أحمد بن محمد بن قلاوون شهاب الدين
الملك الناصر
تاريخ الولادة | 716 هـ |
تاريخ الوفاة | 745 هـ |
العمر | 29 سنة |
مكان الولادة | القاهرة - مصر |
مكان الوفاة | الكرك - الأردن |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
أَحْمد بن مُحَمَّد بن قلاون الْملك النَّاصِر بن النَّاصِر بن الْمَنْصُور ولد سنة 16 وَبَعثه أَبوهُ إِلَى الكرك لما ترعرع صُحْبَة بهادر البدري نَائِب الكرك فَأَقَامَ بهَا يربيه ويعلمه الفروسية ثمَّ استدعاه سنة 31 فَاجْتمع بِهِ وَأَعْجَبهُ شكله وَأَعَادَهُ إِلَى الكرك ثمَّ بلغه أَنه يعاشر من لَا يصلح من أهل الكرك فاستدعاه سنة 38 فَزَوجهُ بنت طمربغا فَبَلغهُ أَنه تولع بشاب يُقَال لَهُ الشهيب كَانَ جميل الصُّورَة وهام بِهِ غراماً وتهتك فِيهِ وأسرف فِي الإنعام عَلَيْهِ بالأموال فَتغير عَلَيْهِ وَأمْسك الشَّاب فسلمه لأقبغا عبد الْوَاحِد ليخلص مِنْهُ مَا وصل إِلَيْهِ من المَال فشق على أَحْمد ابْن النَّاصِر وَرمى بِنَفسِهِ على قوصون وبشتاك وهما يَوْمئِذٍ الْمشَار إِلَيْهِمَا فِي الدولة فَقَالَ لَهما إِن أُصِيب هَذَا الشَّاب بعقوبة قتلت نَفسِي وَامْتنع من الْأكل وَالشرب حزنا حَتَّى تغير بدنه وَنحل وَلزِمَ الْفراش فتلطفا بإبلاغ النَّاصِر خَبره فَأمر بالإفراج عَن الشهيب فَلَمَّا بلغ ذَلِك أَحْمد سر وَأرْسل إِلَيْهِ فَلَمَّا حضر عِنْده لم يزالل نَفسه أَن قَامَ إِلَيْهِ وقربه فَبلغ ذَلِك النَّاصِر فشق عَلَيْهِ فَأرْسل يعنفه ويهدده وتلطف بِهِ أَن يَهبهُ مائَة مَمْلُوك من مماليكه فَلم يزده ذَلِك فِي الشهيب إِلَّا رَغْبَة وَاتفقَ أَن بعض الخدام أَسَاءَ إِلَى الشهيب فَبلغ أَحْمد فَضَربهُ ضربا مؤلماً كَاد يَمُوت مِنْهُ فَبلغ السُّلْطَان ذَلِك فَأنكرهُ فَأرْسل إِلَيْهِ إِن لم تخرج هَذَا الصَّبِي وَإِلَّا أخرجك من مَمْلَكَته فَلم يَزْدَدْ بذلك إِلَّا رَغْبَة فِيهِ وَقَالَ لَهُ بشتاك وقوصون وَكَانَا الرَّسُول إِلَيْهِ من النَّاصِر لَا تغْضب أَبَاك فَقَالَ لَهما لكل مِنْكُمَا مائَة مليح ومليحة وَأَنْتُم مماليكه فَأَنا وَلَده وَقد قنعت من الدُّنْيَا بِهَذَا الصَّبِي لكَونه تغرب معي وَترك أَهله فَكيف أطرده وَإِن رسم السُّلْطَان بطرده فيطردني مَعَه فَرَجَعَا وتلطفا بالناصر فَلم ينجع فِيهِ وَأمر بنفيه إِلَى قلعة صرخد ثمَّ شفع فِيهِ نسَاء النَّاصِر وَحرمه حَتَّى أَعَادَهُ إِلَى الكرك وَكَانَ أَحْمد شَدِيد الْبَأْس فتفرس فِيهِ أَبوهُ إِنَّه لَا يصلح للْملك فعهد بِالْملكِ عِنْد مَوته للمنصور أبي بكر فتعصب لَهُ طشتمر حمص أَخْضَر إِلَى أَن ولي السُّلْطَان وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك أَن قوصون لما خلع الْمَنْصُور أَبَا بكر وَقرر أَخَاهُ الْأَشْرَف كجك وَنفى إخْوَته إِلَى قوص أَرَادَ أَن يضم إِلَيْهِم أَخَاهُم أَحْمد فَكتب إِلَيْهِ أَن يحضر فَامْتنعَ وتعصب لَهُ أهل الكرك وَكتب أَحْمد إِلَى نَائِب الشَّام ألطنبغا المارداني يلوم قوصون فَلم يجبهُ فَبعث إِلَى نَائِب حلب طشتمر حمص أَخْضَر فَقبل كِتَابه وتعصب مَعَه وَفِي عضون ذَلِك قتل مماليك أَحْمد الشهيب الْمُقدم ذكره وَادعوا أَنه كَاتب قوصون فكاد أَحْمد يجن حزنا عَلَيْهِ واستمال طشتمر قطلوبغا الفخري وَمَا زَالَ بِبَقِيَّة الْأَمر حَتَّى استمالوهم وسلطنوه وَقدمُوا بِهِ إِلَى الْقَاهِرَة وَاجْتمعَ أهل الْحل وَالْعقد وَاتفقَ حُضُور نواب الْبِلَاد وقضاة الشَّام ومصر وسلطنه الْخَلِيفَة بحضرتهم وحلفوا لَهُ أَجْمَعُونَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَان سنة 42 وَولي طشتمر نِيَابَة مصر والفخري نِيَابَة دمشق وأيدغمش نِيَابَة حلب ثمَّ بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا توجه إِلَى الكرك وصحتبه طشتمر فَقبض عَلَيْهِ ثمَّ أرسل إِلَى أيدغمش يَوْمًا فَأمْسك الفخري واستصحب مَعَه جَمِيع الذَّخَائِر حَتَّى الْخُيُول والأنعام وَكَاتب السِّرّ وناظر الْجَيْش وَأقَام بالكرك مُسْتَغْرقا فِي اللَّهْو واللعب محجوباً عَن النَّاس ثمَّ إِنَّه أحضر طشتمر والفخري فَضرب أعناقهما صبرا وسبى حريمهما وَمكن مِنْهُنَّ نَصَارَى الكرك فَفَعَلُوا بِهن كل قَبِيح فاشمأزت مِنْهُ النُّفُوس إِلَى أَن اجْتَمعُوا على خلعه وسلطنوا أَخَاهُ الصَّالح إِسْمَاعِيل فَخلع النَّاصِر أَحْمد فِي الْمحرم سنة 43 ثمَّ جهزت إِلَيْهِ العساكر فحوصر بالكرك إِلَى أَن أمسك فِي صفر سنة 45 فذبح وأحضر منجك رَأسه إِلَى الْقَاهِرَة وَكَانَ سيئ التَّدْبِير جدا كثير اللَّهْو والانهماك فِي الشّرْب وَكَانَت فتنته قد طَالَتْ بالكرك وجردت إِلَيْهِ عدَّة عَسَاكِر عسكراً بعد عَسْكَر إِلَى أَن أمسك وَقتل على يَده خلق كثير جدا وفسدت أَمْوَال لَا تحصى
-الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني-
الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن محمد بن قلاون، الخامس عشر من ملوك الترك بمصر، المقتول بالكرك في صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة. لما مات والده تسلطن أخوه المنصور أبو بكر، ثم قتل بعد سبعين يومًا وتسلطن أخوه الصغير الأشرف كجوك، ثم خلعوه عنها لعجزه عن القيام لصغره وبايعوه في رمضان سنة 742، فَظَلَمَ وعَسَفَ وسار إلى الكرك بأمواله وترك الأمراء والعسكر بالقاهرة، فاضطربت أحوال الناس واتفقوا على خلعه فخلعوه في محرم سنة 743، فكانت مدته بالقاهرة والكرك دون أربعة أشهر، وحاصروه بالكرك إلى أن عجز ومسك فقتل.
وكان مليح الشكل، صاحب بأس وقوة وتسلطن بعده الصالح إسمعيل.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.
أحمد بن محمد بن قلاوون
السلطان الملك الناصر ابن الملك الناصر ابن الملك المنصور.
كان أحسن الأخوة شكلاً، وأرجحهم ثباتاً في أول أمره وعقلاً، شديد البأس، مفرط القوة من غير التباس، ولم ير أحدٌ ما اتفق له من السعد، ولا سمع أحدٌ بما قُدّر له من التعاسة فيما بعد، ذهبت أموال الناس وأديانهم وأرواحهم بسببه، وأجلسوه على كرسي المُلك، فما طلع في صُعد شأنه حتى انحطّ في صببة، ولم يزل في خمول وخمود، وجدود عُفّرت منه الخدود، وأنزلته بعد الثريّا إلى أخدود، إلى أن فرّق الحسام بين جسده ورأسه، ونقله بعد عزّ غابه إلى ذلّ كُناسه، وما برح في محبّة الكرك، إلى أن وقع منها في وسط المعترك، وكان في عالم الإطلاق فأوقع نفسه منها في الشَّرَك، وحطّه الناس في دَرَج الملك فما أراد إلا أن يكون في دَرَك؛ وذلك لأنّ والده أخرجه في أوّل صباه إلى الكرك، والنائب هناك الأمير سيف الدين ملكتمر - رحمه الله تعالى - السرجواني فأقام بها قليلاً، وجهّز إليه أخويه إبراهيم وأبا بكر المنصور، فأقاموا بها إلى أن ترعرعوا، وطلبهم والدهم فأقام إبراهيم وأبو بكر بالقاهرة، وعاد أحمد إلى الكرك، ثم إنه طلبه إلى القاهرة، وزوّجه بابنة الأمير سيف الدين طاير بغا خال السلطان، وأقام قليلاً، وأعاده بأهله إلى الكرك، فوقع بينه وبين الأمير سيف الدين ملكتمر السرجواني، فأحضرهما السلطان، وغضب عليه والده، وتركه مقيماً بالقاهرة مُدَيدة. ثم إنه جهّزه إلى الكرك وحده بلا نائب، فأقام بها إلى أن توفي والده، ولم يسند الأمر بعده إليه، بل أوصى بالمُلك للمنصور أبي بكر، فقام بشتاك في ناصره، وقام قوصون في ناصر أبي بكر، وغلب قوصون على إقامة أبي بكر فأقام المنصور المُلك مدة شهرين، وخلعه قوصون، وأقام الأشرف كُجك وسيّر قوصون يطلب الناصر أحمد إلى القاهرة، فلم يوافق، وكتب في الباطن إلى نواب الشام ومقدّمي الألوف يستجير ويستعفي من الرواح إلى مصر، وأظهر الذلّة والمسكنة الزائدة، فرّقوا له في الباطن وحملوا الكتب إلى قوصون خلا الأمير سيف الدين طشتمر حمّص أخضر، فإنه رقّ في الباطن والظاهر، فخرج على قوصون وتعصّب لأحمد، وكتب إلى نوّاب الشام وقام قياماً عظيماً علة ما سيأتي في ترجمته، وأمّا قوصون فإنه لما وقف على كُتُبه إلى النوّاب طلب الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري وجهّزه لحصار الكرك، وجهّز معه ألفي فارس، فتوجّه إلى الكرك وحصرها أياماً، ثم إنه رقّ لأحمد، وبلغه أن ألطنبغا نائب الشام قد توجّه بعسكر دمشق إلى حلب خلف طشتمر، فترك حصار الكرك وجاء إلى دمشق وتسلّمها، ودعا الناس إلى بَيعة أحمد، وسمّاه الناصر، وجرى له ما جرى على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة قطلوبغا الفخري، ولما عاد ألطنبغا من حلب والتقاه الفخري وانهزم ألطنبغا إلى مصر وخامر عسكره عليه ودخلوا في ركاب الفخري إلى دمشق ونزل بالقصر الأبلق وحلّف الناس جميعاً لأحمد الفخري جهّز الأمير سيف الدين قماري وسليمان بن مهنّا وغيرهما من الأمراء إلى الكرك، وقصد منه الحضور إلى دمشق، فلم يحضر وتعلّل بحضور طشتمر، وكان قد تسحّب إلى الروم، وكتب الناصر أحمد إلى الأمير سيف طقزتمر نائب حماة وإلى الأمير بهاء الدين أصلم نائب صفد وإلى صفد وإلى مُقدّمي الألوف بدمشق يقول لهم: إن الفخريّ هو نائبي، وهو يولّي النيابات من يراه.
ولما وصل طشتمر من بلاد الروم إلى دمشق، وكان أمراء مصر قد خرجوا على قوصون واعتقلوه في سجن الإسكندرية، بعث الفخري وطشتمر إلى الناصر أحمد وسألاه الحضور إلى دمشق ليتوّجها في خدمته بالعساكر إلى الديار المصرية، فدافعهما إلى بعد مضيّ شهر رمضان، وتوجّه إليه أكابر مقدّمي الألوف من مصر مثل الأمير بدر الدين جنكلي وأمثاله، وسألوه التوجُّه معهم إلى مصر، فلم يوافق وعادوا خائبين، وترك أهل الشام ومصر في حَيرة بعدما حلف الجميع له، ثم إنه بعد ذلك توجّه وحده إلى القاهرة، ولم يشعر المصريون إلاّ وقد جاء خبرُه بوصوله، وصعد إلى القصر الأبلق بقلعة الجبل، ولما وصل الخبر إلى دمشق توجّه الفخري وطشتمر بعساكر الشام وقضاته إلى مصر، وكانت سنة الأوحال كثيرة الثلوج والأمطار، وجُبيت الأموال من كبار الناس وصغارهم لنفقات العساكر ولعمل شعار المُلك وأبّهة السلطنة، فهلك الناس.
ولما وصلوا إلى مصر جلس الناصر أحمد على كرسيّ المُلك وإلى جانبه أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو القاسم أحمد - وقد مضى ذكره - وحضر قضاة مصر والشام الثمانية، واجتمعت عساكر مصر والشام، وعهِد الخليفة إليه بحضور العالمين، وحلف المصريون والشاميون، ولم تتفق مثل هذه البيعة لأحد من ملوك الأتراك، لاجتماع أهل الإقليمين في يوم واحد بحضور الخليفة، وكان يوماً مشهوداً عظيماً.
ثم إنه ولّى طشتمر نيابة مصر، وقطلوبغا الفخري نيابة دمشق، وإيدغمش أمير آخور نيابة حلب، والأحمدي بيبرس نيابة صفد، والحاج آل ملك نيابة حَماة، والأمير شمس الدين آقسنقر نيابة غزّة، ولما فعل ذلك بهؤلاء الأكابر خافه الناس وهابوه وأعظموا أمره، وبعد أربعين يوماً من ملكه أمسك طشتمر وأخذه معه إلى الكرك، وبعض إلى إيدغمش بأم يُمسك الفخري، فأمسكه وجهّزه إليه مع ابنه، فلما وصل به إلى الرمل جاء من عند الناصر أحمد مَنْ أخذه منه وتوجّه به إلى الكرك، وأخذ الناصر أحمد معه من مصر سائر الخيول الثمينة الجيّدة التي في إصطبل السلطنة، وجميع البقر والغنم التي بالقلعة، وأخذ الذهب والدراهم وسائر الجواهر وما في الخزائن، وتوجّه بجميع ذلك إلى الكرك، وجعل الأمير آقسنقر السلاري نائباً بمصر، وأخذ معه القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي جمال الدين جمال الكفاة ناظر الجيش والخاص وجعلهما عنده في قلعة الكرك، واستغرق هو في لهوه ولعبه وما سوّله له الشيطان، واحتجب عن الناس مطلقاً، وسيّر من يمسك الأحمدي بصفد، فلما أحسّ بذلك هرب من صفد وجاء إلى دمشق، وجرى ما سيأتي ذكره في ترجمة الأحمدي، ثم إنه أحضر الفخري وطشتمر يوماً وضرب عنقيهما صَبراً، وأخذ حريمهما وسباهُنّ وسلّط عليهنّ نصارى الكرك، ففعلوا بهنّ كلّ قبيح، فحينئذ نفرت منه القلوب، واستوحش الناس منه، ولم يعد يحضر من الكرك كتاب ولا توقيع بخطّ موقَّع، إنما يرد ذلك بخط نصراني يُعرف بالرضي، وإذا توجّه أحد إلى الكرك لا يرى وجه السلطان، وإنما الذي يدبّر الأمور واحدٌ من أهل الكرك يعرف بابن البصّارة، فماج الناس لأجل ذلك في الشام ومصر، وجهّز المصريون إليه الأمير سيف ملكتمر الحجازي ليرى وجه السلطان، فلما بلغه وصوله جعله مقيماً بالصافية أياماً، ولم يستحضره ولا اجتمع به، فرُدّ على حاله إلى مصر، فأجمع المصريون رأيهم على خلعه وإقامة أخيه إسماعيل مكانه، فخلعوه، وحلفوا للصالح إسماعيل، وحضر الأمير سيف الدين طقتمر الصلاحي للبشارة إلى دمشق، وحلّف عساكر الشام، وكان يوم خلعه يوم الخميس ثاني عشر شهر الله المحرَّم سنة ثلاث وأربعين وسبع مئة، وكان مدّة ملكه بالقاهرة والكرك دون الأربعة أشهر.
ولما استقرّت الأحوال وثبت ملك الصالح أمر بتجهيز العساكر من مصر والشام لحصار الكرك، فتوجّه الناس، وكلما حضرت فرقة توجّهت فرقة من مضر والشام، فيُجرح من هؤلاء ومن هؤلاء ويقتل منهم جماعة، وهلك الناس أجمعون بسببه من التجاريد، وسُخّر الناس لحمل الأتيان والشعير والمؤن للعساكر، وجرّ المجانيق والأثقال والسلاح وآلات الحصار من الدبّابات وغيرها، وطال الأمر ولم يبق أمير في مصر والشام حتى تجرّد إليه مرة ومرتين.
قال لي الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا رحمه الله تعالى الذي خصني على الناصر في كلفة قدومه من التقدمة له ومن النفقة على التجاريد والتوجّه إليه ألف ألف وأربع مئة ألف، وأمسك بسببه جماعة من أمراء مصر، ثم أمسك نائب مصر السلاري، ووُسِّط الأمير سيف الدين بكا الخضري ومعه جماعة من المماليك السّلطانية، وأمسك أخوه رمضان وأخوه يوسف، وقضى الله أمره فيهما، وأخذ أمرُ الناصر أحمد في التلاشي، وهلك مَنْ عنده من الجوع، وذبح تلك الخيول الثمينة والأبقار والأغنام وقدّدها، وضرب الذهب دنانير وخلط فيها الفضة والنحاس، وكان يباع الدينار بخمسة دراهم، وهرب الناس من عنده.
ثم إن الأمير هام الدين سنجر الجاولي جدّ في حِصاره لأنه وقف يوماً من القلعة وسبّه ولعنه وشيخه، فقال له: الساعة أفرّجك كيف يكون الحصار، ونقل المنجنيق إلى مكان يعرفه، ورمى القلعة فوصل الحُجر إليها وأنكى فيها وخرّب السور، وطلع الناس إليها وأمسكوه في يوم الاثنين ثاني عشر صفر سنة خمس وأربعين وشبع مئة وجزّوا رأسه، وجهّزوه مع الأمير سيف الدين منجك إلى القاهرة.
وقلت أنا فيه:
أعوذ بالله مما راح يعكسه ال ... باري تعالى وما يُجري به الفلكا
كأحمد الناصر بن الناصر انعكست ... سعوده عنه حتى راح ما ملكا
فما تمتع بالملك المعظم في ... مصر وزال وما أبقى له الكركا
أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).
أحمد بن محمد بن قلاوون الملك الناصر، شهاب الدين، تسلطن بعد خلع أخيه، و استمر إلى أن اختار منجمك ترك ملك مصر، و عاد إلى الكرك ، و أخذ الأموال و الذخائر بعد أن ظلم و تعسف، فطلبوه للملك مرارا و هو ممتنع معتذر، و ترد أجوبته بخط كاتب نصرانى كان مقربا عنده، فخلعوه بأخيه الصالح إسماعيل، و أجلسوه على تحت الملك يوم الخميس ثانى عشر محرم الحرام سنة ثلاث و أربعين و سبعمائة، فكانت مدة الناصر دون أربعة أشهر، فجهز إليه أخوه الجيوش مرة بعد أخرى، و هو محاصر الكرك، و لم يقدر على مقاومة الناصر إلى أن تلاشى حاله أمام الناصر، و هلك بالكرك من الجوع، و هو مع ذلك لا يمل و لا يكل من القتال و الحصار إلى أن قبض عليه فى يوم الاثنين وقت الظهر ثانى عشرى صفر سنة خمس و أربعين و سبعمائة، و كتب بذلك إلى أخيه، فأرسل الأمير منجمك اليوسفى الناصرى فجهز إليه و توجه به إلى القاهرة.
- الأرج المسكي في التاريخ المكي وتراجم الملوك والخلفاء/ علي بن عبد القادر الطبري -.
أحمد بن محمد بن قلاوون، شهاب الدين الملك الناصر ابن الملك الناصر:
من ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام. ولد بالقاهرة وأرسله أبوه إلى الكرك ليتعلم الفروسية، فاستمرّ فيها أيام أبيه (الناصر الأول) وأخويه أبي بكر (المنصور) والأشرف (كچك) وتولى السلطنة سنة 742 بعد خلع الأشرف، فانتقل إلى القاهرة، وتلقب بلقب أبيه (الناصر) وقتل جماعة من أمراء الجيش كانوا في السجن، وجمع أموالا من الخزائن السلطانية وتحفها، وعاد إلى الكرك. واتهم بالانغماس في اللهو، فكتب قواد الشام إلى قواد مصر في خلعه، فخلعوه في أوائل سنة 743 وولوا أخاه إسماعيل (الصالح) وأرسلوا الجيش لمحاصرة أحمد في الكرك، فقاتل وقوتل إلى أن أمسكه الأمير منجك اليوسفي فذبحه وأحضر رأسه في علبة إلى القاهرة. ومدة حكمه بمصر 72 يوما .
-الاعلام للزركلي-