السَّيِّد على بن اسمعيل بن علي بن الْقَاسِم بن احْمَد بن الامام المتَوَكل على الله اسمعيل بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
ولد سنة 1151 إحدى وَخمسين وَمِائَة وَألف بشهارة وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ فى الْعُلُوم الأدبية وَالْفِقْه وَمن جملَة مشايخه شَيخنَا السَّيِّد الْعَلامَة على بن إبراهيم الْمُتَقَدّم ذكره وَالشَّيْخ الْعَلامَة نَاصِر بن الْحُسَيْن المحبشي والقاضي الْعَلامَة محسن بن أَحْمد الشامى ثمَّ الشهارى وبرع فى الْأَدَب وَصَارَ يكْتب القصيدة في الْوَقْت الحقير مَعَ مافى شعره من الانسجام والسهولة والمعانى الفايقة وَقد جمعه فى سفينة بعث بهَا إِلَى وطالعت بعض مافيها وَلم يَتَيَسَّر لى النَّقْل مِنْهَا وَلما أرجعتها إليه كتبت إليه هَذِه الأبيات
(بعثت نحوى زادك الله من ... تيارك العذب بدر القريض)
(سرحت طرفى مِنْهُ فى جنَّة ... لم يحكها فى الْحسن روض اريض)
(نظمت مايقصر عَن شأوه ... من خيرة القَوْل الطَّوِيل العريض)
(فدمت تحي للعلى مربعاً ... فمربع الْعليا كسير مهيض)
فَأجَاب بِأَبْيَات لم أحفظها وَهُوَ من أكَابِر آل الامام وَله رياسة كَبِيرَة في تِلْكَ الديار ويفد إِلَى صنعاء في الْأَرْبَعَة الْخَمْسَة الأعوام مرة وَاجْتمعت بِهِ في وفوده فِي سنة 1208 وَكَانَ لنا في كل أُسْبُوع يَوْم نَجْتَمِع فِيهِ وَهُوَ يَوْم الْأَرْبَعَاء من بعد الظّهْر إِلَى آخر اللَّيْل وَجَرت بيني وَبَينه مطارحات أدبية في فنون من ذَلِك أَنه كتب أبياتاً مضمونها أَنه لما عقد هَذَا الِاجْتِمَاع فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء زَالَ عَنهُ مايوصف بِهِ من النحاسة وَأَنه صَار بذلك أسعد الْأَيَّام وأبركها وَله فِي ذَلِك نظم بديع وَكَانَ إِذا وَقع التراخي من بعض من يضمه ذَلِك الْمجْلس كتب اليه أَنه إِذا لم يصل وَقع الرُّجُوع عَن تَقْرِير سَعَادَة يَوْم الْأَرْبَعَاء وَهُوَ حسن المحاضرة لَا يمل جليسه لما يُورِدهُ من الْأَخْبَار والأشعار والظرايف واللطايف والمباحثات العلمية والاستفادة فِيمَا لم يكن لَدَيْهِ مِنْهَا وتحرير الأسئلة الْحَسَنَة وَقد كتب إِلَى من ذَلِك شَيْئا كثيرا وأجبت عَلَيْهِ برسايل هي فِي مَجْمُوع رسائلي وَله حرص على الفوايد وهمة فِي تَقْيِيد الشوارد وَله من علوّ الهمة وَشرف النَّفس حَظّ وافر وَلما رَحل من صنعاء إِلَى وَطنه مَدِينَة شهارة كتب إِلَى من هُنَاكَ
(أشارت إِلَى عهد اللقا بالحواجب ... وَمَا كنت عَن ذكرَاهُ مهمل وَاجِب)
(سلي إن شَككت الْحَال قبلك إِذْ غَدا ... يناجيه قلبي هَل رأى غير وَاجِب)
(وَعَن أرقى لَا تسألى غير عَارِف ... وَأعرف شئ فِيهِ زهر الْكَوَاكِب)
(أَبيت أراعيها فَمَا بَين طالع ... أدير لَهُ طرفي وَمَا بَين غارب)
(وتغرب جيلاً بعد جيل فَلَا أرى ... سوى القطب أوفى من سمير لصَاحب)
(يُقيم لمن لَا يطْرق النوم جفْنه ... فقلبي مغناطيسه فِي التجاذب)
(أعلياء لَوْلَا أَن سكناك مهجتي ... لما عذبت لي بعد بعدِي مشارب)
(بلَى أن نَار الْبعد أذهبت الحشا ... فَهَل في الْقَتِيل الطالبي من مطَالب)
(عَسى أَن يرق الْقلب مِنْهَا لرقتي ... ويرفق بِي فالرفق فعل الأطايب)
(فتبعث لي حَتَّى مَعَ الريح يالها التح ... ية والبشرى بنيل مآربى)
(كمثلى ماهب النسيم وَلَا حدت ... حداة إِلَى أوطانها بالركايب)
(وَلم أمْلى تسليمي وأشهد أدمعي ... على وصب مني لصبري مغالب))
(سَلاما لنشر الرَّوْض ينفح عرفه ... ذكياً بمسك تبتي مصاحب)
(سَلام أرق من النسيم إِذا هَب وأذكى من العبير والعنبر الأشهب يخْتَص من هوالمراد وان موه النظام ويهدى إِلَى من هُوَ المرام وإن احتملت الْعبارَة سواهُ فَمَا سواهُ المرام القاضي الْفَاضِل الناسك والسالك بِلَا نَكِير أحسن المسالك الْعَالم الرباني الْبَدْر مُحَمَّد بن على الشوكانى حفظه الله وأحله فِي رِضَاهُ أعلا المباني
(وبلغه المأمول فِيمَا يرومه ... وسَاق إليه متحفات الرغايب)
(وَمد لنا فِي عمره فَهُوَ نعْمَة ... تعم وأولاه جزيل الْمَوَاهِب)
وإنها صدرت الأحرف الحقيرة للتحية وتجديد العهاد ومستمدة للدُّعَاء كماهو مبذول معوّل فِي وُصُوله على رب الْعباد
(وتنبيك عَن شوق تأجج ناره ... وَلم يطفها صبّ الدُّمُوع السواكب)
(لذكرى لَيَال كَانَ طرفي بوصلكم ... قريراً عَسى للوصل عودة غايب)
. فَللَّه فِينَا مايشاء وَمَا قضى ... مضى كَيفَ شا وَالله أغلب غَالب)
وللتهنية لكم بِمَا بلغ فَبلغ الْغَايَة عندي من المسرة من الأعراس الحميد جعل الله لأعينكم فِيهِ أعظم قُرَّة وَبَارك لَك وَعَلَيْك وأصلح لَك زَوجك وشؤنك كلهَا وسَاق ماشاء من برّه الهني إليك
(أهنيك بالأعراس فاحمد مُقَدرا ... لذَلِك واشكر يَا ابْن ودي لواهب)
(لَك الْحَمد مالاحت بروق وَمَا سرت ... نُجُوم وَمَا انهلت دموع السحايب)
(ودمت على خفض من الْعَيْش رَافع ... لقدرك مَخْصُوصًا بأصفى المطالب)
(وَلَا زلت في أفق الْخلَافَة مشرقا ... فانك بدر بن تِلْكَ الْكَوَاكِب)
(خلَافَة مَوْلَانَا الذي شرّفت بِهِ ... أَزَال على شَرق الدنا والمغارب)
فأجبت بقولي)
(ايا بَين كم كدرت صفو المشارب ... وياهجركم هيجت لوعة غايب)
(وَيَا دهركم جرعتني فقد صَاحب ... بكاس نوى من بعده فقد صَاحب)
(إِلَى الله أَشْكُو ماجنته يَد النَّوَى ... على كبدي والدهر جمّ العجايب)
(أحنّ إِلَى وصل تقادم عَهده ... وإن حنين الْمَرْء أَحْقَر وَاجِب)
(وأندب دهر الْجمع بعد تفرق ... وأبكي عَلَيْهِ بالدموع السواكب)
(فيا منزل اللقياء صافحك الحيا ... بجود ملث أدكن الردن ساكب)
(بعيشك هَل من عودة بعد فرقة ... تعود لصبّ مغرم الْقلب دايب)
وهي أَبْيَات طَوِيلَة غير طائلة وَهُوَ الْآن عافاه الله حى ووالده كَانَ شَاعِرًا كثير الشّعْر رَئِيسا كَبِيرا وشعره مَجْمُوع عِنْد وَلَده المترجم لَهُ ثمَّ قدم صَاحب التَّرْجَمَة عافاه الله إلى صنعاء المحروسة في شهر رَمَضَان سنة 1215 وَكَانَ يحضر مَعنا فِي الْقِرَاءَة في ليالي رَمَضَان بمنزلي ويجري بَيْننَا مطارحات أدبية ومذكرات علمية فَمن ذَلِك أَنه حضر فِي بعض الليالي أَغْصَان زنبق قد تفتح نورها فَقلت من يشبه هَذِه الاغصان بتشبيه غير مِمَّا قد شبهها بِهِ الأولون ثمَّ قلت عقب ذَلِك بَيْتا وَهُوَ
(تحكي رماح زمرد ... قد نظمت فِيهَا الْكَوَاكِب)
فَأخذ هَذَا الْبَيْت وَكتب بعده وَقَبله هَكَذَا
(غُصْن كَأَن قوامه ... قدّ لَدَى التَّشْبِيه كاعب)
(تحكي رماح زمرد ... قد نظمت فِيهَا الْكَوَاكِب)
(أَو سالفات نواعم ... جالت عَلَيْهِنَّ الذوايب)
(بقرامل مصفوفة ... من لُؤْلُؤ فِيهِنَّ لازب)
وَلم يتَوَقَّف إلا مِقْدَار الْكتب بالقلم من دون روية وَلَا تدبر ووفد أَيْضا إلى صنعاء سنة 1218 وَكثر اجتماعنا وَسمع مني رسالتي الْمُسَمَّاة الدر النضيد فِي إخلاص التَّوْحِيد وَكَذَلِكَ حضر مَعنا فِي قِرَاءَة مؤلفي الْمُسَمّى إتحاف الأكابر بإسناد الدفاتر وَحصل كلا المؤلفين بِخَطِّهِ وَبِالْجُمْلَةِ فقد دَار بينى وَبَينه من المساجلات الأدبية والمكاتبات الشعرية مايكثر سرد بعضه وَقد رقمت بعض ذَلِك في مَجْمُوع شعرى
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع - لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني.