَانَ الْحلق خلقه
سَمِعت أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي قَالَ كُنَّا يَوْمًا فِي بَيت الشبلي فَأخر الْعَصْر وَنظر إِلَى الشَّمْس وَقد تدلت للغروب فَقَالَ الصَّلَاة يَا سادتي وَقَامَ فصلى ثمَّ أنشأ يَقُول ملاعبة وَهُوَ يضْحك مَا أحسن قَول من قَالَ
(نسيت الْيَوْم من عشقي صَلَاتي ... فَلَا أَدْرِي غداتي من عشائي)
(فذكرك سَيِّدي أكلي وشربي ... ووجهك إِن رَأَيْت شِفَاء دائي)
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ رؤى الشبلي فِي يَوْم عيد خَارِجا من الْمَسْجِد وَهُوَ يَقُول
(إِذا مَا كنت لي عيدا ... فَمَا أصنع بالعيد)
(جرى حبك فِي قلبِي ... كجري المَاء فِي الْعود)
سَمِعت أَبَا بكر الرَّازِيّ يَقُول سَمِعت الشبلي يَقُول مَا أحْوج النَّاس إِلَى سكرة فَقلت يَا سَيِّدي أَي سكرة فَقَالَ سكرة تغنيهم عَن مُلَاحظَة أنفسهم وأفعالهم وأحوالهم وَأَنْشَأَ يَقُول
(وتحسبني حَيا وَإِنِّي لمَيت ... وبعضي من الهجران يبكي على بعض)
وأنشدنا أَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ أنشدنا أَبُو بكر الشبلي
(إِنِّي وإياه لفي الْحبّ صَادِق ... نموت بِمَا نهوى جَمِيعًا وَلَا ندى)

 

وَبِهَذَا الْإِسْنَاد قَالَ الشبلي
(وَمن أَيْن لي أَيْن وَإِنِّي كَمَا ترى ... أعيش بِلَا قلب وأسعى بِلَا قصد)
سَمِعت عبد الله بن عَليّ الطوسي يَقُول سَمِعت أَبَا الطّيب العكي يَقُول جَاءَ رجل إِلَى الشبلي فَقَالَ كم تهْلك نَفسك بِهَذِهِ الدعاوي وَلَا تدعها فَأَنْشَأَ يَقُول متمثلا
(إِنِّي وَإِن كنت قد أَسَأْت بِي الْيَوْم ... لراج الْعَطف مِنْك غَدا)
(أستدفع الْوَقْت بالرجاء وَإِن ... لم أر مِنْك مَا أرتجي أبدا)
(أعز نَفسِي بكم وأخدعها ... نفس ترى الغي فِيكُم رشدا)
سَمِعت أَبَا الْقَاسِم عبد الله بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي يَقُول كنت وَاقِفًا على حَلقَة الشبلي فِي جَامع الْمَدِينَة فَوقف سَائل على حلقته وَجعل يَقُول يَا الله يَا جواد فتأوه الشبلي وَصَاح فَقَالَ كَيفَ يمكنني أَن أصف الْحق بالجود ومخلوق يَقُول فِي شكله
(تعود بسط الْكَفّ حَتَّى لَو أَنه ... ثناها لقبض لم تجبه أنامله)
(تراك إِذا مَا جِئْته متهللا ... كَأَنَّك تعطيه الَّذِي أَنْت سائله)
(وَلَو لم يكن فِي كَفه غير روحه ... لجاد بهَا فليتق الله سائله)
(هُوَ الْبَحْر من أَي النواحي أَتَيْته ... فلجته الْمَعْرُوف والجود ساحله)
ثمَّ بَكَى وَقَالَ بلَى يَا جواد فأنك أوجدت تِلْكَ الْجَوَارِح وَبسطت تِلْكَ الهمم ثمَّ مننت بعد ذَلِك على أَقوام بعز الِاسْتِغْنَاء عَنْهُم وَعَما فِي أَيْديهم بك فَإنَّك الْجواد كل الْجواد لأَنهم يُعْطون عَن مَحْدُود وعطاؤك لَا حد لَهُ وَلَا صفة فيا جواد يَعْلُو كل جواد وَبِه جاد كل من جاد

قَالَ وسمعته يَقُول رفع الله قدر الوسائط بعلو هممهم فَلَو أجْرى على الْأَوْلِيَاء ذرة مِمَّا كشف للأنبياء لبطلوا وتقطعوا
قَالَ أَبُو الْقَاسِم وَكنت يَوْمًا فِي حلقته فَسَمعته يَقُول الْحق يفنى بِمَا بِهِ يبْقى وَيبقى بِمَا بِهِ يفنى يفنى بِمَا فِيهِ بَقَاء وَيبقى بِمَا فِيهِ فنَاء
فَإِذا أفنى عبدا عَن إِيَّاه أوصله بِهِ وأشرفه على أسراره وَبكى وَأنْشد على أَثَره
(لَهَا فِي طرفها لحظات سحر ... تميت بهَا وتحيي من يُرِيد)
(وَتَسْبِي الْعَالمين بمقلتيها ... كَأَن الْعَالمين لَهَا عبيد)
(ألاحظها فتعلم مَا بقلبي ... وألحظها فتعلم مَا أُرِيد)
قَالَ وَسَأَلَهُ سَائل هَل يتَحَقَّق الْعَارِف بِمَا يَبْدُو لَهُ فَقَالَ كَيفَ يتَحَقَّق بِمَا لَا يثبت وَكَيف يطمئن إِلَى مَا لَا يظْهر وَكَيف يأنس بِمَا يخفى فَهُوَ الظَّاهِر الْبَاطِن الْبَاطِن الظَّاهِر ثمَّ أنشأ يَقُول
(فَمن كَانَ فِي طول الْهوى ذاق سلوة ... فَإِنِّي من ليلِي لَهَا غير ذائق)
(وَأكْثر شَيْء نلته من وصالها ... أماني لم تصدق كلمحة بارق)
قَالَ وَقَالَ الشلبي كَيفَ يَصح لَك التَّوْحِيد وَكلما أَبْصرت شَيْئا اسرك
قَالَ وَقَالَ رجل للشبلي هَل شَاهده أحد بحقيقته فَقَالَ الْحَقِيقَة بعيدَة وَلَكِن ظنون وأماني وحسبان وَأنْشد
(وكذبت طرفِي فِيك والطرف صَادِق ... وأسمعت أُذُنِي مِنْك مَا لَيْسَ تسمع)
(وَلم أسكن الأَرْض الَّتِي تسكنونها ... لكيلا يَقُولُوا إِنَّنِي بك مولع)
(فَلَا كَبِدِي تهدا وَلَا لَك رَحْمَة ... وَلَا عَنْك إقصاء وَلَا فِيك مطمع)
فَإِذا ترَاءى لَهُ تَحْقِيق حَال شوشه بالتلبيس والإشكال

سَمِعت ابا الْقَاسِم عبد الله بن عَليّ الْبَصْرِيّ يَقُول قَالَ رجل للشبلي إِلَى مَاذَا تستريح قُلُوب المشتاقين قَالَ إِلَى سرُور من اشتاقوا إِلَيْهِ وموافقته وَأنْشد
(أسر بمهلكي فِيهِ لِأَنِّي ... أسر بِمَا يسر الْألف جدا)
(وَلَو سُئِلت عِظَامِي عَن بلاها ... لأنكرت البلى وَسمعت جحدا)
(وَلَو أخرجت من سقمي لنادي ... لهيب الشوق بِي يسْأَله ردا)
وَسمعت عبد الله يَقُول سُئِلَ الشبلي وَأَنا حَاضر إِلَى مَاذَا تحن قُلُوب أهل المعارف فَقَالَ إِلَى بدايات مَا جرى لَهُم فِي الْغَيْب من حسن الْعِنَايَة فِي الحضرة بغيبتهم عَنْهَا وَأَنْشَأَ يَقُول
(سقيا لمعهدك الَّذِي لَو لم يكن ... مَا كَانَ قلبِي للصبابة معهدا)
طبقات الصوفية - لأبو عبد الرحمن السلمي.

 

أبي بكر الشبلي 247 - 334 للهجرة
دلف بن جحدر، وقيل: ابن جعفر، الشبلى، نسبة إلى قرية من قرى اسروشنة، بلدة عظيمة وراء سمرقند، من بلا د ما وراء النهر.
كنيته أبي بكر، الخراساني الأصل، والبغدادي المولد والمنشأ. جليل القدر، مالكي المذهب عظيم الشأن.
صحب الجنيد وطبقته. ومجاهداته، في أول أمره، متواترة؛ يقال: أنه اكتحل بكذا وكذا من الملح ليعتاد السهر ولا يأخذه النوم.
وكان يبالغ في تعظيم الشرع المكرم، وإذا دخل رمضان جد فيه

الطاعات، ويقول: " هذا شهر عظمه ربى، فأنا أولى بتعظيمه ".
مات في ذي الحجة، سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، عن سبع وثمانين سنة.
ومن كلامه: وقد سئل عن حديث) خير كسب المرء عمل يمينه (: " إذا كان الليل فخذ ماء، وتهيا للصلاة، وصلي ما شئت، ومد يدك، وسل الله، فذلك كسب يمينك ".
وسئل عن قوله تعالى:( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا )، قال: " لو اطلعت على الكل لوليت منهم فراراً ألينا ".
قال، في معنى قوله تعالى( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم )، قال: " أبصار الرؤوس عن المحارم، وأبصار القلوب عما سوى الله عز وجل ".
ولما حج عن التجريد، ورأى مكة، وقع مغشياً عليه، فلما افاق أنشد:

هذه دراهم وأنت محب ... ما بقاء الدموع في الآماق
وقديماً هدت أفنية الدار ... وفيها مصارع العشاق
وقال القوال بين يديه ليلة شيئاً، فصاح، فقيل له: " ما لك، من بين الجماعة، تتواجد، فقال:
لي سكرتان، وللندمان واحدة ... شئ خصصت به، من بينهم، وحدي
ووقع ذلك مرة أخرى، فأنشأ:
لو يسمعون، كما سمعت، حديثها ... خروا لعزة ركعاً وسجوداً
وكان الشبلى يوماً حاضراً، فوقف عليه شخص ودعا، والشبلى ينظر إليه، فأنشأ:
أما الخيام فأنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
وحضر مرة فاجتمع الناس إليه، فسكت فسكتوا، ثم أنشأ:
كفى حزناً بالواله الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة صفرا
وكان يقول: " ليت شعري ما اسما عندهم يا علام الغيوب؟. وما أنت صانع في ذنوبي يا غفار الذنوب؟. وبم يختم عملي يا مقلب القلوب؟ ".

وسئل عن حديث:) إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا الله العافية (: من هم أهل البلاء؟. قال: " أهل الغفلة عن الله ".
وقال له رجل: " ادع الله لي "، فانشأ:
مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى الليل الغداة شفيع؟
وقيل له: " أراك جسيماً بدينا، والمحبة تضنى؟ "، فأنشأ:
احب قلبي، وما درى بدني ... ولو درى ما أقام في السمن
وكان كثيراً ما ينشد:
ولي فيك ... ياحسرتي حسرت تقظي حياتي وما تنقضي.

ويروي انه قال: " كنت يوماً جالساً، فجرى بخاطري أني بخيل، فقلت: أنا بخيل؟! فقاومني خاطري، وقال: بلا!، انك بخيل!. فقلت: مهما فتح على اليوم، لأدفعنه إلى أول فقير يلقاني!. قال: بينا أنا أتفكر، إذ دخل على صاحب لمؤنس الخادم، ومعه خمسون ديناراً، فقال: اجعل هذه في مصالحك "، فأخذتها وخرجت. وإذا بفقير مكفوف، بين يدي مزين، يحلق رأسه، فتقدمت إليه، وناولته الصرة، فقال لي: أعطها للمزين ". فقلت: " أنها دنانير! "، فقال: " أو ليس قد قلنا انك بخيل؟! "، فناولتها للمزين: " من عاداتنا أن الفقير إذا جلس بين أيدينا لا نأخذ منه أجراً ". قال: فرميتها في دجلة فقلت: " ما أعزك أحد إلا أذله الله! ".
وقال: كنت في قافلة بالشام، فخرج الأعراب فأخذوها، وأميرهم جالس يعرضون عليه، فخرج جراب في لوز وسكر، فأكلوا منه إلا الأمير، فأنه لم يأكل؛ فقلت له: " لما تأكل؟! "، قال: " أنا صائم! ". قلت " تقطع الطرق، وتأخذ الأموال، وتقتل النفس، وأنت صائم؟! "، قال: " يا شيخ! اجعل للصلح موضعاً ". فلما كان بعد حين، رأيته يطوف، وهو محرم، كالشن البالي، فقلت: " أنت ذاك الرجل؟! ". فقال: " ذلك الصوم بلغ بي إلى هذا ".
ورؤى الشبلي في جامع المدينة قد كثر الناس عليه في الرواق

الوسطاني، وهو يقول: " رحم الله عبدا، ورحم والديه دعا لرجل كانت له بضاعة، وقد فقدها؛ وهو يسأل الله ردها! " والناس صموت. فخرق الحلقة غلام حدث، وقال: " من هو صاحب البضاعة؟ "، الشبلي: " أنا! " قال: " فأيش كانت بضاعتك؟ "، قال: " الصبر، وقد فقدته! " فبكى الناس بكائاً عظيماً ".
وللشبلي:
مضت الشبيبة والحبيبة فانبرى ... دمعان في الأجفاني يستبقان
ما أنصفتني الحادثات! ... رمينني بمودعيني، وليس لي قلبان
وقيل ضاق صدره يوماً ببغداد، فانحدر إلى البصرة، فلما ضاق صدره خرج لوقته، فلما قرب من دار الخليفة، إذا جار تغني بين يدي الخليفة:
أيا قادماً من سفرة الهجر، مرحباً ... أنا ذاك، لا أنساك، ما هب الصبا
قدمت على قلبي، كما قد تركته ... كئيباً حزيناً بالصبابة متعبا
فصاح صيحة، ووقعت الدجلة مغشياً عليه، فقال الخليفة:) ألحقوه واحملوه! " فحمل أليه، فقال له: " أمجنون أنت؟! ". قال:

" يا أمير المؤمنين! كان من أمري كيت وكيت، فتحيرت في أمري " فبكى الخليفة لما رأى من حرقته.
وآخر يوماً العصر، ونظر الشمس وقد نزلت للغروب، فقال: " الصلاة ياسادتي! " وقام فصلى، وانشأ يقول مداعباً وهو يضحك: " ما احسن من قال:
نسيت اليوم من عشقي صلاتي ... فلا ادري عشائي من غدائي
فذكرك ... سيدي أكلي وشربي ووجهك أن رأيتُ شفاء دائي
ورؤى يوماً في عيد خارجاً من المسجد، وهو يقول:
إذا ما كنت لي عيداً ... فما اصنع بالعيد؟
جرى حبك في قلبي ... كجري الماء في العود
وقال: " ما أحوج الناس إلى سكرة، تفنيهم عن ملاحظة أنفسهم وأفعالهم وأحوالهم " وأنشأ يقول:
وتحسبني حياً وأني لميت ... وبعض من الهجر أن يبكي على بعض

وأنشد:
وأني وإياها لفي الحب صادق ... نموت بما نهوى جميعاً، وما نبدي
وأنشد أيضاً:
ومن أين لي أين؟ وأني كما ترى ... أعيش بلا قلب وأسعى بلا قصد
وروى انه كان يقول في أخر أيامه:
وكم من موضعاً لو مت فيه ... لكنت نكالاً في العشيرة!
وقال خير النساج: " كنا في المسجد، فجاء الشبلي - في سكره - فنظر ألينا، فلم يكلمنا وهجم على الجنيد في بيته، وهو جالس مع زوجته، وهي مكشوفة الرأس، فهمت أن تغطي رأسها، فقال لها الجنيد: " لا عليك!، ليس هو هناك! " فصفق على رأس الجنيد وأنشد يقول:
عودوني الوصال، والوصل عذبٌ ... ورموني بالصد، والصد صعبُ
زعموا ... حين أيقنوا أن جرمي فرط حبي لهم، وما ذاك ذنبُ
لا! وحسن الخضوع عند التلاقي! ... ما عجزا من يحب إلا يحبُ!
قال: ثم ولى الشبلي خارجا، فضرب الجنيد على الأرض برجليه، قال: " هو ذاك يا أبا بكر، هو ذاك! "، وخر مغشياً عليه.

قال بكير الدينوري " وجد الشبلى خفة - في يوم جمعة - من وجع كان به، فأمر بمضيه إلى الجامع، فراح أليه متكئاً، فتلقاه رجل مقبل من الرصتفة، فقال: " سيكون لي غداً مع هذا الشيخ شأن! ". فصلينا ثم غدونا، فتناول شيئاً من الغداء، فلما كان الليل مات. فقيل لي: " في درب السقايين رجل يغسل الموتى " فدلوني عليه في السحر، فأتيته فدققت الباب خفيفاً فقلت: " سلام عليك "، فقال:، مات الشبلى؟ "، قلت: " نعم! " فخرج إلى، فإذا به الشيخ، فقلت: " لا أله إلا الله! " فقال: " لا اله إلا الله، تعجبا مم؟ " قال: " قال لى الشبلى أمس - لما وجدناك -: " غداً يكون لي مع هذا شأن. بحق معبودك!، ة من أين لك أن الشبلى قد مات؟ ". قال: " يا ابله! فمن أين للشبلى أن يكون له معي اليوم شأن؟ ".
وقيل لبكير الديننورى خادمه: " ما الذي رأيت منه؟ " يعنى عند وفاته، فقال: " قال: على درهم مظلمة، قد تصدقت عن صاحبه بألوف، فما على قلبي شغل أعظم منه " ثم قال: " وضئني للصلاة! " ففعلت، فنسيت تخليل لحيته، فقد أمسك على لسانه فقبض على يدى وأدخلها فى لحيته، ثم مات ". فهذا رجل لم يفته - فى أخر عمره - أدب من آداب الشريعة ".
وقيل له عند موته: " قل: لا اله إلا الله " فقال:

قال سلطان حبه: ... أنا لا أقبل الرشا
فسلوه فديته ... لم بقلبي تحرشا
 

من أصحابه، منهم الحسين بن محمد بن موسى الأزدي، والد أبى عبد الرحمن السلمى، سلف قريباً.
ومنهم على بن إبرهيم، أبي الحسن الحصري البغدادي. حكى عنه انه كان لا يخرج إلا يوم الجمعة، وكان أحد الموصوفين بالعباده وشدة المجاهدة. وله كلام على الأحوال، دونه عنه الأعلام، ومنه: " لا يغرنكم صفاء الأوقات، فان تحتها آفات، ولا يغرنكم العطاء فان العطاء، عند أهل الصفاء، مقت ".

وكان شيخ بغداد في وقته، منفرداً بلسان التوحيد، لا يدانيه فيه أحد، وكان أوحد زمانه في أحواله، وحسن المشاهدة؛ شاهده يدل على صدق حاله، وسلامة صدره. ملت ببغداد سنة أحدى وسبعين وثلثمائة، وقد نيف على الثمانين، ودفن بباب حرب قرب بشر.
وكان ينشد:
أن دهراً يلف شملي بسلمى ... لزمان يهم بالأحسان
وقال أبي الحسين الزنجاني؛ كثيراً ما كنت أسمعه يقول: " عرضوا ولا تصرحوا فان التعريض أستر ".
وينشد:
وأعرض ... إذا ما جئت عنا بحيلة وعرض ببعض، أن ذلك استر
فما زلت في أعمال طرفك نحونا ... ولحظك، حتى كاد ما بك يظهر
طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.

 

 

سيدنا الشيخ أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي رحمه الله تعالى .

 

بغدادي المولد والمنشأ. واصله من أُسروشنة. ( 247 – 334 هـ ) , وكان أبوه من رجال دار الخلافة بسامراء،

نشأ الشبلي مع أولاد الأمراء والوزراء ، وأنخرط في سلك الوظيفة بدار الخلافة، وحظي من الأمراء بالنعم الوافرة، ومع روايته للحديث واشتغاله بالعلم فقد ترقى في مناصب الدولة حتى صار واليا على (دوماند) من توابع طبرستان(من نواحي رستاق الري)، وولي الحجابة للموفق العباسي؛ وكان أبوه حاجب الحجاب ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، فاشتهر بالصلاح.

له شعر جيد ، أصله من خراسان، ونسبته إلى قرية (شبلة) من قرى ما وراء النهر، مولده بسر من رأى، ووفاته ببغداد، اشتهر بكنيته، واختلف في اسمه ونسبه، فقيل (دلف بن جعفر) وقيل (جحدر بن دلف) و(دلف بن جعترة) و(دلف ابن جعونة) (وجعفر بن يونس).

. وكان يرى المظالم في عمله والسعايات بين الحكام بالباطل فيؤلمه ذلك، ولا يوافق هواه ونزعته الشاعرية، وأحس بقيود الوظيفة، وأراد خلعها لأنه يرى مصيره سيئا في الدنيا والآخرة إذا أستمر بالعمل مع هؤلاء المتكالبين على الدنيا، والتقى بالرجل الصالح (خير النساج) وكان من مشاهير الوعاظ في عصره، ووجهه نحو الجنيد البغدادي.

وقرر الأستقالة من عمله. فطلب منه الجنيد أن يعود إلى وظيفته ويسترضي الناس، فرجع الشبلي لعمله واقام فيها سنة، يسترضي خلالها الناس، ثم عاد إلى بغداد، وسلك سبيل التصوف ولما ألتقى الشبلي بالجنيد البغدادي رحب به الجنيد وأكرمه وحبب إليه العبادات والتصوف، وكان الشبلي يبالغ في تعظيم الشرع المكرم.

مالكي المذهب. عاش سبعاً وثمانين سنة، ومات سنة: أربع وثلاثين وثلاثمائة. وقبره ببغداد.

واسرع الشبلي للقاء الامام الجنيد سيد الطائفة الصوفية ليتلقى عنه اصول الطريق الصوفي ولينخرط في سلك اكرم طائفة , انها طائفة الربانيين من عباد الله . وكان شيخ وقته: حالاً، وظرفاً، وعلماً.

 

وعلى اهمية الاستمداد من محيط امدادات القوم جرى بينه وبين الامام الجنيد هذا الحوار الحافل بدرر المعاني , وهو كما يذكره صاحب التبر المسبوك : ان الشبلي قال للجنيد : ( لقد حدثوني عنك ان عندك جوهرة العلم الرباني الذي لا يضل صاحبه ولا يشقى , فاما ان تمنح واما ان تبيع.

فقال الجنيد : لا استطيع ان ابيعها لك فما عندك ثمنها , وان منحتها لك اخذتها رخيصة فلا تعرف قدرها , ولكن وقد رزقت هذا العزم فهو علامة الاذن , وبشير التوفيق , فالق بنفسك غير هياب في عباب هذا المحيط مثلما فعلت انا , ولعلك ان صبرت وصاحبك التوفيق ان تظفر بها , واعلم ان طريقنا طريق المجاهدين الاخذين بقوله تعالى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا فاجعل هذه الاية نصب عينك فهي معراجك الى ما تريد ) .

ووضع الامام الشبلي قدمه على اول الطريق حيث تلقى نسبته الصوفية عن الامام الجنيد عن سيدي السري السقطي عن سيدي معروف الكرخي الذي نهل من نبع آل البيت . حيث اخذ عن سيدي علي الرضا  من جهة كما اخذ عن سيدي داود الطائي عن التابعين من جهة اخرى , وكان الارتباط بين سيدي ابي بكر الشبلي وسيدي ابي القاسم الجنيد  يفوق في مدلوله حد  التصور   , وانها صحبة لولاية في طريق الحق عز و جل وانها خلة الروح على صراط المحبة , ولقد كان كل منهما كبيرا في عين الاخر شامخا في منزلته سامقا في رفعته , ولقد بلغ من تقدير الامام الجنيد لمكانة العارف الشبلي بين اقطاب الصوفية انه قال ( لكل قوم تاج وتاج قومنا الشبلي ) انها كلمة حق من سيد الطائفة , الامام الشبلي خليق بها واهل لها لاننا حينما نقلب صفحات الجهاد الروحي , ونستطلع الجانب العلمي عن العارف الشبلي سنجد – ولا شك – سطور من النور تشير الى سمو هذه الشخصية وعظم منزلها , فمن الناحية العلمية يروي صاحب كتاب تاريخ بغداد بسنده عن الشبلي انه قال ( كتبت الحديث عشرين سنة وجالست الفقهاء عشرين سنة ) ومرة اخرى يقول الشبلي مشيرا الى نفسه ( اعرف من لم يدخل في هذا الشأن حتى أنفق جميع ملكه وغرق في هذه الدجلة التي يرون سبعين قمطرا مكتوبا بخطه وحفظ الموطأ وقرأ بكذا وكذا قراءة ) .

يروي صاحب الرسالة القشيرية ان فقيها من اكابر الفقهاء كانت حلقته بجانب حلقة الشبلي في جامع المنصور : وكان يقال لذلك الفقيه ( ابو عمران ) وكانت تتعطل عليهم حلقاتهم لكلام الشبلي فسال اصحاب ابي عمران يوما الشبلي عن مسالة في الحيض – وقصدوا اخجاله – فذكر مقالات  الناس في تلك المسالة والخلاف فيها , فقام ابو عمران وقبل راس الشبلي وقال : يا ابا بكر : استفدت في هذه المسالة عشر مقالات لم اسمعها , وكان عندي من جملة ما قلت ثلاثة اقاويل.

وكان للشبلي لسان عال في الطريق ومحجة قوية  في الشريعة يشهد بها كل من تصدى لجداله من الفقهاء , فقد كان ابن بشار ينهى الناس عن الاجتماع للشبلي والاستماع لكلامه فجاءه ابن بشار يوما ممتحنا فقال له : كم في خمس من الابل. فسكت الشبلي فاكثر عليه ابن بشار فقال له الشبلي : ( في واجب الشرع شاة وفيما يلزم امثالنا كلها).

فقال له ابن بشار : هل لك في ذلك امام ؟ قال : نعم . قال من ؟ قال : ابو بكر الصديق حيث اخرج ماله فقال له النبي صلى الله تعالى عليه و سلم ما خلفت لعيالك ؟ قال : الله ورسوله . فرجع ابن بشار ولم ينه بعد ذلك احدا عن الاجتماع بالشبلي .  لقد كان وراء علم الشبلي بالشرع علم اخر اخذه عن الله الهاما بلا واسطة , وكان يقول عن علم القوم ( ما ظنك بعلم علم العلماء فيه تهمة ) !! فالعلم المكتسب لا يقاس بعلم اهل الله وشتان بين علم اخذ عن الخالق وعلم اخذ عن المخلوق .

وهذه صفحة اخرى من جهاد الشيخ في عبادته وعلمه , لقد دخل عليه ابو بكر بن مجاهد فحادثه فسأله عن حاله فقال : ( ترجو الخير تختم في كل يوم ختمتين او ثلاثا ) قال له الشبلي : ( ايها الشيخ قد ختمت في تلك الزاوية ثلاث عشرة الف ختمة , ان كان فيها شيء فقد وهبته لك واني لفي درسه منذ ثلاث واربعين سنة ما انتهيت الى ربع القران ) ولقد قصد الشبلي بتلاوة القران الكريم وجه الله , اما الثواب فقد وهبه لمن يبتغيه , ولقد كان حسبه ان يناجي مولاه بكلامه ثلاث عشرة الف ختمة , ولم يرد ثمنا لهذه المناجاة لأنها خالصة لله , فأي نوع هذا من الاخلاص ؟ انه اخلاص الحب لذات الله بعيدا عن منطق الثواب والعقاب .  ثم لنطل على جانب اخر من جوانب الجهاد الروحي عن الامام الشبلي حيث نرى جهاد النفس في طاعة الله وحيث نشرف على مقام المحبة عن هذا الولي .

ان الشبلي منذ عرف طريق القوم قد قطع على نفسه عهدا بالتجرد لمولاه فالحب الذي غمر قلبه لله يأبى ادنى مشاركة فاختط لنفسه طريق الجهاد الاكبر مع نفسه وهواه , وبلغ به الحد في مجاهدته نفسه انه كان يكتحل بالملح حتى لا ينام ويعتاد السهر , وحينما لامه اصحابه في قلة النوم قال لهم ( سمعت الحق يقول لي : من نام غفل ومن غفل حجب , وكان هذا سبب اكتحالي بالملح حتى لا انام ) لقد كان يبيت الليل ساهرا يقطع انفاس السحر في قيام لربه وليسكب في دياجي الليل أنات الخشية والانابة انه الحب الالهي الذي لا يقاس به حب في الوجود , واذا كان عشق المخلوق قد افضى بقيس بن عامر الى الجنون بليلاه فكيف بعشق الخالق ؟

والمحبة الالهية لها وصف لا يعرفه الا من ارتوى من سلافها , وقد وصف الشبلي المحب قائلا : ( المحبة كأس لها وهج ان استقرت في الحواس قتلت , وان سكنت في النفوس اسكرت , فهي سكر في الظاهر ومحبة في الباطن ) .

ومرة اخرى يقول ( المحبة بحار بلا شاطئ وليل بلا آخر وهم بلا فرح وعلة بلا طبيب وبلاء بلا صبر ويأس بلا رجاء ) انها قمة المحبة التي تفنى المحب وتأخذه عن نفسه لمحبوبه , وان الولي لا يصل الا باشراق شمسها في قلبه , فهي دليله ومنهاجه لذا يقول الشبلي ( صراط الاولياء المحبة ) ولكثرة ما بدا على الشبلي من لوائح هذه المحبة مع انه كان على بسطة في الجسم فقد قال له احد اصحابه يا ابا بكر : نراك جسيما بدينا والمحبة تضني ؟

فانشد قائلا :

 احب قلبي وما درى بدني              ولو درى ما اقام في السمن

 

ولقد تحدث الشبلي عن مفهوم التصوف والصوفية فاعطى لهذا المفهوم روحا جيدة من نفس مشرعة في الحب والتحقق فهو يعرف التصوف قائلا : ( هو العصمة عن رؤية الاكوان ) اي عن الرؤية القلبية التي يحتجب فيها الانسان بالكون عن الكون . ثم يقول عن الصوفي : ( الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق )  كقوله تعالى :  وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي قطعه عن كل غير ثم قال له لَن تَرَانِي .

 وقيل له : لم سميت الصوفية بهذا الاسم ؟  فقال : لبقية بقيت عليهم , ولولا ذلك ما تعلقت بهم تسمية , ومرمى عبارته : ان الصوفي حين ينقطع عن نفسه لمولاه لا يتم له هذا الانقطاع تماما اذ يتبقى له جزء من انيته وحقيقته ,  وهذا هو الجزء هو متعلق التسمية ولولاه لكان عدما محضا والعدم لا تلحقه التسمية .

اما عن المنهج الذي سار عليه الامام الشبلي في تربية المريدين فهو ينحصر في التعلق التام والدائم بالله تعالى . فان صفاء القلب يتعكر بادنى شاغل عن الله .

 ومن صور تطبيق هذا المنهج ما ذكره الامام الشعراني من ان العارف الشبلي كان يقول لتلميذه الحصري وهو في بداية امره بالطريق ( ان خطر ببالك من الجمعة الى الجمعة الثانبة غير الله فحرام عليك ان تحضرني ) انها تربية الرجال لولاية الله , فتفريغ القلب من الدنيا هو اول خطوة على طريق الوصول .

يقول الشبلي : ( انا الملك اين الملوك ؟ ان الله لم يحتجب عن خلقه انما الخلق احتجبوا عنه بحب الدنيا ) وهو يسأل من ركن بقلبه الى الدنيا قائلا : (كيف يصح لك شيء من التوحيد وكلما ملكت شيئا من الدنيا ملكك وكلما ابصرت شيئا صرت اسيره ) واذا ففلسفة الزهد عند الشبلي انما هي تحويل القلب من الاشياء الى رب الاشياء , وعندئذ لا يضير الصوفي ان يملك الدنيا باسرها لان قلبه ملك لله وحده

ولما تاب الشبلي في مجلس خير النساج أتى دماوند، وقال: كنت وإلى بلدكم، فاجعلوني في حل.

ولو لم يكن من تعظيمه للشرع إلا ما حكاه بكران الدينوري في آخر عمره لكان كثيراً.

سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي، رحمه الله يقول: سمعت أبا العباس البغدادي يقول: كان الشبلي،

رحمه الله، يقول في آخر أيامه :

وكم من موضع لو مت فيه        لكنت به نكالا في العشيرة

وكان الشبلي إذا دخل شهر رمضان جد في الطاعات فوق جد من عاصره، وقال: هذا شهر عظمه ربي، فأنا أول

من يعظِّمه من الناس.

ـ ومن أطرف ما يروى عن الشبلي أنه كانت عنده جَماعة من الفقراء فأصابَهم فاقة وشدة فكتب إلَى وزير الخليفة .

بسم اللّه الرحْمَن الرحيم

أما بعد وجّه لنا شيئاً مِن دُنياك.

فكتب إليه الوزير على ظهر الرقعة: يا شبلي سَلْ دنياك من مولاك . فكتب إليه الشبلي : إنّما الدُّنيا شيءٌ دَنِي ولا يُسألُ الدَّنِي إلاّ مِنَ الدَّنِي، الدُّنيا هذه لك منها عبرة فَمَن يريد العبرة فهو أقل من العبرة. فوجه إليه الوزير عشرة آلاف درهم. ان الشبلي لم يكن مقصده في هذه الواقعة طلب الدنيا لنفسه , وانما هو طلب حق الفقراء في مال الامة . اما هو فما له والدنيا , انه عاكف في حضرة مولاه يناجيه ويتقرب اليه ويقول : ( الهي ان هربت منك طلبتني وان قصدتك اتعبتني فليس لي معك راحة ولا مع غيرك انس  . فالمستغاث منك اليك ) .

وقال له الامام الجنيد يوما : ( لو رددت امرك الى الله لاسترحت ) فقال له الشبلي ( يا ابا القاسم لو رد الله اليك امرك لاسترحت ) فقال الجنيد ( سيوف الشبلي تقطر دما ) انه العارف المستغرق مع ربه , وهو القائل : ( سهو طرفة عين لاهل المعرفة شرك بالله ) عارف يتحدث عن نفسه وعن حاله مع الله , وسئل متى يكون العارف بمشهد من الحق ؟ فقال : ( اذا بدا الشاهد وفنى الشواهد وذهب الحواس واضمحل الاحساس ) .

 وقال في حقيقة الذكر : ليس من استانس بالذكر كمن استانس بالمذكور وانشد قائلا :

ذكرتك لا اني نسيتك لمحة                      وايسر ما في الذكر ذكر لساني

وكدت  بلا وجد اموت من الهوى            وهام على القلب بالخفقان

فلما اراني الوجد انك حاضري                شهدتك موجودا بكل مكان

فخاطبت موجودا بغير تكلم                     ولاحظت معلوما بغير عيان

 

من أقوال الشبلي:

- سئل عن الزهد ، فقال: هو تحول القلوب من الأشياء إلى رب الأشياء .

- وسئل في معنى قول الله جل جلاله: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}(الآية 30 النور) فقال: "أبصار الرؤوس عن المحارم ، وأبصار القلوب عما سوى الله عز وجل".

- سئل عن التصوف، فقال: التصوف ضبط حواسك، ومراعاة أنفاسك.

- وقال عن التصوف أيضاً:هو ترويح القلوب،وتجليل الخواطر بأردية الوفاء، والتخلق بالسخاء والبشر في اللقاء، وهو الجلوس مع الله بلا هم.

- وقال الجنيد في حق الشبلي: لا تنظروا إلى أبي بكر الشبلي بالعين التي ينظر بعضكم إلى بعض فأنه عين من عيون الله .

- وقال الجنيد عنه أيضاً : لكل قوم تاج ، وتاج هذا القوم الشبلي، وذاك الشارب رحيق المعرفة .

وقد سئل عن حديث خير كسب المرء عمل يمينه فقال: "إذا كان الليل فخذ ماء، وتهيا للصلاة، وصلي ما شئت، ومد يدك، وسل الله، فذلك كسب يمينك".

وسئل عن قول القرآن: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً). (سورة الكهف آية 18)، فقال: "لو اطلعت على الكل لوليت منهم فراراً ألينا".

وسئل في معنى قول القرآن: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ). (سورة النور آية 30)، فقال: "أبصار الرءوس عن المحارم، وأبصار القلوب عما سوى الله عز وجل".

"ليت شعري ما اسما عندهم يا علام الغيوب. وما أنت صانع في ذنوبي يا غفار الذنوب وبم يختم عملي يا مقلب القلوب".

التصوف ضبط حواسك، ومراعاة أنفاسك

من عرف الله خضع له كل شيء؛ لأنه عاين أثر ملكه فيه.

الفرح بالله أولى من الحزن بين يدى الله.

من كان بالحق تلفه، كان الحق خلفه.

يعرف الزهد بقوله: (تحول القلوب من الأشياء إلى رب الأشياء).

 

وللدكتور كامل مصطفى الشيبي: (ديوان أبي بكر الشبلي - ط)، جمع فيه ما وجد من شعره.

عوَّدوني الوصال والوصل عذب           ورموني  بالصد  والصد  صعبُ

زعموا  حين  عاتبوا   أن   ذنبي          فرط  حبي  لهم  وما  ذاك   ذنبُ

لا وحسنِ الخضوع عند التلاقي             ما  جَزا  من   يُحِبُّ   الاّ   يُحَبُّ

 

وفي موضع آخر :

كم نادت الدنيا على أهلها          لو أن في العالم من يسمع

كم واثق بالعمر واريته            وجامـع فرقت ما يجمـع

 

من أصحابه :

أبو الفرج عبد الوهاب التميمي

الحسين بن محمد بن موسى الأزدي

أبو الحسن الحصري

محمد بن أحمد بن حمدون الفراء

محمد بن سليمان الصعلوكي الحنفي

 

توفي الشيخ الشبلي ليلة السبت 27 من ذي الحجة عام 334 هـ، الموافق 945 م، ودفن ضحى في مقبرة الخيزران، وقبره ظاهر يزار وعليه قبة، ودفن إلى جواره بعض طلابه ومحبيه.

 

176 - أبو بكر خلف بن جحدر الشبلي البغدادي: صاحب الأنباء العجيبة والآثار الغريبة، المتصرف في علم الشريعة، أوحد وقته علماً وحالاً. تفقه على أصحاب مالك وصحب الجنيد ومَن في عصره، روى عن محمد بن مهدي البصري وغيره وأخذ عن القاضي إسماعيل وغيره، وعنه أبو بكر الأبهري وأبو بكر الرازي وجماعة. قال: كتبت الحديث عشرين سنة وجالست الفقهاء عشرين سنة، فضيلته شهيرة ألّف العلماء فيها. قال الجنيد في حقه: هو عين من عيون الله. توفي سنة 334هـ وأصله خراساني [945 م].

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف