جمال الدين محمد بن عمر بن مبارك الله الحميري الحضرمي
حرق جمال الدين محمد
تاريخ الولادة | 869 هـ |
تاريخ الوفاة | 930 هـ |
العمر | 61 سنة |
مكان الولادة | حضرموت - اليمن |
مكان الوفاة | أحمد آباد - الهند |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
وفيهَا فِي لَيْلَة الْعشْرين من شعْبَان توفّي الشَّيْخ الإِمَام البارع النَّحْوِيّ اللّغَوِيّ الأديب المفنن القَاضِي جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر بن مبارك أبن عبد الله بن عَليّ الْحِمْيَرِي الْحَضْرَمِيّ الشَّافِعِي الشهير بحرق بحاء مُهْملَة بعد الْمُوَحدَة ثمَّ رَاء مَفْتُوحَة بعْدهَا قَاف وَكَانَ من الْعلمَاء الراسخين وَالْأَئِمَّة المتبحرين اشْتغل بالعلوم وتفنن بالمنطوق مِنْهَا وَالْمَفْهُوم وتمهر فِي المنثور والمنظوم وَكَانَت لَهُ الْيَد الطُّولى فِي جَمِيع الْعُلُوم وصنف فِي كثير من الْفُنُون كالحديث والتصوف والنحو الصّرْف والحساب والطب وَالْأَدب والفلك وَغير ذَلِك وَمَا رَأَيْت أحدا من عُلَمَاء حضر موت أحسن وَلَا أوجز عبارَة مِنْهُ وَله نظم حسن وَهُوَ أحد من جمع بَين ديباجتي النّظم والنثر فنثره منثور الرياض جاد بهَا السحائب ونظمه منظوم الْعُقُود زانتها النحور والترائب ... إِن شَاءَ أنشأ نثراً رائعاً وَكَذَا ... إِن ود أنْشد نظماً يشبه الدررا ...
وَهُوَ الَّذِي يَقُول هَذِه الأبيات مجيباً لبَعض الْفُضَلَاء الممتحنين لَهُ من أهل زَمَانه شعر ... يَا من أَجَاد غَدَاة أنْشد مقولا ... وَأفَاد من احسانه وتفضلا
إِن كنت ممتحني بِذَاكَ فانني ... لست الهيوبة حَيْثُ مَا قيل انزلا
وَإِذا تبادرت الْجِيَاد بحلبة ... يَوْم النزال رَأَيْت طرفِي أَولا
قسما بآيَات البديع وَمَا حوى ... من صنعتيه موشحاً ومسلسلا
لَو كنت مفتخراً بنظم قصيدة ... لبنيت فِي هام المجرة منزلا
من كل قافية تروق سماعهَا ... وتعيد سحبان فصاحة باقلا
وَيرى لبيد فِيهَا بليد قلبه ... حصراً وينقلب الفرزدق أخطلا ... ..وعَلى جرير نجر مطرف تيهنا ... ومهلهلا ينديه نسيح مهلهلا
وَلَئِن تبنا ابْن الْحُسَيْن فانني ... سأكون فِي تِلْكَ الصِّنَاعَة مُرْسلا
أظننت أَن الشّعْر يصعب صوغه ... عِنْدِي وَقد أضحى لدي مذللاً
أبدي العجاب إِذا برزت مفاخراً ... أَو مادحاً للْقَوْم أَو متغزلا
لكنني رجل أصون بضاعتي ... عَمَّن يساوم بخسها مبتذلا
وَأرى من الجرم الْعَظِيم خريدة ... حسنا تهدى للئيم وتجتلا
مَا كنت أَحسب عقرباً تَحْتك بالأفعى ... وَلَا هيفا يزاحم بزلا
وَأَنا الْغَرِيب وَأَنت ذَاك وبيننا ... رحم يحِق لمثلهَا أَن توصلا ...
وَلَقَد أَجَاد فِيهَا كل الإجادة وَللَّه دره وَلَا يبعد أَن براعته فِي الشّعْر لِمَعْنى ارثى من إِمَامه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فقد حُكيَ عَنهُ من ذَلِك الْكثير وَكَانَ من فحول الشُّعَرَاء وَهُوَ الَّذِي يَقُول ... وَلَوْلَا الشّعْر بالعلماء يرزي ... لَكُنْت الْيَوْم أشعر من لبيد ...
فَائِدَة
ذكر الإِمَام فَخر الدّين الرَّازِيّ رَحمَه الله فِي كِتَابه مَنَاقِب الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قبل ذكر الْأَشْعَار المنقولة عَن الشَّافِعِي مُقَدّمَة وَهِي إِن انشاء الشّعْر وأنشاده غير مَذْمُوم وَالدَّلِيل عَلَيْهِ النَّص والمعقول
أما النَّص فَمَا رُوِيَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أستنشد من شعر أُميَّة بن أبي الصَّلْت مائَة بَيت وَقَالَ أَن كَاد يسلم وأستنشد من أبي بكر رَضِي الله عَنهُ شعر قس بن سَاعِدَة وَهُوَ قَوْله شعر ... فِي الذاهبين الْأَوَّلين ... من الْقُرُون لنا بصائر
لما رَأَيْت مواردا للْمَوْت
لَيْسَ لَهَا مصَادر ...
وَقد تلفظ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بمصاريع من أَبْيَات لبيد مِنْهَا ... إِلَّا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل ... وكل نعيم لَا محَالة زائل ...
وَمِنْهَا قَول طرفَة ... ستبدي لَك الْأَيَّام مَا كنت جَاهِلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزوده ...
وَكَانَ الصّديق رَضِي الله عَنهُ حَاضرا فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي لم يقل الْقَائِل كَذَلِك بل قَالَ {ويأتيك بالأخبار من لم تزَود}
وَأما الْمَعْقُول فالنكتة فِيهِ مَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ أَن الشّعْر حسنه حسن وقبيحه قَبِيح وَلذَلِك قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَن من الشّعْر لحكمة
وَالْمَقْصُود من هَذِه الْمُقدمَة أَن لَا يَقُول جَاهِل أَن صَنْعَة الشّعْر لَا تلِيق بالعلماء الْمُجْتَهدين فان ذَلِك جهل بالشعر لَان الشّعْر اذا كَانَ مُشْتَمِلًا على الْعلم وَالْحكمَة كَانَ اشرف الْكَلِمَات انْتهى
وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى وَكتبه تدل على غزارة علمه وَكَثْرَة أطلاعه وَكَانَ غَايَة فِي التَّحْقِيق وجودة الْفِكر والتدقيق وَكَانَ مولده فِي لَيْلَة النّصْف من شعْبَان سنة تسع وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة بحضرموت وَنَشَأ بهَا فحفظ الْقُرْآن ومعظم الْحَاوِي ومنظومة الْبرمَاوِيّ فِي الاصول والفية النَّحْو بكمالها وَأخذ عَن جمَاعَة من فُقَهَاء حضر موت مِنْهُم الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا جرفيل ثمَّ ارتحل إِلَى عدن ولازم الإِمَام عبد الله بن أَحْمد محزم واشتغل عَلَيْهِ فِي الْفِقْه وأصوله والعربية حَتَّى كَانَ جلّ أنتفاعه بِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ جَمِيع الفية ابْن مَالك فِي النَّحْو وَجَمِيع سيرة ابْن هِشَام وَجُمْلَة صَالِحَة من الْحَاوِي الصَّغِير فِي الْفِقْه وَسمع عَلَيْهِ جملَة من عُلُوم شَتَّى وَكَذَلِكَ أَخذ عَن الْفَقِيه الصَّالح مُحَمَّد بن أَحْمد أَبَا فضل ثمَّ أرتحل إِلَى زبيد وَأخذ عَن علمائها فَأخذ علم الحَدِيث عَن زين الدّين مُحَمَّد بن عبد اللَّطِيف الشرجي وَعلم الْأُصُول عَن الْفَقِيه جمال الدّين مُحَمَّد بن أبي بكر الصَّائِغ وَكَذَلِكَ أَخذ عَنهُ التَّفْسِير والْحَدِيث والنحو وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الْبَهْجَة الوردية لأبي زرْعَة وَأخذ أَيْضا عَن السَّيِّد الشريف الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الأهدل والبسه خرقَة التصوف وَصَحب الشَّيْخ أَبَا بكر العيدروس واخذ عَنهُ وانتفع بِهِ فَعَادَت عَلَيْهِ بركته وَلما حج فِي سنة أَربع وَتِسْعين وَثَمَانمِائَة سمع من الْحَافِظ شمس الدّين السخاوي وسلك السلوك فِي التصوف وَحكي عَنهُ انه قَالَ دخلت الأربعينية بزبيد فَمَا اتممتها إِلَّا وانا اسْمَع أعضائي تذكر الله تَعَالَى كلهَا وَلزِمَ الْجد والأجتهاد فِي الْعلم وَالْعَمَل وَأَقْبل على نفع النَّاس أَقراء وافتاء وتصنيفاً وَكَانَ رَحمَه الله من محَاسِن الدَّهْر لَهُ الْيَد الطولي فِي النّظم والنثر والخطب وَغَيرهَا وَكَانَ غَايَة فِي الْكَرم محسناً إِلَى الطّلبَة وَغَيرهم كثير الايثار محباً لأهل الْخَيْر متصفاً بالأنصاف رجاعاً إِلَى الْحق مفضالاً جواداً سيداً قوي النَّفس مواظباً على أَفعَال الْخَيْر وتولي الْقَضَاء بالشحر فصدع بِالْحَقِّ وحمدت احكامه وعزل نَفسه من الْقَضَاء ثمَّ عزم إِلَى عدن وَحصل لَهُ بهَا قبُول وجاه عِنْد اميرها مرجان ثمَّ لما مَاتَ مرجان عزم إِلَى الْهِنْد ووفد على السُّلْطَان مظفر فقربه السُّلْطَان وعظمه وَلما خبر علمه وفضله زَاد فِي تَعْظِيمه وتبجيله وأنزله الْمنزلَة الَّتِي تلِيق بِهِ
وَمن تصانيفه تبصرة الحضرة الشاهية الاحمدية بسيرة الحضرة النَّبَوِيَّة الاحمدية والاسرار النَّبَوِيَّة فِي اخْتِصَار الاذكار النووية ومختصر التَّرْغِيب والترهيب لِلْمُنْذِرِيِّ وَكتاب الحديقة الانيقة فِي شرح العروة الْوَثِيقَة وَكتاب عقد الدُّرَر فِي الْإِيمَان بِالْقضَاءِ وَالْقدر وَكتاب العقد الثمين فِي أبطال القَوْل بالتقبيح والتحسين وَكتاب الحسام المسلول على منتقصي أَصْحَاب الرَّسُول وَكتاب العقيدة الشَّافِعِيَّة فِي شرح القصيدة اليافعية وَكتاب الْحَوَاشِي المفيدة على أَبْيَات اليافعي فِي العقيدة
وَذكر فِي كِتَابه تَرْتِيب السلوك ان لَهُ على أَبْيَات الشَّيْخ عبد الله بن أسعد اليافعي ثَلَاثَة شُرُوح بسيط ووسيط وووجيز ومختصر الْمَقَاصِد الْحَسَنَة وَكتاب حلية الْبَنَات والبنين فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من أَمر الدّين وَكتاب ذخيرة الاخوان الْمُخْتَصر من كتاب الِاسْتِغْنَاء بِالْقُرْآنِ وَكتاب النبذة المنتخبة من كتاب الاوائل للعسكري وَكتاب تَرْتِيب السلوك إِلَى ملك الْمُلُوك وَكتاب مُتْعَة الاسماع باحكام السماع الْمُخْتَصر من كتاب الأمتاع وَكتاب النبذة المختصرة فِي معرفَة الْخِصَال المكفرة للذنوب الْمُقدمَة والمؤخرة وَكتاب مواهب القدوس فِي مَنَاقِب ابْن العيدروس وَكتاب شرح الملحة للحريري وَشرح لامية ابْن مَالك فِي التصريف وَهُوَ شرح مُفِيد جدا وَله أَيْضا عَلَيْهَا شرح أَصْغَر مِنْهُ وَاخْتصرَ شرح الصَّفَدِي على لامية الْعَجم وَله أَيْضا رِسَالَة فِي الْحساب ورسالة فِي الْفلك والمنظومة فِي الطِّبّ وَشَرحهَا وَغير ذَلِك
وَبِالْجُمْلَةِ فمحاسنه كَثِيرَة وفضائله شهيرة وَمن مقاطيعه .. انا فِي سلوة على كل حَال ... اذ اتاني الحبيب أَو ان اباني
اغنم الْوَصْل إِن دنى فِي أَمَان ... وَإِذا مَا نأى أعش بالأماني ...
وَله أَيْضا ... لَئِن بلغ الزوار خيف منى منا ... وَأمنا برمي الْخمر من لَهب لجمر ... فبالمنحنى من أضلعي والعقيق من ... دموعي على التَّشْرِيق شاركت فِي الْأجر ...
وَذكره السخاوي فِي ضوئه قَالَ وصاهر صاحبنا حَمْزَة النَّاشِرِيّ على ابْنَته واولدها وتولع بالنظم ومدح عَامر بن عبد الْوَهَّاب حِين شرع فِي بِنَاء مدارس بزبيد وَالنَّظَر فِيهَا وَكَانَ من أَولهَا فِيمَا انشدنيه حِين لقِيه بِمَكَّة وَأَخذه عَليّ وَكَانَ قدومه لَيْلَة الصعُود فحج حجَّة الاسلام وَأقَام قَلِيلا ثمَّ رَجَعَ كَانَ الله لَهُ شعر ... أبي الله إِلَّا أَن تحوز المفاخرا ... فسماك من بَين الْبَريَّة عَامِرًا
عمرت رسوم الدّين بعد دروسها ... فاحييت آثَار الآله الدواثرا
فَأَنت صَلَاح الدّين لَا شكّ هَذِه ... شواهده تبدو عَلَيْك ظواهرا ...
قَالَ وَكَذَلِكَ أَنْشدني مِمَّا امتدح بِهِ الْمشَار إِلَيْهِ بَيْتا هُوَ عشر كَلِمَات وَهُوَ ... نشرت بحراً برا معينا ناصراً ... شمس الْمُلُوك صَلَاح دينك عَامِرًا ...
وَضَمنَهُ فِي أَرْبَعَة أَبْيَات يسْتَخْرج مِنْهَا الضَّمِير من الْعشْر فَقَالَ ... ايدت دينك يَا رب الْعلَا أبدا ... بناصرالملوك الأَرْض قد ضهدا
اعني بِهِ عَامِرًا شمس الْمُلُوك فَكُن ... نصيره ابداً فِي كل مَا قصدا
وناصراً ومعيناً فَهُوَ شمس ضحى ... اخفى نُجُوم مُلُوك الأَرْض مُنْذُ بدا
سميته عَامِرًا لما أردْت بِهِ ... صَلَاح دينك أرغاماً لمن جحدا ...
انْتهى وَكَانَ السُّلْطَان عَامر بن عبد الْوَهَّاب يراسل الشَّيْخ حُسَيْن بن عبد الله العيدروس بقصائد يخبر فِيهَا بأموره وَيطْلب مِنْهُ الدُّعَاء فَكَانَ الْفَقِيه الْمَذْكُور يجِيبه عَنْهَا والقصائد مَذْكُورَة مَعَ جواباتها مثبتة فِي كتاب الشَّيْخ أَحْمد بن الْحُسَيْن الَّذِي صنفه فِي أَخْبَار وَالِده وَهِي فِي غَايَة الفصاحة والبلاغة وَأعظم شَاهد على فضل الْفَقِيه وَمَا أودعهُ الله من السِّرّ فِيهِ وَذكر الشَّيْخ أَحْمد فِي الْكتاب الْمَذْكُور أَنه اجْتمع بالفقيه بحرق ومدحه وَأَطْنَبَ فِيهِ غَايَة الْأَطْنَاب رَحمَه الله وَسَتَأْتِي قصيدته الَّتِي رثى بهَا الشَّيْخ أَحْمد بن أبي بكر العيدروس فِي تَرْجَمته وَهِي فِي غَايَة الْجَوْدَة وَمن نظمه الْحسن هَذِه القصيدة المسمطة الَّتِي امتدح بهَا شَيْخه سَيِّدي الشَّيْخ أَبُو بكر بن عبد الله العيدروس نفعنا الله ببركاته وَهِي ... سأبيح بالغرام ... كم ذأ تستر بعشيقى
وَأَرْفَع ذِي اللثام ... أَو خُذ نَصِيبي ورزقي
زِدْنِي فِي الملام ... يَا عاذلي لَا تتبقي
وَأشهر ذَا الْكَلَام ... فِي كل غرب وشرق
مَا للنَّاس معي ... إِذا هويت كل رعنا
وأحنيت أُصْبُعِي ... فِي عشق سلمى ولبنا
واصغى مسمعي ... لكل معنى ومغنا
وسأشرب من مدام ... الْحبّ يَا صَاح وأسقى
مَا فِي الْحبّ عَار ... كلا وَلَا فِيهِ من باس
سأخلع ذَا العذار ... وأحمله شَهْري على الراس
وأعصي من أَشَارَ ... وأترك رضَا النَّاس للنَّاس
من كَانَ مستهام ... مثلي فَيَأْتِي بشقي
وَالله الْعَظِيم ... لَا أرعوي للعواذل
لي رب كريم ... بجوده الْكل شَامِل
كرر يَا نديم ... من مطربات البلابل
حدك يَا غُلَام ... الدُّف من كل طرقي
سأصرح وَأَقُول ... عشقت زيد المسما
وأغنم ذَا الْقبُول ... من قبل أما وَأما
مَا للنَّاس فضول ... من هابهم مَاتَ غما
دعهم فِي سَلام ... يسْعد حد الله ويشقى
سأنثر فِي الْجُلُوس ... عُقُود در وعقيان
فِي ابْن العيدروس ... عالي المقامات والشان
منفوس النُّفُوس ... ومنتهى كل إِنْسَان
طَال عمره ودام ... لكل فتق ورتق ... وَله قصيدة عَظِيمَة سَمَّاهَا العروة الْوَثِيقَة فِي الْجمع بَين الشَّرِيعَة والحقيقة أَجَاد فِيهَا إِلَى الْغَايَة ورحها وَشَرحهَا سَمَّاهَا الحديقة الانيقة وَقد مر ذكره عِنْد مؤلفاته وَقد كتبت عَلَيْهَا أَيْضا شرحاً مُخْتَصرا سميته الْحَوَاشِي الرشيقة على العروة الْوَثِيقَة وَله هَذَا اللغز وَقد حلّه بالنثر بعده وَهُوَ مَذْكُور بعبارته قَالَ شعر ... يَا متقناً كَلِمَات النَّحْو أجمعها ... حدا ونوعاً وافراداً ومنتظمه
مَا أَربع كَلِمَات وَهِي أحرفها ... أَيْضا وَقد جمعتها كلهَا كلمة ...
ثمَّ قَالَ هَذَا فِي تَمْثِيل الْوَقْف على هَاء السكت أَي قَوْلك كلمد فالكاف فِي قَوْلك كلمة للتمثيل وَاللَّام للجر وَالْمِيم أَصْلهَا مَا الاستفهامية حذفت الفها والهآء للسكته
وَوجدت بِخَطِّهِ مَا صورته فرع لَو صدر مِنْهُ لفظ مُحْتَمل للطَّلَاق فَظَنهُ طَلَاقا أَو أفتاه جَاهِل بِوُقُوع الطَّلَاق الْبَائِن فاقر عِنْد الشُّهُود انه طَلقهَا أَو أنشأ طَلَاقا آخر مَعَ اعْتِقَاده انها قد بَانَتْ بِاللَّفْظِ الأول لم يُؤَاخذ باقراره وَلم يَقع طَلَاقه الثَّانِي لانه مَبْنِيّ على ظن فَاسد وَالله اعْلَم
قَالَ مُحَمَّد بن عمر بحرق الْحَضْرَمِيّ كَانَ الله لَهُ
وَمن كراماته مَا حُكيَ انه حضر مجْلِس بعض الوزراء بِالْهِنْدِ وَكَانَ فِي ذَلِك الْمجْلس رجل من السَّحَرَة فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ أرتفع ذَلِك السَّاحر وَقعد فِي الْهَوَاء قَالَ فَوَقع عِنْدِي من ذَلِك واستغثت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واومأت إِلَيْهِ بغردة من حذائي فَمَا زَالَت تضربه إِلَى ان رَجَعَ إِلَى مَكَانَهُ بالارض
وَحكي أَنه وَقع بَينه وَبَين بعض وزراء السُّلْطَان بحث فاحتقره ذَلِك الْوَزير فتعب الْفَقِيه من ذَلِك ودعا عَلَيْهِ فنهب بَيته فِي ذَلِك الْيَوْم وَأخذ جَمِيع مَا كَانَ فِيهِ فجَاء إِلَى الْفَقِيه معتذراً ومستعطفاً وَوَصله بِشَيْء وَطلب مِنْهُ الدُّعَاء فَحسب انه فعل ذَلِك واذا بالْخبر يَأْتِيهِ من عِنْد السُّلْطَان بالاجلال والتعظيم وَيرد جَمِيع مَا نهب لَهُ وان الَّذِي وَقع من ذَلِك إِنَّمَا كَانَ غَلطا فَإِنَّهُ امْر بِنَهْب بَيت غَيره فَرد جَمِيع مَا أَخذ لَهُ
وَحكي ان ام الْفَقِيه كَانَت من جواري الشَّيْخ عبد الله العيدروس فيرون ان تِلْكَ الْبركَة كَانَت فِيهِ بِسَبَبِهَا وَحكي انه مَاتَ بالسم وَالسَّبَب ذَلِك انه حظى عِنْد السُّلْطَان إِلَى غَايَة فحسده الوزراء على ذَلِك فَوَقع مِنْهُم مَا أوجب لَهُ الشَّهَادَة وناهيك بهَا من سَعَادَة وَمن أحسن مَا قيل فِيهِ هَذَا الدوبيت لبَعْضهِم يمدحه ... لأي الْمعَانِي زيدت الْقَاف فِي أسمكم ... وَمَا غيرت شَيْئا إِذا هِيَ تذكر
لانك بَحر الْعلم وَالْبَحْر شَأْنه ... اذا زيد فِيهِ الشىء لَا يتَغَيَّر ...
وَمثله قَول الآخر فِيهِ أَيْضا ... فَأَنت بَحر وقاف مَا لَهُ طرف ... مُحَمَّد أسمك الْمَعْرُوف مَوْصُوفا
سمي خير الْأَنَام الطَّاهِر من مضى ... يهناك يهناك هَذَا الْفَخر تَشْرِيفًا ...
-النور السافر عن أخبار القرن العاشر-لمحي الدين عبد القادر بن شيخ بن عبد الله العيدروس.
محمد بن عمر بن مبارك الحميري الحضرميّ الشافعيّ، الشهير ببحرق:
فقيه أديب باحث متصوف. نعته الزبيدي بعلامة اليمن. ولد بحضرموت وأخذ بها وبزبيد ومكة والمدينة، عن علمائها، ونبغ. وولي القضاء بالشحر، ثم استقال ورحل إلى الهند، فأكرمه السلطان مظفر، وأقام إلى أن مات في احمد أباد.
من تصانيفه (تبصرة الحضرة الشاهية الأحمدية بسيرة الحضرة النبويّة) و (حلية البنات والبنين فيما يحتاج إليه من أمر الدين) و (نشر العلم في شرح لامية العجم - ط) ، و (تحفة الأحباب - ط) شرح ملحة الإعراب، نحو، و (عقد الدرر) في القضاء والقدر، و (الحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول) و (شرح لامية الأفعال لابن مالك - ط) في الصرف، و (فتح الرؤوف في معاني الحروف) أرجوزة، وشرحها، و (أرجوزة في الطب، وشرحها) و (أرجوزة في الحساب، وشرحها) ورسالة في (علم الميقات) و (العروة الوثقى - خ) و (شرح المقدمة الجزرية - خ) و (شرح عقيدة اليافعي - خ) و (تفسير آية الكرسي - خ) وغير ذلك وهو كثير. وله شعر جيد
-الاعلام للزركلي-