حسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن الحاج أبا فضل
تاريخ الوفاة | 979 هـ |
مكان الوفاة | تريم - اليمن |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
وَفِي ربيع الثَّانِي سنة تسع سبعين توفّي الْفَقِيه الصُّوفِي الْجَامِع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة حُسَيْن بن الْفَقِيه عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر بن الْحَاج أَبَا فضل الشَّافِعِي الْحَضْرَمِيّ بتريم ولصاحبنا الأديب الْفَاضِل الْفَقِيه عبد الله بن أَحْمد بن فلاح الْحَضْرَمِيّ فِي تَارِيخ ذَلِك الْعَام بَيْتَيْنِ هما ... شَيخنَا حَيّ تَجدهُ ... ضَابِط الْعَام الَّذِي مَاتَ
فِيهِ حُسَيْن بن الْفَقِيه أَبَا ... فضل ابلحاج ذِي الكرامات ...
وَكَانَ من كمل الْمَشَايِخ العارفين الجامعين بَين عُلُوم الشَّرِيعَة وسلوك الطَّرِيقَة وشهود الْحَقِيقَة صَاحب أَحْوَال سنية ومقامات علية وفراسات صَادِقَة وكرامات خارقة وَله فِي التصوف رِسَالَة سَمَّاهَا الْفُصُول الفتحية والنفثات الروحية فِيمَا يُوجب الجمعية وَعدم البراح من جَانب الْحق والغناء والبقاء بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ والجزئية
وَمن كراماته أَنه كَانَ مرّة فِي مجْلِس وَبَين يَدَيْهِ مريده فضل بن غبراهيم فَكَانَ يتَكَلَّم بأَشْيَاء بطرِيق الْكَشْف كعادته وَكَانَ فِي ذَلِك الْمجْلس أخي السَّيِّد عبد الله فَالْتَفت إِلَيْهِ فضل الْمَذْكُور وَقَالَ أَن والدك ركب فِي بعض الْخشب وسرى هَذِه السَّاعَة فَقَالَ الشَّيْخ حُسَيْن مَا خرج من الْهِنْد أصلا فتراجعا فَقَالَ الشَّيْخ حُسَيْن اما عَليّ كَذَا أَو عَلَيْك كَذَا من بَاب الْبسط ثمَّ أتفقا على أَنه مَا خرج فاتفق أَن أخي كتب هَذِه الْقِصَّة فِي كتاب وَوَقع عزمه إِلَى الْهِنْد فِي تِلْكَ السّنة وَكَانَ الْكتاب الْمَذْكُور فِي صحبته فَلَمَّا رَآهُ وَالِد قَالَ صدق الِاثْنَان الشَّيْخ حُسَيْن ومريده إِلَّا أَن الشَّيْخ حُسَيْن كَانَ نظره يشرف على حقائق الْأَشْيَاء وَاخْبَرْ أَنه كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت الْيَوْم فِي ذَلِك الشَّهْر عزم من أَحْمد أباد بنية برعرب لِأَن الْوَزير وَهُوَ عماد الْملك الَّذِي كَانَ يعوق عَلَيْهِ ذَلِك خرج فِي تِلْكَ السّنة للصَّيْد فَلَمَّا كَانَ فِي أثْنَاء الطَّرِيق لحقه الْوَزير الْمَذْكُور فصد عَن ذَلِك قَالَ وَأما قَول فضل أَنه ركب بعض الْخشب وسرى هَذِه السَّاعَة فَإِن البهل إِذا مَشى بِهِ الْبَقر يشبه سرَايَة الْخشب فِي الْبَحْر وبينما هُوَ فِي بعض اللَّيَالِي يسير فِي الطَّرِيق اذ وجد وَالِدي رَحمَه الله فوقفا يتذاكران واستمرا كَذَلِك إِلَى الصَّباح
وَحكي أَنه قَالَ مَا عندنَا من الْأَعْمَال الَّتِي نعتمد عَلَيْهَا شَيْئا إِلَّا ذرة من حب آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبلغ ذَلِك الشَّيْخ أَحْمد بن الْحُسَيْن العيدروس فَقَالَ هَنِيئًا لَهُ هَذَا هُوَ الَّذِي عناه الشَّيْخ أَبُو بكر العيدروس بقوله ... لَك الهنا أَن حل فِيك ذرة ... من حبهم أَو لَاحَ مِنْك حظرة
بذكرهم مَا أعظم المسره ... طُوبَى لقلب حل حبهم فِيهِ ...
وَكَانَ مُولَعا بكتب الشاذلية وَكَانَ يمِيل إِلَى طريقتهم السّنيَّة حَتَّى قيل فِيهِ أَنه شاذلي زَمَانه رُوِيَ ذَلِك عَن الشَّيْخ الْكَبِير وَالْوَلِيّ الشهير أَحْمد بن سهل وَكَانَ يعظم الشَّيْخ محيي الدّين ابْن عَرَبِيّ ويقرئ كتبه وَكَانَ لَهُ أقتنائها أَشد عناية حَتَّى أَن كتاب الفتوحات المكية كَانَ لَا يُوجد بحضرموت إِلَّا عِنْده وَلما كتب وَالِدي إِلَى وَلَده السَّيِّد عبد اله يُرِيد يحصله لنَفسِهِ أَو لوالده فَقَالَ لَا بل لوالده فَأعْطَاهُ إِيَّاه
وَحكي أَن الشَّيْخ بل النُّسْخَة الَّتِي كَانَت عِنْده عِنْد وَفَاته مَا خلا بَاب الْوَصَايَا مِنْهُ وَقَالَ أَنما فعلته تَعْظِيمًا لشأنه لِأَن النَّاس لَا يفهمون مَعَانِيه فيقهون فِي الْغَلَط بِسَبَب ذَلِك
قلت وَكَانَ الشَّيْخ من الْمَشَايِخ المربين وَكتب الشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ أشتملت على عُلُوم لَا يفهمها إِلَّا أهل النهايات وتضر بأربابها البدايات
قَالَ الْحَافِظ السُّيُوطِيّ وزالقول الْفَصْل عِنْدِي فِي ابْن عَرَبِيّ طَريقَة لَا يرضاها فرقنا فَأهل الْعَصْر لَا من يَعْتَقِدهُ وَلَا من يحط عَلَيْهِ وَهِي اعْتِقَاد وَلَا يته وَتَحْرِيم النّظر فِي كتبه
قلت وَحكى الشَّيْخ الامام الْعَلامَة بحرق سمع الشَّيْخ أَبَا بكر العيدروس يَقُول لَا اذكر ان وَالِدي ضَرَبَنِي وَلَا انتهرني إِلَّا مرّة وَاحِدَة بِسَبَب انه رأى بيَدي جُزْءا من كتاب الفتوحات المكية لِأَبْنِ عَرَبِيّ فَغَضب غَضبا شَدِيدا فهجرتها من يَوْمئِذٍ قَالَ وَكَانَ وَالِدي ينْهَى عَن مطالعة كتابي الْفتُوح والفصوص لِابْنِ عَرَبِيّ ويأمنر بِحسن الظم فِيهِ وباعتقاد انه من أكَابِر الْأَوْلِيَاء الْعلمَاء بِاللَّه العارفين وَيَقُول ان كتبه اشْتَمَلت على حقائق لَا يُدْرِكهَا إِلَّا ارباب النهايات وتضر بارباب البدايات
قَالَ الشَّيْخ بحرق وَأَنا أَيْضا على على هَذِه العقيدة وأد ركت عَلَيْهَا جمَاعَة من الْمَشَايِخ المقتدى ب بهم
قلت وَهَذَا مُقْتَضى كَلَام السُّيُوطِيّ رَحمَه الله وَأَنا أَيْضا على هَذِه العقيدة وَهَذِه الطَّرِيقَة أسلم الله أعلم وَوجدت بِخَط صَاحب التَّرْجَمَة سَيِّدي الشَّيْخ حُسَيْن بن الْفَقِيه عبد الله بالحاج أَبَا فضل رَضِي الله عَنهُ ونفع بِهِ آمين ان الشَّيْخ الإِمَام ولي الله تَعَالَى محيي الدّين النَّوَوِيّ لما رأى كَلَامه وطالعه قَالَ الْكَلَام كَلَام صوفي ثمَّ قَالَ الشَّيْخ حُسَيْن وَهُوَ كَمَا قَالَه هَذَا الإِمَام ان كلامة كَلَام الصُّوفِيَّة وانما هُوَ بسط الْعبارَة فِي مَوضِع الْإِشَارَة ومكا يحملهُ من يُنكر على الصُّوفِيَّة وَوجدت بِخَطِّهِ أَيْضا مَا صورته هَذَا الأبيات تصلح فِي الشَّيْخ محيي الدّين ... دَعوه لَا تلوموه دَعوه ... فقد علم الَّذِي لم تعلموه
وَرَأى علم الْهدى فَسمى إِلَيْهِ ... وطالب مطلباً لم تطلبوه
اجاب دَعَاهُ لما دَعَاهُ ... وَقَامَ بِحقِّهِ ووضعتموه
بنفسي من ممنوح قرب ... وطاعنم مطعما لم تطعموه
قلت وعَلى بالي حِكَايَة غَرِيبَة وَقعت للشَّيْخ ابْن عَرَبِيّ تدل على فَضله الْعَظِيم اذْكُرْهَا هُنَا تيمناً بِذكرِهِ واستشعارا بعظيم قدره ولان المؤرخين يَقُولُونَ من ذكر انساناً وَعلم لَهُ نادرة فَلم يذكرهَا فقد ظلمه ذكره بعض المعتنين بأخباره والمدونين لمحاسن آثاره ان صَاحب اشبيلية ارسل مَالا عَظِيما إِلَى مَكَّة شرفها الله تَعَالَى وَأوصى الْوَكِيل ان لَا يفرق هَذَا المَال إِلَّا أعلم أهل الأَرْض وَاتفقَ أَنه اجتمعتلك السّنة بِمَكَّة شرفها الله تَعَالَى من الْمَشَايِخ وَالْعُلَمَاء وَالْفُقَهَاء وَمن كل ذِي فن من الْعُلُوم مَا لم يجْتَمع فِي عصر من الْأَعْصَار وَهِي السّنة الَّتِي اجْتمع فِيهَا الشَّيْخ شهَاب الدّين السهرودي بالشيخ ميحي الدّين رَضِي الله عَنْهُمَا وَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي شَأْن صَاحبه مَا قَالَ فاجمع الْكل على الشَّيْخ محيي الدّين رَضِي الله عَنهُ وان لَا يفرق المَال سواهُ ففرقه فَلَمَّا فرغ من تفريقه قَالَ لَوْلَا ان خوفي خرق الاجماع لامتنعت فَقَالَ لهبعض أَصْحَابه لم ياسيدي قَالَ مَا اريد بِهِ وَجه الله بل اريد بِهِ التفاخر فَقَالَ لَهُ بَين لي ذَلِك فَقَالَ ان صَاحب الغرب اراد ان يفتخر بِي على سَائِر مُلُوك الأَرْض إِذْ قدم علم انه لَا يفرقه سواي فَمَا اراد بِهِ وَجه الله تَعَالَى بل أَرَادَ التفاخر فَبلغ ذَلِك الْمجْلس إِلَى صَاحب اشبيلية فَبكى وَقَالَ صدق الشَّيْخ هَذَا اردت
وَمن شعر وَلَده مُحَمَّد وَكَانَ قد جاور بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فَطلب مِنْهُ بعض الْأَصْحَاب الْعود إِلَى وَطنه وَكتب إِلَيْهِ هَذِه الأبيات ... لَو قيل لي فِي حَضرمَوْت جَوَاهِر ... تُعْطِي بِلَا من لكل طليب
أَو قيل لي مَا تشْتَهي وماتهوى ... تَجدهُ غَايَة الْمَطْلُوب
لاخترت مِنْهَا نظرة وَفِي طيبَة ... وَالْمَوْت ياتي بعْدهَا بقريب
هَذَا خُلَاصَة رغبتي فِي غربتي ... فَافْهَم فديتك شرح حَال كئيب
مَاذَا يُرَاد ويشتهى فِي غَيرهَا ... لي جنَّة فِي رَوْضَة المحبوب
صلى عَلَيْهِ الله رَبِّي دَائِما ... مَا بَان نجم اَوْ هوى بغروب ...
مِنْهُ ... اتينا قبا قَالَ مَسْجده لنا ... مقَالا فصيحاً وَهُوَ بَيت من الشّعْر
لقد ضعت فِي قفر فَمَا لي عَائِد ... فواحسرتا إِذْ كتن فِي جَانب الْبر ...
ولهذين الْبَيْتَيْنِ قصَّة عَجِيبَة وَهِي ان الْمشَار إِلَيْهِ كَانَ يخْتَلف كثيرا إِلَى مَسْجِد قبا وَكَانَ وقف الْمَسْجِد إِلَى جِهَة الشَّيْخ أبي اللَّطِيف الْبري وَمَا كَانَ يقوم بِخِدْمَة الْمَسْجِد وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْعِمَارَة وَغَيرهَا كَمَا يَنْبَغِي فَكتب هذَيْن الْبَيْتَيْنِ على مَسْجِد قبا
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ كَانَ لطيف انظم رَقِيق الطَّبْع وَكَانَ صاحبنا الْفَقِيه أَحْمد بن الْفَقِيه مُحَمَّد أَبَا جَابر قد اجْتمع بِعْهُ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة فَحكى عَنهُ من النَّوَادِر المستظرفة والحكايات المستطرفة شَيْئا كثيرا وَله مُشَاركَة فِي كثير من الْعُلُوم وتقرأ عَلَيْهِ الطّلبَة فِي غير وَاحِد من الْفُنُون وَهُوَ إِلَى الْآن مَوْجُود كَانَ الله لَهُ وَله أَخ ثَانِي بحضرموت اسْمه زين عَليّ قدم وَالِده يشار إِلَيْهِ بالصلاح
-النور السافر عن أخبار القرن العاشر-لمحي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس.
حسين بن عبد الله بن عبد الرحمن، ابن الحاج بافضل:
فقيه شافعيّ متصوف، من أهل تريم بحضرموت ووفاته بها. قال صاحب النور: كان من كمل المشايخ الجامعين بين علوم الشريعة وسلوك الطريقة. له (الفصول الفتحية - خ) تصوف، في مكتبة الكاف بجامع تريم 129 ورقة.
-الاعلام للزركلي-