أمين أفندي بن محمد بن عبد الوهاب بن إسحق بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد الجندي المعري مفتي دمشق الشام رحمه الله تعالى
إمام أديب، وهمام أريب، وعالم فاضل، وملازم للقيام بالفضائل من بيت له تقوى وعبادة، وتقدم ورفعة وسيادة، وأصل ونسب، ووصل بأشرف حسب، وله همة قد استوت على محور العلو، ومروءة قد احتوت على مظهر السمو، وذكاء قد تعالى على ذكاء، ورأي لم ير أحسن منه راء، ومعاشرة أجمل من وضأة المحيا، وملاطفة ألذ من نشوة الحميا، وله نسبة شريفة للسيد العباس، عم السيد الأعظم سيد الناس، وقد نظم المترجم نسبه، وأوضح به أصله وحسبه، فقال:
الحمد لله القديم الأحد ... من غير والد له أو ولد
أوجد آدماً من التراب ... لحكمة تدرك بالألباب
ومنه حوا زوجه قد خلقا ... وبث منهما أناساً فرقا
وأرسل الرسل إليهم منهم ... فأفضل الناس حقيقة هم
وخير كل الأنبياء يا فتى ... والرسل من في ختمهم لقد أتى
محمد المختار أشرف الملا ... من كان خلقه عليهم أولا
فهو رسول الأنبياء والرسل ... وبدره بين الأنام قد كمل
وشرعه قد نسخ الشرائعا ... وعم بعثة به المشارعا
أمته قد جاء خير أمة ... وقومه في الناس خير عترة
من آل إسماعيل أهل النسب ... طراز كل فدفد وسبسب
القرشي الهاشمي المكي ... محا بسيفه ظلام الشرك
فهو خلاصة الأنام طراً ... وسيد الآفاق براً بحراً
صلى عليه ربنا تعالى ... وعم صحبه بها والآلا
وبعد فالبحث عن الأنساب ... قال به جمع من الأنجاب
مستأنساً بقول طه الهادي ... في خير موقف وخير نادي
أنا النبي الهاشمي لا كذب ... أنا محمد بن عبد المطلب
وبعضهم قال بمنعه وذا ... من محكم التنزيل أيضاً أخذا
وكلهم جاء بما قد أوسعا ... وليس للإنسان إلا ما سعى
وحاصل الأمر بأن الرجلا ... يلزمه في ذاته أن يكملا
من غير أن يعتبر الأنسابا ... ومن رأى أفعاله أعابا
إذ الأنام كلهم من طين ... والشرف الأعظم حفظ الدين
وبعده فالعلم والآداب ... من غير أن يدخلها إعجاب
وإن يكن ذا نسب عريق ... فهو أجل ذلك الفريق
وقد يغطى الشخص بالمعارف ... نسبه في أكثر المواقف
والعلم حقاً فضله يزيد ... فذاك سلمان وذا يزيد
والغبن كل الغبن للإنسان ... خسارة العلوم والإيمان
فنسأل الله تمام النعمة ... ومنناً تشملنا ورحمة
وقد أردت أن أعد نسبي ... للحفظ لا للفخر يا ذا الأدب
وإنني أحقر من أن أذكرا ... أو أن أكون في الورى موقرا
لكن بقدر طاقتي أقول ... والعفو من ذي همة مأمول
ونبتدي الآن بما قصدنا ... وما بذا الإرجاز قد أردنا
فأشرف الأنساب ما كان إلى ... خير النبيين الكرام أوصلا
وإنني بحمده تعالى ... بلقبي واسمي وجدت فالا
محمد اسمي الأمين لقبي ... كذا أتى محمد اسم أبي
ومولدي أرخ غلام مفلح ... في وقته حكاه حبر صالح
مسكننا معرة النعمان ... ومعدن السخاء والإيمان
ووالدي المذكور مفتيها ومن ... غدا على شرع النبي مؤتمن
كم نشر العلم بها وعلما ... وقام بالإصلاح لما سلما
إليه في محفلها يشار ... وهو بها للكل مستشار
ينصح للدين وللولاة ... وللرعايا سائر الأوقات
وكان بالصلاح غير متهم ... وفي جميع القطربدراً وعلم
مدرس في الدولة العلية ... خليفة للسادة الصوفية
يخدم سبعة من الطرائق ... في رتبة الإرشاد والحقائق
عليه جزؤ من فراشة الحرم ... وروضة المختار أشرف الأمم
والده كان إماماً صالحا ... خطيب قومه وفيهم فاصحا
يعرف بالعابد للوهاب ... أبيه إسحق بلا ارتياب
كذا أبيه عابد الرحمن ... وحسن أبيه بالإعلان
والده محمد الجندي ... وذكرنا الآن بذا محكي
وهو ابن أحمد بن إبراهيما ... أبيه ياسين غدا كريما
قطب لقد شرف بكفالونا ... إذ كان في أرجائها مدفونا
بقرب إدلب وفيها قوم ... ما في انتسابهم إليه لوم
شهرتهم بالجوهري تعرف ... وهم بأثواب الصلاح شرفوا
همو بنو أعمامنا بلا خفا ... وكلنا غدا بذا معترفا
ثم أبي ياسين إبراهيم ... وهو ابن عبد الله يا فهيم
والده عبد الكريم الزيني ... أبيه أحمد شهاب الدين
يعرف بالمكي والسواح ... وهو الذي جاء لذي النواحي
ابن الأمير وهو عبد الله ... ابن الأمير يوسف ذي الجاه
والده عبد العزيز السامي ... وهو ابن منصور الأمير النامي
وهو أبي جعفر الخليفة ... منتصر بالله دون خيفة
ابن محمد الأمير الظاهر ... وهو ابن أحمد الأمير الناصر
ابن الأمير حسن الخليفة ... أبي محمد جمال الكوفة
ابن الأمير يوسف المستنجد ... بالله وهو ابن الفتى محمد
خليفة يقفو لأمر الله ... ابن الأمير أحمد المباهي
وهو ابن عبد الله والمقتدر ... لقبه وفضله لا يحصر
خليفة أبيه بالذخيرة ... محمد يعرف بين الخيرة
وهو ابن عبد الله أعني القائما ... لله بالأمر وكان راحما
ابن الأمير أحمد الخليفة ... شهرته بقادر معروفة
وهو ابن جعفر بن جعفر وذا ... أبيه أحمد وعنه أخذا
ابن الأمير طلحة بن جعفر ... ابن محمد سراج الأعصر
يعرف بالمعتصم الكرار ... والأسد الغضنفر المغوار
وهو ابن هارون الرشيد من غدا ... بنوره في الخافقين يهتدى
خليفة قام لهذا الدين ... بالنصر والتأييد والتمكين
وهو ابن من لقب بالمهدي ... محمد ذي المشهد السني
وهو ابن عبد الله والمنصور ... لقبه وهو به مشهور
عمر بغداد كما قد أرخا ... أيامه كانت على الناس رخا
ابن محمد وذا بالكامل ... ملقب في سائر القبائل
ابن علي وهو ذو النفتات ... لقبه السجاد أيضاً آتي
وهو ابن عبد الله بحر الامة ... سراجها في كل مدلهمة
وهو ابن عم مصطفى العباس ... من كان شمساً في خلال الناس
وكان يستسقى به الغمام ... ولحماه يلجأ الأنام
ومدحه قد جاء في القرآن ... وكم حديث صح في ذا الشان
وهو من أصحاب العباء مره ... وكم تحامى المصطفى وسره
مسكه بيده الشريفه ... في ملأ صفاته منيفه
وقال هذا دون شك عمي ... صنو أبي وهو دمي ولحمي
فمن يواليه فقد والاني ... ومن يعاديه فقد عاداني
وحفظ حرمتي بحفظ حرمته ... وأشهد الله على مقالته
ولو أردت ذكر ما قد وردا ... في مدحه لطال ذلك المدى
لكنني اختصرت واختصاري ... لاشك فيه بلغة للقاري
ولنرجع الآن إلى ذكر النسب ... وعد هاتيك الجدود والعرب
وإن يكن ذلك أمر مشتهر ... لكن على السالك أن يقفو الأثر
فاسمع هديت سبل الرشاد ... ومن هنا أشرع بالمراد
فوالد العباس عبد المطلب ... وهو ابن هاشم إليه قد نسب
والده عبد مناف بن قصي ... ابن كلاب مرة له أبي
وهو ابن كعب بن لؤي يا فتى ... أبيه غالب بن فهر ثبتا
وقيل إن ذا قريش وعلى ... أصح الأقوال بنوه الأصلا
وهو ابن مالك أبيه النضر ... ابن كنانة كرام طهر
ابن خزيمة الذي أبيه ... مدركة كذاك حرروه
والده الياس جده مضر ... ابن نزار بن معد الغرر
وهو ابن عدنان وهذا آخر ... ما صح في الأنساب وهو ظاهر
وبعده فاترك مقالاً زورا ... وكن على ما قلته مقصورا
وفي الحديث كذب النساب ... ما فوق عدنان وما أصأبيا
لكنني أذكره استطرادا ... ليستفيد منه من أرادا
وليس مقطوعاً به لما سبق ... وإنما عليه جمع اتفق
وجاء في أكثره اختلاف ... وسرده في مثل ذا إنصاف
وإنني أذكر باختصار ... كيلا يطول فيمل القاري
أقول عدنان أبيه أد ... وأدد يتلوه إذ يعد
وأدد بن اليسع المحترم ... ابن الهميسع الكريم العلم
ابن سلامان بن بنت بن حمل ... وهو ابن قيذار بلا بسط جمل
وهو ابن إسماعيل نخبة العرب ... وقطب محراب المعالي والرتب
ابن الخليل وهو إبراهيم ... صلى عليه ربنا الرحيم
أبيه ناراح وقيل آزر ... كلاهما شخص ولا تغاير
وهو ابن نامو ربن ساروغ كما ... رأيته بخط بعض العلما
فرغو بن قالغ بن شالح ... ألحق به أرفخشذ في الراجح
وهو ابن سام بن نوح النبي ... وهو بن لامح كما في الكتب
ولامك ولمك أسماء ذا ... فإن تجد أحدها لا تنبذا
واسم أبيه متوشلح إلى ... أنوش أعني نجل شيث وصلا
وشيث ابن آدم أبي البشر ... وزوجه حوا كما قد اشتهر
وإن ذا أقرب ما رأيته ... وعن ذوي التاريخ قد رويته
فاحفظه غير جازم بصحته ... واقصر إذا سئلت عن تلاوته
وإنني أستغفر الله فلا ... يبعد أن في مقالي زللا
ثم الصلاة والسلام الأبدي ... على النبي الهاشمي محمد
أفضل أهل الأرض والسماء ... وأشرف الجدود والآباء
وآله وصحبه الكرام ... والحمد في المبدأ والختام
فقد علم من النظم أن المترجم قد ولد في مدينة معرة النعمان سنة ألف ومائتين وتسع وعشرين وتربى في حجر والده، ثم إنه في سنة مائتين وأربعين سافر مع والده إلى حمص، وأقام معه بها إلى سنة ثمان وأربعين، وكان قد حفظ تلك المدة في الإقبال على الطلب في فنون متعددة على والده وغيره، ثم عاد مع أبيه إلى الوطن، ولم يزل على طلبه وترقيه إلى عام ثلاثة وخمسين، فتقلد القضاء في المدينة المرقومة، وكان يظن أن ذلك يكون له منحة عظيمة، فكان له محنة وبلية جسيمة، فتعارك مع الأقران، وتخاصم مع نواب ذلك الزمان، وتعاقبت عليه الغوائل، فألقته في بحر عميق بلا ساحل، فلم يكن له ملجأ سوى صاحب الرسالة، وحاشاه أن يهمل أقاربه وآله، فخلصه الله من كروبه، وأوصله من خذلانهم إلى مطلوبه، ولذلك كان كثير التوسل بجنابه، دائم الصلاة عليه وعلى آله وأصحابه. وقد اجتمع بكثير من الأدباء، وعددٍ غزير من العلماء، من أكابر سادة عصره، الكائنين في مصره وفي غير مصره، كالعالم العلامة، والحبر البحر الفهامة، السيد الشيخ وفا أفندي الحلبي المتوفى في أواخر شهر ربيع الأول سنة ألف ومائتين وأربع وستين، وكالعالم الأديب الأريب الشيخ أمين أفندي الجدندي الشاعر الماهر المشهور، وغيرهما ممن طاب في الأنام ذكره، وطلع في أوج الرفعة بدره، وفي يوم السبت الثامن والعشرين من ذي الحجة الحرام، سنة إحدى وستين حضر إلى الشام، مطلوباً من واليها هو وأبيه لأمر سياسي اقتضى ذلك، وفي نصف صفر الخير سنة اثنتين وستين حضر فرمان مرسوم سلطاني بإقامتهما في الشام، وداما في هذه الغربة إلى غاية شهر المحرم الحرام، سنة ثلاث وستين ومائتين وألف فحضر الفرمان العالي بإطلاقهما بهمة محمد نامق باشا مشير الأوردي الهمايوني الخامس، فخرج مع أبيه من دمشق يوم الاثنين رابع وعشري صفر من السنة المرقومة، ودخلا إلى المعرة يوم الاثنين غرة شهر ربيع الأول، وتوجه على أبيه منصب الفتوى وعليه منصب القضاء، بعد عزلهما من هذين المنصبين من حين طلبهما إلى الشام، وفي سنة ألف ومائتين وأربع وستين رابع عشر شوال يوم الاثنين توفي والده، واسترحم عموم الأهالي بوضع المترجم مكانه مفتياً، وكان إذ ذاك شيخ الإسلام أحمد حكمت عارف بك فتوجه عليه الإفتاء من غير مهلة، ولم يزل مفتياً إلى أوائل المحرم سنة ست وستين، وفي هذا التاريخ حضر له رسالة من صاحب الدولة محمد أمين باشا مشير الأوردي الهمايوني الخامس الجيش السلطاني يأمر المترجم بحضوره إلى الشام، ليكون كاتب عربي الأوردي المرقوم، فبعد الاستعفاء المقابل بعدم القبول، حضر إلى الشام في غرة جمادى الأولى من السنة المرقومة، وحصل له جاه وقبول عند المشير المومأ إليه لما حاز عليه من الأوصاف المرغوبة، والألطاف المطلوبة، والمعارف الكاملة، والعوارف الشاملة، ولم يزل عنده معظما منظما، إلى أن توفي المشير المومأ إليه رحمه الله وذلك في اليوم الثالث عشر من شهر ذي القعدة الحرام الذي هو من شهور سنة ألف ومائتين وسبع وستين، ودفن في تربة الشيخ الأكبر في صالحية دمشق الشام ونظم المترجم له أبياتاً كتبت على بلاطة قبره وهي:
بشرى دواماً للمشير أمين ... نال المنى بجوار ذي التمكين
بحر العلوم العارف الغوث الذي ... هو قطب مركز عالم التكوين
شمس أضاء الكون نور سنائها ... ويتيمة ما ثنيت بقرين
ختم الولاية للبداية وارث ... كنز على الأسرار غير ضنين
قد كان يعشقه المشير بطبعه ... عشقاً تخلص من ربا تلوين
والفضل يعرفه ذووه بلا مرا ... وكفى بهذا القدر من تحسين
والمرء يحشر مع محبيه أتى ... في سنة الهادي البشير أمين
ولذا أشرت إلى الضريح مؤرخاً ... هذا حبيب الشهم محيي الدين
وبقي في مصلحته وكتابته لدى كل مشير بعد موت المشير المرقوم إلى أن حضر عبد الكريم باشا في سنة ثلاث وسبعين ومكث مدة قليلة ثم عزل عن الأوردي الخامس وتوجه لعهدته ارد والأناطولي فاستصحبه معه بوظيفتي الكتخداية وكالة الشؤون الخاصة وكتابة ديوانه إلى مركز الارد والهمايوني الجيش السلطاني وهو بلدة الأرزنجان، فأقام هناك دون أربعة أشهر ثم توجه بالإذن إلى طرابزون ومنها في البحر الأسود إلى دار السلطنة العظمى وكان دخوله يوم عاشر المحرم سنة أربع وسبعين فأقام خمسة أشهر، ثم حضر إلى الشام إلى مصلحته الأولى وهي كتابة العربي في أردو وعرب ستان، ثم في سنة ست وسبعين في نصف شهر جمادى الأولى عاد لدار السعادة حيث أن الصدارة العظمى أحيلت لعهدة قبريسلي زاده محمد باشا لوعد كان وعده به، وبعد وصوله بأيام قلائل عزل الباشا المشار إليه، فأقام المترجم أربعة أشهر وعاد لمأموريته بدمشق، وكان المشير إذ ذاك في الشام أحمد باشا الشهيد. وفي أثناء تلك السنة حصلت وقعة النصارى في جبل لبنان ثم في الشام، فعينت الدولة لإصلاح سوريا حضرة ناظر الخارجية فؤاد باشا مأموراً مستقلاً فوق العادة، وعند حضوره إلى دمشق استخدم المترجم بمعيته ثم بإعضائية مجلس فوق العادة، وبعد ذلك انتخبه إلى فتوى الشام، وورد له المنشور العالي في نصف شهر جمادى الأولى سنة سبع وسبعين ومائتين وألف، ثم لما تولى ولاية الشام محمد راشد باشا وقع بينه وبين المترجم اغبرار، فأنهى الوالي المذكور بعزل المترجم من الإفتاء وإحالته لعهدة محمود أفندي الحمزاوي، فحضر له المنشور في نصف شهر رمضان المبارك سنة أربع وثمانين ومائتين وألف، وأقام المترجم المذكور في بيته إلى أن صدرت الإرادة السنية بتشكيل مجلس كبير في دار السعادة يكون مرجعاً لكافة المجالس الداخلية والخارجية، وسمي بشورى الدولة ورئيسه صاحب الدولة مدحت باشا، وقسم هذا المجلس إلى خمس دوائر العدلية والملكية والمالية والنافعة والمعارف، ولكل دائرة رئيس يسمى معاوناً للرئيس الأول وهو مدحت باشا المشار إليه، فوظفت الدولة العلية المترجم المذكور في شورى الدولة، فخرج من الشام في يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وثمانين ومائتين وألف وكانت عضويته في دائرة الملكية، ثم توجهت عليه باية مولوية مكة المكرمة مع النيشان الوسام المجيدي من الرتبة الثالثة، وذلك في السابع والعشرين من شوال المكرم سنة خمس وثمانين ومائتين وألف، وفي غرة ذي القعدة من السنة المذكورة توفي ولده محمد زكي افندي، فأخذ المترجم رخصة أنه يتوجه إلى الشام، ويبقى نحو أربعة أشهر لتنظيم أمر بيته، وكان ذلك في أوائل ربيع الأول سنة ست وثمانين، وبعد مضي المدة المذكورة توجه إلى الآستانة بجميع عياله، وفي رمضان سنة سبع وثمانين عصى على الدولة أمير جبل عسير المجاور لليمن المسمى محمد باشا بن عائض، وجمع كثيراً من قبائل العربان، وحاصر بلدة الحديدة التي هي مركز المتصرفية، وصدرت الإرادة السلطانية بسوق فرقة من العساكر النظامية من دار السعادة تحت رياسة رديف باشا الفريق، وتوجيه المترجم قوميسيراً مفوضاً وقاضياً مع الفرقة المرقومة، وقد حصل للمترجم تأخر بسبب مرض أصابه، ثم جاءت أخبار بظفر العساكر بالأمير المرقوم وإعدامه وتشتيت أعوانه وجنوده، وبسوء حال علي باشا شريف متصرف اليمن، فأمر الدولة العلية بإرسال مأمور لتحقيق أحوال الباشا المشار إليه وغيره، فانتخب مجلس الوكلاء المترجم لذلك، وصدرت الإرادة السلطانية بتوجيهه، وعين له خرج طريق خمسة وسبعون ألف قرش ما عدا المعاش، ثم ضم إلى ذلك مأمورية رياسة مجلس تشكيل ولاية اليمن، بمعاش عشرة آلاف قرش، فذهب إلى هناك في ذي القعدة سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين، وبقي هناك مدة موفقاً محترماً، ثم إنه استعفى بعد مدة لعدم موافقة المحل لمزاجه وصحته، وحضر إلى الشام معدوداً من أفاضلها وذوي فضائلها، إلى أن دعته المنية، للمراتب العلية. وذلك في أواخر محرم الحرام الذي هو من شهور سنة ألف ومائتين وخمس وثمانين، ودفن في جبانة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
ومن قصائده التي هي في كعبة الحسن معلقة، وأشعاره التي تفوق على السلافة المعتقة، قوله مادحاً خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيدنا الإمام أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه:
إذا ما رماك الدهر بالبؤس والضر ... فكن مستجيراً بالإمام أبي بكر
خلاصة أصحاب النبي بلا مرا ... وأولاهم من بعده صاح بالأمر
وأفضل أهل الأرض بعد محمد ... وبعد النبيين الكرام بلا نكر
صديق صدوق في المحبة كيف لا ... وما افنك عنه في الحياة وفي القبر
ولم يتلعثم بالإجابة عند ما ... دعاه إلى الإسلام خير الورى الطهر
وأخبره عما رأى في منامه ... قديماً وما قصته كاهنة العصر
فقال نعم والله إنك صادق ... وإنك أنت المصطفى من بني فهر
وأنت رسول الله للناس كلهم ... وخاتم كل الأنبياء إلى الحشر
وفي ليلة الإسرا بتصديقه به ... غدا أمة والناس في غفلة الكفر
وبالنفس والأموال جاد ولم يزل ... مطيعاً لما يقضيه كالولد البر
وفي الغار ثاني اثنين والله ثالث ... بنص كلام الله في محكم الذكر
بصحبته رب البرية شاهد ... وذلك عند الله من أعظم القدر
وفي يوم بدر في العريش رفيقه ... وحاجبه حرصاً عليه من الغدر
مساعيه في الإسلام جلت فلم تكن ... تقدر أو تحصى بعد ولا حصر
هزبر له في همة الدين نصرة ... وعزم شديد يجعل السر كالجهر
وفي مدحه كم من حديث مصحح ... رواه لنا حبر يحدث عن حبر
فمنها أبي بكر أياديه لم تزل ... علي وما كافأته آخر العمر
ولو كان بعدي مرسل لم يكن سوى ... أبي بكر الصديق في غاية الفخر
ويوم وفاة المصطفى حين أخطأت ... من الناس آراء لدى كل ذي فكر
فمن قائل لا تخبروا بوفاته ... مخافة أن يرتد قوم على الاثر
فما هو إلا أن دعا الناس مسرعاً ... وقام خطيباً بالمحامد والشكر
وقال ألا من كان يعبد أحمداً ... فقد مات إعلاماً لمن كان لا يدري
ومن كان منكم يعبد الله مخلصاً ... له الدين بالإيمان من عالم الذر
يحقق أن الله حي منزه ... عن الموت قيوم على كل ذي أمر
وقد قال في التنزيل أن محمداً ... رسول خلت من قبله الرسل في الدهر
ولما أتم الآية استرجع الورى ... كأنهم لم يسمعوها من الذكر
وقوى قلوب المؤمنين بوعظه ... وأذهب عنهم غصة الخوف والقهر
فبايعه أهل التكلم بعد ذا ... وخابت ظنون المشركين من المكر
وقام بتجهيز الرسول ودفنه ... فكم طفقت عين على فقده تجري
وأمضى غزاة باشر المصطفى بها ... فكانت بحمد الله فاتحة النصر
وجاهد أهل البغي بالسيف عندما ... تعدوا إلى نقض الشريعة بالكبر
وأجرى له الباري عوائد فضله ... وأيده بالنصر والفتك والأسر
خلافته كانت على الناس رحمة ... وأحكامه أحلى من الشهد والقطر
وباغضه لاشك يقتل كافراً ... وإن صام أو صلى إلى البيت والحجر
فنساله سبحانه أن يعيذنا ... من الشك والإشراك والبغض والإصر
ويحشرنا في زمرة المصطفى غداً ... ويجعلنا من قومه السادة الغر
عليه صلاة الله ثم سلامه ... وسحب الرضا تنهل بالعز والبشر
على الآل والأصحاب ما أهدت الصبا ... إلينا أحاديث الأحبة إذ تسري
وما غربت شمس وما ذر شارق ... وما دامت الدنيا إلى آخر الدهر
وقال رحمه الله يمدح السلطان عبد المجيد خان بن المرحوم السلطان محمود خان العثماني ويذكر فيه أجلاء المصريين الذين هم تحت رياسة إبراهيم باشا بن محمد علي باشا من البلاد الشامية والساحلية وكان ذلك في شهر رمضان المبارك عام ستة وخمسين ومائتين وألف فقال
هجم السرور على الأنام مبسملاً ... والنصر جاء مكبراً ومهللا
ضحكت ثغور المسلمين وطالما ... بكت العيون دماً عبيطاً مشكلا
غارت ينابيع الفجور وفجرت ... أنهار عدل ورد مشربها حلا
وذيول أرجاء الممالك طهرت ... من لوث بغي الخارجين عن الولا
والله أيد دينه بخليفة ... نشر المراحم في البسيط على الملا
ملك به افتخر السرير وأخمدت ... بجلوسه فتن بها الكون امتلا
من آل عثمان الأكارم من بنوا ... في المجد بيتاً لا يزال مؤثلا
قوم بهم قامت دعائم ديننا ... ولجيشهم فتح البلاد مسهلا
والأرض ميراث لهم من ربها ... نص عليهم في الكتاب تأولا
خلفوا بني العباس في إخلاصهم ... فغلا بهم قدر الشريعة بل علا
قاموا بأعباء الخلافة حسبما ... يرضى المهيمن مجملاً ومفصلا
لا غرو إذ هم من سلالة هاشم ... نسباً وأفعالاً فدع من سولا
فولاؤهم حفظ لأهل الأرض من ... خلف كما جاء الحديث مسلسلا
فالحمد لله الذي قد خصنا ... بخليفة منهم به الكرب انجلى
وهو الإمام الماجد الشهم الذي ... فاق الملوك مهابة وتفضلا
بحر إذا سعت العفاة لبابه ... وغضنفر تخشاه آساد الفلا
وسع الأنام مراحماً وبعدله ... أضحى الزمان مجملاً ومجللا
مولى رفيع القدر قد نسخت به ... آي الخلاف واثبتت آي الولا
سبحان من جعل التقى جلبابه ... والحلم والبأس الشديد له حلى
ذو همة بالحق عالية الذرا ... لو قابلت أعلى الجبال تزلزلا
نعم الإله به علينا جمة ... عن شكرها قصرت عبارات الملا
وصف الخلافة مذ تشرف باسمه ... عنا جلا خطباً جسيماً معضلا
عبد المجيد بمجده شهدت لنا ... أفعاله لا زال بدراً أكملا
لاشك يا مولاي أنت مؤيد ... والنصر فأل قد أتاك مهرولا
أنا قد خدمتك بالمديح مقدماً ... في مدة يخشى بها أن يقولا
وأبحت نفسي في سبيلك حسبة ... لله لا أبغي بذلك معدلا
والآن قد آن المديح وإنني ... سأجيد مدحاً لن يتمثلا
فاقبل لعبدك مدحة جاءت على ... عجل ولا تقطع رجا من أملا
والحمد لله العظيم وشكره ... فرض علينا حيث أحيانا إلى
يا رب بالذات العلية ثم بالمختار ... أفضل من دعا وتوسلا
وبآله والصحب طرا سيما ... من قام منهم بالخلافة أولا
وبتاليبه وبالوصي وزوجه ... وابنيه ثم بني بنيه على الولا
بالتابعين وبالأئمة كلهم ... وبكل حبر في العلوم تغولا
بالقطب عبد القادر الأسد الذي ... عنت الرقاب له وحل المشكلا
وبكل قطب نال منك كرامة ... وكسوته بالقرب ثوباً مسدلا
بالأولياء جميعهم وبمن غدا ... وجه الزمان بنورهم متهللا
وبكل عبد قد أجبت دعاءه ... وبمن تجيب إذا دعيت به الملا
أيد أمير المؤمنين وحزبه ... وأدم له منك السعادة والعلا
وانصره نصراً يا قدير مؤزراً ... واجعل له فتح البلاد مسهلا
وأطل بقاه مدى الزمان وعمره ... لنرى منار الدين مرتفعاً على
ألهمه في حق العباد مراحماً ... واسلك به سبل التقى كي يعدلا
واقمع بسيف القهر كل معاند ... واهدم بناء المشركين وعجلا
واجبر بأنظار الخليفة كسرنا ... والطف بنا لطفاً عميماً مسبلا
ثم الصلاة مع السلام على الذي ... بمديحه جاء الكتاب مرتلا
والآل والأصحاب والأتباع ما ... وقف الحجيج معرفاً وتحللا
أو ما الأمين غدا يؤرخ مرجعاً ... هجم السرور على الأنام مبسملا
وقال رحمه الله متغزلاً في واقعة حال ولكنه زاد ما لم يقع تونيقاً على عادة الشعراء، وهذه القصيدة ألطف ما قاله:
بدا وجهها في ظلمة الليل كالبدر ... ونم عليها عابق الطيب والعطر
وبشرنا بالوصل عند ابتسامها ... بريق ثناياها الشبيهة بالدر
نهضت إليها فانثنت بلطافة ... تقبلني والدمع من شوقها يجري
وقالت عسى عصر الصدود قد انقضى ... فقلت وقلبي بالغرام على جمر
فديتك ما للعتب يدخل بيننا ... فقد كان ما قد كان في سالف الدهر
فإن أويقات الوصال قصيرة ... فلا تشغليها بالتذكر والفكر
فإن كان قطع الود منك فإنني ... عفوت ومني إن يكن فاقبلي عذري
فما لذ للعشاق وصل ممحض ... من الصد والتعنيف والبعد والهجر
ألم تدر أن الدر عز لأنه ... على خطر من يبتغيه من البحر
وما ضرنا ما قد لقينا وأننا ... بلغنا ذرى الآمال في آخر الأمر
فهيا بنا نقضي من البسط حظنا ... ودع ما جرى في الكون من بعدها يجري
وعانقتها فانضم ثغري لجيدها ... وألصقت النهدين منها إلى صدري
وعاد لها طوقا ذراعي وتارة ... وشاحاً وآناً كالنطاق على الخصر
وظلنا ندير الراح اشرب سؤرها ... وتشرب سؤري ثم تجلس في حجري
ونقلي لماها والمثاني حديثها ... ومصباحنا عقد يضيء على النحر
نميل نشاوى كالقضيب يهزه ... نسيم ونحصو ثم نغرق بالسكر
أوسدها يمناي ثم تضمها ... يساري كما انضم الكمام على الزهر
إلى أن أراد الصبح أن يستفزنا ... وقامت جيوش الليل من غيظها تسري
أفاقت وقالت حان وقت افتراقنا ... ونم علينا للرقيب سنا الفجر
فقم نتزود للوداع فما عسى ... يعود لنا هذا التواصل في العمر
فما راعني إلا بكاها وقولها ... فراقك في قلبي أمر من الصبر
فودعتها والدمع مني مسلسل ... على صفحات الخد كالوبل والقطر
وقلت بحقي يا مليكة مهجتي ... وبالغنج من عينيك والكحل والسحر
وبالخال والثغر المنضد واللما ... وعقد حباب فيه أبهى من الدر
بحق الدجا من شعرك الفاحم الذي ... به ضل رأيي واستقام به شعري
بفرقك ذي الإشراق والنور والبها ... وما قد تلا من آية الفتح والنصر
بألماس جيد ثم لين معاطف ... ومياس قد فاق عسالة السمر
بساعة أنس منك نلت بها المنى ... ودارت علينا أكؤس الراح والخمر
بعزك يا أخت الشموس وذلتي ... لديك غراماً تم بالشفع والوتر
دعي الهجر بعد الآن واستعملي الوفا ... وعودي بوصل واغنمي وافر الأجر
فقالت منائي قر عيناً فإنني ... بحبك في قيد المهانة والأسر
ولا برحت خدي لنعلك موطئاً ... إلى أن يليني رائد الموت للقبر
فودعتها بالضم ثم لثمتها ... ثلاثاً وسبعاً ثم عشراً على الاثر
وجرت رداها ثم سارت وأودعت ... فؤادي غراماً لا يقدر بالحصر
فيا ليلة ما مر في العمر مثلها ... ترى هل تعودي عن قريب ولا أدري
سلامي على ربع الأحبة كلما ... ترنم شاد حين هيجه قمري
وكتب مراسلاً بعض أحبابه
ولما بان من أهواه عني ... فقد تصبري وعدمت رشدي
وواصلت السهاد لفرط شوقي ... وأجريت الدموع لعظم وجدي
وعللت الفؤاد فقال دعني ... فما التعليل والتسويف مجدي
ومالي من دواء غير قربي ... لمن أهواه في فرح وسعد
وإن طال المطال عدمت روحي ... وعز عليك يا مولاي فقدي
وإن وافيتني من غير مطل ... غنمت الأجر واستبقيت ودي
ومن نثره في خطبة ديوانه رحمه الله تعالى قوله: لما كان لكل إنسان عين من الشعر إن حركها فارت، وإن تركها غارت، وكنت قد حركت عين شعري، فبضت بقطرات قليلة، رجوت أن تكون لتذكاري فيما يأتي وسيلة، وإن كان الشعر ليس بمزية يحق بها الافتخار، فليس هو في حد ذاته منقصة توجب الاحتقار، حيث جاء بنص الكتاب مدح بعض الشعراء وذم البعض، وقد تدور عليه الأحكام الأربعة بحسب الإبرام والنقض، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مدح فأجاز، وأمر بهجو قوم هجوه بضرب من الأرجاز، فقال اهج بإحسان، نصرك الله يا حسان، وقد ورد في مدح الشعر والشعراء، من الأحاديث والأخبار ما يفوت درجة الاستقصاء، وقد قال بعضهم الشعر ديوان العرب وبه عرفت الأنساب. وقال سيدي عمر بن الوردي المعري رحمه الله تعالى:
انظم الشعر ولازم مذهبي ... فاطراح الرفد في الدنيا أقل وكان في هذا الزمان قد كسد سوقه، ويبست عروقه، ونضب ماؤه، وسكن هواؤه، وانفقدت دواعيه، وخسر بائعه وشاريه، حتى حق لأهله أن يتمثلوا بقول ابن المعتز رحمه الله:
قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة ... باب الدواعي والبواعث مغلق
خلت الديار فلا كريم يرتجى ... منه النوال ولا مليح يعشق
ومن العجائب أنه لا يشترى ... ومع الكساد يخان فيه ويسرق
هذا وإن الشعر لا يخلو من تشحيذ الأذهان، وترقيق الطباع وتسلية الأخدان، ولم يزل صاحبه منتصفاً من الزمان، مستعيناً على طوارق الحدثان، وكنت منذ ميزت، وجدت والدي حفظه الله تعالى أوحد هذا العصر، في صنعة القريض والشعر، لكنه غير مكثار منه لشغله بالفتوى والتعليم، إذ هو فيهما مرجع أهل الإقليم، فصرت في حالة التعلم أخبط في ذلك، وأقتحم تلك المفاوز والمسالك، إلى أن نظمت ما يقرأ في سن اثني عشر، وقفوت في ذلك من أهل هذه الصناعة الأثر، وإن كان شعري لا يحق له أن يكتب ولا أن يقرأ، لكني أردت أن يكون لي جمعه في هذه الوريقات فيما يأتي ذكرا، والمرجو من الناظر إليه من الإخوان والسادات، أن يغض طرفاً عما يجده فيه من الهفوات، وأن يصلح منه ما هو قابل للإصلاح، فالحر لا يزال صفاح، وإلا فمن أين للإنسان أن يستكمل جميع الأوصاف، وقد يتلافى المرء قصوره بالاعتراف، ورتبت ديواني هذا على مقدمة وأربعة أبياب، إلى آخر ما قال ديوان لطيف، يشهد لمنشئه بالمقام العالي المنيف.
ومن كلامه هذا الموشح الذي مدح به السيد الأعظم صلى الله عليه وسلم
شادن تاه على بدر السما ... وتحلى برداء سندس
وببيض اللحظ والسمر حمى ... خمر ريق في ثغير ألعس
دور
يا لقومي من مجيري من رشا ... مستطيل الحكم في أهل الغرام
لم يدع فيهم صحيحاً مذ نشا ... غير مطعون بخيزور القوام
وله الألباب حقاً والحشا ... عشقاً من قبل أن يخلق سام
ووجودي فيه أضحى عدماً ... مذ بأنواع الكمالات كسى
وغدا الخد شقيقاً عندما ... عندما سل سيوف النرجس
لذ لي خلع عذاري في هوى ... من سبا الألباب في سود الحدق
مسدلاً ليلاً طويلاً قد هوى ... وله الفرق تراءى كالفلق
وعلى وجنته خالاً حوى ... أمن المسك له الباري خلق
بهرمان الخد حاذى عنما ... طاب هذا محتداً في مغرس
ما لعمري ذاك من طين وما ... هو نور جاءنا في ملبس
دور
إن قلبي لحبيبي قد صبا ... وعلى مائدة الحب طفل
لم أزل مستنشقاً ريح الصبا ... حيث من دار اللوالي قد وصل
أنا إن مت بحبي وصبا ... لم أحل عن عشقه مهما حصل
كيف أسلو من إلى العرش سما ... وتدلى للجناب الأقدس
في حديث صححته العلما ... ورواه مالك عن أنس
دور
عين أعيان البرايا والملا ... سيد الرسل ومصباح الهدى
من أقام الدين حتى أن علا ... وسقى السم من السيف العدى
وأتى بالحق مذ عنا جلا ... ظلمة الشك وأوثاق الردى
من عليه الضب حقاً سلما ... وله الظبي شكا فعل المسي
كم وكم أبرأ عيناً من عمى ... فاجتنب أفعال أهل الهجس
دور
أيها العاصي الذي قد غرقا ... في بحار الذنب أسرع مقبلا
وتيمم كعبة لن ترتقى ... وهزبراً أسداً لن يبسلا
خير من صام وصلى واتقى ... ورقى الذروة من عهد بلى
لم يفه قط بلا، لا، أو بما ... لفقير جاءه أو مفلس
من يوافيه يلاقي حرماً ... فيه أملاك السما كالحرس
دور
يا رسولاً للبرايا بعثا ... رحمة أنعم بها من رحمة
كل مجد وكمال ورثا ... حسن الخلق عظيم الخلقة
طاب لي فيه مديحي والرثا ... تارة خنسا وكالنابغة
فتراني في هواه كلما ... قصر الركب حداهم جرسي
وإذا أنشدت بيتاً قيل ما ... وضع الرخ مكان الفرس
دور
لي ذنوب وخطايا حملها ... أنحل الجسم وأعيا البدنا
وفؤاد ليس من أهل النهى ... قط عن فعل المعاصي ما دنا
فإذا أبصر أوقات اللها ... من وراء الشام يأتي عدنا
وعن التقوى تراه نائماً ... مثل ميت في قرار الجدس
إن يقل لم ذا يقل كن كيفما ... شئت إلا الشرك لا تأت تسي
دور
وتمسك بجناب المصطفى ... أحمد الهادي رسول الواحد
سيد الكونين حقاً لا خفا ... ماجد من ماجد من ماجد
حسبي المختار جدي وكفى ... فهو باب الله كهف الشارد
شافع الأمة في يوم الظما ... حين يجثو آدم مع يونس
وتراه ضاحكاً مبتسما ... ما به من خيفة أو وجس
دور
وعليه الله صلى سرمدا ... مع سلام متناه أكمل
ما سرى الركب مجداً وحدا ... نحو سلع موجزاً بالرمل
أو محب من غرام عربدا ... كنديم بمدام ثمل
وعلى آل وأصحاب نما ... فضلهم مثل شهاب القبس
في غدٍ يسقون كأساً ختما ... بختام المسك طيب الأنفس
وقال وقد اقترح عليه بعض الأعيان بحماة مدح خال ملاصق لشفة المحبوب:
من الزنج خال في رياض خدوده ... أقام زماناً في النعيم المكمل
رأى وردة فاقت فرام اغتيالها ... فصادفه وشي العذار المسلسل
فقيده في جانب الثغر حارساً ... فوا عجباً لص على الدر قد ولي
وفضله شهير ومن أراد معرفة بيانه فليبادر إلى مطالعة ديوانه.
حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر - ابن إبراهيم البيطار الميداني الدمشقي.
أمين (أو محمد أمين) بن محمد ابن عبد الوهاب الجندي العباسي المعرّي ثم الدمشقيّ:
مفتي الحنفية بدمشق. ولد في معرة النعمان، وتعلم بها وبحلب، وولي القضاء والإفتاء بالمعرة، ثم الإفتاء بدمشق سنة 1277 - 1284 هـ وانتدب لليمن رئيسا لمجلس (تشكيل ولايتها) وعاد إلى دمشق فولي فيها رياسة ديوان التمييز إلى أن توفي. له (ديوان - خ) رأيته في المكتبة العربية بدمشق، وفيه منظومته في (أسماء أهل بدر) وأولها: (قال محمد الأمين الجندي: بسم إلهنا المعيد المبدي) و (شرح رسالة الشيخ رسلان) في التصوف، وترجم عن التركية كتاب (علم الحال - ط) .
-الاعلام للزركلي-