أبو الفلاح صلاح بن حسين الكواش التونسي: الفقيه الإمام شيخ الشيوخ وعمدة أهل التحقيق والرسوخ نادرة الدهر في الحفظ وثقوب الفكر الأستاذ العالم الذي لا تأخذه في الله لومة لائم. أخذ عن الشيخ الغرياني والشيخ عبد الكبير الشريف والشيخ حمودة الريكلي والشيخ قاسم المحجوب والشيخ محمد المنصوري شارح مختصر خليل في أربعة عشر جزءاً والشيخ عبد الله الغدامسي واجتمع في طرابلس بالشيخ التاودي وختم عليه الشفا. وعنه أخذ الشيخ إسماعيل التميمي والشيخ إبراهيم الرياحي وأحمد زروق الكافي وأخوه السنوسي والشيخ حسن الهدة السوسي وأجازه بما في ثبته وملخصه قد أجزته بما يؤثر عني روايته كالكتب الستة وموطأ الإمام مالك والشفا وجامعي السيوطي حسبما أخذت قراءته للبعض وإجازة في البعض عن عدة من العلماء كالشيخ حمودة الريكلي، وهو عن أعلام منهم أبو عبد الله الصفار وهو عن الشيخ عبد الباقي الزرقاني عن النور الأجهوري بسنده والشيخ المنصوري المذكور وهو عن الهستوكي عن الشيخ اليوسي وأسانيده معروفة، وأخذ أيضاً ما ذكر عن جلة مشارقة ومغاربة في مدة الاغتراب مما يطول جلبه اهـ وخرج من الحاضرة خفية فراراً من سطوة علي باشا باي لأنه توسم فيه الميل لأبناء عمه فتوجه لطرابلس ومنها لأزمير ومنها للآستانة ونال بها حظوة وشهرة فوق ما يذكر ونزل بدار شيخ الإِسلام وطلب منه شرح الصلاة المشيشية فشرحها شرحاً عجيباً ورام الإقامة هناك، ثم كاتبه محمد باي بن حسين باي طالباً منه القدوم إلى تونس فقدمها ونال إقبالاً ثم اتهمه الباشا علي باي بمقال سوء في جانبه فنفاه إلى منزل تميم وبقي هناك شهراً ثم سرحه وأتي به معظماً مبجلاً وتلقاه بالمسرة والمبرة وأجلسه حذوه وفي سنة 1175 هـ قدم لمشيخة المدرسة المنتصرية عقب وفاة قاضي الحاضرة الشيخ المزاح الأندلسي كان يقول الشعر ويجيده بعضه مذكور في التاريخ الباشي، مولده سنة 1137 هـ وتوفي في شوال سنة 1218 هـ[1803 م] ورثاه جماعة منهم تلميذه أحمد زروق الكافي بقصيدة مشيراً فيها لتاريخ وفاته بقوله: يموت العلم إن مات صالح.
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية_ لمحمد مخلوف.
صالح بن حسن الكواش:
فاضل تونسي، له نظم. أصله من (الكاف) . ولد وتعلم بتونس.
وكان أبوه (كواشا) وهو الفرّان في اصطلاح أهل تونس. ودرّس بجامع الزيتونة. وخرج مختفيا في أيام (الباشا علي) وكان هذا الباشا قد اغتصب الملك من عمه المولى حسين بن علي، وعاشت البلاد التونسية في أيامه تحت كابوس شديد من الضغط، يشنق على الشبهة. وعلم الكواش أن الباشا يتهمه بالاتصال ببعض أبناء عمه، فرحل متنكرا إلى طرابلس الغرب، ومنها الى ازمير، فالقسطنطينية. وعاد إلى تونس بعد زوال دولة الباشا عليّ، في ولاية محمد (ابن حسين) الرشيد. ونفي إلى (منزل تميم) في أيام المولى علي بن حسين، بوشاية.
وظهر كذبها، فأعيد إلى تونس، وتوفي بها. له (شرح الصلاة المشيشية - ط) و (شرح - ط) لقصيدة مطلعها: (أمولاي إن النفس لما تعودت جميلك راحت بالفواضل تنطق) .
-الاعلام للزركلي-
الكوّاش (1137 - 1218 هـ) (1735 - 1803 م).
صالح بن حسين بن محمد الكواش الكافي، ينتهي نسبه إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش الحسيني، وارتحلوا من المغرب إلى الكاف، وانتقل محمد من الكاف إلى تونس، ونشأ بها ولده حسين في تعاطي الفلاحة، وكان كواشا بكوشة سيدي المشرف.
ولد المترجم في ربيع الأول، وكان والده في مزرعة له فسمع في تلك الليلة هاتفا ينادي يا صالح ثلاثا، فلما رجع إلى أهله وعلم بازدياد ولده سمّاه صالحا، واعتنى به في حفظ القرآن، فظهرت عليه نجابة، كان بها مؤدبه يملي عليه ما يمكنه فيحفظه بالإعادة مرتين أو ثلاثا. ولما بلغ أربع عشرة سنة توفي والده فأقبل على التعليم بجامع الزيتونة، فقرأ الأزهرية على حسونة الترجمان، وعلّم الكلام والمنطق، وقطعة من شرح العقائد النسفية بجميع حواشيها على الشيخ محمد الغرياني، وقرأ على عبد الكبير الشريف، وحمودة الريكلي، ومحمد المنصوري شارح مختصر خليل، وعبد الله الغدامسي معقول العلوم ومنقولها، وأحمد اللعلاع، ومحمد بيرم الأول، وغيرهم. وارتحل إلى طرابلس لطلب العلم، فأدرك بها الشيخ محمد التاودي بن سودة الفاسي فختم عليه الشفا، وقرأ هناك التفسير والحديث على الشيخ محمد أكنسوس المغربي. ورجع إلى تونس على أكمل حال من التحصيل وولي مشيخة المدرسة المنتصرية بعد وفاة قاضي الحاضرة الشيخ إبراهيم المزاح الأندلسي في ذي القعدة سنة 1175/ 1762، وأقرأ بها ودرس بجامع الزيتونة أيضا.
أخذ عنه إبراهيم الرياحي، وأحمد زروق الكافي وأخوه محمد السنوسي، وإسماعيل التميمي، وحسن الهدة السوسي، وأجازه بما في ثبته، وصالح بن محمد الفلاني السوداني عند ما جاور بتونس طلبا للعلم، وأجاز لمرتضى الزبيدي ولم يذكره في حرفه من المعجم المختص. وهو من مشايخه كما صرح بذلك في ترجمة محمد بن خالد العنابي من معجمه وفي غيره من إجازاته.
وقد رحل من تونس على عهد الأمير علي باي حيث أنكر على قراء الأحزاب أسلوب قراءة القرآن الذي أفضى إلى تغيير، وشدد عليهم النكير في النهي حتى وقع اضطراب بين العامة، فاضطره الأمير إلى الرحيل، ورجع بعد حين.
وكان متحليا بالزهد وملازمة التقشف، لا تأخذه في الله لومة لائم، حاضر الجواب، لا يتهيب فيما يخطر بباله سواء عنده الأمير والمأمور، استدعاه الأمير حمودة باشا إلى منزله في بعض الليالي مع جماعة من العلماء، فلما استقر بهم المجلس بادر بعض المماليك يصلح السراج، فوقعت ذبالة الشمعة بحجر المترجم، فرمى بها، وقام وخرج وهو يتلو {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ} (سورة هود: 13).
وسأله مرة بعض الوزراء المماليك عن اسم أبيه وحرفته، وقصد بذلك استنقاصه حيث إن أباه كان كوّاشا، ففهم المترجم قصده فقال له: أنا ابن فلان الكواش، وأنت ابن من؟ فسكت الوزير المملوك، وكان ذلك بحضرة الأمير والجمع الغفير فقال المترجم: أنت ابن جوان أو ابن نيكولا أو أنطون إلى غير ذلك من أسماء الكفر، فحصل للوزير خجل فبكته ومقته. ولما ولي المدرسة المنتصرية كان من أحباسها دار يسكنها شيخها، وسكنها المترجم حتى تداعت فأتى بنفسه إلى الأمير حمودة باشا وطلب منه أن يصلحها من بيت مال المسلمين حيث كان الوقف لا فاضل في ريعه لإصلاحها، فرغب منه الأمير أن يشتري له دارا تبقى لولده، ووكيل الوقف يصلح دار الوقف من فواضله فقال له: أما ولدي فالله له، وليس من حسن العهد أن نسكن دار الوقف حتى تتداعى، ثم نتركها خرابا، فراجعه الأمير فأصر على ذلك، فأمر بإصلاحها. وكان الوزير يوسف صاحب الطابع يأتي بنفسه لتفقد ترميمها عناية بصاحب الترجمة.
وكانت له حافظة قوية يكاد يحفظ كل ما يطالعه. كان يقرئ المطول وشرح عبد الباقي الزرقاني على مختصر خليل، ويمر بمحل الدرس بحانوت بعض الكتبيين، ويأتي في درسه بما لا يوجد فوقه من التحرير مما يعجز عنه بعد طول مطالعة النحارير، ونقل من حواشي المطول ما مرّ على نظره السنون.
وذكر أنه أنكر على أيمة جامع الزيتونة التزامهم تأخير صلاة الظهر، وكان إمام الخمس إذ ذاك أبا حفص عمر المحجوب، فبلغه فقال:
سبحان الله أينكر الشيخ هذا العمل، وقد قال أبو إسحاق الشاطبي في «الموافقات» إن ذلك جائز، فنقل كلامه هذا لصاحب الترجمة فقال للمخبر قل له: اقلب الورقة تجد في نهاية كلامه قوله: ما لم يتخذ ذلك عادة، وكأن الشيخ عمر المحجوب لم يستقص كلام الشاطبي مطالعة فتأمله فإذا هو كما قال صاحب الترجمة.
وقال له الأمير علي باي يوما: يا شيخ صالح قد اجتمع فيك ما تفرق في غيرك من العلم والفضل وجعل يعدد محاسنه لكن ليس لك حظ من السياسة، فأجابه صاحب الترجمة بقوله: أنا من أعلم الناس بالسياسة، غير أنكم معاشر الأمراء تريدون أن تخالفوا الشرع ونساعدكم على مخالفتكم.
اضطر للخروج من تونس مختفيا من زاوية سيدي منصور بن جردان خوفا على نفسه، وذلك أن البلاد التونسية كانت تعيش مدة علي باشا في جو من الإرهاب بحيث إن الناس كانوا لا يأمنون على أنفسهم، ويكفي علي باشا أن يتهم عنده إنسان بورود مكتوب إليه أو سلام من أبناء عمه الملتجئين بقسنطينة فيأمر بشنقه أو سجنه بدون بحث أو تحقيق، وقد وشي بالمترجم إلى الباشا أن له علاقة بأبناء عمه فعزم على الانتقام منه فعلم المترجم بذلك فخرج متنكرا منتقلا من بلد إلى بلد حتى وصل إلى طرابلس، ثم ذهب إلى إزمير فاستانبول فاستقر بها، ولقي حظوة كبرى، واجتمع بشيخ الإسلام وعلماء استانبول، وجرت بينه وبينهم مذاكرات علمية، وشاع فضله، واستقر بها زمنا لقي فيه من أهلها كرامة موفورة، وحصلت يده على ثروة عزم بها على الاستقرار نهائيا، ولما زالت الدولة الباشية وآلت إلى محمد الرشيد بن حسين باي استدعاه كتابة ليرجع إلى وطنه، وأكد عليه رغبة فيه وضنّا به أن تخسره تونس، فلما قدم تلقاه تلقيا حسنا، وقد ثقل بصره في آخر عمره.
توفي يوم الاثنين 17 شوال سنة 1218/ 30 جانفي 1803 ودفن من الغد خلف ضريح الإمام ابن عرفة جوار المغارة الشاذلية، ورثاه تلميذه أحمد زروق الكافي بمرثية حائية ذكر في آخرها تاريخ وفاته نقشت على ضريحه أولها:
لمثلك من خطب تنوح النوائح … وترتاع في أغمادهن الصفائح
أريقت له دون الدموع دماؤنا … وشقت له دون الجيوب الجوارح
وختامها:
وقال الورى قد مات علاّمة الورى … فأرخ (يموت العلم إن مات صالح)
مؤلفاته:
ثبت مروياته.
شرح قصيدة الأمير محمد الرشيد باي التي مطلعها:
أمولاي إن النفس لما تعودت … جميلك راحت بالفواضل تنطق
شرحها في حياة الأمير، وقدم له نسخة من الشرح، فأجابه نظما.
شرح على الصلاة المشيشية، ألّفه باستانبول باقتراح من شيخ الإسلام، حاز استحسانا لدى علمائها مطبوع.
وله شعر بعضه في التاريخ الباشي.
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الرابع - من صفحة 181 الى صفحة 185 - للكاتب محمد محفوظ