إبراهيم بن المهدي محمد بن عبد الله العباسي الهاشمي أبي إسحاق

ابن شكلة

تاريخ الولادة162 هـ
تاريخ الوفاة224 هـ
العمر62 سنة
مكان الوفاةسر من رأى - العراق
أماكن الإقامة
  • بغداد - العراق
  • دمشق - سوريا

نبذة

أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي بن المنصور أبي جعفر بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أخو هارون الرشيد؛ كانت له اليد الطولى في الغناء والضرب بالملاهي وحسن المنادمة، وكان أسود اللون لأن أمه كانت جارية سوداء، واسمها شكلة.

الترجمة

أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي بن المنصور أبي جعفر بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أخو هارون الرشيد؛ كانت له اليد الطولى في الغناء والضرب بالملاهي وحسن المنادمة، وكان أسود اللون لأن أمه كانت جارية سوداء، واسمها شكلة - بفتح الشين المعجمة وكسرها، وسكون الكاف، وبعد اللام هاء - وكان مع سواده عظيم الجثة، ولهذا قيل له التنين، وكان وافر الفضل، غزير الأدب، واسع النفس، سخي الكف، ولم ير في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لساناً، ولا أحسن منه شعراً، بويع له بالخلافة ببغداد بعد المائتين والمأمون يومئذ بخراسان، وقصته مشهورة، وأقام خليفة بها مقدار سنتين، وذكر الطبري في تاريخه أن أيام إبراهيم بن المهدي كانت سنة واحد عشر شهراً واثني عشر يوماً.
وكان سبب خلع المأمون وبيعة إبراهيم بن المهدي أن المأمون لما كان بخراسان جعل ولي عهده علي بن موسى الرضا ، فشق ذلك على العباسيين ببغداد خوفاً من انتقال الأمر عنهم إلى العلويين فبايعوا إبراهيم بن المهدي المذكور، وهوعم المأمون، ولقبوه المبارك. وقيل سموه المرضي، وكانت مبايعته يوم الثلاثاء لخمس بقين من ذي الحجة سنة إحدى ومائتين ببغداد، بايعه العباسيون في الباطن ثم بايعه أهل بغداد في أول يوم من المحرم سنة اثنتين ومائتين، وخلعوا المأمون، فلما كان يوم الجمعة لخمس خلون من المحرم أظهروا ذلك، وصعد إبراهيم المنبر، وكان المأمون لما بايع علي بن موسى الرضا بولاية العهد أمر الناس بترك لباس السواد الذي هو شعار بني العباس، وأمرهم بلباس الخضرة، فعز ذلك على بني العباس أيضاً، وكان من جملة الأسباب التي نقموها على المأمون، ثم أعاد لبس السواد يوم الخميس لليلة بقيت من ذي القعدة سنة سبع ومائتين لسبب اقتضى ذلك، ذكره الطبري في تاريخه فلما توجه المأمون من خراسان إلى بغداد خاف إبراهيم على نفسه، فاستخفى، وكان استخفاؤه ليلة الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، وذلك بعد أمور يطول شرحها، ولايحتمل هذا المختصر ذكرها، ثم دخل المأمون بغداد يوم السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من صفر سنة أربع ومائتين، ولما استخفى إبراهيم عمل فيه دعبل الخزاعي:
نعر ابن شكلة بالعراق وأهله ... فهفا إليه كل أطلس مائق
إن كان، إبراهيم مضطلعاً بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
ولتصلحن من بعد ذاك لزلزل ... ولتصلحن من بعده للمارق
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسق عن فاسق

ومخارق: بضم الميم وفتح الخاء المعجمة، وزلزل: بضم الزاءين المعجمتين، والمارق: هؤلاء الثلاثة كانوا مغنين في ذلك العصر.
وأخبار إبراهيم طويلة شهيرة.
وقال إبراهيم: قال لي المأمون، وقد دخلت عليه بعد العفو عني: أنت الخليفة الأسود، فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا الذي مننت عليه بالعفو، وقد قال عبد بني الحسحاس  :
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... عند الفخار مقام الأصل والورق
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرما ... أو أسود الخلق إني أبيض الخلق
قال لي: يا عم أخرجك الهزل إلى الجد، وأنشد يقول:
ليس يزرى السواد بالرجل الشه ... م ولا بالفتى الأديب الأريب
إن يكن لسواد فيك نصيب ... فبياض الأخلاق منك نصيبي 
قلت: وقد نظم بعض المتأخرين، وهو الأعز وأبو الفتوح نصر الله بن قلاقس الإسكندري - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف النون - هذا المعنى وزاد فيه وأحسن كل الإحسان، وهو قوله :
رب سوداء وهي بيضاء فعل ... حسد المسك عندها الكافور
مثل حب العيون يحسبه النا ... س سواداً وإنما هو نور 
وجلس المعتصم يوماً - وقد تولى الخلافة بعد المأمون - وعن يمينه العباس بن المأمون، وعن يساره إبراهيم بن المهدي، فجعل إبراهيم يقلب خاتماً في يده، فقال له العباس: يا عم ما هذا الخاتم فقال: خاتم رهنته في أيام أبيك فما فككته إلا في أيام أمير المؤمنين، فقال له العباس: والله لئن لم تشكر أبي على حقن دمك مع عظيم جرمك لا تشكر أمير المؤمنين على فك خاتمك، فأفحمه.
وهذا إبراهيم في حديثه طول كثير أورده أرباب التواريخ في كتبهم، لكن اختصرته، ونبهت على المقصود منه، وقد استوفى الطبرى وغيره الكلام فيه.
ولما ظفر المأمون بإبراهيم شاور فيه أحمد بن أبي خلد الأحول الوزير، فقال: يا أمير المؤمنين، إن قتلته فلك نظراء، وإن عفوت عنه فما لك نظير.
وكانت ولادته غرة ذي القعدة سنة اثنتين وستين ومائة، وتوفي يوم الجمعة لتسع خلون من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين بسر من رأى، وصلى عليه ابن أخيه المعتصم، رحمه الله تعالى.
وسر من رأى فيها ست لغات حكاها الجوهري في كتاب الصحاح في فصل رأى، وهن: سر من رأى - بضم السين المهملة وفتحها - وسر من راء - بضم السين وفتحها وتقديم الألف على الهمزة في اللغتين - وساء من رأى، وسامرا، واستعمله البحتري ممدوداً في قوله:
ونصبته علماً بسامراء ... ولا أعلم هل هي لغة شائعة أو استعمله كذلك ضرورة.
وسر من رأى: مدينة بالعراق، بناها المعتصم في سنة عشرين ومائتين وفيها السرداب الذي ينتظر الإمامية خروج الإمام منه، فقلد إبراهيم على بلاد الكوفة والسواد وخطب له على المنابر ونزل بعساكره على مدائن كسرى ثم رجع إلى بغداد وأقام بها والحسن بن سهل مقيم في حدود وساط خليفة عن المأمون والمأمون إذ ذاك ببلاد خراسان مقيم؛ ولم يزل إبراهيم ابن المهدي مقيماً ببغداد على أمره يدعى بأمير المؤمنين ويخطب له على منابر العرق إلى أن وصل المأمون من خراسان متوجهاً إلى العراق، وقد توفي علي ابن موسى الرضا، فلما أشرف المأمون من العرق وقرب من بغداد ضعف إبراهيم، وقصرت يده عن بذل الأموال، وتفرق الناس عنه، ولم يزل على ذلك إلى أن صلى عيد الأضحى من سنة 203 ثم عاد من الصلاة إلى قصر الرصافة وأطعم الناس طعام العيد ومضى من يومه إلى داره إلى آخر النهار، ثم خرج منها ليلاً فاستتر وانتقض أمره، وأقام في استتاره ست سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام.
وكان المأمون لما دخل بغداد اختفى عمه [إبراهيم] المذكور والفضل بن الربيع فجد المأمون في طلبهما، فأما إبراهيم فإنه أخذ لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر سنة 210 ليلاً وهو منتقب بيت امرأتين في زي امرأة، أخذه حارس فدفع إليه إبراهيم من إصبعه خاتماً له قدر عظيم، فلما رأى الحارس الخاتم وعليه فص ياقوت واستراب بالنسوة وحسر عن وجه إبراهيم فرأى لحيته فرفعه إلى صاحب الجسر وحمل إلى دار المأمون فأمر أن يقعد على هيئته إلى غد ليراه بنو هاشم والقواد والجند، وصيروا المقنعة التي كان منتقباً بها في عنقه والملحفة في صدره ليراه الناس كيف أخذ في حول إلى منزل أحمد بن أبي خالد فحبس عنده وبقي إلى أن دخل المأمون ببوران بفم الصلح فأم بحمل إبراهيم [بن المهدي] خلفه، فلما كان في الليلة التي دخل المأمون على بوران فيها وجلس المأمون معها يحادثها وهما على حصير ذهب، نثرت جدتها عليها ألف درة كبار كانت في صينية ذهب، فتناثر الدر على الحصير فلما رآه المأمون قال: قاتل الله أبا نواس كأنه حاضر هذا [المجلس] في قوله:
كأن صغري وكبري من فواقعها ... حصباء درٍ على أرض من الذهب فأمر المأمون بجمعه فجمع ووضعه في حجرها وقال لها: هذه نحلتك فسلي حاجتك، فأمسكت فقالت لها جدتها: كلمي سيدك ومولاك وسليه حوائجك فقد أمرك، فسألته الرضى عن إبراهيم المذكور، فقال: قد فعلن، وسألته الإذن لأم جعفر زبيدة أم الأمين في الحج فأذن لها، فلما كان من الغد دعا إبراهيم فلما دخل عليه قال: هيه يا إبراهيم، فقال: يا أمير المؤمنين ولي الثأر محكم في القصاص والعفو أقر للتقوى، وقد جعلك الله فوق كل ذي ذنب كما جعل ذي ذنب دونك، فإن تعاقب فبحقك وإن تعف فبفضلك، قال: بل أعفو يا إبراهيم، فكبر وسجد ورفع رأسه قائلاً يمدح المأمون:
يا خير من زملت إليه مطية ... بعد الرسول لآيس ولطامع من جملتها:
فعفوت عن من لم يكن عن مثله ... عفو ولم يشفع إليك بشافع
إلا العلو عن العقوبة بعدما ... ظفرت يداك بمسكتين خاضع
فرحمت أطفالاً كأفراخ القطا ... وعويل عانسة كقوس النازع
الله يعلم ما أقول فإنها ... جهد الألية من حنيف راكع
ما إن عصيتك والغواة تمدني ... أسبابها إلا بنية طايع
[إن الذي قسم الخلافة حازها ... في صلب آدم للإمام السابع] 
فذكر أن المأمون قال حين أنشده هذه القصيدة: أقول كما قال يوسف لأخوته (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين) . وقيل إن المأمون استشار أصحابه في إبراهيم [بن المهدي] فأشار كل واحد بما حضره فأقبل على الحسن بن سهل فقال له: ما تقول أنت قال: يا أمير المؤمنين إن عاقبت فلك نظير وإن صفحت فلا نظير لك، فعفا عنه.
وكان المأمون أرسل إلى شكلة أم إبراهيم يتوعدها [بالقتل] فأرسلت إليه: إني من أمهاتك فإن كان ابني عصى الله فيك فلا تعصه فيّ.
وأما الفضل بن الربيع فسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في ترجمته في حرف الفاء.
وكان إبراهيم المذكور قد ترك الغناء آخر عمره وذلك أنه قال: كنت يوماً عند الرشيد في مجلس خلوة لم يحضره إلا جعفر بن يحيى البرمكي فبكى فقلت: يا أمير المؤمنين لا أبكى الله عينك، فقال: أنت أبكيتني يا إبراهيم لأنك مع كمالك وأدبك ومعرفتك قد اشتهرت بالغناء واخترته ولزمته حتى عطلت ما يسمو إليه مثلك وكأني بك غداً وقد ملك بعض ولد أخيك فأمرك ونهاك وامتهنك في الغناء وإنما امتهن المهدي بك؛ قال: فلما كان في أيام المعتصم حضر يوماً منها مجلسه وكان الإفشين حاضراً، فلما أرادوا الانصراف قال الإفشين: يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك تطول على عبدك بالتقدم إلى الندماء أن يكونوا غداً عندي، فأمرهم المعتصم بالمسير إليه، فقال: ويجيبني سيدي إبراهيم، قال: يا عم أجبه، فصار إليه إبراهيم من غد وبكر عليه الندماء جميعاً فسر وشرب حتى سكر وكان طاغياً شديد العربدة لجوجاً فلما عمل فيه الكسر قال: يا إبراهيم غنيني صوتك الذي فيه مو مو، قال: لا أعرف هذا الصوت، قال: تغني والله أبداً كل شيء تحسنه حتى يمر هذا الصوت، قال: فغنى أصواتاً كثيرة وإلى بينها والإفشين ساكت ضارب بذقنه على صدره، ثم خطر ببال إبراهيم قول الرشيد وبكاؤه وإشفاقه عليه فغنى متفجعاً لذكره:
لم ألق بعدهم قوماً فأخبرهم ... ألا يزيدهم حباً إليّ هم فرفع الإفشين رأسه وقال: هو هو، فقال إبراهيم: أما إنك لا تدري ما استخرجه، وانصرف فقطع الغناء وأهله ولم يتغن بقية أيامه حتى اعتل العلة التي توفي فيها؛ فإنه لما ثقل دعا المعتصم صالح بن الرشيد فقال: صر إلى عمي فقد بلغني أنه أصبح عليلاً فأحضره وانصرف إليّ بخبره، قال: فصرت إليه فإذا هو شديد العلة فسلمت عليه وسألته عن حاله فقال: صر إلى الحجرة فاخلع سيفك وسوادك وعد إليّ آنس بك ساعة، ففعلت، ودعا خادماً من خدمه فأمره أن يحضر طعاماً فأكلت وهو ينظر إليّ وأتبين الأسف في عينيه، ثم دعا لي بأرطال مطبوخ عجيب فشربت، ثم قال: يا غلام ادع بنعمة وخيزرانة، وكانت نعمة تغني وخيزرانة تضرب، فجاءنا فأمر هذه فضربت وهذه فغنت ثم قال: أسندني، فأسندناه فأمر خيزرانة فحطت من طبقتها ثم اندفع يغني:
رب ركب قد أناخوا حولنا ... يشبون الخمر بالماء الزلال
ثم أضحوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدهر حال بعد حال
من رآنا فليوطن نفسه ... إنه منها على قرب زوال 
قال: فاستوفاه، فما سمعت قط شيئاً أحسن من غنائه فيه، ثم قال: بأبي أنت أزيدك قلت: ما أريد أن أشق عليك مع ما أراه من حالك فليتني
كنت فداك، فقال: دعني أودع نفسي، وتغني:
يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تبلى
لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى
والعيش أولى ما بكاه الفتى ... لابد للمحزون أن يسلى 
فبكيت لطيب غنائه وشربت أرطالاً ومال على جنبه ونهضت فليست سوادي، فما خرجت من الحجرة حتى سمعت الصراخ عليه فصرت إلى المعتصم فأخبرته الخبر على وجهه فاسترجع وبكى وتفجع.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لأبو العباس شمس الدين أحمد ابن خلكان البرمكي الإربلي

 

 

أبو إسحق إبراهيم بن المَهْدي محمد بن أبي جعفر المَنْصُور عبد الله بن محمد السَّفَّاح العَبَّاسي الهَاشِميّ البغدادي، أخو هارون الرَّشيد. توفي بسُرّ مَنْ رَأَى في رمضان سنة أربع وعشرين ومائتين، عن اثنتين وستين سنة.
كان أسود اللون، عظيم الجثة ولهذا قيل له التِّنّين، وكان وافر الفضل غزير الأدب [و] كانت له اليد الطولى في الغناء والضرب بالملاهي وحُسن المنادمة ولم يُرَ في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لساناً ولا أحسن شعراً وبويع بالخلافة ببغداد بعد المائتين والمأمون يومئذ بخراسان وأقام خليفة بها مقدار سنتين ولما قدم المأمون ترك الخلافة إلى أن قتل. ذكره ابن خَلِّكان.
سلم الوصول إلى طبقات الفحول - حاجي خليفة.

 

 

إبراهيم بن المهدي: الأمير الكبير أبي إسحاق الملقب: بالمبارك إبراهيم بن أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي جَعْفَرٍ الهَاشِمِيُّ العَبَّاسِيُّ الأَسْوَدُ.
ويُعْرَفُ: بِالتِّنِّيْنِ لِلْونِهِ وضَخَامَتِهِ.
كَانَ فَصِيْحاً بَلِيْغاً عَالِماً أَدِيْباً شَاعِراً رَأْساً فِي فَنِّ المُوْسِيْقَى.
وَيُقَالُ لَهُ: ابْنُ شَكْلَةَ وَهِيَ أُمُّهُ.
حَدَّثَ عَنْ: المُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ وَحَمَّادٍ الأَبَحِّ.
رَوَى عَنْهُ: وَلَدُهُ هِبَةُ اللهِ وَحُمَيْدُ بنُ فَرْوَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ الهَيْثَمِ وَغَيْرُهُم.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المُغِيْرَة الأَثْرَمُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ: أَنَّهُ وَلِيَ إِمْرَةَ دِمَشْقَ أَعْوَاماً لَمْ يُقْطَعْ فِيْهَا عَلَى أَحَدٍ طَرِيْقٌ، وَحُدِّثْتُ أَنَّ الآفَةَ فِي قطع الطريق من دعامة، وَنُعْمَانَ، وَيَحْيَى بنِ أُرمِيَا اليَهُوْدِيِّ البَلْقَاوِيِّ، وَأَنَّهُم لَمْ يَضَعُوا يَدَهُم فِي يَدِ عَامِلٍ فَكَاتَبْتُهُم فَتَابَ دُعَامَةُ وَحَلَفُ النُّعْمَانُ بِالأَيْمَانِ أنَّهُ لاَ يُؤْذِي مَهْمَا وُلِّيْتُ. وَطَلَبَ ابْنُ أُرمِيَا أَمَاناً ليَأْتِي، وَيُنَاظِرَ فَأَجَبْتُهُ فَقَدِمَ شَابٌّ أَشْعَرُ أَمْعَرُ فِي أَقبِيَةِ دِيْبَاجٍ، وَمِنْطَقَةٍ وَسَيْفٍ مُحَلَّى فَدَخَلَ عَلَى الخَضْرَاءِ فَسَلَّمَ دُوْنَ البِسَاطِ فَقُلْتُ: اصْعَدْ قَالَ: إِنَّ لِلْبِسَاطِ ذِمَاماً أَخَافُ أَنْ يُلْزِمَنِي جُلُوسِي عَلَيْهِ وَمَا أَدْرِي مَا تَسُومُنِي قُلْتُ: أَسْلِمْ، وَأَطِعْ قَالَ: أَمَّا الطَّاعَةُ فَأَرْجُو وَلاَ سَبِيْلَ إِلَى الإِسْلاَمِ فَمَا عِنْدَكَ إِنْ لَمْ أُسْلِمْ؟ قُلْتُ: لاَ بُدَّ مِن جِزْيَةٍ. قَالَ: أَعْفِنِي قُلْتُ: كَلاَّ. قَالَ: فَأَنَا مُنْصَرِفٌ عَلَى أَمَانِي فَأَذِنْتُ لَهُ وَأَمَرْتُهُم أَنْ يُسْقُوا فَرَسَهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ دَعَا بِدَابَّةِ غُلاَمِهِ وَتَرَكَ فَرَسَهُ وَقَالَ: لَنْ آخُذَ شَيْئاً ارْتَفَقَ مِنْكُم فَأُحَارِبَكُم عَلَيْهِ. فَاسْتَحْيَيتُ، وَطَلَبْتُهُ فَلَمَّا دَخَلَ قُلْتُ: الحَمْدُ للهِ ظَفَرْتُ بِكَ بِلاَ عَهْدٍ قَالَ: وَكَيْفَ؟ قُلْتُ: لأَنَّكَ انْصَرَفْتَ مِنْ عِنْدِي، وَقَدْ عُدْتَ.
قَالَ: شَرْطُكَ أَنْ تَصْرِفَنِي إِلَى مَأْمَنِي فَإِنْ كَانَ دَارُكَ مَأْمَنِي فلَسْتُ بِخَائِفٍ، وَإِنْ كَانَ مَأْمَنِي أَرْضِي فَرُدَّنِي فَجَهَدْتُ بِهِ أَنْ يُؤَدِّي جِزْيَةً عَلَى أَنْ أَهَبَهُ فِي السَّنَةِ أَلفَيْ دِيْنَارٍ فَأَبَى، وَذَهَبَ فَأَسْعَرَ الدُّنْيَا شَرّاً، وَحُمِلَ مَالٌ مِن مِصْرَ فَتَعَرَّضَ لَهُ فَكَتَبَ النُّعْمَانُ إِلَيَّ فَأَمَرْتُهُ بِمُحَارَبَتِهِ.
فَسَارَ النُّعْمَانُ، وَوَافَاهُ اليَهُوْدِيُّ فِي جَمَاعَتِهِ فَسَأَلَهُ النُّعْمَانُ الاَنصِرَافَ فَأَبَى، وَقَالَ: بَارِزْنِي وَإِنْ شِئْتَ بَرَزْتُ وَحْدِي إِلَيْكَ وَإِلَى جُنْدِكَ فَقَالَ النُّعْمَانُ: يَا يَحْيَى، وَيْحَكَ! أَنْتَ حَدَثٌ قَدْ بُلِيْتَ بِالعُجْبِ وَلَوْ كُنْتَ مِنْ أَنْفَسِ قُرَيْشٍ لَمَا أَمْكَنَكَ مُعَارَّةُ السُّلْطَانِ وَهَذَا الأَمِيْرُ هُوَ أَخُو الخَلِيْفَةِ، وَأَنَا وَإِنِ افْتَرَقْنَا فِي الدِّيْنِ أُحِبُّ أَنْ لاَ يُقْتَلَ عَلَى يَدَيَّ فَارِسٌ فَإِنْ كُنْتَ تُحِبُّ السَّلاَمَةَ فابرز إلي ولا يبتلى بِنَا غَيْرُنَا فَبَرَزَ لَهُ العَصْرَ، فَمَا زَالاَ فِي مُبَارَزَةٍ إِلَى اللَّيْلِ فَوَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى فَرَسِهِ مُتَّكِئاً عَلَى رُمْحِهِ فَنَعَسَ النُّعْمَانُ فَطَعَنَهُ اليَهُوْدِيُّ فَيَقَعُ سِنَانُ رُمْحِهِ فِي المَنْطِقَةِ فَدَارَتْ وَصَارَ السِّنَانُ يَدُورُ مَعَهَا فَاعْتَنَقَهُ النُّعْمَانُ، وقال: أغدرًا يا ابن اليهودية؟! فقال: أو محارب يَنَامُ يَا ابْنَ الأَمَةِ؟! فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ النُّعمَانُ فَسَقَطَ فَوْقَهُ وَكَانَ النُّعْمَانُ ضَخْماً فَصَارَ فَوقَهُ فَذَبَحَ اليَهُوْدِيَّ وَبَعَثَ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ فَاطْمَأَنَّتِ البِلاَدُ، ثُمَّ وَلِيَ بَعْدِي عَمِّي سُلَيْمَانُ فَانْتَهَبه أَهْلُ دِمَشْقَ وَسَبَوْا حُرَمَهُ.
قَالَ الخَطِيْبُ: بُوْيِعَ إِبْرَاهِيْمُ بالخلافة زمن المأمون فحارب الحسن ابن سَهْلٍ فَهَزَمَهُ إِبْرَاهِيْمُ، ثُمَّ أَقْبَلَ لِحَرْبِهِ حُمَيْدٌ الطُّوْسِيُّ فَهُزِمَ جَمْعُ إِبْرَاهِيْمَ وَاخْتَفَى إِبْرَاهِيْمُ زَمَاناً إِلَى أَنْ ظَفَرَ بِهِ المَأْمُوْنُ فَعَفَا عَنْهُ.
وَفِيه يَقُوْلُ دِعْبِل:
نَفَرَ ابْنُ شَكْلَةَ بِالعِرَاقِ وَأَهْلِهَا ... وَهَفَا إِلَيْهِ كُلُّ أَطْلَسَ مَائِقِ
إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيْمُ مُضْطَّلِعاً بِهَا ... فَلَتَصْلُحَنْ مِنْ بَعْدِهِ لمُخَارِقِ
وَكَانَ مُخَارِقٌ مُغَنِّيَ وَقْتِهِ.
قَالَ ابْنُ مَاكُوْلاَ: وُلِدَ إِبْرَاهِيْمُ سَنَةَ 162.
قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا لَمْ يُدْرِكْ مُبَارَكَ بنَ فَضَالَةَ.
قَالَ الخُطَبِيُّ: بَايَعُوْهُ بِبَغْدَادَ وَلُقِّبَ: بِالمُبَارَكِ وَقِيْلَ: المَرَضِيِّ فِي أَوَّلِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، وَمائَتَيْنِ فَغَلَبَ عَلَى الكُوْفَةِ، وَبَغْدَادَ وَالسَّوَادِ فَلَمَّا أَشْرَفَ المَأْمُوْنُ عَلَى العِرَاقِ ضَعُفَ إِبْرَاهِيْمُ قَالَ: وَرَكِبَ إِبْرَاهِيْمُ بِأُبَّهَةِ الخِلاَفَةِ إِلَى المُصَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَهُوَ ينظرإِلَى عَسْكَرِ المَأْمُوْنِ، وَأَطْعَمَ النَّاسَ بِالقَصْرِ ثُمَّ اسْتَتَرَ قَالَ: وَظَفِرَ المَأْمُوْنُ بِهِ سَنَةَ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ فَعَفَا عَنْهُ، وَبَقِيَ عَزِيْزاً.
قَالَ أبي مُحَلَّم: قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَهْدِيِّ حِيْنَ أُدْخِلَ عَلَى المَأْمُوْنِ: ذَنْبِي أَعْظَمُ مِنْ عُذْرٍ وَعَفْوُكَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتَعَاظَمُهُ  ذَنْبٌ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ لَمَّا اعْتَذَرَ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ تَوَثُّبُهُ بِثَمَانِي سنين عفا عنه وقال: ههنا يا عم! ههنا يَا عَمُّ!.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ حَدِيْثاً لأَحْمَدَ بنِ الهَيْثَمِ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ المَهْدِيّ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ الأَبَحُّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا المَصِّيْصِيُّ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ الحَرْبِيُّ: نُودِيَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَمائَتَيْنِ أَنَّ أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ قَدْ عَفَا عَنْ عَمِّهِ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ حَسَنَ الوَجْهِ حَسَنَ الغِنَاءِ حَسَنَ المَجْلِسِ رَأَيْتُهُ عَلَى حِمَارٍ، فَقَبَّلَ القَوَارِيْرِيُّ فَخِذَهُ.
وَعَنْ مَنْصُوْرِ بنِ المَهْدِيِّ قَالَ: كَانَ أَخِي إِبْرَاهِيْمُ إِذَا تَنَحْنَحَ طَرِبَ مَنْ يَسْمَعُهُ فَإِذَا غَنَّى أَصْغَتِ الوُحُوشُ حَتَّى تَضَعَ رُؤُوْسَهَا فِي حَجْرِهِ فَإِذَا سَكَتَ هَرَبَتْ، وَكَانَ إِذَا غَنَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إلَّا ذهل.
وَقَالَ ابْنُ الفَضْلِ بنِ الرَّبِيْعِ: مَا اجْتَمَعَ أَخٌ وَأُخْتٌ أَحْسَنَ غِنَاءً مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ المَهْدِيِّ وَأُخْتِهِ عُلَيَّةَ.
قَالَ ثُمَامَةُ بنُ أَشْرَسَ: قَالَ لِيَ المَأْمُوْنُ: قَدْ عَزْمْتُ عَلَى تَقْرِيْعِ عَمِّي فَحَضَرْتُ فَجِيْءَ بِإِبْرَاهِيْمَ مَغْلُوْلاً قَدْ تَهَدَّلَ شعره على عيينه فَسَلَّمَ فَقَالَ المَأْمُوْنُ: لاَ سَلَّمَ اللهُ عَلَيْكَ أَكُفْراً بِالنِّعْمَةِ وَخُرُوْجاً عَلَيَّ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ: إِنَّ القُدْرَةَ تُذْهِبُ الحَفِيْظَةَ وَمَنْ مُدَّ لَهُ فِي الاغْتِرَارِ هَجَمَتْ بِهِ الأَنَاةُ عَلَى التَّلَفِ، وَقَدْ رَفَعَكَ اللهُ فَوْقَ كُلِّ ذَنْبٍ كَمَا وَضَعَ كُلَّ ذِي ذَنْبٍ دُوْنَكَ فَإِنْ تُعَاقِبْ فَبِحَقِّكَ وَإِنْ تَعْفُ فَبِفَضْلِكَ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَعْنِي: ابْنَهُ العَبَّاسَ وَالمُعْتَصِمَ يُشِيْرَانِ بِقَتْلِكَ قَالَ: أَشَارَا عَلَيْكَ بِمَا يُشَارُ بِهِ عَلَى مِثْلِكَ فِي مِثْلِي وَالمَلِكُ عَقِيْمٌ، وَلَكِنْ تَأْبَى لَكَ أَنْ تَسْتَجْلِبَ نَصْراً إلَّا مِنْ حَيْثُ عَوَّدَكَ اللهُ وَأَنَا عَمُّكَ وَالعَمُّ صِنْوُ الأَبِ وَبَكَى، فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنَا المَأْمُوْنِ وَقَالَ: خَلُّوا عَنْ عَمِّي ثُمَّ أَحْضَرَهُ وَنَادَمَهُ وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى ضَرَبَ لَهُ بِالعُوْدِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَحْمَدَ بنَ خَالِدٍ الوَزِيْرَ قَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ إِنْ قَتَلْتَهُ فَلَكَ نُظَرَاءٌ وَإِنْ عَفَوْتَ لَمْ يَكُنْ لَكَ نَظِيْرٌ.
تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيْمُ فِي رَمَضَانَ سنة أربع وعشرين ومائتين.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن  قايماز الذهبي

 


إبراهيم بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور، العباسي الهاشمي، أبي إسحاق، ويقال له ابن شكلة: الأمير، أخو هارون الرشيد. في ترجمته طول وفي أخباره كثرة. ولد ونشأ في بغداد، وولاه الرشيد إمرة دمشق، ثم عزله عنها بعد سنتين، ثم أعاده إليها فأقام فيها أربع سنين. ولما انتهت الخلافة إلى المأمون كان إبراهيم قد اتخذ فرصة اختلاف الأمين والمأمون للدعوة إلى نفسه، وبايعه كثيرون ببغداد، فطلبه المأمون، فاستتر، فأهدر دمه، فجاءه مستسلما، فسجنه ستة أشهر، ثم طلبه إليه وعاتبه على عمله، فاعتذر، فعفا عنه. وكانت خلافته ببغداد سنتين إلا خمسة وعشرين يوما (202 - 204 هـ) وتغلب على الكوفة والسواد، والمأمون بخراسان. وأقام في استتاره ست سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام وظفر به المأمون سنة 210 هـ. وكان أسود حالك اللون، عظيم الجثة. وليس في أولاد الخلفاء قبله أفصح منه لسانا، ولا أجود شعرا. وكان وافر الفضل، حازما، واسع الصدر. سخي الكف. حاذقا بصنعة الغناء. وأمه جارية سوداء اسمها (شكلة) نسبه إليها خصومه. مات في سر من رأى. وصلى عليه المعتصم .
-الأعلام للزركلي-