درويش بن عبد الله الدمشقي
تاريخ الولادة | 1126 هـ |
تاريخ الوفاة | 1171 هـ |
العمر | 45 سنة |
مكان الولادة | دمشق - سوريا |
مكان الوفاة | دمشق - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
درويش بن عبد الله الحنفي الدمشقي آغت أوجاق الينكجرية اليرلية ورئيسهم وأحد أعيان جند دمشق المشار اليهم والمنوه بقدرهم كان شهماً كاملاً فاضلاً أديباً بارعاً في العلوم له حفظ وتقيد تام فيها سيما بفنون الأدب والشعر ماهراً بالفارسية والتركية حسن الأخلاق متودد أطيب الخصال صاحب عقل وتدبير ذا رأي حميد رئيساً معتبراً صاحب وجاهة واحتشام مع حسن الملتقى وطلاقة الوجه ولطف الشكل مهاباً ضابطاً له على أنفاره غلبة وسطوة ولد بدمشق في سنة ست وعشرين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده الآتي ذكره في محله آغة الوجاق المذكور وقرأ القرآن وبعض المقدمات على الشيخ عبد الرحمن الكليسي نزيل دمشق وبعده قرأ شرح القطر للفاكهي على الشيخ إسماعيل العجلوني ثم الدمشقي وشرح الألفية لابن الناظم على الشيخ محمد الغزي الدمشقي مفتي الشافعية بها وقرأ الدرر والغرر وشرح التنوير في الفقه على الشيخ صالح بن إبراهيم الجينيني وقرأ المختصر على الشيخ حسن المصري نزيل دمشق في داره وكان يجئ الشيخ إليه ويحضر معه الشيخ خليل بن محمد الفتال والشيخ محمد بن إبراهيم العجلوني الدمشقي وقرأ التوضح والتلويح على الشيخ علي الأنطاكي نزيل دمشق وكذلك تعلم منه الفارسية وقرأ عليه بها وقرأ شرح ديوان المتنبي للواحدي على الأديب أحمد بن حسين باشا الكيواني الدمشقي وتخرج عليه في الأدب ومهر وتفوق وحصل له فضيلة ونظم الشعر قليلاً بالعربية والتركية وجمع كتباً نفيسة وتملكها وكان مجلسه يحتوي على الأفاضل والأدباء والمطالعة والمطارحة الأدبية ولما توفي والده استقام في داره بأهنى عيش ثم تولى بطريق المالكانة قرية معلولا النصارى وقرية عيتا وقرية غزة وقرية قبر الياس وغير ذلك من العقارات ودار والده الكائنة في محلة العقيبة تجاه جامع التوبة وكان له أخ يسمى مصطفى شجاعاً جسوراً قتل في بعلبك لأمور في سنة أربع وخمسين ومائة وألف ثم ان المترجم صار رئيساً على أوجاق الينكشرية بدمشق سنة سبع وخمسين وكان قبله رئيسهم محمد بيك بن الوزير كوسج خليل باشا واستقام رئيساً عليهم مدة ثلاثة عشر سنة مع الضبط والربط وحسن السياسة والتدبير وتنظيم أمور الأوجاق وحسن الرعاية وكأنت أعيان دمشق تحبه وتوده سيما والدي فكان يتخذه بمنزلة الأخ الشقيق وهو مرغوب لديهم لأسباب منها فضله وأدبه ومنها عفته وديأنته ومنها تربصه وعقله ومنها كماله وحسن أخلاقه ولم ير في وقته من يضاهيه في هذه الخصال ولو اجتمعت بأحدهم خصلة من ذلك كان خالياً عن الأخرى وكان الوزير أسعد باشا ابن العظم والي دمشق وأمير الحاج يعرف قدره ومقامه ويحبه ويوده وله عليه مزيد التفات وكان يتخذه في أموره عضد أو في أفعاله مشاراً وكأنت الأدباء تمدحه لمعرفة مقام الأدب والشعر وممن امتدحه الشيخ سعيد بن محمد السمان الدمشقي وكان من أخصائه فقال هذه القصيدة ممتحده بها حين عاد من الحج ومطلعها.
نفحة الفجر من مهب الجنوب ... روحي مهجتي بطيب الهبوب
وأطيلي الوقوف بين المصلى ... وزرود وبين تلك الشعوب
واحملي من شذا تهامة نشرا ... ناشرا طي لذة المحبوب
وأرسفي بالنخيل من لابتيها ... حيث أظلاله مقيل الجبيب
والثمي رسم من أناخوا صباحاً ... في ذراه عن المحب الكئيب
وإذا ما أنتجعت أجراع حزوي ... وحمى الشعب من يمين الكثيب
فاسألي هذه المواطن عمن ... حل فيها من كل ظبي ربيب
رحلوا والفؤاد خلف النواجي ... حادياً يستفز بالتطريب
وطووا شقة الفلا واستقروا ... بتلاع العذيب عند الغروب
فاستقلت بهم نواحيه حتى ... شغلوا عن مولع محروب
فأريا بردة الدجى بانين ... ولهيب بين الحشا مشبوب
كلما عن ذكرهم رنحته ... لوعة ملء خليه والجنوب
وإذا ما استطار من نحو سلع ... برقهم وأصل البكا بالنحيب
وإذا جأوب الحمام هديلاً ... يشتكي الألف في القضيب القشيب
أخذته حمية الوجد حتى ... أوثقته برائعات الكروب
يا خليلي فاسعفا ذا قروح ... لم يغيره مؤلم التأنيب
ضاق ذرعاً عن عبء ما أوسعته ... محن البين كل ليث وثوب
خل يا عاذلي صنوف ملامي ... ما خلى الفؤاد مثل السليب
انما العشق والهوى لي طبع ... لم يزل في حديثه تشبيبي
وعيوني إذا العقيق تردئى ... سفحته بسفحه امهضوب
عللوني إذا أردتم حياة ... بحديث الغرام رغم الرقيب
وأثلجوا غلة الفؤاد بذكرى ... ما حواه بدر الكمال المهيب
كامل حل من ذرى فلك المج ... د مقاماً بحسن رأى مصيب
وهمام ما الحرب دارت رحاها ... وتلظى خلب الكمى الغضوب
فله العز والمفاخر تعزى ... والمعالي بالاسم والتلقيب
ليس يطوي الا على الحلم قلبا ... لا على ريبة ولا تكذيب
فمن اللطف قد تكون ذاتاً ... وصفاتاً من الجمال العجيب
نعم ليثاً للائذين وغيثاً ... ان دعى للندى وخير مجيب
وغياثاً للمستجير إذا ما ... مسه فرط لوعة ولغوب
دأبه في الورى اصطناع اياد ... لبعيد يوم الندى وقريب
فإذا لم يجد لبذل سؤالاً ... طالبته بنيله المسكوب
فلذا علم السحاب نداه ... كيف يهمي بكل روض خصيب
فلكل من راحتيه غمام ... يا لعمري وليت حين مشيب
ما رأينا ولا سمعنا بشهم ... مثله مفحم لكل لبيب
منح قادها الزمان إليه ... ذللاً فوق قصده المطلوب
فابتلى الدهر والأنام فلاذوا ... بحماه في موقف التأديب
وحوى ما المديح يقصر عنه ... بنظام وافى على اسلوب
أي مجددون الذي حزت يروي ... وفخار وأي صدر رحيب
ومن المعالي بلغتك المعالي ... رتب الافتخار والتهذيب
فنهنيك يا أغر السجايا ... بقدوم من حجة التقريب
نلت فيها الرضى وعفواً جلياً ... وبلغت المرام غير مخيب
ووردت المقام والبيت يهوي ... لهما كل ضامر يعبوب
فوقه كل أغبر أشعث الرا ... س ملب لربه ومنيب
حاسراً بردة الجدال يقضي ... تفثاغب نثرة المرغوب
ولدى المشعر الحرام صباحاً ... يذكر الله بالفؤاد السليب
ويوفي النذور بالعج ... والثج ويرمي الجمار بالترتيب
ويريق الدماء وهو حلال ... في منى موطن المنى بالوجوب
ويوافي أم القرى فيلاقي ... حرماً آمناً من الترهيب
وهي طويلة أخبرني صاحبنا الفاضل خليل بن مصطفى الدمشقي قال أخبرني من لفظه درويش محمد بن عبد الله رئيس الجند اليرلية انه رأى حاله بالمنام ينشد هذين البيتين واستفاق وهو ينشدهما ولم يدراهما قديمان أم جديدان وهما
لو كنت أملك طرفي عندما سكبت ... عيناي مذ فارقت حبي وأوطاني
لكنت قد خنت عهداً والعيون إذا ... خوانة بالهوى ان أبصرت ثاني
وكتب للمترجم الأديب مصطفى الترزي الدمشقي يشكره على حاجة أرسلها إليه بقوله
يا جوهراً قد صفا من العرض ... لم يجد المجد عنك من عوض
أنت لجسم العلاء روح حيا ... وشمس فضل للناس أنت تضي
ورثت طود العلاء مفتخراً ... عن والد والفخار منك رضي
وفقت بالجاه كل ذي عمم ... مرتفع الفضل غير منخفض
رأست حنك العلى بأجمعه ... كالسلك قد ضم كل متنقض
أرسلت لي برء ساعة وبه ... قد زال ما قد وجدت من مرضي
لا زلت في دولة مؤبدة ... بالغر كالكوكب السعيد تضي
أعيذ منك الجناب معتصماً ... بالله رب السماء والأرض
وارتحل المترجم إلى حلب وكأنت مستولية عليه الامراض السودأوية وكان مرهف العيش متنعماً في أحواله منتظم الملبوس حسنه جميل الهيئة متقن الحركات واللوازم المتعلقة في الزينة للدار وغيرها سخي الطبع ذكياً حاذقاً عشوراً وهو خال والدتي لأن والدة والدتي جدتي اخته وشقيقته وأحسن تربية والدتي لأنها لما توفي والدها المولى عبد الرحمن السفرجلاني كأنت طفلة فنشأت عند المترجم وقام في تربيتها أحسن وأشفق من الوالد والوالدة وفي سنة سبعين ومائة وألف عزل عن حكومة دمشق وامارة الحاج الوزير أسعد باشا ابن العظم وولي مكانه الوزير حسين باشا بن مكي الغزي فرأى المترجم بوادر الفتن وبوادي الفساد من الاشرار فترجى حسين باشا المذكور وترامى عليه أن يعزله من منصبه آغوية الوجاق المذكور لأنه أولاً قاسى منهم خطراً بليغاً وكان لا يألف النوم خوفاً من رؤسائهم المفسدين أن يغتنموه في الليل قتلاً أو نهياً وكان ذلك سبباً لأمراضه وعلله فانه رحمه الله كأنت الامراض السودائية وغيرها دائماً تعتريه ولما رأى ما رأى عند عزل أسعد باشا تحقق القتل به واهأنته عند تحريك الفتن وظهور الاشقياء أهل البغي والشرور فاستعفى من المنصب المذكور برضاه وحسن اختياره وانه بسبب أمراضه عجز عن ذلك والقيام بهذه الخدمة فألحوا عليه الأعيان أن يبقي في المنصب وان لا يرتضي العزل فما قبل وما أمكن حتى كتب حسين باشا المذكور للدولة العلية بذلك وكتب هو أيضاً فعزل وصار مكانه السيد مصطفى آغا الحموي الآتي ذكره في محله ان شاء الله تعالى وفي محرم سنة احدى وسبعين لما صارت الفتنة بين الينكجرية اليرلية والينكجرية القول وعظمت بينهم المحاربات والقتال كان هو اذ ذاك ساكناً في دار زوج اخته محمد أغا الكمش الرومي نزيل دمشق الكائنة في القرب من البوابجية بالقرب من باب القلعة فجاء طائفة القول ليلاً ونقبوا جدار الحجرة التي في الدار المذكورة من جهة باب القلعة ودخلوا الدار ونهبوا أمواله وحوائجه وأخذوا غالب متاعه فلما أخبرت طائفة اليرلية بذلك جاؤا عليه وصار بينهم القتال والمحاربة ثم ان اليرلية أخرجوهم من الدار واستخلصوا بعض الأمتعة وكأنت اذ ذاك الأوقات مشتعلة بنيران الفتن والبغي ولم ير في عصر من الأعصار مثلها وكان صاحب الترجمة وهاماً عاقلاً يحسب الأمور البعيدة فزادت عليه الأمراض غب واقعة الدار المذكورة ونهب متاعه وماله وزادت عليه الاسقام وابتلى بداء ورم المعدة فمات فجأة في جمادي الثانية سنة احدى وسبعين ومائة وألف وشاع في دمشق انه هو أودى بنفسه للهلاك فمن قائل انه شنق نفسه بيده ومن قائل انه أدخل عليه سم وحين شاع موته أرسل حسين باشا من طرفه كتخدا البوأبين وكذلك قاضي البلدة المولى علي ختن قاضي العساكر المولى أحمد علمي معتمداً من طرفه لأجل الكشف عليه فوجدوه ميتاً من غير سم ولا شنق بل بأجله فكتب بذلك حجة كشف ودفعت لورثته وكان كل الذي شاع افتراء وكذباً ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر.