ألطنبغا الجاولي علاء الدين
تاريخ الوفاة | 744 هـ |
مكان الوفاة | دمشق - سوريا |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
ألطُنْبُغا علاء الدين الجاوُلي.
هو مملوك ابن باخِل. كان عند الأمير علم الدين سَنْجَر الجاوْلي دواداراً لما كان في غزة أولاً نائباً، وكان يحبّه ويدنيه ويقرِّبه، ويبالغ في الإنعام عليه، والإحسان إليه.
وكان إقطاعه عنده يعمل عشرين ألف درهم خارجاً عمّا يبرّه، ويعطيه ويأخذه هو من منفوع الدوادارية.
قال لي: امتدحت الأمين الأمير مرة بقصيدة كانت ستين بيتاً، فأمر لي لكل بيت بدينار. وقال لي: لو كانت مئة ألف كانت مئة.
أخبرني من أثق بقوله: أنه كان في إصطبله تسعة سَرْجاً زرجونيّاً.
ولما شُنِّع على الجاولي أن إقطاعات مماليكه ثلاثون ألفاً وعشرون ألفاً راكَ الأخباز، وأعطى ألطنبغا المذكور إقطاعاً دون ما كان بيده أولاً، فتركه ومضى إلى مصر بغير رضى الأمير علم الدين، فراعى الناس خاطر مخدومه ولم يجسر أحد على أن يستخدمه، فأقام في مصر مدة زمانية ينفق من حاصله، ثم حضر إلى صفد، فأقبل عليه الحاج أرقطاي نائبها إقبالاً كثيراً، وكتب له مُرَبَّعة بإقطاع، وتوجّه بها إلى مصر، فخرج عنه، فعاد وجاء إلى دمشق وامتدح الأمير سيف الدين تنكز، ومدح ناصر الدين الدوادار وناصر الدين الخزندار بقصيدة أولها:
قد أيّد الرحمنُ ملَّةَ أحمد ... بالناصريْن محمدٍ ومحمدِ
فتوسَّطا له عند مخدومهما فأعطاه إقطاعاً في حلقة دمشق، وكان أمره أحد الأسباب التي أوقعت بين تنكز والجاوليّ، وبقي ألطنبغا بدمشق مقيماً، وأُمسك الجاوْليّ، وأقام في الاعتقال مدة، ولمّا أُفرِج عنه توجّه إليه ألطنبغا وخدمه مدة، ثم إنه أخرجه إلى دمشق في أيام الأمير علاء الدين ألطنبغا، وجعله من جهته مشداً على الوقف المنصوري.
واجتمعتُ به كثيراً والقاهرة ودمشق، وبيني وبينه مكاتبات ومجاراة ومطارحات ومباراة؛ لأنه كان ينظم الدُّرّ شعراً، ويُباهي به النَّثْرة والشعْرى، قد جوَّد المقاطيع، وأبرزها كأزهار الربيع، ولكن قصائده دوَّنها في الطبقة، وبروقها ليست في سماء الإجادة مؤتلقة.
وكان يتمذهب للشافعي، وله اجتماع بالشيخ صدر الدين محمد بن الوكيل وغيره من فضلاء العصر، ويبحث جيّداً، ولم يكن عن طرائق الفضل متحيداً. وعقيدته للأشعري منسوبة وفي عداد أصحابه محسوبة.
ولما توجه معي إلى الشيخ تقي الدين بن تيميه سال ذهنه إليه، وأقبل بجملته عليه، ومال إلى قوله، ودار من حوله. ثم إنه بعد فراقه تراجع عنه إلا بقايا، وادكر غدوات قربه والعشايا.
وكان وجهاً في حسنه بديعاً، ومحيا يذر قلب ناظره صريعاً، مديد القامة، يرهي على بدر وجهه من شعره ظلامة. وكان بالكيمياء مغرى، قد أنفق فيها مالاً ودهراً. وخرج من الدنيا رحمة الله تعالى وهو يرى كفه صفراً.
وكان صحيحاً وده، منحك إخلاصه لا يرده، قل من صحبته فأنصفني مثله في الحضور والغيبة، لا أسمع منه كلمة جفاء، ولا يبلغني عنه غيبة. ولم يزل شملي به مجموعاً، وقولي عنده، كنا أمره عندي مسموعاً. إلى أن استقى على غير ظما. وصافحه في قبره الحور وملائكة السَّما.
وتوفي رحمه الله تعالى بعلة الاستسقاء في شهر ربيع الأول، ثامنه، سنة أربع وأربعين وسبع مئة.
كتب إلي وقد وردت القاهرة سنة ست وثلاثين وسبع مئة:
إليكَ صلاح الدين أُهدي تحيّةً ... كنشرِ عبيرٍ في الجُيوب إذا فُضَّا
ومِن عَجَبي أنّ الديارَ قريبةٌ ... وما فُزتُ منكمْ بالوِداد الذي أرضى
فمِنْ بعدكم قلبي تألَّف بالأسى ... ومِنْ بَعْدكم لم أدْرِ نوماً ولا غَمْضا
وإني على العهد الذي تعهدونه ... مقيماً أرى حفظ الوِداد لكَم فَرْضا
وأقسمَ قلبي لا يقرُّ قرارهُ ... ولا يرعوي حتى يرى بعضنّا بعضا
فكتبتُ أنا الجواب إليه ارتجالاً:
أيا جيرةً قد عُوّدوا والإغْضَا ... وحبُّهُمُ قدْ مازَجَ الروحَ والأعْضَا
وحقّكم ما أهملَ العبدُ خِدمةً ... لكُمْ وَجَبتْ لكنّها بَعْد ذا تُقْضى
أأنسى جَميلاً منكُم قَدْ ألِفتَهُ ... وحُسْنَ وِدادٍ يُشبّه الزَّهرَ الغَضّا
ولُطفاً يحاكي نَسْمَةَ الروضِ سُحْرةً ... فإنّ لها في العاشقِ البَسْطَ والقَبْضا
وأيام لهوٍ قَدْ تقضَّتْ بقُربكم ... نُداوي بها من دَهْرنا أنفُساً مَرْضى
ألا خفّفوا مِنْ عتبكم عن محبِّكم ... فذاكَ ضعيفٌ لا يُطيق به نَهْضا
فلا بُدَّ أنْ يأتي ويذكُرَ عُذْرَهُ ... فإنْ تقبلوه رحمةً قبَّل الأرضا
وأنشدني يوماً لنفسه:
انهلّ أدمعها دُرّاً وفي فمها ... دُرٌّ وبينهما فَرْقٌ وتمثالُ
لأنّ ذا جامدٌ في الثغر منتظَم ... وذاك منتثِرٌ في الخدّ سيّالُ
فأنشدته أنا لنفسي:
غانيةً في فمها جَوهرٌ ... بمثله تبكي هوىً هائلا
فراح ذا في نظمه واقفاً ... ولاحَ ذا مع نثره سائلا
وأنشدني لنفسه أيضاً:
وسُودٍ صَيَّرتْها السودُ بيضاً ... فلا تطلُبْ من الأيام بيْضا
فبعد السود ترجو البيضَ ظلماً ... وقد سلّتْ عليها السود بيْضَا
وأنشدته أنا لنفسي:
عجبتُ لدهرٍ سرّني زمنَ الصِّبا ... وكدَّرَ عَيْشي بالمشيب انتفاضُهُ
فبيَّض عُمْري من شبابي سواده ... وسَوَّد دهري من مشيبي بياضُهُ
وكتبتُ أنا إليه من صفد وهو بدمشق أتشوّق إليه في سنة ثماني عشرة وسبع مئة من جُملة قصيدة:
بالله يا بارقاً من قاسيون بَدَت ... أعلامُه خافقاتٍ في دَياجيه
قِفْ لي بتلك الربا إن شئت تُسعفني ... وأنْشُد فؤادَ شَجٍ قَدْ عَزَّ فاديه
ونبّه الوُرْقَ والظلماءُ عاكِفةٌ ... ليلاً لتحكي نُواحي في نواحيه
وخُذ أحاديث ما ترويه من خبرٍ ... وحالُ جسمي ضنىً إن كنت تحكيه
وقُلْ قضى نحبَه العاني أسىً وجوىً ... وما قضى ما ترجّى من أمانيه
كأنما مرَّ عَيشٌ كان غانية ... تُجلى بكم ولآليها لياليه
أحبابَنا إن تمادى البُعد واتّصلت ... أيّامه واستقلّت في تراخيه
فلا تضُّنوا على المُضْنى بطيفكم ... ففيه للوَالِه المشتاقِ ما فيه
يكفيه أنْ زارهُ طيفُ الخيال ولا ... يكفيه منكم بلى والله يكفيه
فالصَّبُّ إن عاقت الأيام مطلَبهُ ... يَرضى بدون المنى أو ما يدانيه
أعيان العصر وأعوان النصر- صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (المتوفى: 764هـ).
ألطنبغا علاء الدين الجاولي، من المماليك:
شاعر تفوّق بلعب الرمح والفروسية والشطرنج. كان حسن الصورة نادرا " في أبناء جنسه بذكائه. له شعر رقيق، قصائد ومقطعات.
ودرس الفقه. وكان عند الأمير علم الدين الجاولي في غزة. وتنقلت به الأحوال حتى صار أحد أمراء الجند في دمشق. وتوفي بها .
-الاعلام للزركلي-