محمد بن نجم الدين بن محمد الصالحي الهلالي شمس الدين

تاريخ الولادة956 هـ
تاريخ الوفاة1012 هـ
العمر56 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • دمشق - سوريا
  • طرابلس - لبنان

نبذة

مُحَمَّد بن نجم الدّين بن مُحَمَّد الملقب شمس الدّين الْمَعْرُوف بالصالحى الهلالى الدمشقى الاديب الْكَاتِب المنشى الشَّاعِر الْمَشْهُور فَرد الزَّمَان وأوحد الاوان ولد بمشق وَقَرَأَ بهَا الْقُرْآن ثمَّ توجه الى مَكَّة المشرفة وَقَرَأَ بهَا الْفِقْه على الشَّيْخ الامام شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الهيتمى.

الترجمة

مُحَمَّد بن نجم الدّين بن مُحَمَّد الملقب شمس الدّين الْمَعْرُوف بالصالحى الهلالى الدمشقى الاديب الْكَاتِب المنشى الشَّاعِر الْمَشْهُور فَرد الزَّمَان وأوحد الاوان ولد بمشق وَقَرَأَ بهَا الْقُرْآن ثمَّ توجه الى مَكَّة المشرفة وَقَرَأَ بهَا الْفِقْه على الشَّيْخ الامام شهَاب الدّين أَحْمد بن حجر الهيتمى وعَلى الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن فَهد وعَلى القطب المكى الشهروانى ثمَّ قدم دمشق بعد وَفَاة وَالِده فى سنة أَربع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَقَرَأَ بهَا النَّحْو والمعانى وَالْبَيَان على الْعِمَاد الحنفى والشهاب أَحْمد المغربى وتفقه بِالنورِ النسفى المصرى نزيل دمشق وبرع فى الْفِقْه وَالتَّفْسِير والادب مَعَ الذكاء المفرط وَحسن الْفَهم وَلزِمَ الْعُزْلَة فى حجرَة بِالْمَدْرَسَةِ العزيزية وَكَانَ فى الْغَالِب يكْتب تَفْسِير البيضاوى وخطه فى غَايَة الْجَوْدَة ومشهور حق الشُّهْرَة خُصُوصا فى الرّوم فانهم يتغالون فِيهِ وَكَانَ جمع مَالا عَظِيما وَلم يتَزَوَّج مُدَّة عمره وَكَانَت لَهُ أُخْت متزوجة فى طرابلس الشَّام فسافر لزيارتها فى سنة ثَمَان بعد الالف فَاجْتمع هُنَاكَ بالامير على بن سَيْفا فَجعله فى مُدَّة اقامته بطرابلس معلما لوَلَده الامير مُحَمَّد السيفى فَكَانَ ذَلِك سَببا لاقامته بطرابلس مُدَّة ومدح الامير عليا وأخاه الامير يُوسُف بقصائد طنانة ثمَّ رَجَعَ الى دمشق والذى تلخص فِيهِ من القَوْل انه أبلغ بلغاء عصره وأفصح فصحاء دهره لم تكتحل بِمثلِهِ عين الزَّمَان وَلم يبتسم لنظيره ثغر الْعرْفَان وَقد ذكره الخفاجى وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَهُوَ أَخذ عَنهُ الادب ثمَّ قَالَ فى تَرْجَمته وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى من سنته الاعتزال عَن النَّاس وَتَقْدِيم الوحشة على الِاسْتِئْنَاس عَاملا فى أَوَاخِر عمره بقول على رضى الله عَنهُ بَقِيَّة عمر الْمَرْء لَا ثمن لَهَا يدْرك بهَا مَا فَاتَ وَيحيى مَا مَاتَ وَقد عقده البستى بقوله
(بَقِيَّة الْعُمر عندى مَا لَهَا ثمن ... وان غَدا خير مَحْبُوب بِلَا ثمن)
(يسْتَدرك الْمَرْء فِيهَا مَا أفات وَيحيى مَا أمات ويمحى السوء بالْحسنِ ... )
وَمن شعر الْعَلامَة الزمخشرى قَوْله فى هَذِه الْبَقِيَّة
(خربَتْ هَذَا الْعُمر غير بَقِيَّة ... ولعلنى لَك بالقية عَامر)
واشعاره ومنشآته كَثِيرَة وَله ديوَان فى مدح مصطفى عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام سَمَّاهُ صدح الْحمام فى مدح خير الانام ذكر فِيهِ تِسْعَة وَعشْرين قصيدة مرتبَة على حُرُوف المعجم وَقد ذكر فى ديباجته نبذا من صِفَاته ومعاهد انسه ولذاته ومسارح آرام أترابه ولداته قَالَ فى فصل صَدره اننى لما نشأت بِمَكَّة المشرفة والاماكن الَّتِى هى بالجوزاء ممنطقة وبالثريا مشنفه وَقد كسانى الزَّمَان قشيب بروده وطفت فِيهَا مَا بَين عقيق الْحمى وزروده وغصن الصِّبَا بأيام السعادات مُورق وَبدر الشَّبَاب فى سَمَاء الكمالات مشرق خلى البال منفى البلبال لَا دأب لى الا موسم وُفُود الْعُلُوم فى سوق عكاطها وَلَا شغل لى الا استكشاف وسائم وُجُوه الْمعَانى المخبأة تَحت براقع ألفاظها أستمرى من اخلاف الائمة الْمَشَايِخ در الْمَفْهُوم وأستخرج من بَحر كل حبر راسخ در الْعُلُوم أفاضل امتطوا من سَائِر الْعُلُوم غوارب الانتاج وأماثل فاضت بحور علومهم كَمَا يفِيض الْبَحْر المتلاطم بالامواج اغترفوا من حِيَاض المعارف نمير الْحَقَائِق واقتطفوا من رياض الْآدَاب ثَمَرَات اللطائف وَالرَّقَائِق لَو سمع قس فصيح لغاتهم لادركه العى بسوق عكاظ وَلَو شاهدهم سحبان لولى يسحب ذيله خجلا من جزالة الْمعَانى ورقة الالفاظ شموس فضائلهم لم تزل دائمة الطُّلُوع ومزن أدبهم مَا انْفَكَّ بقطر النّظم والنثر هموع ثمَّ لما قضى الله بِحمْل عَصا الترحال وَشد الاقتاب وحلول انتاج الاجمال وَبَطلَت حَرَكَة ذَلِك الدّور وتنقل الزَّمَان من طور الى طور أعملنا حُرُوف النجائب تنبض بِنَا الْبَيْدَاء فى سراها ولطمنا خُذ الارض باخفافها الى أَن براها السرى فى براها فكم جاوزنا جبالاً شوامخ زاحمت بمناكبها السحائب وذرعنا الناجبات شقة قفر فَلم تطوالا بأيدى الركائب وَكم جسرنا بالجاسرات على ملاقاة زنجى الظلام وَكلما رَاعنا أشرعنا اليه من الْكَوَاكِب أسنة وسللنا عَلَيْهِ من الْبَرْق حسام الى أَن بَدَت لاعيننا قباب الْمصلى كالفوانس وشاهدنا عروس الشَّام تنجلى فى سندسى الملابس وَحقّ للْمُسَافِر ان ينشد الْبَيْت السائر
(فَأَلْقَت عصاها وَاسْتقر بهَا النَّوَى ... كَمَا قر عينا بالاياب الْمُسَافِر)
فنزلنا بِأَرْض دمشق المحروسه وحللنا رحابها المأنوسه فعكفت على مَا كنت بِمَكَّة عَلَيْهِ وفوقت سِهَام عزمى الى غَرَض كَانَ مرماى قَدِيما عَلَيْهِ من اقتناص الشوارد وَتَقْيِيد الاوابد وصادفت بهَا سادة أَئِمَّة وقادة يهتدى بنورهم فى ظلم الْجَهْل المدلهمه اعيان مجد يشار اليهم بالاصابع واقران فضل لَا طَاعن فيهم وَلَا مدافع وصدور علم تتجمل بهم صُدُور الْمجَالِس اذا الْتفت عَلَيْهِم المجامع وآساد بِحَيْثُ يتضاءل لصولتهم كل معاند مُنَازع وفرسان كَلَام فى ميدان نثر ونظام اشرقت شموس فضائهم فى افلاك السُّعُود ونظموا فى سلك الْفَضَائِل كنظم الدّرّ فى اسلاك الْعُقُود رياض آدَاب كلهَا زَاهِر وبحار عُلُوم كلهَا لآلئ وجواهر وَقَالَ
(قد انتظموا فى سلك فضل قلادة ... وَكلهمْ وسطى وناهيك من عقد)
فصحبتهم بُرْهَة من الزَّمَان ونظمت من منثور فضائلهم قلائد العقيان ثمَّ الا غَالب هَؤُلَاءِ الَّذين أخيرا ذكرتهم وحلبت أشطرهم فى حَال الصُّحْبَة وخبرتهم راسلته وراسلنى يرائق شعره وسجعه وادرت كؤس قوافى شعرى على أَفْوَاه سَمعه وَمِنْه من مدحته لَا رَغْبَة فى نواله وَلَا طَمَعا فى الارتواء من سجله يَوْم سجاله بل تَلَوت عَلَيْهِ غرائب أسمارى استقداحا لزناده وزففت اليه عرائس افكارى استجلابا لوداده
(فهن عذارى مهرهَا الود لَا الندى ... وَمَا كل من يعزى الى الشّعْر يستجدى)
ثمَّ عَن لى وَارِد ربانى وخاطر الهى رحمانى سَار بذكرى فى مجَاز الْحَقِيقَة وأشهدنى عُقبى الامور السحيقه فَرَأَيْت كل قَول لَا ينفع صَاحبه غَدا فَهُوَ من زخرف القَوْل الفانى وَعلمت يَقِينا ان هَذِه الشقاشق لَا تعقب فى الْآخِرَة سرُور وَلَا تهانى وقوى الْعَزْم على ان أقدم بَين يدى مُقَدّمَة من نتائج الْفِكر وَحجَّة يقْضى الْعقل بِصِحَّة ثُبُوتهَا لتضمنها مدح خير الْبشر عَسى انها اذا قبلت تكون وَسِيلَة الى الْفَوْز بالنجاة وَكَفَّارَة لذنوب اكتسبتها وجرائم اقترفتها أَيَّام الْحَيَاة وظنى انها من القضايا المنتجة وان أَبْوَاب الْقبُول مَفْتُوحَة لَهَا غير مرتجة قلت وكل قصائده هَذِه // جَيِّدَة // لَكِن تعجبنى هَذِه الرائية ومستهلها قَوْله
(يَا ثانى الْغُصْن من قد لَهُ خطر ... ومفرد الْحسن هَا قلبى على خطر)
(وَيَا مديرا علينا من مراشفه ... سلافة الراح فى كاس من الثغر)
(لَا تحبس الراح عَمَّن رَاح ذَا علل ... شوقا لورد اللمى من ريقك الخصر)
(يَا صاحبى بنعمان الاراك خذا ... عَن يمنة الحى أَو كونا على حدر)
(فمرصد الْحبّ حَيْثُ الْغُصْن منعطف ... ومكمن الْمَوْت بَين الْورْد والصدر)
(وَحَيْثُ مسرح آرام رعايتها ... حب الْقُلُوب بسفح الاضلع الشّعْر)
(من كل ريم يصيد الاسد ناظره ... وَيكسر الجفن يَوْم الروع من حور)
مِنْهَا
(يَا ثَبت الله قلب الصب حِين دنا ... من موقف يستطير الْعقل بالطير)
(وَقد تسر بل درع الصَّبْر سابغة ... وَرَاح فى السّير بَين الامن والحذر)
مِنْهَا
(مَا كنت ادرى بَان الْحبّ ذُو محن ... حَتَّى ابْتليت وَلَيْسَ الْخَبَر كالخبر)
(امسى وداء الامانى لَا يفارقنى ... ان الامانى تضنى الْقلب بِالذكر)
(والجسم قد رق من ضعف وَمن سقم ... حَتَّى تشكى مَسِيس القمص والازر)
(والجفن لم يعرف الاغماض مذ عقدت ... بحاجب مِنْهُ اهداب من الشّعْر)
(كم قلت للقلب من خوف عَلَيْهِ وَقد ... امسى بحب ظباء البدوفى فكر)
(أَنهَاك أَنهَاك لَا آلوك معذرة ... عَن نومَة بَين نَاب اللَّيْث وَالظفر)
(فَمَا أصاخ الى قولى وموعظتى ... حَتَّى رمى من صروف الْحبّ بالغبر)
(ان تمس يَا قلب من قَتْلَى الْهوى فلكم ... مُلُوك عشق هووا من أرفع السرر)
(وَغير بدع فلك الْحبّ سطوته ... تصير الاسد أشلاء الظبا العفر)
(يَا ظبى انس لَهُ فتك الاسود وَمن ... لولاه لم ألف الف الْهم والغير)
(كف الانمارة عَن قلب بِهِ فتكت ... سيوف لحظ صَحِيح الجفن منكسر)
(مَا ان يمر بِهِ يَوْم بِلَا نصب ... وَلَا يُبَاح لَهُ صفو بِلَا كدر)
(سليته يَوْم ملقانا بذى سلم ... حَيْثُ الخزاما وَنبت الضال والسمر)
(وَهَا أَنا مستجير من هَوَاك بِمن ... أَجَارَ ظبى الفلا الْمُخْتَار من مُضر)
مِنْهَا
(سَائل قُريْشًا غَدَاة النَّقْع حَيْثُ رموا ... بِعَارِض من زوام الْمَوْت منهمر)
(وَكَيف أضحوا جفَاء عِنْد مَا غرقوا ... بسيل خيل جرى فى الاخذ منحدر)
(كانما الْخَيل فى الميدان ارجلها ... صوالج ورؤس الْقَوْم كالاكر)
وَقَوله أَيْضا الطائية وأولها
(سقى طللا حَيْثُ الاجارع والسقط ... وَحَيْثُ الظباء العفر مَا بَينهَا تعطو)
(هزيم همول الودق مرتجس لَهُ ... بافنائه فى كل نَاحيَة سقط)
(وَلَو ان لى دمعا يرْوى رحابه ... لما كنت أرْضى عارضا جوده نقط)
(وَلَكِن دمعى صَار أَكْثَره دَمًا ... فَأنى يُرْجَى ان يرْوى بِهِ قحط)
هَذَا كَقَوْل مهيار
(بَكَيْت على الوادى فَحرمت مَاءَهُ ... وَكَيف يحل المَاء اكثره دم)
وكقول الابيوردى أَيْضا فى الْمَعْنى
(سقى الله ليل الْخيف دمعى والحيا ... اريد الحيا فالدمع أَكْثَره دم)
رَجَعَ
(وَلما رمانى الْبَين سَهْما مُسَددًا ... فأقصدنى والحى ألوى بِهِ شحط)
(نحوت باصحابى وركبى أجارعا ... فَلَا دفل يلفي لَدَيْهَا وَلَا خمط)
(وَجِئْنَا ديارًا لوتصدن لقطعها ... روامس أرياح لاعيت فَلم تخط)
مِنْهَا
(سريت وصحبى قد اديرت لديهم ... سلاف كروى العيس فى سَيرهَا تمطو)
(وَقد مَالَتْ الاكوار وانحلت البرى ... لطول السرى حَتَّى فرى الالسع الغط)
(كأنا ببحر الْآل والركب منجد ... وَنحن بِبَطن الْغَوْر نعلو وننحط)
(كَمثل غريق لَيْسَ يدرى سباحة ... وَقد صَار وسط المَاء يَبْدُو وينغط)
(وقفنا برسم الرّبع وَالرّبع خاشع ... نسائله عَن ساكنيه مَتى شطوا)
(فَلَو أَن رسما قبله كَانَ مخبرا ... لقَالَ لنا سارواو بالمنحنى حطوا)
(كَانَ فنَاء الرّبع طرس وركبنا ... صُفُوفا بِهِ سطر ورسما بِهِ كشط)
(رعى الله طيفا زار من نَحْو غادة ... وَحيا وُفُود اللَّيْل مَا شابه وَخط)
(فحييت طيفا زار من نَحْو ارضها ... وَمن دونهَا وَالدَّار شاسعة سقط)
(فيا طيف هَل ذَات الوشاحين واللمى ... على الْعَهْد أم ألوى بهَا بَعدنَا الشحط)
(وَهل غُصْن ذَاك الْقد يحْكى قوامه ... اذا خطرت فى الرَّوْض مَا ينْبت الْخط)
(وَهل ذَلِك السبط الْمرجل لم يزل ... يمج فتيت الْمسك من بَينه الْمشْط)
(وَهل عقرب الصدغين فى روض خدها ... لشوكتها تحمى ورودا بِهِ تغطو)
(وَهل خصرها بَاقٍ على جور ردفها ... فعهدى بِذَاكَ الردف فى الْجور يشتط)
(وَهل حجلها غصان من مَاء سَاقهَا ... وَهل جيدها بَاقٍ بِهِ العقد والقرط)
(وَهل رِيقهَا كَالْخمرِ يَا صَاح مُسكر ... فعهدى بِهِ قدما وَمَا ذقته اسفنط)
(وَهل ردنها والذيل مهما تفاوحا ... يضوعان عطرا دونه الْمسك والقسط)
(وَهل سرها مَا سَاءَ عشاق حسنها ... وَقد نزفوا للبين دمعا وَقد أطوا)
(وَهل نسيت لَيْلًا وَقد دَار بَيْننَا ... حَدِيث كَمثل الدّرّ سمعى لَهُ سفط)
(وَهل علمت انى نظمت قلائدا ... فَمَا عقدهَا فى الْجيد مِنْهَا وَلَا السمط)
(قلائد فى وصف الذى طوق الورى ... عوارف مثل الْبَحْر لَيْسَ لَهُ شط)
وَقَوله أَيْضا من الفائية وأولها
(أجيراننا الغادين وَاللَّيْل مسدف ... عساكم لمضنى الْقلب أَن تتخلفوا)
(وَركب طلاح صاحبوا النَّجْم فى السرى ... ترامى بهم فى السّير بيد ونفنف)
(نضوا مِنْهُم فى السّير عزما كمرهف ... وأنضوا قلاصا فى المفاوز تعسف)
(يَخُوضُونَ بَحر الْآل يطغى عبابه ... وطورا دياجى اللَّيْل وَاللَّيْل مسدف)
(كَانَ المطايا والاكلة فَوْقهَا ... سفين بأيدى الارجيات عيدف)
(كَأَنَّهُمْ قد عاقدوا العبس حلفة ... على انها فى كل بيداء توجف)
(الى ان يرَوا تِلْكَ القباب الَّتِى بهَا ... شَفِيع الورى ذَاك النبى المشرف)
وَقَوله أَيْضا من الكافية
(يَا ربة الْحسن لَو تممت حسناك ... لعدت مضنى وَمَا أضناه الاك)
(لابدع فى الشَّرْع عود الصب ذى دنف ... وَكَيف والصب يَا ضمياء مضناك)
(لَا تعجبين وَقد أسقمت مهجته ... والعاشقون وَأهل الحى قتلاك)
(ترمين أسْهم الحاظ تفوقها ... اذا نظرت الى العشاق عَيْنَاك)
(كفى لحاظك ان شِئْت الْبَقَاء على ... هَذَا الاثام اطال الله بقياك)
(لحظى ولحظك مَا زَالَت فعالهما ... تحكى فعائل سفاح وسفاك)
(حذرت قلبى مِمَّا قد ألم بِهِ ... كَأَن تحذير هَذَا الْقلب أغراك)
(هَل تعلمين بَان الْقلب فى قلق ... شوقا اليك وان الْقلب يهواك)
(لولاك مَا بت ارعى النَّجْم ساهرة ... منى الْعُيُون حَلِيف الوجد لولاك)
(لما خطرت بقد كالقنا خطرت ... ذكراك فى قلب صب لَيْسَ ينساك)
(وَكَيف ينساك صب مَاله شغل ... فى كل صبح وليل غير ذكراك)
(أبعدت صبك اذ قربت ذاهلة ... من لَا يزَال مدى الايام يشناك)
(كَأَنَّمَا المبغضون الاصدقاء غدوا ... والاصدقاء وَأهل الْحبّ أعداك)
(نصبت حَبَّة قلبى والضلوع غَدَتْ ... منى كأشباه أفخاخ وأشراك)
(ورمت صيدك يَا أُخْت الغزال فقد ... غَدَوْت وَالْقلب والاشراك أسراك)
(فأضلعى المنحنى اذ تنزلين بهَا ... وحبة الْقلب اذ ترعين مرعاك)
(وَهَا أَنا الْيَوْم عبد طائع فمرى ... يسمع وارضاى فِيمَا فِيهِ ارضاك)
(سُلْطَان حسنك نَادَى فى ممالكه ... وهى الْقُلُوب بِأَنا من رعاياك)
(ملكت قلبى فارعى حق صحبته ... بِعَين عطف فعين الله ترعاك)
(هَل تسمحين بورد الثغر مِنْك لنا ... أَو هَل يجود بنفثات اللمى فَاك)
(قَالَا الاراك وَقد حاس الشفاه وَلم ... يَجْسُر ليدنو مِنْهَا غير مسواك)
(سَأَلتهَا مَا الذى بَين الرضاب أذا ... حَصْبَاء در والا ذَا ثناياك)
(يَا ربة الخدر جاد الْغَيْث مرتبعا ... قد ضمنا فِيهِ جنح اللَّيْل مغناك)
(حَيْثُ العفاف رَقِيب مَا يزايلنا ... وَحَيْثُ مغناك معمور بمعناك)
(وجاد سلعا وقرا أرضه شرفت ... على سَمَاء وجنات وأفلاك)
(بِهِ اسْتَقر الذى فاق الانام علا ... وساد حَتَّى على جن واملاك)
وَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى من قصيدة طَوِيلَة مطْلعهَا هَذَا
(أذكرت ربعا من أُمَيْمَة أقفرا ... وأسلت دمعا ذَا شُعَاع أحمرا)
(أم شاقك الغادون عَنْك سحيرة ... لما سروا وتيمموا أم الْقرى)
(زموا المطى وأعنقوا فى سيرهم ... لله دمعى خَلفهم ياما جرى)
(مَا قطرت فى السّير أجمال لَهُم ... الا ودمعى فى الركاب تقطرا)
(فَكَأَن ظهر البيد بطن صحيفَة ... وقطارها فِيهِ تحاكى أسطرا)
(وَكَأَنَّهَا وهوادجا قد رفعت ... سفن ولمع الْآل يحْكى الابحرا)
(شكت الركائب من حثيث مسيرها ... وونين من جذب الازمة والبرا)
(رحلوا وَمَا عاجوا على مضناهم ... واها لحظى كَيفَ كنت مُؤَخرا)
(ان كَانَ جسمى فى الديار مخلفا ... فالقلب مَعَهم حَيْثُ قَالُوا هجرا)
(لم يأل جهدا فى الْمسير لَعَلَّه ... يحظى بِقرب أَو يَمُوت فيعذرا)
وَقَالَ أَيْضا رَحمَه الله من أُخْرَى على وَزنهَا ورويها مطْلعهَا
(مَا لَاحَ فى افق المحاسن اَوْ سرى ... الا حمدت بلَيْل طرته السرى)
(عقد الازار على كثيب فى نقا ... فغدا اصطبارى عَنهُ محلول العرى)
(لَا تذكر الغزلان عِنْد كناسها ... مَعَه فان الصَّيْد فى جَوف الفرا)
وَمن بدائعه رَحمَه الله تَعَالَى هَذِه الثَّمَانِية الابيات وَلها سبع قواف تقْرَأ على ثَلَاثَة عشر وَجها بِلَا كلفة وتبلغ بالتداخل الى مِائَتَيْنِ وَسِتَّة وَخمسين وَجها وبامعان النّظر والتداخل وبالضرب تبلغ اربعة آلَاف وَسِتَّة وَسبعين وَجها وَيخرج مِنْهَا مُحَمَّد زُرَيْق مرَّتَيْنِ وَبِالْجُمْلَةِ فهى من محَاسِن النظام وهى هَذِه
(ملك الْجمال بحسنه لما انثنى ... هَذَا الرشا ... من تيهه متأودا)
(حَاز الملاحة ياله ... قلبى سبا ... ريقا حمى ... حاوى الرضاب مبردا)
(من لحظ بابل جفْنه ... اذ قَدرنَا ... متحرشا ... ماضي الحسام مُجَردا)
(دمع الكئيب أساله ... فَلهُ صبا ... بدر سما ... دع عَنْك رشدى وَالْهدى)
(زَاد الحزين بغينه ... وهى المنى ... لما مَشى ... زين المحاسن قد بدا)
(ريم يفوق غزاله ... بَين الربى ... عذب اللمى ... رشأ ربيبا اغيدا)
(يهوى الخلود بسجنه ... مِمَّا جنى ... اضنى الحشى ... يبغى الْهَلَاك تعمدا)
(قلب اليه أماله ... وَله نبا ... وجد نما ... قاسى الْفُؤَاد بِهِ الردى)
قَالَ الخفاجى فى الخبايا وَكنت كتبت اليه قصيدة تائية من شعر الصِّبَا تنبه بهَا فى صباح الْعُمر نسيم الصِّبَا كَمَا قَالَ الباخرزى هى التَّمْر باللباب بل هى باكورة ثمار الْآدَاب بل الرَّوْض النَّضِير الذى سقى من مَاء الشَّبَاب وَكنت لما مدحته نوه باسمى وَجرى من الْكَرم على رسمه فَوق رسمى كتبت اليه فصلا مِنْهُ قولى سيدى وَأَنت أَنْت وَأَنا أَنا ان أصبت الْغَرَض فبباعك استعنت وَكَيف لَا يَعْلُو شهَاب تنؤه بِذكرِهِ وتشرق بأنوارك السّنيَّة سَمَاء قدره وَحقّ شعر أَنْت لَهُ رَاوِيه أَن يبيت لكل بَيت مِنْهُ فى الْقلب زاويه ويطأ بأخمصه هَامة النُّجُوم ويرفرف طَائِر يمنه على نسر السَّمَاء ويحوم كَمَا قَالَ شيخ المعرة فى الْمَعْنى
(والنحل يجنى المر من نور الربى ... فَيصير شَهدا فى طَرِيق رضابه)
اَوْ كَمَا قَالَ قاضى تستر والشئ بالشئ يذكر
(شعرى وَأَنت لَهُ الراوى لرفعته الشعرى وشعرى شعرى حَيْثُمَا رويا ... )
(وَالْبَحْر يلفظ درا كَانَ واقعه ... فى اذن أصدافه قطرا اذا رعيا)
أَو كَمَا قَالَ أَيْضا
(أخذت قولى معوجا وتورده ... على الورى مُسْتَقِيمًا حَيْثُمَا اجتليا)
(كالشمع يقبل نقش الفص منعكسا ... مكتوبه ليريه النَّاس مستويا)
فأجاد وجاد وَصفا من قذى الكدر موارد الوداد ثمَّ أورد قصيدته الَّتِى رَاجعه بهَا برمتها ومطلعها هَذَا
(طَالَتْ وَقد قصرت عَنْهَا الْعبارَات ... وحازت الْحسن هاتيك البراعات)
يَقُول فِيهَا
(غراء فائقة باللطف رائقة ... تحلو الخلاعات فِيهَا والصبابات)
(أُخْت الغزالى اشراقا وملتفتا ... لَهَا لَدَى السّمع لذات ونشوات)
ثمَّ ذيل القصيدة بقوله تذييل فى حسن الختام من البديع الِاسْتِخْدَام كَقَوْلِه أُخْت الغزالة الخ الا ان هُنَا فَائِدَة يتبغى التَّنْبِيه عَلَيْهَا وَهُوَ ان الْمَذْكُور فى البديع هُوَ الِاسْتِخْدَام بالضمير وَهُوَ مَعْرُوف وَهُوَ لَا ينْحَصر فِيهِ فَيكون باسم الاشارة وَهُوَ ظَاهر وَقد يكون بالتمييز كَقَوْلِه اشراقا وملتفتا وَهُوَ مصدر لَا ضمير فِيهِ وَقد أغرب سيدنَا الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عمر بن الفارض قدس الله روحه اذ استخدم بِالِاسْتِثْنَاءِ فى قَوْله رضى الله تَعَالَى عَنهُ
(أبدا حديثى لَيْسَ بالمنسوخ الا فى الدفاتر ... )
انْتهى قلت لكنه فى اسْتِعْمَاله الغزالة بِمَعْنى الظبية اعْتِرَاض مَشْهُور وزبدته ان الغزالة لم يسمع الا بِمَعْنى الشَّمْس فى أول النَّهَار الى الِارْتفَاع واما فى مؤنث الغزال فَلَا يُقَال غزالة بل ظَبْيَة وَقد غلطوا الحريرى فى قَوْله فَلَمَّا ذَر قرن الغزالة طمر طمور الغزالة وَقَالُوا لم تقل الْعَرَب الغزالة الا للشمس وَقد رد هَذَا الدمامينى فى حَاشِيَته على شرح لامية الْعَجم للصلاح الصفدى وَأورد لَهُ شَوَاهِد كَثِيرَة انْتهى قَالَ البورينى وَكَانَ الصالحى الْمَذْكُور يعادى معاصره أَحْمد العناياتى الْمُقدم ذكره فيذمه ويقدحه ويؤلمه ويجرحه عملا بِمَا عَلَيْهِ الاقران من التحاسد والخذلان وَكَانَ اذا أغضبهُ يُنكر حَسبه ويستلئم نسبه وَيَقُول هَذَا من سبتيات مَكَّة وَكَانَ فى وَقت الرِّضَا يُنكر مَعْرفَته ويبدى نُسكه وَمَا كَانَ ذَلِك الا للحسد الذى لَا يَخْلُو مِنْهُ فى الْغَالِب جَسَد لَا سِيمَا أهل الْفَضَائِل فان الْحَسَد عِنْدهم مركوز فى الطبائع غير زائل وَكَانَ العناياتى أَيْضا يسب الصالحى الْمشَار اليه وَكَانَ شَدِيد البغض لَهُ والتحامل عَلَيْهِ كنت يَوْمًا ماراً فى بعض أَزِقَّة دمشق فصادفته فَقَالَ لى هَل سَمِعت بالخراع الذى أبداه مُحَمَّد الصالحى فَقلت لَهُ الام تُشِير وعَلى أى كَلَام تبدى النكير فَقَالَ انه يَقُول فى مطلع مرثيته لشيخك الْعَلامَة العمادى الحنفى الدمشقى
(لم أقض من يَوْم الْفِرَاق شؤنى ... فَقضيت ان لم أجر مَاء جفونى)
قَالَ انْظُر الى عدم الرابطة بَين المصراعين وأى مُنَاسبَة بَين الجزءين هَذَا مَعَ كَونه مأخوذا من قَول بهذب الدّين الموصلى أَخذه أخذا شنيعا وَسَرَقَهُ وكساه ثوبا فظيعا لَا وشيا بديعا وَلَا زهرا أظهره الزَّمَان ربيعا فَقلت كَيفَ قَالَ مهذب الدّين فى نظمه الْمُهَذّب فانشدنى لَهُ مطلع قصيدة منضدة من الدُّرَر فريده وَذَلِكَ
(أعلمت حَقًا ان مَاء شؤنى ... سَبَب يدل على خَفَاء شؤنى)
قَالَ حشفا وَسُوء كَيْله انها خطة سوء فى أَسْوَأ قبيله وانكر عَلَيْهِ كثيرا من مَعَانِيه وغط فى شئ من مستهجن مبانيه قلت أمامنا مناقشته فى الْمعَانى فغالبها مسلمه وَأما مناقشته فى الالفاظ فكالسيوف المثلمه لَيست عندنَا بمقبوله وَلَا عَن الاعلام منقوله فَأَقُول اما قَوْله أَخذه من قَول الْمُهَذّب ان اراد انه أَخذ لفظى الشؤن فَمُسلم لَهُ وَلَا مَحْذُور فِيهِ اذا الالفاظ لَيست بِملك لَاحَدَّ وان أَرَادَ أَنه أَخذ الْمَعْنى فقد أبعد واما قَوْله لَا رابطة بَين المصراعين فليت شعرى اذا كَانَ لم أقض جَوَاب الشَّرْط على ان يكون الْمَعْنى ان لم أجر مَاء عروق دمعى لم أقض من يَوْم الْفِرَاق أمورى فمت والمرء اذا لم يقْض اموره الَّتِى لابد مِنْهَا يكون مَعْدُوما أى وصمة فِيهِ على انه يرْوى اذ مَكَان ان فالارتباط حِينَئِذٍ أجلى من الجلى وَالْعجب من البورينى كَيفَ رافقه وَوَافَقَهُ ويغلب على ظنى أَنه فى هَذَا المعرض نافقه وأعجب من هَذَا أَنه قَالَ بعد مَا نقل كَلَامه نعم انه رأى لَهُ ضَبطه فى كتاب خطه وَهُوَ ديوَان الاستاذ سيدى عمر بن الفارض قدس الله سره الْعَزِيز عِنْد قَوْله فى تائيته الْكُبْرَى الْمُسَمَّاة بنظم السلوك حَيْثُ قَالَ رضى الله عَنهُ
(ففى مرّة لبنى وَأُخْرَى بثينة ... وآونة تدعى بعزة عزت)
فان الصالحى كتبهَا بعزة عزة وَكتب اللَّفْظَيْنِ على صُورَة وَاحِدَة بِالتَّاءِ المربوطة الصَّغِيرَة وَذَلِكَ مُخَالف للصَّوَاب بل الْحق كِتَابَة الاولى بِالتَّاءِ المربوطة وَالثَّانيِة بِالتَّاءِ الممدودة على انه فعل مَاض وان الْجُمْلَة دعائية أى أعزها الله تَعَالَى فان هَذَا مِمَّا لَا يسْقط فَضِيلَة فَاضل وَلَا ينقص مرتبَة كَامِل وَمَا من أحد سلم من عَثْرَة لِسَان كَيفَ والسهو وَالنِّسْيَان من عَادَة الانسان فَهَذَا العناياتى قَالَ فى مطلع فائيته
(قلبى على قدك الممشوق بالهبف ... طير على الْغُصْن أَو همز على الالف)
فدق فى بَيته كَمَا دق ثمَّ تَدَارُكه الله تَعَالَى بتوجيه أرق من كل شَعْرَة وأدق فَأَما الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فِيهِ فَهُوَ انه لَا وَجه لتشبيه الْقلب بِالْهَمْزَةِ وَهَذَا الِاعْتِرَاض قوى وَأما الْجَواب فَيمكن ان يُقَال انه لما شبهه بطير على غُصْن وَهُوَ كثير فى الشّعْر نزله منزلَة الْمُحَقق فَبنى عَلَيْهِ تَشْبِيها آخر كالترشيح لَهُ لَان الطَّائِر على الْغُصْن يشبه بذلك كَمَا قَالَ بَعضهم فى وصف قصيدة وَهُوَ قَوْله
(والقوافى اليك حنت حنينى ... فَتَأمل فهمزها وَرْقَاء)
وَهَذَا الْجَواب للخفاجى وَهُوَ غَرِيب جدا وَبِالْجُمْلَةِ فالصالحى والعناياتى فى الادب فرسا رهان وطليقا عنان وان أربى الصالحى فى الْمُشَاركَة فى الْفُنُون العلمية والتفوق بِحسن الْخط التَّعْلِيق والعراقة فى الْجُمْلَة وَكَانَت وِلَادَته فى دمشق فى سنة سِتّ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الِاثْنَيْنِ تَاسِع عشر صفر سنة اثنتى عشرَة بعد الالف وَدفن بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى
ـ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر.

 

 

محمد بن نجم الدين بن محمد الصالحي الهلالي:
شاعر، من الكتاب. من أهل دمشق.
له (سجع الحمام في مدح خير الأنام - ط) ديوان شعر في المدائح النبويّة، و (سفينة الصالحي - خ) وهي مجموعة في الآداب والمحاضرات والتراجم، و (سوانح الأفكار والقرائح في غرر الأشعار والمدائح - خ) .
-الاعلام للزركلي-