هارون بن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي محمد بن المنصور العباسي البغداي

الواثق بالله

تاريخ الولادة196 هـ
تاريخ الوفاة232 هـ
العمر36 سنة
مكان الولادةبغداد - العراق
مكان الوفاةسامراء - العراق
أماكن الإقامة
  • بغداد - العراق

نبذة

الواثق بِاللهِ الخَلِيْفَةُ أبي جَعْفَرٍ وَأبي القَاسِمِ هَارُوْنُ بن المُعْتَصِمِ بِاللهِ أَبِي إِسْحَاقَ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرشيد بن المهدي محمد بن المنصور العباسي البغداي، وأمه: رومية اسمها قراطيس أدركت خلافته وَلِيَ الأَمْرَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيْهِ فِي سَنَةِ227.

الترجمة

الواثق بِاللهِ
الخَلِيْفَةُ أبي جَعْفَرٍ وَأبي القَاسِمِ هَارُوْنُ بن المُعْتَصِمِ بِاللهِ أَبِي إِسْحَاقَ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرشيد بن المهدي محمد بن المنصور العباسي البغداي، وأمه: رومية اسمها قراطيس أدركت خلافته وَلِيَ الأَمْرَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيْهِ فِي سَنَةِ227.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَكْثَمَ: مَا أَحسَنَ أَحَدٌ إِلَى الطَّالِبِيِّيْنَ مَا أَحسَنَ إِلَيْهِمُ الوَاثِقُ! مَا مَاتَ وَفِيْهِم فَقِيْرٌ.
وَقَالَ حَمْدُوْنُ بنُ إسماعيل: كان الواثق مليح الشعر، وكان يجب مَوْلَىً أَهدَاهُ لَهُ مِنْ مِصْرَ شَخْصٌ فَأَغْضَبَهُ فَحَرِدَ حَتَّى قَالَ لِبَعْضِ الخَدَمِ: وَاللهِ إِنَّ مَوْلاَيَ لَيَرُومُ أَنْ أُكَلِّمَهُ مِنْ أَمْسِ فَمَا أَفْعَلُ فَعَمِلَ الوَاثِقُ:
يَا ذَا الَّذِي بِعَذَابِي ظَلَّ مُفْتَخِرَا ... مَا أَنْتَ إلَّا مَلِيْكٌ جَارَ إِذْ قَدَرَا
لَوْلاَ الهَوَى لَتَجَازَيْنَا عَلَى قَدَرٍ ... وَإِنْ أُفِقْ مِنْهُ يَوْماً مَا فَسَوْفَ تَرَى
قال الخطيب: استولى أحمد بن أبي داود عَلَى الوَاثِقِ، وَحَمَلَهُ عَلَى التَّشَدُّدِ فِي المِحْنَةِ، وَالدُّعَاءِ إِلَى خَلْقِ القُرْآنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قُبَيْلَ مَوْتِهِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ أَسْبَاطٍ قَالَ: حُمِلَ رَجُلٌ مُقَيَّدٌ فَأُدْخِلَ عَلَى ابْنِ أَبِي دواد بحضور الواثق فقال لأحمد: أَخْبِرْنِي عَنْ مَا دَعَوْتُمُ النَّاسَ إِلَيْهِ أَعَلِمَهُ رسول اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا دَعَا إِلَيْهِ أَمْ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ؟ قَالَ: بَلْ عَلِمَهُ. قَالَ: فَكَانَ يَسَعُهُ أَنْ لاَ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَيْهِ، وَأَنْتُم لاَ يَسَعُكُم؟ فَبُهِتُوا، وَضَحِكَ الوَاثِقُ، وَقَامَ قَابِضاً عَلَى فَمِهِ وَدَخَلَ مَجْلِساً، وَمَدَّ رِجْلَيْهِ وَهُوَ يَقُوْلُ: أَمرٌ وَسِعَ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ، وَلاَ يَسَعُنَا! ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى الشَّيْخُ ثَلاَثَ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَأَنَّ يُرَدَّ إِلَى بَلَدِهِ.
وَعَنْ طَاهِرِ بنِ خَلَفٍ قَالَ: سَمِعْتُ المُهْتَدِي بِاللهِ بنِ الوَاثِقِ يَقُوْلُ: كَانَ أَبِي إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلاً أَحْضَرَنَا. قَالَ: فَأُتِي بِشَيْخٍ مَخْضُوْبٍ مُقَيَّدٍ فَقَالَ أَبِي: ائِذَنُوا لأَحْمَدَ بنِ أَبِي دُوَادَ وَأَصْحَابِهِ، وَأُدْخِلَ الشَّيْخُ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ قَالَ: بِئْسَ مَا أَدَّبَكَ مُؤَدِّبُكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النِّسَاءُ: 86] ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الرَّجُلُ مُتَكَلِّمٌ قَالَ: كَلِّمْهُ فَقَالَ: يَا شَيْخُ مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: لَمْ تُنْصِفْنِي وَلِيَ السُّؤَالُ. قَالَ: سَلْ قَالَ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟ قَالَ: مَخْلُوْقٌ.
قَالَ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأبي بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَالخُلَفَاءُ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوهُ؟ فَقَالَ: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ، وَعَلِمْتَهُ أَنْتَ؟! فَخَجِلَ، وَقَالَ: أَقِلْنِي قَالَ: المَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مَا تَقُوْلُ فِي القُرْآنِ؟ قَالَ: مَخْلُوْقٌ. قَالَ: شَيْءٌ عَلِمَهُ رَسُوْلُ اللهِ؟ قَالَ: عَلِمَهُ قَالَ: أَعَلِمَهُ، وَلَمْ يَدْعُ النَّاسَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَوَسِعَهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: أَفَلاَ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُ، وَوَسِعَ الخُلَفَاءَ بَعْدَهُ؟ فَقَامَ الوَاثِقُ فَدَخَلَ الخلوة وَاسْتَلقَى، وَهُوَ يَقُوْلُ: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ أبي بَكْرٍ وَلاَ عُمَرُ، وَلاَ عُثْمَانُ، وَلاَ عَلِيٌّ عَلِمْتَهُ أَنْتَ! سُبْحَانَ اللهِ عَرَفُوهُ، وَلَمْ يَدْعُوا إِلَيْهِ النَّاسَ فَهَلاَّ وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُم! ثُمَّ أَمرَ بِرَفْعِ قَيْدِ الشَّيْخِ، وَأَمَرَ لَهُ بِأَرْبَعِ مائَةِ دِيْنَارٍ، وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ ابْنُ أَبِي دُوَادَ وَلَمْ يَمْتَحِنْ بَعْدَهَا أَحَداً.
فِي إِسْنَادِهَا مَجَاهِيْلُ، فَاللهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهَا.
وَرَوَى نَحْواً مِنْهَا: أَحْمَدُ بنُ السِّنْدِيِّ الحَدَّادُ عَنْ أَحْمَدَ بنِ المُمْتَنِعِ عَنْ صَالِحِ بنِ عَلِيٍّ الهَاشِمِيِّ عَنِ المُهْتَدِي بِاللهِ. قَالَ صَالِحٌ: حَضَرْتُهُ وَقَدْ جَلَسَ وَالقِصَصُ تُقْرَأُ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِالتَّوقِيْعِ عَلَيْهَا فَسَرَّنِي ذَلِكَ، وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَفَطِنَ وَنَظَرَ إِلَيَّ فَغَضَضْتُ عَنْهُ قَالَ: فَقَالَ لِي: فِي نَفْسِكَ شَيْءٌ تُحِبُّ أَنْ تَقُوْلَهُ فَلَمَّا انْفَضَّ المَجْلِسُ أُدخِلْتُ مَجْلِسَهُ فَقَالَ: تَقُوْلُ مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ أَوْ أَقُوْلُهُ لَكَ؟ قُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ مَا تَرَى؟ قَالَ: أَقُوْلُ: إِنَّهُ قَدِ اسْتَحسَنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا فَقُلْتُ فِي نَفْسِكَ: أَيُّ خَلِيْفَةٍ خَلِيْفَتُنَا إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ؟ قَالَ: فَوَرَدَ عَلَيَّ أَمْرٌ عَظِيْمٌ ثُمَّ قُلْتُ: يَا نَفْسُ هَلْ تَمُوتِيْنَ قَبْلَ أَجَلِكِ؟! فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ: اسْمَعْ فَوَاللهِ لَتَسْمَعَنَّ الحَقَّ. فَسُرِّيَ عَنِّي وَقُلْتُ: وَمَنْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكَ وَأَنْتَ خَلِيْفَةُ رَبِّ العَالَمِيْنَ؟! قَالَ: مَا زِلْتُ أَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ صَدْراً مِنْ أيام الواثق حَتَّى أَقْدَمَ شَيْخاً مِنْ أَذَنَةَ فَأُدْخِلَ مُقَيَّداً، وَهُوَ شَيْخٌ جَمِيْلٌ حَسَنُ الشَّيبَةِ فَرَأَيْتُ الوَاثِقَ قَدِ اسْتَحْيَا مِنْهُ وَرَقَّ لَهُ، فَمَا زَالَ يدنيه حتى قرب مِنْهُ، وَجَلَسَ فَقَالَ: نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُوَادَ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ إِنَّهُ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ. فَغَضِبَ، وَقَالَ: أبي عَبْدِ اللهِ يَضْعُفُ عَنْ مُنَاظَرَتِكَ أَنْتَ؟! قَالَ: هَوِّنْ عَلَيْكَ، وَائْذَنْ لِي وَاحْفَظْ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ هِيَ مَقَالَةٌ وَاجبَةٌ دَاخلَةٌ فِي عَقْدِ الدين فلا يكن الدِّيْنُ كَامِلاً حَتَّى تُقَالَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِيْنَ بَعَثَهُ اللهُ، هَلْ سَتَرَ شَيْئاً مِمَّا أُمِرَ بِهِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَدَعَا إِلَى مَقَالَتِكَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ وَاحِدَةٌ قَالَ الوَاثِقُ: وَاحِدَةٌ ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ اللهِ تَعَالَى حِيْنَ قَالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم} [المَائِدَةُ: 3] أَكَانَ اللهُ هُوَ الصَّادِقُ فِي إِكْمَالِ دِيْنِنَا أَوْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقْصَانِهِ حَتَّى يُقَالَ بِمَقَالَتِكَ؟ فَسَكَتَ أَحْمَدُ فَقَالَ الشَّيْخُ: اثْنَتَانِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ. قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ أَعَلِمَهَا رَسُوْلُ اللهِ أَمْ جَهِلَهَا؟ قَالَ: عَلِمَهَا قَالَ: فَدَعَا إِلَيْهَا؟ فَسَكَتَ قَالَ الشَّيْخُ: ثَلاَثَةٌ. ثُمَّ قَالَ: فَاَتَّسَعَ لِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ يُمْسِكَ عَنْهَا، وَلَمْ يُطَالِبْ أُمَّتَهُ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَاتَّسَعَ ذَلِكَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَعْرَضَ الشَّيْخُ عَنْهُ، وَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ قَدَّمْتُ القَوْلَ بِأَنَّ أَحْمَدَ يَضْعُفُ عَنِ المُنَاظَرَةِ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ إِنْ لَمْ يتَّسِعْ لك من الإمساك هَذِهِ المَقَالَةِ مَا زَعَمَ هَذَا أَنَّهُ اتَّسَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ، فَلاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْكَ قَالَ الوَاثِقُ: نَعَمْ كَذَا هُوَ اقْطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ فَلَمَّا قَطَعُوْهُ، ضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَخَذَهُ فَقَالَ الوَاثِقُ: لِمَ أَخَذْتَهُ؟ قَالَ: لأَنِّي نَوَيْتُ أَنْ أُوْصِيَ أَنْ يُجْعَلَ مَعِيَ فِي كَفَنِي لأُخَاصِمَ هَذَا بِهِ عِنْدَ اللهِ ثُمَّ بَكَى فَبَكَى الوَاثِقُ، وَبَكَيْنَا ثُمَّ سَأَلَهُ الوَاثِقُ أَنْ يُحَالَّهُ وَأَمَرَ لَهُ بِصِلَةٍ فَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا. ثُمَّ قَالَ المُهْتَدِي: فَرَجَعْتُ عَنْ هَذِهِ المَقَالَةِ، وَأَظُنُّ الوَاثِقَ رَجَعَ عَنْهَا فِي يَوْمَئِذٍ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ نِفْطَوَيْه: حَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ رَجُلٍ عَنِ المُهْتَدِي بِاللهِ: أَنَّ الوَاثِقَ مَاتَ، وَقَدْ تَابَ عَنِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ. قَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: كَانَ أَبْيَضَ تَعْلُوْهُ صُفْرَةٌ حَسَنَ اللِّحْيَةِ فِي عَيْنِهِ نُكْتَةٌ.
قُلْتُ: وَكَانَ وَافِرَ الأَدَبِ قِيْلَ: إِنَّ جَارِيَةً غَنَّتْهُ شِعْرَ العَرْجِيِّ:
أَظَلُوْمُ إِنَّ مُصَابَكُم رَجُلاً ... رَدَّ السَّلاَمَ تَحِيَّةً ظُلْمُ
فَمَنِ الحَاضِرِيْنَ مَنْ صَوَّبَ نَصْبَ رَجُلاً، وَمِنْهُم مَنْ رَفَعَ فَقَالَتْ: هَكَذَا لَقَّنَنِي المَازِنِيُّ.
فَطَلَبَ المَازِنِيَّ فَلَمَّا مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: مِمَّن الرَّجُلُ؟ قَالَ: مِنْ مَازِنٍ. قَالَ: أَيُّ المَوَازِنِ،

أَمَازِنُ تَمِيْمٍ؟ أَمْ مَازِنُ قَيْسٍ؟ أُم مَازِنُ رَبِيْعَةَ؟ قُلْتُ: مَازِنُ رَبِيْعَةَ فَكَلَّمَنِي حِيْنَئِذٍ بِلُغَةِ قَوْمِي.
فَقَالَ: با اسْمُكَ؟ لأَنَّهُم يَقْلِبُوْنَ المِيمَ باءً وَالبَاءَ مِيماً فَكَرِهْتُ أَنْ أُوَاجِهَهُ بِـ"مكر" فَقُلْتُ: بَكْرٌ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ فَفَطِنَ لَهَا وَأَعْجَبَتْه قَالَ: مَا تَقُوْلُ فِي هَذَا البَيْتِ؟ قُلْتُ: الوَجْهُ النَّصْبُ؛ لأَنَّ مُصَابَكُم مَصْدَرٌ بِمَعْنَى: إِصَابَتِكُم فَعَارَضَنِي ابْنُ اليَزِيْدِيِّ. قُلْتُ: هُوَ بمنزلة إن ضَرْبَكَ زَيْداً ظُلْمٌ فَالرَّجُلُ مَفْعُوْلُ مُصَابَكُم، والكَلاَمُ مُعَلَّقٌ إِلَى أَنْ تَقُوْلَ: ظُلْمٌ فَيَتُمُّ الكَلاَمُ فَأُعْجِبَ الوَاثِقُ، وَأَعْطَانِي أَلْفَ دِيْنَارٍ.
قِيْلَ: إِنَّ الوَاثِقَ كَانَ ذَا نَهْمَةٍ بِالجِمَاعِ بِحَيْثُ إِنَّهُ أَكَلَ لَحْمَ سَبُعٍ لِذَلِكَ فَوَلَّدَ لَهُ مَرَضاً صَعْباً كَانَ فِيْهِ حَتْفُهُ.
وفِي العَامِ الثَّانِي مِنْ دَوْلَتِهِ: قَدَّمَ مَوْلاَهُ أَشْنَاسَ عَلَى القُوَّادِ وألبسه ناجا وَوِشَاحَيْنِ مُجَوْهَرَيْنِ.
وَفِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ: صَادَرَ الدَّوَاوِيْنَ، وَضَرَبَ أَحْمَدَ بنَ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَأَخَذَ مِنْهُ ثَمَانِ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَمِن سُلَيْمَانَ بنِ وَهْبٍ أَرْبَعَ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ، وَأَخَذَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ الخَصِيْبِ، وَكَاتِبِهِ أَلفَ أَلفِ دِيْنَارٍ.
وَفِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَلاَثِيْنَ: قُتِلَ أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخُزَاعِيُّ الشَّهِيْدُ ظُلْماً، وَأَمَرَ بِامْتِحَانِ الأَئِمَّةِ، وَالمُؤَذِّنِيْن بِخَلْقِ القُرْآنِ وَافتَكَّ مِنْ أَسْرِ الرُّوْمِ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، وَسِتَّ مائَةِ نَفْسٍ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ فَلاَ تَفْتَكُّوهُ.
وَفِيْهَا: جَاءَ المَجُوْسُ الأَرْدَمَانِيُّونَ في مراكب من ساحل البحر الأعظم فَدَخَلُوا إِشْبِيْلِيَّةَ بِالسَّيْفِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا سُوْرٌ بَعْدُ فَجَهَّزَ لِحَرْبِهِم أَمِيْرُ الأَنْدَلُسِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ المرواني جيشا، فالتقوا فانهزم الأردمانيون وأسر متهم أَرْبَعَةُ آلاَفٍ، وَللهِ الحَمْدُ.
قَالَ زُرْقَانُ بنُ أَبِي دُوَادَ: لَمَّا احْتُضِرَ الوَاثِقُ، رَدَّدَ هَذَيْنِ البَيْتَيْنِ:
المَوْتُ فِيْهِ جَمِيْعُ الخَلْقِ مُشْتَرِكٌ ... لاَ سُوقَةٌ مِنْهُمُ يَبْقَى وَلاَ مَلِكُ
مَا ضَرَّ أَهْلَ قَلِيْلٍ فِي تَفَرُّقِهم ... وَلَيْسَ يُغْنِي عَنِ الأَمْلاَكِ مَا مَلَكُوا
ثمَّ أَمَرَ بِالبُسُطِ فَطُوِيَتْ، وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالتُّرَابِ وَجَعَلَ يَقُوْلُ: يَا مَنْ لاَ يَزُولُ مُلْكُهُ ارْحَمْ مَنْ قَدْ زَالَ مُلْكُهُ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَاثِقِيُّ أَمِيْرُ البَصْرَةِ عَنْ أَبِيْهِ قَالَ: كُنْتُ أُمَرِّضُ الوَاثِقَ، فَلَحِقَتْهُ غَشْيَةٌ فَمَا شَكَكْنَا أَنَّهُ مَاتَ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: تَقَدَّمُوا فَمَا جَسَرَ أَحَدٌ سِوَايَ فلما

أَنْ أَرَدْتُ أَنْ أَضَعَ يَدِي عَلَى أَنْفِهِ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرُعِبْتُ، وَرَجَعْتُ إِلَى خَلْفٍ، فَتَعَلَّقَتْ قَبِيْعَةُ سَيْفِي بِالعَتَبَةِ فَعَثَرْتُ وَانْدَقَّ السَّيْفُ، وَكَادَ أَنْ يَجْرَحَنِي وَاسْتَدْعَيْتُ سَيْفاً، وَجِئْتُ فَوَقَفْتُ سَاعَةً فَتَلِفَ الرَّجُلُ فَشَدَدْتُ لَحْيَيْهِ وَغَمَّضْتُهُ، وَسَجَّيتُهُ وَأَخَذَ الفَرَّاشُوْنَ مَا تَحْتَهُ لِيَرُدُّوْهُ إِلَى الخَزَائِنِ وَتُرِكَ، وَحْدَهُ فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُوَادَ: إِنَّا نُرِيْدُ أَنْ نَتَشَاغَلَ بِعَقْدِ البَيْعَةِ فَاحْفَظْهُ فَرَدَدْتُ بَابَ المَجْلِسِ، وَجَلَسْتُ عِنْدَ البَابِ فَحَسَسْتُ بَعْدَ سَاعَةٍ بِحَرَكَةٍ أَفْزَعَتْنِي فَأَدخُلُ فَإِذَا بِجَرْذُوْنٍ قَدِ اسْتَلَّ عَيْنَ الوَاثِقِ فَأَكَلَهَا فَقُلْتُ: لاَ إِلَهَ إلَّا الله هذه العين التي فتحها من سَاعَةٍ فَانْدَقَّ سَيْفِي هَيْبَةً لَهَا!
قُلْتُ: كَانَتْ خِلاَفَتُهُ خَمْسَ سِنِيْنَ، وَنِصْفاً مَاتَ بِسَامَرَّا لِسِتٍّ بَقِيْنَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، وَمائَتَيْنِ وَبَايَعُوا بَعْدَهُ أَخَاهُ المُتَوَكِّلَ.

سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايماز الذهبي

 

الواثِق باللَّه
(200 - 232 هـ = 815 - 847 م)
هارون (الواثق باللَّه) ابن محمد (المُعْتَصِم باللَّه) ابن هارون الرشيد العباسي، أبو جعفر:
من خلفاء الدولة العباسية بالعراق. ولد ببغداد، وولي الخلافة بعد وفاة أبيه (سنة 227 هـ فامتحن الناس في خلق القرآن. وسجن جماعة، وقتل في ذلك أحمد بن نصر الخزاعي، بيده (سنة 231) قال أحد مؤرخيه: كان في كثير من أموره يذهب مذهب المأمون، وشغل نفسه بمحنة الناس في الدين، فأفسد قلوبهم. ومات في سامرا، قيل بعلّة الاستسقاء. وقال ابن دحية: كان مسرفا في حب النساء، ووصف له دواء للتقوية، فمرض منه، وعولج بالنار، فمات محترقا. وأورد (في النبراس) تفصيل احتراقه، وخلافته خمس سنين وتسعة (أو ستة) أيام. وكان كريما عارفا بالآداب والأنساب، طروبا يميل إلى السماع، عالما بالموسيقى،
قال أبو الفرج: " صنع الواثق مئة صوت ما فيها صوت ساقط " وكان كثير الإحسان لأهل الحرمين حتى قيل إنه " لم يوجد بالحرمين في أيامه سائل " .

-الاعلام للزركلي-