محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم غلام ثعلب

أبي عمر الزاهد

تاريخ الولادة261 هـ
تاريخ الوفاة345 هـ
العمر84 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةبغداد - العراق
أماكن الإقامة
  • بغداد - العراق

نبذة

وأما أبو عمر محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم اللغوي الزاهد؛ فكان من أكابر أهل اللغة، وأحفظهم لها، أخذ عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. وكان يعرف بغلام ثعلب.

الترجمة

وأما أبو عمر محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم اللغوي الزاهد؛ فكان من أكابر أهل اللغة، وأحفظهم لها، أخذ عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب. وكان يعرف بغلام ثعلب.
وقال أبو علي بن أبي علي، عن أبيه، قال: ومن الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم، أبو عمر الزاهد محمد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة، فيما بلغني.
وكان لسعة حفظه يطعن عليه بعض أهل الأدب ولا يوثقونه في علم اللغة؛ حتى قال عبيد الله بن أبي الفتح: يقال: إن أبا عمر الزاهد لو طار طائر لقال: حدثنا ثعلب، عن ابن الأعرابي؛ ويذكر في معنى ذلك شيئاً.
وكان المحدثون يوثقونه ويصدقونه. قال: أبو بكر الخطيب: رأيت جميع شيوخنا يوثقونه ويصدقونه، وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر السائل أنه قد وضعه، فيجيب عنه، ثم يسأل عنه بعد سنة، فيجيب ذلك الجواب.
ويروى أن جماعة من أهل بغداد، اجتازوا على قنطرة الصراة، وتذكروا كذبه، فقال بعضهم: أنا أصحف له القنطرة وأسأله عنها؛ فإنه يجيب بشيء آخر، فلما صرنا بين يديه، قال: أيها الشيخ، ما الهرنطق عند العرب؟ فذكر شيئاً قد أنسيته، فتضاحكنا وأتممنا المجلس وانصرفنا، فلما كان بعد شهر، ذكرنا الحديث فوضعنا رجلاً غير ذلك، فسأله فقال له: ما الهرنطق؟ فقال: ألست قد سألت عن هذه المسألة منذ كذا وكذا؟ فقال: هي كذا!؟ فما درينا من أي الأمرين نعجب من ذكائه: إن كان علماً فهو اتساع طريف، وإن كان كذباً في الحال ثم قد حفظه فلما سئل عنه ذكر الوقت والمسألة، فأجاب بذلك الجواب، فهو أطرف!
قال: كان معز الدولة قد قلد شرطة بغداد غلاماً تركياً مملوكاً يعرف بخواجا، فبلغ أبا عمر الزاهد، وكان يملي كتاب الياقونة، فلما جاوزه، قال: اكتبا: "ياقوتة خواجا؛ الخواج في أصل اللغة: الجوع، ثم فرع على هذا باباً، وأملاه، فاستعظم الناس كذبه، وتتبعوه، فقال له أبو علي الحاتمي، وهو من أصحابه: أخرجنا في أمالي الحامض، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي: الخواج: الجوع.
وحكى رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن الحسن، عمن حدثه؛ أن أبا عمر الزاهد كان مؤدب ولد القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، فأملى على الغلام نحواً من ثلاثين مسألة في اللغة، وذكر غريبها، وختمها، ببيتين من الشعر. وحضر أبو بكر بن دريد وأبو بكر الأنباري وأبو بكر بن مقسم عند القاضي أبي عمر، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شيئاً، وأنكروا الشعر، فقال لهم القاضي: ما تقولون فيها؟ فقال ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن، ولست أقول شيئاً، وقال ابن مقسم مثل ذلك لاشتغاله بالقرآن. وقال ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات أبي بكر؛ لا أصل لشيء منها في اللغة، وانصرفوا. فبلغ ذلك أبا عمر، فاجتمع مع القاضي وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عينهم، ففتح القاضي خزانة وأخرج تلك الدواوين، فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة منها، ويخرج لها شاهداً من بعض تلك الدواوين ويعرضه على القاضي؛ حتى استوفى جميعها. ثم قال: هذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضي، وكتبهما القاضي بخطه على الكتاب الفلاني.
فأحضر القاضي الكتاب، فوجد البيتين على ظهر ذلك الكتاب كما ذكر أبو عمر، وانتهت القصة إلى ابن دريد، فلم يذكر أبا عمر بلفظة إلى أن مات.
وقال أبو القاسم عبد الواحد برهان الأسدي: لم يتكلم في علم اللغة من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمر الزاهد.
وعن أبي الفتح عبيد الله بن أحمد النحوي، قال: أنشدنا أبو العباس اليشكري في مجلس أبي عمر محمد بن عبد الواحد يمدحه:
أبو عمر أوتي من العلم مرتقى ... يزل مساميه ويردى مطاوله
فلو أنني أقسمت ما كنت كاذباً ... بأن لم ير الراءون حبراً يعادله
هو الشخت جسماً والفضائل جمة ... فأعجب بمهزول سمين فضائله
تضمن من دون الجناحين زاخراً ... تغيب على من لج فيه سواحله

إذا قلت شارفنا أواخر علمه ... تفجر حتى قلت هذي أوائله
وعن أبي علي الحاتمي أنه اعتل، فتأخر عن مجلس أبي عمر، فسأل عنه، فقيل: إنه كان عليلاً؛ فجاءه من الغد يعوده، فاتفق أنه كان قد خرج إلى الحمام، فكتب على الباب بالإسفيداج بيتاً:
وأعجب شيء سمعنا به ... عليل يعاد فلا يوجد
قال: وهو له.
ويروى عن عباس بن محمد الكلوذاني: قال: سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد يقول: ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة، فاحمدوا الله تعالى على ذلك، وسارعوا في قضاء حوائجهم ومسارهم تكافئوا عليه.
وقال أبو عبيد الله المرزباني: كان ابن ماسي ينفذ إلى أبي عمر الزاهد وقتاً بوقت كفايته، مما ينفق على نفسه، فقطع ذلك عنه مدة لعذر، ثم أنفذ إليه جملة ما كان في راتبه، وكتب إليه رقعة يعتذر إليه من تأخير ذلك، فرده وأمر بعض من كان عنده من أصحابه أن يكتب على ظهر رقعته: أكرمتنا فملكتنا، ثم أعرضت عنا فأرحتنا.
وعن محمد بن العباس بن الفرات، قال: كان مولد أبي عمر سنة إحدى وستين ومائتين.
وعن أبي الحسن محمد بن عبد الله بن رزق، قال: توفي أبو عمر الزاهد سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
قال الخطيب: والصحيح أنه توفي يوم الأحد، ودفن يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة، سنة خمس وأربعين وثلاثمائة، وذلك في خلافة المطيع لله تعالى، ودفن في الصفة التي تقابل قبر معروف الكرخي، وبينهما عرض الطريق.

نزهة الألباء في طبقات الأدباء - لكمال الدين الأنباري.

 

 

 

أبي عمر الزَّاهد :
الإِمَامُ الأَوْحدُ العَلاَّمَةُ اللُّغَوِيُّ المُحَدِّثُ, أبي عُمَرَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ بنِ أَبِي هَاشِمٍ البَغْدَادِيُّ الزَّاهِدُ, المَعْرُوف بِغُلاَمِ ثَعْلَبٍ.
وُلِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.

وَسَمِعَ مِنْ مُوْسَى بنِ سَهْل الوَشَّاء, وَأَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ النَّرْسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ الكُدَيْمِيّ, وَالحَارِثِ بنِ أَبِي أُسَامَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ زِيَاد بنِ مِهْرَانَ السِّمْسَار، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ الهَيْثَمِ البَلَدِيِّ, وَإِبْرَاهِيْم الحَرْبِيّ, وَبِشْر بنِ مُوْسَى الأَسَدِيّ, وَأَحْمَد بن سَعِيْدٍ الجَمَّال, وَمُحَمَّدِ بنِ هِشَام بن البَخْتَرِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ العَبْسِي.
وَلاَزم ثَعْلباً فِي العَرَبِيَّة, فَأَكْثَرَ عَنْهُ إِلَى الغَايَة, وَهُوَ فِي عِدَاد الشُّيُوْخ فِي الحَدِيْثِ لاَ الحُفَّاظ, وَإِنَّمَا ذكرتُهُ لِسَعَة حفظه للسان العرب، وصدقه, وعلوّ إسناده.
حدث عنه: أبي الحسن بن رزقويه, وابن مَنْدَة، وَأبي عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ، وَالقَاضِي أبي القاسم بن المُنْذِرِ، وَأبي الحُسَيْنِ بنُ بِشْرَانَ, وَالقَاضِي مُحَمَّد بنُ أَحْمَدَ ابْن المَحَامِلِيّ، وَعَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الرَّزَّاز, وَأبي الحَسَنِ الحَمَّامِي، وَأبي عَلِيٍّ بنُ شَاذَانَ, وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَقَعَ لِي أَرْبَعَة أَجزَاءٍ مِنْ حَدِيْثه.
قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ الزَّاهِد, أَنْبَأَنَا ظفر بنُ سَالِم بِبَغْدَادَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ, أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الشِّبْلِي سنَة 557, أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي عُثْمَانَ, أَخْبَرَنَا أبي الحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ القَاسِمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ, حَدَّثَنَا أبي عُمَرَ غُلاَمُ ثَعْلب, حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ سَهْل الوَشَّاء, حَدَّثَنَا أبي النَّضْر, حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ ثَابِت بن ثَوْبَان, حَدَّثَنَا حَسَّانُ بنُ عَطِيَّةَ, عَنْ أَبِي مُنيب الجُرَشِيّ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُعِثْتُ بَيْنَ يدِي السَّاعَة بِالسَّيْف حَتَّى يُعَبْدَ اللهُ وَحدَه لاَ شَرِيْكَ لَهُ، وَجَعَلَ رِزْقي تَحْتَ ظلِّ رُمحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَار عَلَى مِنْ خَالف أَمرِي, وَمن تشبَّه بقومٍ فَهُوَ مِنْهُم"
إِسْنَادُهُ صالح.
قَالَ أبي الحَسَنِ ابنُ المَرْزُبَان: كَانَ أبي مُحَمَّدٍ بنُ مَاسِي مِنْ دَار كعْب, يُنفِذُ إِلَى أَبِي عُمَرَ غُلاَم ثَعْلَب، وَقتاً بَعْد وَقت, كفَايته مَا يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ, فَقطع ذَلِكَ عَنْهُ مُدَّة؛ لعُذرٍ, ثُمَّ أَنفذَ إِلَيْهِ جُمْلَةَ مَا كَانَ فِي رَسْمه، وَكَتَبَ إِلَيْهِ يعتذرُ فردَّه, وَأَمر أَنْ يُكْتَبَ عَلَى ظهر رُقْعته: أَكْرَمْتَنَا فملكْتَنَا, ثُمَّ أَعْرضْتَ عَنَّا فَأَرَحْتَنَا.
قُلْتُ: هُوَ كَمَا قَالَ أبي عُمَرَ, لكنِّه لَمْ يُجْمِل فِي الردِّ, فَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَه بِإِحسَانِه القَدِيْمِ, فَالتملُّكُ بحَاله وَجُبر التَأخير بِمجيئه جُمْلَةً وَبَاعتذَارِه، وَلَوْ أنَّه قَالَ: وَتركتنَا فَأَعَتَقْتَنَا لكَانَ أَليَق.
قَالَ الخَطِيْبُ أبي بَكْرٍ فِي تَرْجَمَة أَبِي عُمَرَ الزَّاهِد: ابْنُ مَاسِي لاَ أَشُكُّ أَنَّهُ إِبْرَاهِيْم بنُ أَيُّوْبَ وَالد أبي محمد عبد الله.

قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عبَّاس بنُ عُمَرَ, سَمِعْتُ أَبَا عُمَرَ الزَّاهِد يَقُوْلُ: تَرْكُ قَضَاء حُقُوق الإِخْوَانِ مَذَلّة، وَفِي قَضَاء حُقُوقهُم رِفْعَة.
قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحدٍ يحكِي عَنْ أَبِي عُمَرَ أنَّ الأَشرَافَ وَالكُتَّاب كَانُوا يحضُرُوْنَ عِنْدَهُ ليسمعُوا مِنْهُ كُتب ثَعْلَب وَغيَرهَا، وَلَهُ جُزْء قَدْ جَمَع فِيْهِ فَضَائِل مُعَاوِيَة, فَكَانَ لاَ يتْرك وَاحِداً مِنْهُم يقرأُ عَلَيْهِ شَيْئاً حَتَّى يبتدِئَ بقرَاءة ذَلِكَ الجُزْء.
وَكَانَ جَمَاعَة مِنْ أَهْلِ الأَدب لاَ يوثِّقون أَبَا عُمَرَ فِي عِلْم اللغة, حتى قال لِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ أَبِي الفَتْحِ يُقَال: إنَّ أَبَا عُمَرَ كَانَ لَوْ طَارَ طَائِرٌ لقَالَ: حَدَّثَنَا ثَعْلَب, عَنِ ابْنِ الأَعْرَابِيّ, ثُمَّ يذكر شَيْئاً فِي معنَى ذَلِكَ.
فأمَّا الحَدِيْث فرَأَيْتُ جمِيعَ شُيُوْخِنَا يوثِّقونَه فِيْهِ، وحدَّثنا عَلِيُّ بنُ أَبِي عَلِيٍّ, عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَمن الرُّوَاة الَّذِيْنَ لَمْ يُرَ قَطُّ أَحْفَظ مِنْهُم أبي عُمَرَ غُلاَمُ ثَعْلَب, أَمْلَى مِنْ حِفْظِهِ ثَلاَثِيْنَ أَلفَ وَرقَة لغَةً فِيمَا بَلَغَنِي، وَجمِيعُ كُتُبه إِنَّمَا أَملاَهَا بِغَيْر تَصْنِيف, وَلِسَعَةَ حِفْظه اتُّهِمَ، وَكَانَ يُسْأَل عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي يُقدّر أَنَّ السَّائِل وَضعه, فيجيبُ عَنْهُ, ثُمَّ يَسأَله غَيْرُه بَعْد سنَةٍ, فَيُجِيب بجَوَابِه.
أُخبرت أَنَّهُ سُئِلَ عن قنطرة فَقِيْلَ: مَا هِيَ؟ فَقَالَ: كَذَا وَكَذَا, قَالَ: فتضَاحكنَا، وَلَمَّا كَانَ بَعْد شُهُور هَيَّأْنَا مَنْ سأَله عَنْهَا فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ سُئِلْتُ عَنْ هَذِهِ مُنْذُ شُهُور وَأَجَبْتُ.
قَالَ ابْنَ خَلِّكَانَ: اسْتدْرَك عَلَى "الفَصِيْح" لثَعْلب كرَّاسًا سمَّاه: فَائِت الفَصِيْح، وَلَهُ كتَاب "اليَاقُوتَة"، وكتَاب "المُوَضّح", وكتَاب "السَّاعَاتِ"، وكتَاب "يَوْم وَليلَة"، وكتَاب "الْمُسْتَحْسن", وكتَاب "الشُّوْرَى", وكتَاب "الْبيُوع", وكتَاب "تَفْسِيْر أَسْمَاء الشّعرَاء", وكتَاب "القبَائِل", وكتَاب "المكنُوْنَ وَالمكتوم", وكتَاب "التُّفَاحَة"، وكتاب "المَدَاخل" وكتَاب "فَائِت الجمهرَة"، وكتَاب "فَائِت العينِ" وَأَشيَاء.
قَالَ الخَطِيْبُ: حَكَى لِي رَئِيْسُ الرُّؤسَاءِ أبي القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ, عَمَّن حَدَّثَهُ, أنَّ أَبَا عُمَرَ الزَّاهِد كَانَ يؤدِّب وَلد أَبِي عُمَرَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ القَاضِي, فَأَملَى يَوْماً عَلَى الغُلاَم ثَلاَثِيْنَ مَسْأَلَة فِي اللُّغَة، وَختمَهَا بِبَيْتَيْنِ قَالَ: فَحَضَرَ ابْنُ دُرَيْد وَابْنُ الأَنْبَارِيّ وَأبي بَكْرٍ بنُ مِقْسَم عِنْد القَاضِي, فَعَرض عَلَيْهِم المَسَائِل فَمَا عرفُوا مِنْهَا شَيْئاً، وَأَنكرُوا الشّعر, فَقَالَ لَهُم القَاضِي: مَا تقولُوْنَ فِيْهَا? فَقَالَ ابْنُ الأَنْبَارِيّ: أَنَا مَشْغُول بِتَصْنِيف مُشكل القُرْآن, وَقَالَ ابْنُ مِقْسَم: وَذكر اشتغَاله بِالقِرَاءات, وَقَالَ ابْنُ دُرَيْد: هِيَ مِنْ وَضْع أَبِي عُمَرَ، وَلاَ أَصل لِشَيْءٍ مِنْهَا فِي اللُّغَة, فَبَلَغَ أَبَا عُمَرَ, فسَأَلَ مِنَ القَاضِي إِحضَارَ دَواوين جَمَاعَة عيَّنهُم لَهُ, فَفَتَحَ خَزَائِنه,

وَأَخْرَجَ تِلْكَ الدَّواوين, فَلَمْ يَزَلْ أبي عُمَرَ يعمِدُ إِلَى كُلِّ مَسْأَلَة وَيخرجُ لَهَا شَاهداً، وَيعرِضُهُ عَلَى القَاضِي حَتَّى تمَّمهَا, ثُمَّ قَالَ: وَالبيتَان أَنْشَدَنَاهُمَا ثَعْلب بحضرَةِ القَاضِي، وَكَتَبَهُمَا القَاضِي عَلَى ظَهْر الكِتَاب الفُلاَنِي, فَأَحضر القَاضِي الكِتَابَ فَوجَدهُمَا, وَانْتَهَى الخَبَرُ إِلَى ابْنِ دُرَيْد, فَمَا ذكر أَبَا عُمَرَ الزَّاهِد بلفظَةٍ حَتَّى مَاتَ.
ثُمَّ قَالَ رَئِيْسُ الرُّؤسَاء: وَقَدْ رَأَيْتُ أَشيَاء كَثِيْرَةً مِمَّا اسْتُنكر عَلَى أَبِي عُمَرَ، وَاتُّهِم فِيْهَا مدوَّنَةً فِي كتُب أَئِمَّة العِلْمِ، وَخَاصَّةً فِي غَرِيْب المصَنَّف لأَبِي عُبَيْد، أَوْ كَمَا قَالَ.
قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِد بن بَرهْان يَقُوْلُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي عِلْم اللُّغَة أَحدٌ مِنَ الأَوَّلين وَالآخرين أَحسنَ كَلاَماً مِنْ كَلاَمِ أَبِي عُمَرَ الزَّاهِد, قَالَ: وَلَهُ كتَاب غَرِيْبِ الحَدِيْثِ, ألَّفه عَلَى مُسْنَد أَحْمَدَ بن حَنْبَل، وَلليَشْكُرِي فِي أَبِي عُمَرَ قصيدَةٌ مِنْهَا:
فَلَو أَننِي أَقْسَمْتُ مَا كُنْتُ كَاذِباً ... بِأَنْ لَمْ يَرَ الرَّاؤون حِبْراً يُعَادِلُهْ
إِذَا قُلْتَ شَارَفْنَا أَواخِر عِلْمه ... تفجَّر حَتَّى قُلْتَ هَذَا أَوائِلُهْ
مَاتَ أبي عُمَرَ فِي ذِي القَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي

 

 

 

مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أبي هَاشم أبي عمر الْمَعْرُوف بِغُلَام ثَعْلَب سمع إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ ومُوسَى بن سهل فِي آخَرين روى عَنهُ أبي الْحسن بن رزقويه وَأبي عَليّ بن شَاذان روى أبي بكر الْبَغْدَادِيّ أَن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد قَالَ ترك قَضَاء حُقُوق الإخوان مذلة وَفِي قَضَاء حُقُوقهم رفْعَة فاحمدوا الله على ذَلِك وسارعوا فِي قَضَاء حوائجهم ومسارهم تكافئوا عَلَيْهِ وروى عَنهُ أَنه أمْلى من حفظه ثَلَاثِينَ ألف ورقة فِيمَا نقل وَجَمِيع كتبه الَّتِي فِي أَيدي النَّاس إِنَّمَا أملاها بِغَيْر تصنيف وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد أَخْبرنِي أبي عَليّ الغياضي قَالَ سَمِعت عَليّ بن الْمُوفق يَقُول كَانَ لي جَار مَجُوسِيّ فَكنت أعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَيَقُول نَحن على الْحق فَمَاتَ على الْمَجُوسِيَّة فرأيته فِي النّوم فَقلت لَهُ مَا الْخَبَر فَقَالَ نَحن قوم فِي قَعْر جَهَنَّم قَالَ قلت تحتكم قوم قَالَ نعم قوم مِنْكُم قَالَ قلت من أَي الطوائف منا قَالَ الَّذين يَقُولُونَ الْقُرْآن مَخْلُوق مَاتَ فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة

المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد - إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبي إسحاق، برهان الدين.

 

 

 

محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عمر البغويّ الزاهد، المعروف بغلام ثعلب:
سمع أحمد بن عبيد النرسي، وموسى بن سهل الوشاء، وأحمد بن عبيد الجمال، وإبراهيم بن الهيثم البلدي، وأبا العباس الكديمي، وبشر بن موسى الأسدي، ونحوهم.
حَدَّثَنَا عنه أبو الحسن بن رزقويه، والقاضي أَبُو الْقَاسِمِ بن المنذر، وأبو الحسين بن بشران، وعبد العزيز بن محمّد الشروي، وعلي بْن أَحْمَد الرزاز، وأبو علي بْن شاذان، آخر من حدّثنا عنه.
أَخْبَرَنِي عبد الصمد بن محمد الخطيب، حَدَّثَنَا الحسن بن الحسين الهمداني الفقيه قَالَ: سمعت أبا الحسن بن المرزبان يقول: كان ابن ماسي من دار كعب ينفذ إلى أبي عمر غلام ثعلب وقتا بعد وقت كفايته لما ينفق على نفسه، فقطع ذلك عنه مدة لعذر، ثم أنفذ إليه بعد ذلك جملة ما كان في رسمه، وكتب إليه رقعة يعتذر إليه من تأخير ذلك عنه. فرده وأمر من بين يديه أن يكتب على ظهر رقعته: أكرمتنا فملكتنا، ثم أعرضت عنا فأرحتنا. لا أشك أن ابن ماسي هو إبراهيم بن أيوب والد أبي محمد، والله أعلم.
حدّثني علي بن المحسن، حَدَّثَنَا أبو علي محمد بن الحسن الحاتمي أنه اعتل فتأخر عن مجلس أبي عمر الزاهد قَالَ: فسأل عني لما تراخت الأيام. فقيل له: إنه كان عليلا، فجاءني من الغد يعودني، فاتفق أن كنت قد خرجت من داري إلى الحمام فكتب بخطه على بابي باسفيداج:
وأعجب شيء سمعنا به ... عليل يعاد فلا يوجد!!
وهو له.
أَخْبَرَنِي عباس بن محمد الكلوذاني قَالَ: سمعت أبا عُمَر مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد غلام ثعلب يقول: ترك قضاء حقوق الإخوان مذلة، وفي قضاء حقوقهم رفعة، فاحمدوا الله على ذلك، وسارعوا في قضاء حوائجهم ومسارهم، تكافئوا عليه.

سمعت غير واحد يحكي عن أبي عمر الزاهد: أن الأشراف والكتاب وأهل الأدب كانوا يحضرون عنده ليسمعوا منه، كتب ثعلب وغيرها. وكان له جزء قد جمع فيه الأحاديث التي تروى في فضائل معاوية، فكان لا يترك واحدا منهم يقرأ عليه شيئا حتى يبتدئ بقراءة ذلك الجزء، ثم يقرأ عليه بعده ما قصد له، وكان جماعة من أهل الأدب يطعنون على أبي عمر ولا يوثقونه في علم اللغة.
حتى قَالَ لي عبيد الله بن أبي الفتح: يقال إن أبا عمر لو كان طار طائر لقال حَدَّثَنَا ثعلب عن ابن الأعرابي ويذكر في معنى ذلك شيئا، فأما الحديث فرأينا جميع شيوخنا يوثقونه فيه ويصدقونه.
حَدَّثَنَا علي بن أبي علي عن أبيه قَالَ: ومن الرواة الذين لم نر قط أحفظ منهم؛ أبو عمر محمد بن عبد الواحد المعروف بغلام ثعلب أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة فيما بلغني، وجميع كتبه التي في أيدي الناس إنما أملاها بغير تصنيف، ولسعة حفظه اتهم بالكذب. وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر السائل أنه قد وضعه فيجيب عنه، ثم يسأله غيره عنه بعد سنة على مواطأة فيجيب بذلك الجواب بعينه.
أَخْبَرَنِي بعض أهل بغداد. قَالَ: كنا نجتاز على قنطرة الصراة نمضي إليه مع جماعة فتذاكروا كذبه. فقال بعضهم: أنا أصحف له القنطرة وأسأله عنها فإنه يجيب بشيء آخر، فلما صرنا بين يديه قَالَ له: أيها الشيخ ما القنطرة عند العرب؟ فقال: كذا وذكر شيئا قد أنسينا ما قال؛ فتضحاكنا وأتممنا المجلس وانصرفنا، فلما كان بعد شهور ذكرنا الحديث فوضعنا رجلا غير ذلك فسأله فقال: ما القنطرة؟ فقال: أليس قد سئلت عن هذه المسألة منذ كذا وكذا شهرا فقلت: هي كذا. قَالَ: فما درينا في أي الأمرين نعجب، في ذكائه إن كان علما فهو اتساع طريق، أو كان كذبا عمله في الحال ثم قد حفظه، فلما سئل عنه ذكر الوقت والمسألة فأجاب بذلك الجواب فهو أظرف.
قَالَ أبي: وكان معز الدولة قد قلد شرطة بغداد غلاما مملوكا تركيا يعرف بخواجا، فبلغ أبا عمر الخبر وكان يملى كتاب الياقوتة، فلما جاءوه قَالَ: اكتبوا ياقوتة خواجا، الخواج في أصل لغة العرب الجوع ثم فرع على هذا بابا وأملاه، فاستعظم الناس ذلك من كذبه وتتبعوه.
فقال لي أبو علي الحاتمي وهو من بعض أصحابه: أخرجنا في «أمالي الحامض» عن ثعلب عن ابن الأعرابي؛ الخواج الجوع، وهو أَخْبَرَنِي هذا الخبر.

حكى لي رئيس الرؤساء، شرف الوزراء أبو القاسم علي بن الحسن عمن حدثه أن أبا عمر الزاهد كان يؤدب ولد القاضي أبي عمر محمد بن يوسف، فأملى يوما على الغلام نحوا من ثلاثين مسألة في اللغة وذكر غريبها؛ وختمها ببيتين من الشعر؛ وحضر أبو بكر بن دريد؛ وأبو بكر بن الأنباريّ؛ وأبو بكر بن مقسم عن أبي عمر القاضي. فعرض عليهم تلك المسائل فما عرفوا منها شيئا وأنكروا الشعر. فقال لهم القاضي: ما تقولون فيها؟ فقال له ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن ولست أقول شيئا. وقال ابن مقسم في ذلك: واحتج باشتغاله بالقراءات وَقَالَ ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات أبي عمر ولا أصل لشيء منها في اللغة. وانصرفوا، وبلغ أبا عمر ذلك فاجتمع مع القاضي وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عينهم له ففتح القاضي خزائنه وأخرج له تلك الدواوين، فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة ويخرج لها شاهدا من بعض تلك الدواوين ويعرضه على القاضي حتى استوفى جميعا. ثم قال: وهذان البيتان أنشدنا هما ثعلب بحضرة القاضي وكتبهما القاضي بخطه على ظهر الكتاب الفلاني، فأحضر القاضي الكتاب فوجد البيتين على ظهره بخطه كما ذكر أبو عمر؛ فانتهت القصة إلى ابن دريد؛ فلم يذكر أبا عمر بلفظةٍ حتى مات. قَالَ رئيس الرؤساء: أشياء كثيرة مما استنكر على أبي عمر ونسب إلى الكذب فيها مدونة في كتب أئمة أهل العلم؛ وخاصة في غريب المصنف لأبي عبيد؛ أو كما قَالَ.
سمعت أبا القاسم عَبْد الواحد بْن علي بْن برهان الأسدي يقول: لم يتكلم في علم اللغة أحد من الأولين والآخرين أحسن من كلام أبي عمر الزاهد. قَالَ: وله كتاب في غريب الحديث؛ صنفه على مسند أحمد بن حنبل وجعل يستحسنه جدا.
بلغني عَن أَبِي الفتح عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد النحوي قَالَ: أنشدنا أبو العبّاس اليشكري في محاسن أبي عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي يمدحه:
أبو عمر أوفى من العلم مرتقى ... يذل مساميه ويردي مطاوله
فلو أنني أقسمت ما كنت كاذبا ... بأن لم ير الراءون حبرا يعادله
هو السحب جسما والفضائل جمة ... فأعجب بمهزول سمين فضائله
تضمن من دون الحناجر زاخرا ... تغيب على من لج فيه سواحله
إذا قلت شارفنا أواخر علمه ... تفجّر حتى قلت هذى أوائله

حدثت عَنْ مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن الفرات: أن مولد أبي عمر الزاهد في سنة إحدى وستين ومائتين.
سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَن مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق يقول: توفي أبو عمر الزاهد في سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وهذا القول وهم.
والصواب ما حَدَّثَنَا أَبُو الْحُسَيْن مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الفضل القطان إملاء. قَالَ:
توفي أبو عمر الزاهد في يوم الأحد ودفن في يوم الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس وأربعين وثلاثمائة.
قلت: ودفن في الصفة التي دفن فيها بعده أبو بكر الأدمي القارئ، وهو مقابلة قبر معروف الكرخي، بينهما عرض الطريق

ــ تاريخ بغداد وذيوله للخطيب البغدادي ــ.

 

 

 

مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أَبِي هَاشم أ أَبِي عمر اللغوي الْمَعْرُوف بِغُلَام ثَعْلَب
ولد سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ
سمع الحَدِيث من مُوسَى بن سهل الوشاء وَمُحَمّد بن يُونُس الكديمى وَأحمد بن عبيد الله النرسى وَإِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم البلدى وَأحمد بن سعيد الْجمال وَبشر بن مُوسَى الأسدى وَجَمَاعَة
روى عَنهُ أَبُو عبد الله الْحَاكِم وَأَبُو الْحسن بن رزقويه وَأَبُو الْحُسَيْن بن بَشرَان وَأحمد ابْن عبد الله المحاملى وَأَبُو على بن شَاذان وَهُوَ آخر من حدث عَنهُ

روى الْخَطِيب أَن ابْن الْمَرْزُبَان قَالَ كَانَ ابْن ماسى من دَار كَعْب ينفذ إِلَى غُلَام ثَعْلَب وقتا بعد وَقت كِفَايَته لما ينْفق على نَفسه فَقطع عَنهُ ذَلِك مُدَّة لعذرثم أنفذ إِلَيْهِ جملَة مَا كَانَ فى رسمه وَكتب إِلَيْهِ رقْعَة يعْتَذر من تَأْخِير ذَلِك فَرده وَأمر من بَين يَدَيْهِ أَن يكْتب على ظهر رقعته أكرمتنا فملكتنا ثمَّ أَعرَضت عَنَّا فأرحتنا
قَالَ الْخَطِيب سَمِعت غير وَاحِد يحْكى أَن الْأَشْرَاف وَالْكتاب وَأهل الْأَدَب كَانُوا يحْضرُون عِنْد أَبى عمر الزَّاهِد ليسمعوا مِنْهُ كتب ثَعْلَب وَغَيرهَا
قَالَ وَكَانَ جَمِيع شُيُوخنَا يوثقونه فِي الحَدِيث
وَقَالَ أَبُو على التنوخى من الروَاة الَّذين لم ير قطّ أحفظ مِنْهُم أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب أمْلى من حفظه ثَلَاثِينَ ألف ورقة فِيمَا بلغنى حَتَّى اتَّهَمُوهُ لسعة حفظه فَكَانَ يسْأَل عَن الشئ الذى يظنّ السَّائِل أَنه قد وَضعه فَيُجِيبهُ عَنهُ ثمَّ يسْأَله غَيره عَنهُ بعد سنة فيجيب بذلك الْجَواب
وَقَالَ عبد الْوَاحِد بن على بن برهَان لم يتَكَلَّم فى اللُّغَة أحد أحسن من كَلَام أَبى عمر الزَّاهِد
قَالَ وَله كتاب غَرِيب الحَدِيث صنفه على مُسْند أَحْمد
وَنقل أَن صناعَة أَبى عمر كَانَت التطريز وَكَانَ اشْتِغَاله بِالْعلمِ قد مَنعه من التكسب فَلم يزل مضيقا عَلَيْهِ
وَله من التصانيف غَرِيب الحَدِيث وَكتاب الياقوتة وفائت الفصيح والعشرات والشورى وَتَفْسِير أَسمَاء الشُّعَرَاء وَكتاب الْقَبَائِل وَكتاب النَّوَادِر وَكتاب يَوْم وَلَيْلَة وَغير ذَلِك

وَفِيه يَقُول أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد اليشكرى
(أَبُو عمر أوفى من الْعلم مرتقى ... يزل مساميه ويردى مطاوله)
(فَلَو أننى أَقْسَمت مَا كنت كَاذِبًا ... بِأَن لم ير الراؤون بحرا يعادله)
(إِذا قلت شارفنا أَوَاخِر علمه ... تفجر حَتَّى قلت هَذَا أَوَائِله)
واتفقت لَهُ غَرِيبَة مَعَ القاضى أَبى عمر وَكَانَ أَبُو عمر غُلَام ثَعْلَب مؤدب ولد القاضى أَبى عمر فأملى ثَلَاثِينَ مَسْأَلَة بشواهدها وأدلتها من كَلَام الْعَرَب وَاسْتشْهدَ فى تضاعيفها ببيتين غريبين جدا فعرضهما القاضى أَبُو عمر على ابْن دُرَيْد وَابْن الأنبارى وَابْن مقسم فَلم يعرفوهما وَلَا عرفُوا غَالب مَا ذكر من الأبيات وَقَالَ ابْن دُرَيْد هَذَا مِمَّا وَضعه أَبُو عمر من عِنْده
فَلَمَّا جَاءَ أَبُو عمر ذكر لَهُ القاضى مَا قَالَ ابْن دُرَيْد فَطلب من القاضى أَن يحضر لَهُ مَا فى دَاره من دواوين الْعَرَب فَلم يزل يَأْتِيهِ بِشَاهِد لما ذكره بعد شَاهد حَتَّى خرج من الثَّلَاثِينَ مَسْأَلَة ثمَّ قَالَ وَأما البيتان فَإِن ثعلبا أنشدناهما وَأَنت حَاضر فكتبتهما فى دفترك فَطلب القاضى دفتره فَإِذا هما فِيهِ
فَلَمَّا بلغ ذَلِك ابْن دُرَيْد كف لِسَانه عَن أَبى عمر الزَّاهِد حَتَّى مَاتَ
توفى فى ثَالِث عشر ذى الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة بِبَغْدَاد

طبقات الشافعية الكبرى للإمام السبكي

 

 

 

أَبُو عمر الزَّاهِد الْحَافِظ الْعَلامَة اللّغَوِيّ مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بن أبي هَاشم الْبَغْدَادِيّ

غُلَام ثَعْلَب
سمع إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم الْبَلَدِي وَمِنْه الْحَاكِم وَابْن مَنْدَه
قَالَ أَبُو عَليّ لم ير أحفظ مِنْهُ أمْلى من حفظه ثَلَاثِينَ ألف ورقة لُغَة وَجَمِيع كتبه أملاها من حفظه ولسعة حفظه اتهمَ
ولد سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَات فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَأَرْبَعين وثلاثمائة
قلت تَرْجَمته مبسوطة فِي طَبَقَات النُّحَاة واللغويين

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

 

 

مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد بْن أبي هَاشم، أَبُو عمر اللّغَوِيّ، الْمَعْرُوف ب: غُلَام ثَعْلَب.
سمع الحَدِيث وَرَوَاهُ، وَمن مشايخه فِيهِ: إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم الْبَلَدِي، وَبشر بن مُوسَى الْأَسدي، والكديمي، وأضرابهم
حدث عَنهُ غير وَاحِد: أَبُو الْحُسَيْن ابْن بَشرَان، وَأَبُو عَليّ ابْن شَاذان وَابْن زرقويه، وَغَيرهم.
وروى الْخَطِيب بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن الْمَرْزُبَان قَالَ: كَانَ ابْن ماسي من دَار كَعْب ينفذ إِلَى أبي عمر غُلَام ثَعْلَب وقتا بعد وَقت كِفَايَته لما ينْفق على نَفسه، فَقطع عَنهُ ذَلِك مُدَّة لعذر، ثمَّ أنفذ إِلَيْهِ بعد ذَلِك جملَة مَا كَانَ فِي رسمه، وَكتب إِلَيْهِ رقْعَة يعْتَذر إِلَيْهِ من تَأْخِير ذَلِك عَنهُ، فَرده، وَأمر من بَين يَدَيْهِ أَن يكْتب على ظهر رقعته: أكرمتنا فملكتنا، ثمَّ أَعرَضت عَنَّا فأرحتنا.
قَالَ الْخَطِيب: لَا أَشك أَن ابْن ماسي هُوَ إِبْرَاهِيم بن أَيُّوب وَالِد أبي مُحَمَّد، وَالله أعلم.
توفّي أَبُو عمر سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَلَاث مئة بِبَغْدَاد فِي ذِي الْقعدَة، ومولده كَانَ فِي سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ ومئتين.
قَالَ الْحَاكِم: سَمِعت أَبَا مُحَمَّد المأموني يَقُول: سَمِعت أَبَا عمر الزَّاهِد ينشد للشَّافِعِيّ رَحْمَة الله عَلَيْهِ:
(وَإِذا سَمِعت بِأَن مجدودا حوى ... عودا فأثمر فِي يَدَيْهِ فَصدق)

(وَإِذا سَمِعت بِأَن مجدودا أَتَى ... مَاء ليشربه فغاص فحقق)

(وَمن الدَّلِيل على الْقَضَاء وَكَونه ... بؤس اللبيب وَطيب عَيْش الأحمق)

قَالَ أَبُو عمر فِي كِتَابه فِي " شرح الفصيح ": سَأَلَ أَبُو مُوسَى سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن الحامض ثعلبا عَن قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ، وَأَنا أسمع: فَإِن أشلى كَلْبه، أَي شَيْء مَعْنَاهُ؟ قَالَ: دَعَاهُ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس: وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِي ب: أشلي، لَيْسَ الْملك، وَلَا الكلابذي، وَإِنَّمَا يُقَال للرئيس الَّذِي يَأْمُرهُ الْملك إِذا رأى صيدا قَالَ للكلابذي: أشل كلبك - أَي: ادْعُه إِلَيْك - ثمَّ يَقُول للرئيس: آسده؛ أَي: فقد أصَاب إِن أَرَادَ هَذَا الْمَعْنى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ عتب، فَإِن عبر أَصْحَابه أَنه هُوَ الَّذِي يشلي - أَي: يُرْسل - فقد أخطؤوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى فِي عقب هَذَا وثعلب يسمع: لَو قَالَ الشَّافِعِي للقبط: فَإِن آسد كَلْبه، لم يعلمُوا مَا يَقُول، فَقَالَ: أشلى، لِأَنَّهَا كلمة يعرفهَا الْخَاصَّة والعامة، وَهِي: الدُّعَاء، فَتكون من الْعَاميّ: دَعَوْت، وَمن الخاصي: دَعَوْت، فالخاصي يَقُول لصَاحبه: أشل كلب فلَان - أَي: ادْعُه إِلَيّ - فَإِذا دَعَاهُ إِلَيْهِ آسده هُوَ على الصَّيْد.
هَذَا من اعتناء أبي عمر بالذب عَن الشَّافِعِي، حَيْثُ أودع مثل هَذَا كتاب لُغَة لَيْسَ ذَلِك من مَوْضُوعه بسبيل.

-طبقات الفقهاء الشافعية - لابن الصلاح-

 

 

 

محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عمر الزاهد المطرز الباوَرْدي، المعروف بغلام ثعلب:
أحد أئمة اللغة، المكثرين من التصنيف. كانت صناعته تطريز الثياب. نسبته إلى باورد (وهي أبيورد، بخراسان) صحب ثعلبا النحويّ زمانا حتى لقب (غلام ثعلب) وتوفي ببغداد. أملى من حفظه في اللغة نحو ثلاثين ألف ورقة.
من كتبه (الياقوتة - خ) رسالة في غريب القرآن، و (فضائل معاوية) و (غريب الحديث) صنفه على مسند أحمد، و (جزء في الحديث والأدب - ط) نشر في مجلة المجمع العلمي العربيّ، و (تفسير أسماء الشعراء) و (المداخل - ط) في اللغة، رسالة نشرت في مجلة المجمع، و (القبائل) و (يوم وليلة) و (أخبار العرب - خ) و (العشرات - خ) واستدرك على فصيح ثعلب والعين والجمهرة، فألحق بكل منها جزءا لطيفا .

-الاعلام للزركلي-