النضر بن شميل
حكى محمد بن ناصح الأهوازي، قال: حدثني النضر بن شميل المازني، قال: كنت أدخل على المأمون في سمره، فدخلت [عليه] ذات ليلة، وعلي قميص مرقوع، فقال: يا نضر، ما هذا القشف حتى تدخل على أمير المؤمنين في هذه الخلقان! قلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ ضعيف، وحر مرو شديد، فأتبرد بهذه الخلقان، فقال: ولكنك قشف. ثم أجرينا الحديث فأجرى هو ذكر النساء، فقال: حدثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيها سداد من عوز"، فأورده بفتح السين، قال: قلت: صدق يا أمير المؤمنين هشيم؛ حدثنا عوف بن أبي جميلة، عن الحسن، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا تزوج الرجل المرأة لدينه وجمالها كان فيها سِداد من عوز"، قال: وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً، وقال: يا نضر، كيف قلت: سداد؟ قلت: نعم، لأن السداد هاهنا لحن، قال: أو تلحنني! قلت: إنما لحن هشيم - وكان لحاناً - فتبع أمير المؤمنين لفظه. قال: فما الفرق بينهما؟ قلت: السداد بالفتح: القصد في الدين والسبيل، والسداد بالكسر: البلغة، وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد، قال: أو تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
فقال له المأمون: قبح الله تعالى من لا أدب له! وأطرق ملياً ثم قال: ما مالك يا نضر؟ قلت: أريضة لي بمرو أتصابها وأتمزرها؛ أي أشرب صبابتها، قال: أفلا أفيدك مالا [معها] ؟ قلت: إني إلى ذلك لمحتاج، ثم قال: فأخذ القرطاس وأنا لا أدري ما يكتب، ثم قال: كيف تقول إذا أمرت من "يترب"؟ قال: أتربه. قال: فهو ماذا؟ قلت: فهو مترب، قال: فمن الطين؟ قلت: طنه، قال: فهو ماذا؟ قلت: مطين، قال: هذا أحسن من الأولى؛ ثم قال: يا غلام أتربه وطنه، ثم صلى بنا العشاء، وقال لخادمه: تبلغ معه إلى الفضل بن سهل؛ قال: فلما قرأ الفضل بن سهل الكتاب، قال: يا نضر، أمير المؤمنين قد أمر لك بخمسين ألف درهم، فما كان السبب فيه؟ فأخبرته ولم أكثر به، فقال: لحنت أمير المؤمنين! قلت: كلا؛ إنما لحن هشيم - وكان لحانة - فتبع أمير المؤمنين لفظه، وقد تتبع ألفاظ الفقهاء ورواة الآثار. ثم أمر لي الفضل من خاصته بثلاثين ألف درهم، فأخذت ألف درهم بحرف استفيد مني.
ويحكى أن النضر مرض، فدخل عليه قوم يعودونه، فقال له رجل يكنى أبا صالح: مسح الله تعالى ما بك، فقال: لا تقل "مسح" بالسين، ولكن قل: "مصح" بالصاد، أي أذهبه الله تعالى وفرقه، أما سمعت قول الشاعر:
وإذا ما الخمر فيها أزبدت ... أفل الإزباد فيها ومصح
فقال له الرجل: إن السين قد تبدل من الصاد، كما يقال: الصراط والسراط وصقر وسقر، فقال له: فإذا أنت "أبو صالح"! وتوفي النضر سنة ثلاث - أو أربع - ومائتين، في خلافة المأمون.
النضر بن شميل بن خرشة بن زيد بن كُلْثُوْمِ بنِ عَنَزَةَ بنِ زُهَيْرِ بنِ عَمْرِو بنِ حُجْرِ بنِ خُزَاعِيِّ بنِ مَازِنِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيْمٍ، وَقِيْلَ: إِنَّ يَزِيْدَ بَدَلَ زَيْدٍ بنِ كُلْثُوْمِ بنِ عَنَزَةَ بنِ عُرْوَةَ بنِ جُلْهمَةَ بنِ جَحْدَرِ بنِ خُزَاعِيِّ بنِ مَازِنِ بنِ مَالِكِ بنِ عَمْرِو بنِ تَمِيْمِ بنِ مُرِّ بنِ أُدِّ بنِ طَابِخَةَ. العَلاَّمَةُ الإِمَامُ الحَافِظُ أبي الحَسَنِ المَازِنِيُّ، البَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ، نَزِيْلُ مَرْوَ وَعَالِمُهَا.
وُلِدَ فِي حُدُوْدِ سَنَةِ اثنتين وعشرين ومائة.
وَحَدَّثَ عَنْ: هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، وَعُثْمَانَ بنِ غِيَاثٍ وَأَشْعَثَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ الحُمْرَانِيِّ، وَبَهْزِ بنِ حَكِيْمٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، وَهِشَامِ بنِ حَسَّانٍ وَالهِرْمَاسِ بنِ حَبِيْبٍ، وَالنَّهَاسِ بنِ قَهْمٍ وَعَوْفٍ الأَعْرَابِيِّ، وَابْنِ عَوْنٍ، وَحُمَيْدٍ الطَّوِيْلِ، وَأَبِي نَعَامَةَ العَدَوِيِّ وَابْنِ أَبِي عَرُوْبَةَ وَدَاوُدَ بنِ أَبِي الفُرَاتِ، وَعَبَّادِ بنِ مَنْصُوْرٍ، وَكَهْمَسٍ وَشُعْبَةَ وَالمَسْعُوْدِيِّ، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَعَنْهُ: يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْه وَإِسْحَاقُ الكَوْسَجُ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الرِّبَاطِيُّ، وَالحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، وَرَجَاءُ بنُ مُرَجَّى، وَسُلَيْمَانُ بنُ سَلْمٍ المَصَاحِفِيُّ، وَبَيَانُ بنُ عَمْرٍو البُخَارِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بن معبد السنجي وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنَيْرٍ المَرْوَزِيُّ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ السَّرَخْسِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الذُّهْلِيُّ وَمُحَمَّدُ بنُ رَافِعٍ القُشَيْرِيُّ وَمَحْمُوْدُ بنُ غَيْلاَنَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ وَأُمَمٌ سِوَاهُم.
وَثَّقَهُ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ أبي حَاتِمٍ: ثِقَةٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ.
حَمْدُوَيْه بنُ مُحَمَّدٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بنِ خَاقَانَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ المُبَارَكِ عَنِ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، فَقَالَ: دُرَّةٌ بَيْنَ مَرْوَيْنِ ضَائِعَةٌ يَعْنِي: كُورَةَ مَرْوَ، وَكُورَةَ مرو الروذ.
قَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ المُبَارَكِ سُئِلَ عَنِ النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ، فَقَالَ: ذَاكَ أَحَدُ الأَحَدَيْنِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الخَلِيْلِ بنِ أَحْمَدَ يُدَانِيْه. ثُمَّ قَالَ العَبَّاسُ: كَانَ النَّضْرُ إِمَاماً فِي العَرَبِيَّةِ وَالحَدِيْثِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ السُّنَّةَ بِمَرْوَ وَجَمِيْعِ خُرَاسَانَ، وَكَانَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْ شُعْبَةَ وَخَرَّجَ كُتُباً كَثِيْرَةً لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهَا أَحَدٌ، وَلِيَ قَضَاءَ مَرْوَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ يَقُوْلُ: فِي كِتَابِ الخَلِيْلِ كَذَا وَكَذَا مَسْأَلَةُ كُفْرٍ.
وَقَالَ العَبَّاسُ بنُ مُصْعَبٍ: سُئِلَ النَّضْرُ عَنِ الكِتَابِ الَّذِي يُنسَبُ إِلَى الخَلِيْلِ، وَيُقَالُ لَهُ: كِتَابُ العَيْنِ فَأَنْكَرَهُ. فَقِيْلَ لَهُ: لَعَلَّهُ أَلَّفَه بَعْدَك? فَقَالَ: أوخرجت مِنَ البَصْرَةِ حَتَّى دَفَنْتُ الخَلِيْلَ بنَ أَحْمَدَ?.
أَحْمَدُ الدَّارِمِيُّ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بنَ شُمَيْلٍ يَقُوْلُ: خرج بي أبي من مرو الرُّوْذَ إِلَى البَصْرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَةٍ وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِيْنَ، أَوْ سِتٍّ هَرَبَ مِنْ مَرْوَ الرُّوْذَ حِيْنَ كَانَتِ الفِتْنَةُ يَعْنِي: ظُهُوْرَ أَبِي مُسْلِمٍ صَاحِبِ الدَّوْلَةِ قَالَ: وَسَمِعْتُ النَّضْرَ قَبْل مَوْتِه بِقَلِيْلٍ يَقُوْلُ: أَنَا ابْنُ ثَمَانِيْنَ وَكَانَ مَرَضُهُ نَحْواً مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ. قَالَ: وَمَاتَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ، وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ أبي بَكْرٍ بنُ مَنْجَوَيْه فِي، وَفَاتِهِ نَحْواً مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: قَبْرُهُ بِمَرْوَ. وَكَانَ مِنْ فُصَحَاءِ النَّاسِ وَعُلَمَائِهِم بِالأَدَبِ وَأَيَّامِ النَّاسِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ قُهْزَاذَ: مَاتَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَمائَتَيْنِ وَدُفِنَ فِي أَوِّلِ المُحَرَّمِ.
أَخْبَرَنَا القَاضِي أبي مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخَالِقِ بنُ عُلْوَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا الإِمَامُ مُوَفَّقُ الدِّيْنِ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ المَقْدِسِيُّ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أبي المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الغَنِيِّ، أَخْبَرَنَا نَصْرُ بنُ أَحْمَدَ القَارِئُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ زَاجُ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ حَدَّثَنَا يُوْنُسُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ قَالَ: رَمِدْتُ فَعَادَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا زَيْدُ! أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ عَيْنَيْكَ كَانَتَا لِمَا بِهِمَا"؟ قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ إِذاً أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ. فَقَالَ: "إِذاً لَقِيْتَ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَلاَ ذَنْبَ لَكَ". هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ. أَخْرَجَهُ أبي دَاوُدَ مِنْ حَدِيْثِ يُوْنُسَ بن أبي إِسْحَاقَ. وَرَوَاهُ: الحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّيْنِ فِي كِتَابِ المُخْتَارَةِ عَنْ خَالِهِ الشَّيْخِ المُوَفَّقِ فَوَافَقْنَاهُ.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي
النَّضر بن شُمَيْل الْمَازِني أَبُو الْحسن النَّحْوِيّ الْبَصْرِيّ
روى عَن إِسْرَائِيل وَشعْبَة وَحَمَّاد بن سَلمَة وَابْن جريج وَخلق
وَعنهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَابْن معِين وَابْن رَاهَوَيْه وَخلق
وَكَانَ إِمَامًا فِي الْعَرَبيَّة والْحَدِيث وَهُوَ أول من أظهر السّنة بمرو وَجَمِيع خُرَاسَان مَاتَ فِي أول سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ
طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.
النَّضر بن شُمَيْل بن خَرشَة بن يزِيد بن كُلْثُوم بن عنزة بن زُهَيْر بن عَمْرو بن حجر بن خزاعي بن مَازِن بن عَمْرو بن تَمِيم الْمَازِني أَبُو الْحسن أَصله من الْبَصْرَة ومولده بمرو الروذ خرج بِهِ أَبوهُ هَارِبا من الْفِتْنَة من مرو الروذ إِلَى الْبَصْرَة سنة ثَمَان وَعشْرين وَمِائَة وَهُوَ ابْن سِتّ سِنِين ثمَّ رَجَعَ إِلَى مرو الروذ وسكنها مَاتَ بمرو وَبهَا قبرة سنة أَربع وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ من فصحاء النَّاس وعلمائهم بالأدب وَأَيَّام النَّاس
روى عَن أبي نعَامَة الْعَدوي عَمْرو بن عِيسَى بن سُوَيْد فِي الْإِيمَان وَحَمَّاد بن سَلمَة وَشعْبَة فِي الْوضُوء وَالصَّلَاة وَغَيرهَا وعَوْف بن أبي جميلَة الْأَعرَابِي فِي الصَّلَاة وَهِشَام الد ستوائي فِي الْبيُوع وَسليمَان بن الْمُغيرَة فِي الْأَطْعِمَة والفضائل وَابْن جريج فِي الاسْتِئْذَان وَعُثْمَان بن غياث فِي الدُّعَاء ومُوسَى بن مَرْوَان فِي الدُّعَاء وَإِسْرَائِيل فِي حَدِيث الرحل
روى عَنهُ إِسْحَاق الْحَنْظَلِي وَإِسْحَاق بن مَنْصُور وَمُحَمّد بن قدامَة وَيحيى اللؤْلُؤِي وحسين بن حُرَيْث ومحمود بن غيلَان.
رجال صحيح مسلم - لأحمد بن علي بن محمد بن إبراهيم، أبو بكر ابن مَنْجُويَه.
أبو الحسن، النضرُ بنُ شُميل بنَ خرشةَ بنِ يزيدَ، التميميُّ المازنيُّ النَّحْوِيُّ البصريُّ.
كان عالمًا بفنون العلم، صدوقًا، ثقة. صاحب غريب، وفقه وشعر، ومعرفة بأيام العرب، ورواية الحديث؛ وهو من أصحاب الخليل بن أحمد.
ذكره أبو عبيدة في كتاب "مثالب أهل البصرة"، فقال: ضاقت المعيشة على النضر بن شميل البصري بالبصرة، فخرج يريد خراسان، فشيعه من أهل البصرة نحو من ثلاثة آلاف رجل، ما فيهم إلا محدِّث أو نحوي أو لغوي أو عروضي أو إخباري، فلما صار بالمربد، جلس؛ وقال: يا أهل البصرة! يعز عليّ فراقُكم، ووالله! لو وجدتُ كلَّ يوم كَيْلَجة باقلى ما فارقتكم، فلم يكن أحد فيهم يتكلف له ذلك، فسار حتى وصل خراسان، فأفاد بها مالًا عظيمًا، توفي سنة 204 - رحمه الله تعالى -.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.
النَّضْر بن شُمَيْل
(122 - 203 هـ = 740 - 819 م)
النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد المازني التميمي، أبو الحسن:
أحد الأعلام بمعرفة أيام العرب ورواية الحديث وفقه اللغة. ولد بمرو (من بلاد خراسان) وانتقل إلى البصرة مع أبيه (سنة 128) وأصله منها، فأقام زمنا. وعاد إلى مرو فولي قضاءها. واتصل بالمأمون العباسي فأكرمه وقربه.
وتوفي بمرو. من كتبه " الصفات " كبير، في صفات الإنسان والبيوت والجبال والإبل والغنم والطير والكواكب والزروع، و " كتاب السلاح " و " المعاني " و " غريب الحديث " و " الأنواء " .
-الاعلام للزركلي-
ومن أخبار النضر بن شُميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازنيّ
كنيته أبو الحسن، بصري الأصل، نزل مرورود وهي من بلاد بني مازن؛ وكان راوية عن البصريين، سمع من ابن عونٍ وشعبة بن الحجاج وأشكال هؤلاء، كان ثقة ثبتاً صاحب عربية، وكان يدعو إلى السُنَّة، ومات بمرورود سنة أربع وقيل ثلاث ومائتين.
قال النضر: دخلت على المأمون يوماً بمرو وعليَّ أطمار ثيابٍ رثةٍ، فقال: أتدخل على الخليفة في مثل هذه الاطمار؟ فقلت: إن حرَّ مرو لايدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. قال: ولكنك متقشف! ثمّ تجارينا الحديث، فقال المأمون: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان في ذلك سدادٌ من عوز. وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً وقال: يانضر، السداد لحن! قلت: هو في هذا الحديث لحن، وإنما لحنه هشيم لأنه كان لحانةً. فقال: مالفرق بينهما؟ قلت: السداد القصد في الدين والسبيل، والسداد البلغة! - وقال الجوهري والسداد ما يسد به الشء - فقال: فهل تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان حيث يقول " من الوافر ":
أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا … ليومِ كريهةٍ وسداد ثغر
فأطرق المأمون ملياً وقال: قبح الله من لاأدب له! ثمّ قال: أنشدني، يانضر، أخلب بيت للعرب! قلت: قول ابن بيضٍ، يا أمير المؤمنين " من المنسرح ":
تقول لي والعيون هاجعةٌ: … أقم علينا يوماً فلم أقم
أيَّ الوجوه انتجعت، قلت لها: … لا لي وجهٌ إلا إلى الحكم
متى يقل حاجباً سرادقه … هذا ابن بيض بالباب يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلاً … فهات إذ حلَّ أعطني سلمي
فقال المأمون: لله درُّك! فكأنما شُقَ لك عن قلبي؟ ثمّ أنشدني أقنع بيت قالت العرب! قلت: قول ابن عبدلٍ - وقال الجوهري: قول راعي الإبل - " من المنسرح ":
إني امرؤ لم أزل وذاك من … الله أديباً أعلمُ الأُدبا
أقيم بالدار ما أطمأنت بي … الدارُ وإن كنتُ نازحاً طربا
أطلب ما يطلب الكريم من المال بنفسي وأحسن الطلبا
وأحلُبُ الثرة الصفيَّ ولا … أجهد أخلاف غيرها حلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا … رغبَّته في كريمة رغبا
والنذل لايطلب العلاء ولا … يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا
ولم أجد غرة الخلائق … إلا الدين مهما اختبرت والحسبا
قد يرزق الخافض المقيم وما … شدَّ لعنس رحلا ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطية والرحل ومن لايزال مغتربا
فقال: أحسنت أحسنت أحسنت - ثلاثا -، هذه أحسن من الأولى! فعندك ضدُّ هذا؟ قلت: نعم، أحسن منه. قال: هات! فأنشدته " من الوافر ":
يدُ المعروف غيمٌ حيث كانت … تحملها شكور أو كفورُ
قال: أحسنت، فأنشدني أنصف بيت قالته العرب! فقلت: هذا ابن أبي عروة - وقال الزبير بن بكار: هذا ابن أبي عروبة - " من الكامل ":
إني وإن كان ابن عمي كاشحاً … لمزاحم من خلفه وورائه
ومفيده نصري وإن كان آمرأً … متزحزحاً في أرضه وسمائه
وأكون والى سره فأصوته … حتى يحين عليَّ وقت أدائه
وإذا دعا باسمي ليركب مركبا … صعباً قعدت له على سيسائه
وإذا استجاش رفدته ونصرته … وإذا تصعلك كنت من قرنائه
وإذا الحوادث أجحفت بسوامه … قرنت صحيحتنا إلى جربائه
وإذا أتى من وجهه لطريقه … لم أطلع مما وراء خبائه
وإذا رأيت عليه ثوباً ناعماً … لم يلفني متمنياً لردائه
ويروى.
واذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل … ياليت أنَّ عليَّ حسن ردائه
فلم يكلمني عندها بشء وأخذ القرطاس ومدّ يده إلى دواة وجعل يكتب شيئاً لاأدري ماهو، ثمّ قال: يانضر، كيف تأمر إذا أردت أن تترب الكتاب؟ قلت: أتربه! قال: فمن الطين؟ قلت: طنه! قال: فهو ماذا؟ قلت: مترب مطين. قال: هذه أحسن من الأولى. ثمّ ناول الكتاب خادما، فمضى به إلى الفضل بن سهل، ففتح الكتاب وقال لي: مالسبب الذي وصلك فيه أمير المؤمنين بثلاثين ألفا؟ فأخبرته. فقال: سبحان الله ألحنت أمير المؤمنين؟ قلت: كلا، أيها الوزير، وإنما لحنه هشيم لأنه كان لحانه! فقال: حدثني عن الخليل بن أحمد! قلت: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم الناس - وقال ابن مخلد والجوهري: صرت أنا والخليل إلى أبي ربيعة الأعرابي، فإذا هو على سطحٍ، فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا: استتوا! فبقينا متحيرين لم ندر ما قال. فقال أعرابي بحنبه: إنه يقول لكم: ارتفعوا! فاستخرجها الخليل من قول الله ﷻ: (ثُمَّ اسنوى إلى السَّماءِ وَهيَ دُخانٌ) أي ارتفع. فصعدنا فقال: هل لكم في خبز فطير ولبن خمير وماء نمير؟ فقلنا: لا! فقال: سلاماً! فبقينا أيضاً متحيرين لم ندر ماقال لنا. فقال الأعرابي: إنه سألكم متاركة لاخير بيننا ولاشرَّ! فاستخرجها الخليل من قول الله ﷻ: (وإذا خاطبهمُ الجاهِلُونَ قالُوا سَلَاما) . فقال الفضلُ: هذا أحسن مما حكيت للخليفة! فزادني من عنده عشرين ألفاً، فانصرفت بخمسين ألفاً.
ومرض النضر، فدخل الناس إليه يعودونه، فقال له رجل: مسح الله مابك! فقال النضر: لاتقل مسح بك، ولكن مصح! ألم تسمع قول الأعشى " من الرمل ":
وإذا ما الخمر فيها أزبدت … أفل الإزبادُ فيها فمصحْ
فقال الرجل: لابأس! السين قد تعاقب الصاد فتقوم مقامها. فقال النضر: إن كان كذا فينبغي أن تقول لمن أسمه سليمان صليمان، وتقول: قال رصول الله! ثمّ قال النضر: لايكون هذا في السين إلا مع أربعة أحرف، الطآء والخآء والقاف والغين، فيبدلون السين بهذه، وربما أبدلوها بزاي، كما قالوا: سراط وصراط وزراط. - قال الصولي: وهذه يقال لها حروف الاستعلاء، تبدل إذا كانت بعد السين، فأما إذا كانت قبل فلا.
وقال النضر يوماً: أنشدونا من زهد ابي نواس! فأنشده " من الطويل ":
وما الناس إلا هالك وابن هالكٍ … وذو نسبٍ في الهالكين عريقِ
فقال: قاتله الله لكأنه سمع الحسن يقول: إن امرءاً ليس بينه وبين آدم عليه السلام إلا أب ميت لنعرق في الموت. - وحدث حرب بن ميمون قال: رأيت خاتم النبي ﷺ عند النضر وهو فضة أبيض.
ومات النضر رحمه الله سنة أربع ومائتين.
28 - ومن أخبار أبي فيد مؤرِّج بن عمرو السَدُوسيّ
كان يقول: اسمي وكنيتي غريبان، اسمي مؤرج، والعرب تقول: أرجت بين القوم وأرشت إذا حرَّشت، وأنا أبو فيد والفيد ورد الزعفران زيقال: فاد الرجل يفيد فيداً إذا مات.
وقال: القنديد الكافور وأنشد " من الطويل ":
ببابل لم تعصر فجاءت سلافة … تخالط قنديداً ومسكاً مختما
وقال المؤرج " من البسيط ":
روُعت بالبين حتى ما أراع به … وبالمصائب في أهلي وجيراني
لم يترك الدهر لي إلفاً أضن به … إلا اصطفاه بنأي أو بهجران
سمع " كتاب الأنواء " لمؤرج بجرجان، وخرج المأمون منه سنة أربع ومائتين، وخرج المؤرج إلى البصرة، فمات فيها.
من كتاب نور القبس - أبو المحاسن يوسف بن أحمد بن محمود اليغموري (ت 673هـ)