الشَّيْخ نَاصِر بن الْحُسَيْن المحبشى
الشَّيْخ الْعَلامَة الْوَرع التقى نَاصِر بن الْحُسَيْن المحبشى حَاكم الْخَلِيفَة المهدى الْعَبَّاس بن الْمَنْصُور الْحُسَيْن أَخذ عَن عُلَمَاء عصره وَكَانَ عَالما تقيا ورعا ناسكا زاهدا عابدا خَاشِعًا متقشفا ولاه المهدى الْعَبَّاس الْقَضَاء بعد أَن مضى من عمره نَحْو سِتِّينَ عَاما فَكَانَ أوحد أهل زَمَانه دينا وورعا وزهدا وَتَعَفُّفًا وقنوعا وَلما تولى الْقَضَاء كتب إِلَيْهِ السَّيِّد الإِمَام مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْأَمِير نصيحة تناقلها النَّاس وأثبتناها بكمالها هُنَا لما اشْتَمَلت عَلَيْهِ من النصائح الْبَالِغَة وهى
(ذبحت نَفسك لَكِن لَا بسكين ... كَمَا رويناها عَن طه وَيَاسِين)
(ذبحت نَفسك وَالسِّتُّونَ قد وَردت ... عَلَيْك مَاذَا ترجى بعد سِتِّينَ)
(ذبحت نَفسك يالهفى عَلَيْك وَقد ... كُنَّا نعدك للتقوى وللدين)
(أى الثَّلَاثَة تَغْدُو فِي غَدَاة غَد ... إِذْ يجمع الله أهل الدون وَالدّين)
(فواحد فِي جنان الْخلد مَسْكَنه ... وَاثْنَانِ فِي النَّار دَار الخزى والهون)
(يأتى الْقِيَامَة قد غلت يَدَاهُ فَكُن ... يَوْم التغابن فِيهِ غير مغبون)
(فَإِن يكن عادلا فكت يَدَاهُ وَإِلَّا ... كَانَ فِي النَّار من أَقْرَان قَارون)
(فَإِن تقل أكرهونا كَانَ ذَا كذبا ... فَنحْن نَعْرِف أَحْوَال السلاطين)
(وَإِن تقل حَاجَة مست فربتما ... فَأَيْنَ صبرك من حِين إِلَى حِين)
(وَالله وصّى بِهِ فِي الذّكر فِي سور ... كم فِي الحواميم مِنْهُ والطواسين)
(قد شدّ خير الورى فِي بَطْنه حجرا ... وَلَو أَرَادَ أَتَاهُ كل مخزون)
(مامات وَالله جوعا عَالم أبدا ... سل التواريخ عَنهُ والدواوين)
(لَيْسَ القضا مكسبا للرزق نعرفه ... كَمَا عَرفْنَاهُ فِي اهل الدكاكين)
(إِلَّا لمن للرشا كَفاهُ قد بسطت ... بسط اللُّصُوص شباكا للثعابين)
(سل المنى والغنى مِمَّن خزائنه ... سُبْحَانَهُ بَين حرف الْكَاف وَالنُّون)
(وَحَيْثُ قد صرت مذبوحا فَخذ جملا ... للنصح مَا بَين تخشين وتليين)
(إياك إياك كتابا تخالهمو ... انسا وهم مثل اخوان الشَّيَاطِين)
(وَاحْذَرْ حِجَابا وحجابا مَعَ خدم ... فهمهم أكل اموال الْمَسَاكِين)
(وجانب الرِّشْوَة الملعون قابضها ... نصا فسحقا لإخوان الملاعين)
(وَفِي الرشاء خفيات ويعرفها ... من كَانَ ذَا همة فِي الْحِفْظ وَالدّين)
(وَاحْذَرْ قرينا تقل بئس القرين غَدا ... كم حَاكم بقرين السوء مقرون)
(وَلَا تقل ذَا أَمِين الشَّرْع أرْسلهُ ... فكم رَأينَا أَمينا غير مَأْمُون)
(وَاحْذَرْ وَكيلا يُرِيك الْحق باطله ... برقة بَين تنميق وتحسين)
(وَلَا تنفذ أحكاما ومستند الْأَحْكَام ... رجم بتبخيت وتخمين)
(لَا تجعلن بيُوت الله محكمَة ... وَلَا تحلق من خلف الأساطين)
(لتنظرن بَين أَقوام صراخهم ... صُرَاخ ثكلا وَلَكِن غير محزون)
(لَا يَسْتَطِيع الْمصلى من صراخهم ... يأتى بِفَرْض وَلَا يأتى بمسنون)
(وَثمّ أَشْيَاء مَا بينتها لَك فِي ... نظمى وتعرفها من غير تبيينى)
(إِن عِشْت سَوف ترى مِنْهَا عجائبها ... ان كَانَ قَلْبك حَيا غير مفتون)
(فَمن يمت قلبه لَا يهتدى أبدا ... لَو جِئْته بصحيحات الْبَرَاهِين)
(هذى النصائح إِن كَانَ الْقبُول لَهَا ... مهْرا ظَفرت غَدا بالخلد وَالْعين)
(مالم ظَفرت أَنا بالفوت مُنْفَردا ... بِأَجْر نصحي يَقِينا غير مظنون)
(ثمَّ الصَّلَاة على خير الورى أبدا ... وَآله السَّادة الغر الميامين)
(وَلما وصلت هَذِه القصيدة إِلَى صَاحب التَّرْجَمَة بَكَى وَقَالَ أَمر كتب على نَاصِر وَقد عَاهَدت الله أَن لَا أحيف وَلَا أميل وَقد ذيل وقرظ هَذِه القصيدة الفريدة السَّيِّد الْعَلامَة الْوَرع التقى عبد الله بن لطف البارى الكبسى بقصيدة أَولهَا
(لقد نصحت فحققت النصيح فَلَا ... زَالَت أياديك تَأْتِينَا على حِين)
وَمَات صَاحب التَّرْجَمَة فِي يَوْم الْجُمُعَة أحد وَعشْرين شَوَّال سنة 1191 إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَة وَألف رَحمَه الله تَعَالَى وإيانا وَالْمُؤمنِينَ آمين
ملحق البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لليمني الصنعاني.