محمد بن لطف الله بن زكرياء بن بيرام الرومي

شيخ محمد العربي

تاريخ الولادة1039 هـ
تاريخ الوفاة1092 هـ
العمر53 سنة
مكان الوفاةاستانبول - تركيا
أماكن الإقامة
  • أدرنة - تركيا
  • استانبول - تركيا
  • بروسة - تركيا
  • روم إيللي - تركيا
  • دمشق - سوريا
  • مصر - مصر

نبذة

مُحَمَّد بن لطف الله بن زَكَرِيَّاء بن بيرام الشهير بشيخ مُحَمَّد العربى أستاذى ومرجعى وملاذى عين الرّوم وعماد ملك بنى عُثْمَان وَصدر عُلَمَائهمْ وأوحد الْعَصْر فى الْعلم وَالْفضل وَسَائِر أدوات الرياسة والآخذ من الْآدَاب بالطرف القوى وَكَانَ اليه الاشارة فى الفصاحة والبراعة مَعَ حسن النّظم والنثر فى الالسن الثَّلَاثَة.

الترجمة

مُحَمَّد بن لطف الله بن زَكَرِيَّاء بن بيرام الشهير بشيخ مُحَمَّد العربى أستاذى ومرجعى وملاذى عين الرّوم وعماد ملك بنى عُثْمَان وَصدر عُلَمَائهمْ وأوحد الْعَصْر فى الْعلم وَالْفضل وَسَائِر أدوات الرياسة والآخذ من الْآدَاب بالطرف القوى وَكَانَ اليه الاشارة فى الفصاحة والبراعة مَعَ حسن النّظم والنثر فى الالسن الثَّلَاثَة وجزالة الالفاظ وسلاستها الى براعة الْمعَانى ونفاستها وَقد جمع الله تَعَالَى لَهُ أدوات الْفَضَائِل وَلم يزل يتدرج الى المعالى حَتَّى بلغ مَا بلغ وازداد على الايام رونقا واتساقا ورياسة وَعزة وَاسْتقر فى الذرْوَة الْعَالِيَة من قَضَاء الْعَسْكَر ورياسة الْعلمَاء وَكَانَ مقصد الشُّعَرَاء من كل مَكَان لَا تزَال عطاياه وَارِدَة عَلَيْهِم واحساناته فائضة لديهم وَلَو جمع مَا مدح بِهِ من القصائد والمقاطيع لناف على ألف ورقة وَجمع من الْكتب مَا لَا يدْخل تَحت حصر حاصر وَلَا ضبط ضَابِط وَكَانَ مَعَ كَثْرَة تنوعها لَا يشذ عَن فكره شئ مِنْهَا برسومه كلهَا وَلَقَد شاهدت مِنْهُ غَرِيبَة وهى انه افْتقدَ يَوْمًا ملحمة دانيال فَأمر حَافظ كتبه أَن يخرج الرسائل الْمُتَعَلّقَة بالعلوم الرياضية فاستمر الْحَافِظ وَالْفَقِير مَعَه ثَلَاثَة أَيَّام فى مُرَاجعَة هَذِه الرسائل وظفرنا من الملحمة بنسخ مُتعَدِّدَة وَكَانَت النُّسْخَة الَّتِى أرادها لم تخرج بعد فَكَانَ يشخصها بأسطرها وورقها ثمَّ ظفرنا بهَا على طبق مَا شخصها وَكَانَ من الذكاء فى مرتبَة لم تسمع عَن أحد حَتَّى انه جَاءَهُ يَوْمًا رجل بأسطرلاب عَلَيْهِ كِتَابَة لِسَان الارمنى وَكَانَ عرضه على اناس مِمَّن يعرف ذَلِك اللِّسَان فَلم يستخرجوا الْكِتَابَة وَكَانَ الاستاذ صَاحب التَّرْجَمَة لم يعرف مصطلح كِتَابَة الارمنى فاستملى من شخص نصرانى مقطعات حُرُوفه وَمَا زَالَ يعْمل فكرته حَتَّى استخرج الْكِتَابَة بِقُوَّة رَأْيه وَسلمهَا لَهُ أَرْبَاب ذَلِك اللِّسَان وَكَانَت الْكِتَابَة تَارِيخ عمل الاسطرلاب وَله من هَذِه الخوارق فى الحدس أَشْيَاء كَثِيرَة ولد بغلبه وَتقدم أَن وَالِده ولى قضاءها مُدَّة خمس وَأَرْبَعين سنة وَتوفى أَبوهُ وَهُوَ ابْن سبع سِنِين فَأحْضرهُ اليه عَمه شيخ الاسلام يحيى وتقيد بِحِفْظ هَذَا الدّرّ الْيَتِيم وَكَانَ عِنْده وَعند زَوجته أعز من كل أحد فانهما مَا رزقا ولدا وَكَانَ عَمه يطْلب لَهُ الدُّعَاء من كل من يدْخل اليه وَيرد من أهالى الْبِلَاد عَلَيْهِ لَا سِيمَا من أهالى الْحَرَمَيْنِ الشريفين ثمَّ شرع فى الِاشْتِغَال فَقَرَأَ أَولا على الاستاذ السَّيِّد مُحَمَّد نزيل قسطنطينية ثمَّ على حَامِد بن مصطفى الاقسرابى وعَلى الْعَلامَة أَحْمد الشهير بدرس عَام وعَلى الْمولى حسن الطَّوِيل قاضى الْعَسْكَر باناطولى رُتْبَة ثمَّ لزم الْمولى مُحَمَّد الكردى الشهير بمنلا حلبى وعَلى الملا عبد الله وَتخرج فى الادب على عَمه سُلْطَان الْعلمَاء وَالشعرَاء وَكَانَ فى عنفوان عمره يعرض عَلَيْهِ لطائف أشعاره فيصلح مَا فِيهَا وتخلص أَولا بشيخى ثمَّ بعزتى واشتهر كَمَاله من حِين كَانَ ولدا وَكَانَ السُّلْطَان مُرَاد يسْأَل عَمه عَنهُ كثيرا وَيُرْسل لَهُ العطايا الطائلة وَلَقَد ذكر والدى بوأه الله تَعَالَى فسيح جنانه انه استدعاه السُّلْطَان مُرَاد وَأَعْطَاهُ فى يَده بعض دَنَانِير فَفَاضَتْ عَن يَده وَسقط مِنْهَا الى الارض جَانب فَلم يلْتَفت الى مَا سقط فَعجب السُّلْطَان من نزاهته ثمَّ لَازم على دأبهم من السُّلْطَان ابراهيم فى أَوَائِل شَوَّال سنة احدى وَخمسين وَمَات عَمه بعد ذَلِك فاستقر فى دَاره وانضمت اليه حواشى عَمه من الصُّدُور وَحكى أَنه لما عَاد من جَنَازَة عَمه الى دَاره وَمَعَهُ حفدة عَمه صحبهم السَّيِّد مُحَمَّد نقيب الاشراف فَلَمَّا أَتَوا الدَّار أَخذ المخدوم صَاحب التَّرْجَمَة الى صَدره وضمه وَقبل رَأسه وَأَجْلسهُ مَكَان عَمه وكساه الله تَعَالَى فى ذَلِك الْوَقْت ثوب الْوَقار والسكون والهيبة وَكَانَ عمره يَوْمئِذٍ ثَمَان عشرَة سنة فَأَقَامَ بدار عَمه وَورثه وحفته جمَاعَة عَمه كالمولى مُحَمَّد عصمتى وَالْمولى مُحَمَّد العجمى ثمَّ اتَّصل بكريمة شيخ الاسلام أَبى سعيد فَأقبل عَلَيْهِ وصيره كَأحد أَوْلَاده فى الْمحبَّة والحنو وَوجه اليه ابْتِدَاء مدرسة عَمه برتبة موصلة الصحن ثمَّ نَقله الى احدى الثمان وَمِنْهَا درس بمدرسة أسماخان بنت السُّلْطَان سُلَيْمَان وَنقل مِنْهَا الى دَار الحَدِيث وَأعْطى مِنْهَا قَضَاء الشأم وَكَانَ ذَلِك فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَألف وأرخ قَضَاءَهُ عبد الْبر الفيومى بقوله للشام عز وَشرف وَقدم اليها نَهَار الْجُمُعَة عشرى رَجَب من تِلْكَ السّنة وسلك طَرِيقا محمودة مَعَ الْوَقار والعفة وَكتب اليه والدى هَذِه القصيدة يمدحه بهَا وهى
(صبح الْوِصَال بدا عموده ... والدهر قد صدقت وَعوده)
(وَالرَّوْض أضحى باسما ... لمسرتى واخضر عوده)
( ... وتضوعت أنواره ... بمناى اذ وَردت وُرُوده)
(قد صَاح فِيهِ العندليب ... وفاح فى الْآفَاق عوده)
(من منصفى من شادن ... فى الْحبّ قادتنى قيوده)
(ملك تحكم فى الورى ... وَقُلُوبهمْ طَوْعًا جُنُوده)
(رقت معاطف خصره ... فتحيرت فِيهَا بنوده)
(ان رمت معنى الْحسن مِنْهُ عَلَيْك تمليه خدوده ... )
(وعَلى الْحَقِيقَة مَاله ... من مشبه لَوْلَا صدوده)
(نشوان من خمر الدَّلال عَلَيْهِ مَا قَامَت حُدُوده ... )
(مَا زلت أخْشَى بعده ... فعلى اذ وفدت وفوده)
(والصب من نَار الغرام فُؤَاده فِيهَا خلوده ... )
(وعَلى مياه خدوده ... ورياضها أبدا وُرُوده)
(رق العذول لحاله ... يَوْم النَّوَى وَكَذَا حسوده)
(وافى خيال خياله ... فَأتى لمضناه يعودهُ)
(فلك المسرة والمنى ... نحوى لقد دارت سعوده)
(بقدوم مولى الشَّام من ... أمْلى من الدُّنْيَا وجوده)
(قد حَاز رقى بالولا ... ولرق أجدادى جدوده)
(من ذَا يضاهى مجده ... لاسؤدد الا يسوده)
(مَا الْمجد الا مجده ... فاليه قد خضعت أسوده)
(قاضى عَدَالَته غدن ... كل الانام بهَا شُهُوده
(ملئت ملابسه حَيا ... وَمن التقى نسجت بروده)
(فى الْعلم طود والتوا ... ضع مُفْرد وَالْبَحْر جوده)
(أبقاه ربى ملْجأ ... أبدا وللعليا صُعُوده)
ثمَّ نقل مِنْهَا الى مصر فى غرَّة رَجَب سنة خمس وَسِتِّينَ ثمَّ عزل وَتَوَلَّى قَضَاء بروسه ثمَّ أعْطى رُتْبَة قَضَاء أدرنه ثمَّ صَار قَاضِيا بدار السلطنة فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَاسْتمرّ بهَا قَاضِيا سَبْعَة عشر شهرا وصل اليه والدى فى أثْنَاء قَضَائِهِ فَوجه اليه نِيَابَة أخى جلبى وأجزل عَلَيْهِ نعمه الدارة قَالَ والدى وَوجدت مِنْهُ أَبَا شفيقاً وأخا بارا شقيقا فنظم أمرى واغتنم شكرى وأجرى ورعى فى معروفه مَعْرُوف اسلافه لاسلافى وَجعل السُّعُود فى جَمِيع الْمَقَاصِد من أخلافى بانيا كَمَا بنوا وبادياً من حَيْثُ انْتَهوا فغدت وَحْشَة اغترابى بخدمته انسا وألسن شكرى لاياديه وَنشر مساعيه خرسا وَكنت أرى من فَضله وبديع بديهته وصفاء قريحته ولطف طَبِيعَته واشاراته الذوقيه ومحاضراته الادبيه مَا يبهر الْعُيُون ويحقق الظنون الى مَا حواه من كرم الشمايل والاحتشام والمحاسن الموفرة الانواع والاقسام فَمَا أنْكرت طرفا من أخلاقه وأقواله وَمَا شاهدت الا مجدا وشرفا من أَحْوَاله
(واذا نظرت الى أميرى زادنى ... ضنابة نظرى الى الامراء)
فَلَو صرفت أَوْقَات عمرى وتشرعت بِجَمِيعِ مَذَاهِب الثَّنَاء وَالدُّعَاء لَهُ طول دهرى لما كنت الا فى كَمَال التَّقْصِير ومعترفا بِالْعَجزِ الْكثير وَمِمَّا شنف سمعى بِهِ فى أثْنَاء المذاكره أَيَّام تشرفى فى مجالسة الزاهية الزاهره قَوْله من ربَاعِية أنشدنيها
(ناديت أحبتى لاجل السلوى ... والدهر رسوم ربعهم قد سوى)
(بالنوحة جدت فى المغانى حَتَّى ... قد ساعدنى على بكائى رضوى)
فَأَنْشَدته بديهة على طَرِيق الْمُعَارضَة وهي
(يَا من بعدوا وأورثونى الْبلوى ... أبدى لكم من الْفِرَاق الشكوى)
(أَصبَحت وحبكم عميدا دنفا ... من بعدكم رق لحالى رضوى)
وأنشدنى بعد أَيَّام قَوْله أَيْضا
(يسبى الْعُقُول بلحظه فَكَأَنَّمَا ... سقيت سيوف جفونه بسلاف)
(سيفيه صَاد الْقُلُوب بنظرة ... من بَين نقل قوادم الخطاف)
فَأَنْشَدته
(رشأ رَقِيق الْقد والاعطاف ... لم يخْش صارم لحظه اتلافى)
(خطف الْفُؤَاد بنظرة من لحظه ... لما رآنى انقض كالخطاف)
ثمَّ فارقته عَازِمًا على الرحلة الى الوطن وأنشدته حَالَة التوديع هَذَا
(ان سَار عَبدك ظَاعِنًا ... فى النَّاس أَو أضحى مُقيما)
(فَهُوَ الذى لحماكمو ... مَا زَالَ فى الدُّنْيَا خديما)
انْتهى ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بانأطولى فى ثامن عشر الْمحرم سنة تسع وَسبعين وَكَانَ وَهُوَ قَاض بِدِمَشْق وعد أَبى بملازمة لى فَأحْسن بهَا وأرسلها من مَدِينَة يسكى شهر وَكَانَ توجه اليها فى خدمَة السُّلْطَان مُحَمَّد وَأرْسل الى مَعهَا مدرسة لامعى فى بروسه بِخمْس وَعشْرين عثمانيا ثمَّ نقل الى قَضَاء عَسْكَر روم ايلى وَأرْسل الى مدسة خوجه خير الدّين بِثَلَاثِينَ عثمانيا ثمَّ عزل عَن قَضَاء الْعَسْكَر وَقدم الى دَار السلطنة فانزوى فى دَاره وَاسْتمرّ مُدَّة لَا يخرج الا فى يَوْم الثلاثا وَيَوْم الْجُمُعَة وَكَانَ اذا خرج فى هذَيْن الْيَوْمَيْنِ تواردت عَلَيْهِ الافاضل من كل نَاحيَة وجبيت اليه أنفس البضائع من الْفُنُون فَلَا تمر لَحْظَة من ذَلِك الْمجْلس الا فى مذاكرة ومطارحة وَلما وصلت الى قسطنطينية فى سنة سبع وَثَمَانِينَ رَأَيْته فى تِلْكَ الْحَالة وحضرته فَوَجَدته محط رحال الْفُضَلَاء ومقصد الادباء وَالشعرَاء فَدخلت الى مَجْلِسه وأنشدته هَذِه الابيات وهى
(دنا الركب من حى تقادم عَهده ... وهيج فِيهِ الْقلب وجد يجده)
(دَعَتْهُ الى الشكوى معالم انسه ... وَلَكِن أسرار الغرام تصده)
(بنفسى من جرعائه كل شادن ... تملك منى حَبَّة الْقلب وده)
(من الصَّيْد يرنو لحظه عَن مهند ... يفْسد قُلُوب الدارعين فرنده)
(أرد عيونى عَنهُ خيفة كاشح ... وَهل يمْنَع الصادى عَن المَاء رده)
(سقانى مداما رق فى اللطف جرمها ... فشف بهَا عَن أَحْمَر الْورْد خَدّه)
(سلافا يصير الصُّبْح فى كشفه لنا ... قناع الدجى مِنْهُ سنا يستمده)
(وَقد بسطت فى الرَّوْض كف بَيْعه ... نَسِيج نوار حيك كالوشى برده)
(أَقَمْنَا بِهِ نملى حَدِيث صبَابَة ... الى الْعُمر اشهى من شباب يوده)
(الى أَن دعانى للوداع فهاج بى ... خفى سعير يظْهر البث وقده)
(وقفت وطرفى لَا أردد دمعه ... وَقد كنت حينا للفراق أعده)
(وطار بى الغى المشت فى كل منهل ... فؤاد بحى يصحب الْحبّ رشده)
(أنهنه طرف الشوق فى كل منهل ... يكَاد الفضا يبدى وَلم يبد ورده)
(وعزمى يَقُود الشوق منى عنانه ... لربع جواد يمْلَأ الدَّهْر رفده)
(أَخُو عَزمَات لَا يفل جسامها ... وَعند مضاها يجل السَّيْف حَده)
(يفوت احْتِمَال الْمَرْء أول عَفوه ... وَقد جَاوز الْمَقْدُور فى السعى جهده)
(اذا أشرقت شمس العلى عَن جَبينه ... فطلعها يستخدم الدَّهْر سعده)
(يروق بِهِ غُصْن من الْحَمد يَانِع ... ويعبق من نشر الثنا فِيهِ رنده)
( ... فَلَا تعثر اللحظان دون مقَامه ... بِغَيْر منال يقْدَح الْعِزّ زنده)
(بِمَا تستجد المزن وضاير وقه ... وَمن فيض يمناه المنى يستجده)
(أدر على الايام سيا تَفَجَّرَتْ ... ينابيع حَتَّى الصخر أعشب صلده)
(وَلم يبْق للمقدار غير تعلة ... يسير بهَا من قَارن الْيمن كده)
(فيا من يرينى من نداه أمانيا ... يسالمنى فِيهَا من الدَّهْر وغده)
(رعى الامل الغادى اليك انسيابه ... فَكَانَ الى صوب المجرة قَصده)
(وشام لديك الْبَحْر فى صُورَة الحجا ... يفِيض علينا من هباتك مده)
(فَلَا تنتهى فى يَوْمنَا لَك نعْمَة ... كَمَا انه لَا ينتهى فِيك حَمده)
وَكَانَت الامراض قد أثرت فِيهِ تَأْثِير بَالغا وأحناه الضعْف حَتَّى صَار كالقوس وَكَانَ لَا يقدر على الْحَرَكَة الا بِمَشَقَّة عَظِيمَة وَكَانَت النزلات تعتريه فى دماغه وفى الشتَاء يجلس فى مَكَان صَغِير وَيكون عِنْده منقل كَبِير يكون عَلَيْهِ من الفحم وَالنَّار شئ كثير وَكَذَا فى الموقد كثير من الْحَطب وَعَلِيهِ الثِّيَاب الْكَثِيرَة وَتَحْته الطرحة الوثيرة بِحَيْثُ انه يُوجد الْحر وَالْكرب وَهُوَ مرتاح ثمَّ ولى ثَانِيًا قَضَاء روم ايلى وازدانت بِهِ الدولة وَأَقْبل عَلَيْهِ السُّلْطَان مُحَمَّد اقبالا زَائِدا وَكَانَ يطْلب الِاجْتِمَاع بِهِ وَطلب أَن يضيفه فى بستانه الذى باستبه فأضافه فَلَمَّا تمّ الْمجْلس ألبسهُ السُّلْطَان فَرْوَة من السمور ثمَّ عزل فَقلت أسليه بِهَذِهِ القصيدة
(ضرب الْغَمَام مضاربا من عنبر ... ملئت خزائنها بأنفس احور)
(والارض ترفل فى مطارف سندس ... كالخود فى حلل الْحَرِير الاخضر)
(وَالرَّوْض معتل النسيم كَأَنَّهُ ... دَار النَّعيم وماؤه كالكوثر)
(فَاشْرَبْ على ورد الخدود مَعَ الربى ... رَاح الزجاجة والرضاب الْمُسكر)
(وانهب زمَان اللَّهْو قبل فَوَاته ... فالعيش لَيْسَ بدائم لمعمر)
(والدهر أغدر من أضب فانه ... يصمى الْفَتى من حَيْثُ مَا لم يحذر)
(وَلَقَد عرفت بنيه معرفتى بِهِ ... فعجبت من حَظّ اللبيب الْمُدبر)
(وَالنَّاس أميل مَا رَأَيْت الى الْغنى ... فيكاد يعبد كل عبد مُوسر)
(ولرب ذى فضل يواصل ليله ... طيا وَجَهل فى النَّعيم الاوفر)
(لَا سامح الله الزَّمَان فانه ... من شَأْنه تَقْدِيم كل مؤحر)
(والنذل أَضْعَف مَا يرى مُتَقَدما ... كتقدم الْمَعْمُول قبل الْمصدر)
(وَالنَّدْب أجمل مَا يكون مُجَردا ... كالعضب لَيْسَ قدما لم يشهر)
(واذا الضمائر فى الْمَرَاتِب قدمت ... وتظاهرت حسن اختفاء الْمظهر)
(مَا خص ذُو الْجَهْل الدنى برتبة ... الا كَمَا خص الختام بختصر)
(والمرء أتعب مَا ترَاهُ اذا ابْتغى ... خطرا وليل حظوظه لم يقمر)
(كالمدح أضيع مَا يكون اذا جرى ... فى غير روح الْكَوْن قاضى الْعَسْكَر)
(عَلامَة الدُّنْيَا وَخير مقدم ... هُوَ فى الصُّدُور كتبع فى حمير)
(قلب الْوُجُود العزتى مُحَمَّد ... ذُو الْوَجْه وَالْفِعْل الْجَمِيل الازهر)
(وتر الْكَمَال فَمن رأى أهل العلى ... وأضله أَمْسَى كمن لم يُوتر)
(متواضع للسائلين وَرُبمَا ... يسمو تكبره على المتكبر)
(بِالْعَدْلِ تقطر نعْمَة أَيَّامه ... للمهتدين ونقمة للفجر)
(لَو كَانَ يطْلب قدره لم يرضه ... الا الاسرة أَو مراقى الْمِنْبَر)
(مولى اذا بخل الْغَمَام أَفَاضَ من ... يمناه بالنقدين خَمْسَة أشهر)
(يعْطى على الْحَالين قدرَة ملكه ... ويريك عذر المذنب المستغفر)
(لَا شئ أكْرم مِنْهُ الا جائد ... كرما بِهِ والجود أشرف مخبر)
(تبع الافاضل والا ماجد رَأْيه ... ان الْقَلِيل لتابع للاكثر)
(قَامَت فضائلهم بِهِ فَكَأَنَّهَا ... عرض وجوهر ذَاته كالجوهر)
(من قاسهم جودا بِهِ فَكَأَنَّمَا ... قَاس الجداول جَاهِلا بالابحر)
(نسخت مكارمه أَحَادِيث الألى ... سَبَقُوهُ من معن الْجواد وجعفر)
(وَلَئِن تَأَخّر عصره عَنْهُم فَمَا ... هُوَ فى سَبِيل الْمجد بالمتأخر)
(لَيْسَ الزَّمَان بِمُوجب تَفْضِيلهمْ ... فَسَمِّيهِ الْمُخْتَار آخر مُنْذر)
(والطل قبل الوبل والاسفار من ... قبل الضُّحَى والخلد بعد الْمَحْشَر)
(وتجئ فذلكة الْحساب أخيرة ... لتَكون جَامِعَة العديد الاوفر)
(وَاضْرِبْ لَهُم مثلا مَنَاقِب ماجد ... محصورة لمناقب لم تحصر)
(يأيها الْمولى الْعَظِيم وَخير من ... ورث السياد قسورا عَن قسور)
(خُذْهَا بديعة بَابهَا وضاحة ... رقت فرق لَهَا قريض البحترى)
(واستجلها بكرا قبولك مهرهَا ... وَالْبكْر لَيْسَ تحل مَا لم تمهر)
(فَلَانَتْ أهل الْمَدْح دمت لاهله ... مَا بيع الا كنت أَنْت الْمُشْتَرى)
(لَا زلت فى أوج السَّعَادَة راقيا ... ومقامك الْمَحْمُود فَوق الْمُشْتَرى)
(مَا حجك الراجى وبابك قبْلَة ... بقلائد فضحت صِحَاح الجوهرى)
فألبسنى من حلله جوخة بنفسجية اللَّوْن ركب فِيهَا فَرْوَة من النافة فَقلت هَذِه القصيدة أمدحه بهَا ومستهلها قولى
(شَأْن الموله أَن يعِيش متيما ... وَالْحب مَا منع الْقَرار المغرما)
(هُوَ مَا علمت غرام صب دمعه ... مَا زَالَ يظْهر سره المتكتما)
(لَو شَاءَ من أضناه فرط هجيره ... رد الْحَيَاة لجسمه متكرما)
(واذا الصبابة خامرت قلب امْرِئ ... وجد الشِّفَاء من الحبيب تنعما)
(ولرب مغبر الاديم قطعته ... من فَوق مبيض القوائم أدهما)
(لَا تَسْتَطِيع الشَّمْس توسم ظله ... فاذا مَشى سبق الْقَضَاء المبرما)
( ... وَاللَّيْل بَحر قد تدافع موجه ... وَترى الْكَوَاكِب فِيهِ تسرى عوما)
(وَكَأن وَجه الافق مُنْقد فضَّة ... والبدر تحسبه عَلَيْهِ درهما)
(وكأنما المريخ شعلة قابس ... أَو رَأس نصل خضبته يَد دَمًا)
(أسرى وشخصك لَا يزَال مسامرى ... وَأرى التصبر عَنْك مرا علقما)
(يَا آفَة الارواح مَا ألهاك عَن ... دنف لذكر هَوَاك يهوى اللوما)
(لله عهد كنت بدر ضيائه ... أَيَّام نلقى كل وَقت موسما)
(فى رَوْضَة لبست رِدَاء زمرد ... صبغت حَوَاشِيه الشقائق عِنْدَمَا)
(وَكَأن أجياد الغصون كواعب ... أظهرن عقدا فى النحور منظما)
(لَا تسمع الآذان فى ارجائها ... الا هدير هزارها مترنما)
(وشربتها صهباء من يَد شادن ... فضحت محاسنه الغزار الانجما)
(نادمته والراح يعْطف عطفه ... كالغصن جاذبه النسيم فهيما)
(فهصرت قدا كالقضيب ومعطفا ... ولثمت خدا كالاقاح ومبسما)
(مهلا فلست بِمن تقود عنانه ... الا الصبابة منجدا أَو مُتَّهمًا)
(وأظن لى فى الدَّهْر حظا كامنا ... كالنار أودعت الزِّنَاد الابكما)
(مالى وللايام أبغى مِنْهَا ... والى جناب العزتى لى انتما)
(عَلامَة الثقلَيْن أفضل ماجد ... حلف الزَّمَان بِمثلِهِ لن ينعما)
(مولى اذا ظلم الزَّمَان فَمَا ترى ... الا الى عزماته متظلما)
(جارى الْمُلُوك الى مقامات العلى ... فتأخروا عَنهُ وَكَانَ مقدما)
(لَو مد راحنه لثغر مقبل ... أنف الثريا أَن تكون لَهَا فَمَا)
(أَو تنطق الدُّنْيَا بمدحة ماجد ... نطق الزَّمَان بمدحه وتكلما)
(دعواته تجلو الكروب وعزمه ... لَو يلتقيه الْمَوْت مَاتَ توهما)
(وَلَو استجار بِهِ النَّهَار من الدجى ... لم تبصر الاحداق شَيْئا مظلما)
(قد حكم الْمَعْرُوف فى أَمْوَاله ... والرعب فى أعدائه فتحكما)
(يعْطى الالوف سماحة متكتما ... والجود لَيْسَ بممكن أَن يكتما)
(وَمَتى تَخَيَّلت القرائح مدحه ... سبقت جوائزه القريض تكرما)
(متوقد كالبدر لَيْلَة تمه ... فاذا تحرّك للعطاء تبسما)
(ملئ الزَّمَان مهابة من عدله ... حَتَّى أَخَاف الظبى مِنْهُ الضيغما)
(وسرت لَهُ سير معطرة الربى ... فَكَأَنَّمَا كَانَت صبا متنسما)
(يَا من نلوذ من الزَّمَان بِبَابِهِ ... ونرى نداه لما نؤمل مغنما)
(مَاذَا نقُول سموت عَن أفهامنا ... حَتَّى اسْتَوَت فِيك الْبَريَّة أعجما)
(لله أنعمك الَّتِى من بَعْضهَا ... لم تبْق فى الدُّنْيَا فَقِيرا معدما)
(وخصا لَك الزهر الَّتِى لم يرضها ... أَن تجتلى قمم الْمَرَاتِب أنجما
(ألبستنى نعما رَأَيْت بهَا الدجى ... صبحا وَكنت أرى صباحى مظلما)
(فَبَقيت يحسدنى الصّديق وَقبلهَا ... كَانَ الْعَدو يمر بى مترحما)
(مَا عذر من شرفته بفضيلة ... أَن لَا ينَال بهَا السها والمرزما)
(هَيْهَات لست بِشَاهِد جود امْرِئ ... من بعد مَا عَايَنت جودك منعما)
(فاليكها زهراء ذَات بلاغة ... لَو رامها قس لاصبح أبكما)
(من كل بَيت لَو تجسم لَفظه ... لرأيته شيا عَلَيْك منمنما)
(وتهن بِالْعَام الْجَدِيد ممتعا ... بسعادة رحب الجناب مُعظما)
(واسلم لنشر فَضِيلَة مَعْلُومَة ... لولاك طَال على الملا أَن تعلما)
(ان العلى بدئت بذكرك مثل مَا ... آلت بغيرك فى الورى لن تختما)
وكتبت اليه أستدفع بِهِ مَا نابنى من سلوك طَرِيق الْقَضَاء وأرجوه فى تخليصى من هَذِه الورطة قبل أَن أتولى منصبا وَأَن يشفع لى بالملازمة لباب شيخ الاسلام على مدرسة فى الرّوم فَقلت
(باكر الحانة والكاس تدار ... فشباب الْعُمر ثوب مستعار)
(هَذِه الارض اكتست أزهارها ... مَا على من يغنم اللَّذَّات عَار)
(وَكَأن الرَّوْض وشى فاخر ... نقشه آس وَورد وبهار)
(ان سرت فى سرحه ريح الصِّبَا ... فَضَح العنبر رند وعرار)
(وَكَأن المزن تبر كنزه ... درة بَيْضَاء وَالْمَاء نضار)
(فتقت كف الغوادى جيبها ... فهمى مِنْهَا على الدوح نثار)
(يَا رفيقاى دعانى والهوى ... انما الصبوة للصب شعار)
(كنت أخْفى محنة فى خلدى ... لَو يكن للقلب فى الْعِشْق اختبار)
(من يبت ولهان فى حب الظبا ... خانه الْقلب فى الْعِشْق اخْتِيَار)
( ... يعذب الهجر لمن يعرفهُ ... وبمطل الغيد يحلو الِانْتِظَار)
(انما نشوان أحداق المهى ... صحوه من سكرة الْعِشْق خمار)
(يَا سقى موطن لهوى بالحمى ... أدمعى ان سحت السحب الغزار)
(كم لَيَال فِيهِ قد قضيتها ... وَمن الايام حُلْو مرار)
(فانقضت أسْرع من سهم القضا ... يَا ابْن ودى لَيْسَ للعيش قَرَار)
(وحبِيب بَات زندى طوقه ... والمنى ثالثنا والحظ جَار)
(قمر يحسده الْبَدْر اذا ... لَاحَ والغصن مَتى مَال يغار)
(قد نأى لَكِن عَن الْعين وَكم ... نَازع الدَّار لَهُ الْقلب ديار)
(أى نفع فى اقتراب الْجِسْم ان ... بعد الْقلب وَمَا يغنى الْجوَار)
(هَكَذَا تفعل أَحْكَام الْهوى ... فى بنى الْعِشْق وللدهر الْخِيَار)
(ينقضى الْعُمر ومالى مسعف ... وَمن الضيم مصيح لَا يجار)
(هَذِه حالى وان طَال المدى ... وَاعْتِبَار الْحَال للمرء اختبار)
(غير أَن الْحِرْص غلاب النهى ... والمنى منهى اخْتِيَار واضطراب)
(لَا أَذمّ الدَّهْر حاشاى ولى ... أنعم الْمولى عَن الذَّنب اعتذار)
(كعبة الآمال والركن الذى ... كل مجد من علاهُ يستعار)
(ماجد قد صيرت آلاؤه ... كل مجد من علاهُ يستعار)
(جمعت فِيهِ المعالى والتقى ... وَله الْعِزَّة خيم وَالْوَقار)
(قد جلا خطب الليالى عزمه ... مثل مَا يجلو دجى اللَّيْل وَالنَّهَار)
(لَو يكن للبحر أدنى بره ... لم يلح للعين بر وقفار)
(وحماه ملتقى عيشى المنى ... لَا سواهُ للندى مأوى وَدَار)
(روض فضل نجتلى من جوده ... وَكَذَا تجنى من الرَّوْض الثِّمَار)
(يغْفر الذَّنب وَلَو جلّ وَقد ... يحسن الامران عَفْو واقتدار)
(واذا نَاب امْر أجهد القضا ... فالى سدته مِنْهُ الْفِرَار)
(أَيهَا الاستاذ وَالْبَحْر الذى ... غرفت من فيض كفيه الْبحار)
(أَنْت من لولاه مَا كَانَ لنا ... ملْجأ يُرْجَى وكهف يستجار)
(لَك أنهى نوبا من بعضهما ... يذهل اللب وَذُو الْعقل يحار)
(حل بى الشيب فأفنى رونقى ... وكذاك الْبَدْر يعلوه السرَار)
(فأغثنى من كروب فى الحشا ... حرق مِنْهَا وفى الطّرف انكسار)
(وتمتع بقواف كربى ... ضَاحِك النُّور بهَا الجلنار)
(بدع قد أشربت ألفاظها ... ريقة المبسم وَالْخمر الْعقار)
(كخدود الغيد تحمر حَيا ... واذا شِئْت كَمَا اخضر العذار)
(أَنا حسان القوافى فاذا ... فهت طَابَ الْعشْر وارتاح الفخار)
(واذا غنتك أطيار الثنا ... فَأَنا من بَينهَا وحدى الهزار)
(لَيْسَ لى مَال وَلَكِن كلمى ... عسجد ينْحل درا ونضار)
(لم أقل طَالَتْ واطناب الورى ... فى معاليك مدى الدَّهْر اخْتِصَار)
(فابق أَعلَى النَّاس جاها وندى ... والى مجدك بالعز يشار)
(لَك أهنى عيشة تختارها ... وَلَا عداك البلايا والدمار)
وَكَانَت وِلَادَته فى صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَتوفى نَهَار الاحد ثَالِث عشر شَوَّال سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف وَدفن بمدرسة جده شيخ الاسلام زَكَرِيَّاء مِمَّا يلى عَمه شيخ الاسلام يحيى وَلم أقِم بعد وَفَاته بالروم الا يَوْمًا وَاحِدًا ورحلت الى دمشق وَأَنا الْآن أليف حزنه وكئيب مصابه انْتهى
ــ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.