علي بن الحسن بن هبة الله بن الحسين الدمشقي الشافعي ثقة الدين أبي القاسم

ابن عساكر

تاريخ الولادة499 هـ
تاريخ الوفاة571 هـ
العمر72 سنة
مكان الولادةدمشق - سوريا
مكان الوفاةدمشق - سوريا
أماكن الإقامة
  • بوشنج - أفغانستان
  • هراة - أفغانستان
  • أبهر - إيران
  • أصبهان - إيران
  • الري - إيران
  • بسطام - إيران
  • بيهق - إيران
  • تبريز - إيران
  • خراسان - إيران
  • خسروجرد - إيران
  • دامغان - إيران
  • زنجان - إيران
  • سرخس - إيران
  • سمنان - إيران
  • مرند - إيران
  • نيسابور - إيران
  • همدان - إيران
  • المدينة المنورة - الحجاز
  • مكة المكرمة - الحجاز
  • الأنبار - العراق
  • العراق - العراق
  • الكوفة - العراق
  • الموصل - العراق
  • بغداد - العراق
  • مرو - تركمانستان
  • ماردين - تركيا
  • الرحبة - سوريا
  • دمشق - سوريا
  • حلوان - مصر

نبذة

ابْن عَسَاكِر الإِمَام الْكَبِير حَافظ الشَّام بل حَافظ الدُّنْيَا الثِّقَة الثبت الْحجَّة ثِقَة الدّين أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن بن هبة الله بن الْحُسَيْن الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي صَاحب تَارِيخ دمشق وأطراف السّنَن الْأَرْبَعَة وعوالي مَالك وغرائب مَالك وَفضل أَصْحَاب الحَدِيث ومناقب الشبَّان وعوالي الثَّوْريّ.

الترجمة

ابْن عَسَاكِر الإِمَام الْكَبِير حَافظ الشَّام بل حَافظ الدُّنْيَا الثِّقَة الثبت الْحجَّة ثِقَة الدّين أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن الْحسن بن هبة الله بن الْحُسَيْن الدِّمَشْقِي الشَّافِعِي
صَاحب تَارِيخ دمشق وأطراف السّنَن الْأَرْبَعَة وعوالي مَالك وغرائب مَالك وَفضل أَصْحَاب الحَدِيث ومناقب الشبَّان وعوالي الثَّوْريّ وَمن وَافَقت كنيته كنية زَوجته ومسند أهل داريا وتاريخ المزة وغيرذلك
ولد سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة وَسمع فِي سنة خمس وَخَمْسمِائة باعتناء وَالِده ورحل إِلَى بَغْدَاد والكوفة ونيسابور ومرو وهراة وَغَيرهَا وَعمل الْأَرْبَعين البلدانية وَعدد شُيُوخه ألف وثلاثمائة شيخ ونيف وَثَمَانُونَ امْرَأَة
سمع مِنْهُ الْكِبَار وَكَانَ من كبار الْحفاظ المتقنين وَمن أهل الدّين وَالْخَيْر غزير الْعلم كثير الْفضل جمع بَين معرفَة الْمَتْن والإسناد وأملى ومجالس متين
قَالَ التَّاج المَسْعُودِيّ سَمِعت أَبَا الْعَلَاء الهمذاني يَقُول لرجل استأذنه فِي الرحلة إِن رَأَيْت أحدا أعرف مني فَحِينَئِذٍ آذن لَك أَن تُسَافِر إِلَيْهِ إِلَّا أَن تُسَافِر إِلَى ابْن عَسَاكِر فَإِنَّهُ حَافظ كَمَا يجب
وَقَالَ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصرى قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء أَنا أعلم أَنه لَا يساجل الْحَافِظ أَبَا الْقَاسِم فِي شَأْنه أحد فَلَو خَالق النَّاس ومازجهم لَا جتمع عَلَيْهِ الْمُوَافق والمخالف قَالَ وَكنت أذاكر أَبَا الْقَاسِم الْحَافِظ عَن الْحفاظ الَّذين لَقِيَهُمْ فَقَالَ أما بَغْدَاد فَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَأما أَصْبَهَان فَأَبُو نصر اليونارتي وَلَكِن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْحَافِظ كَانَ أشهر فَقلت فعلى هَذَا مَا رأى سيدنَا مثل نَفسه قَالَ لَا تقل هَذَا قَالَ الله تَعَالَى {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} قلت فقد قَالَ تَعَالَى {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} فَقَالَ لَو قَالَ قَائِل لم ترعيني مثلي لصدق
وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ سَأَلت شَيخنَا الْحَافِظ أَبَا الْحسن بن الْمفضل عَن أَرْبَعَة تعاصروا أَيهمْ أحفظ فَقَالَ من قلت الْحَافِظ ابْن نَاصِر ابْن عَسَاكِر فَقَالَ ابْن عَسَاكِر فَقلت الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ وَابْن عَسَاكِر قَالَ ابْن عَسَاكِر فَقلت الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَابْن عَسَاكِر فَقَالَ السلَفِي شَيخنَا
قَالَ الذَّهَبِيّ يَعْنِي أَنه مَا أحب أَن يُصَرح بتفضيل ابْن عَسَاكِر تأدباً مَعَ شَيْخه ثمَّ أَبُو مُوسَى أحفظ من السلَفِي مَعَ أَن السلَفِي من بحور الحَدِيث وعلمائه

وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي مَا رَأَيْت أحفظ من ابْن عَسَاكِر
وَقَالَ ابْن النجار هُوَ إِمَام الْمُحدثين فِي وقته انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة فِي الْحِفْظ والإتقان والثقة والمعرفة التَّامَّة وَبِه ختم هَذَا الشَّأْن مَاتَ فِي حادي عشر رَجَب سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة

طبقات الحفاظ - لجلال الدين السيوطي.

 

علي بن الحسن بن هبة الله، أبو القاسم، ثقة الدين ابن عساكر بالدمشقي: المؤرخ الحافظ الرحالة.
كان محدث الديار الشامية، ورفيق السَّمْعَاني (صاحب الأنساب) في رحلاته. مولده ووفاته في دمشق.
له " تأريخ دمشق الكبير - خ " يعرف بتاريخ ابن عساكر، اختصره الشيخ عبد القادر بدران، بحذف الأسانيد والمكررات وسمى المختصر " تهذيب تاريخ ابن عساكر - ط " سبعة أجزاء منه، ولا تزال بقية التهذيب مخطوطة. وباشر المجمع العلمي العربيّ بدمشق نشر الأصل فطبع منه المجلد الأول ونصف الثاني.
ولابن عساكر كتب أخرى كثيرة، منها " الإشراف على معرفة الأطراف - خ " في الحديث، ثلاث مجلدات، و " تبيين كذب المفتري في ما نسب إلى أبي الحسن الأشعري - ط " و " كشف المغطى في فضل الموطأ - ط " و " تبيين الامتنان في الأمر بالاختتان - خ " و " أربعون حديثا من أربعين شيخا من أربعين مدينة " و " تاريخ المزة " و " معجم الصحابة " و " معجم النسوان " و " تهذيب الملتمس من عوالي مالك بن أنس و " معجم أسماء القرى والأمصار " و " معجم شيوخ والنبلاء - خ " 46 ورقة في شيوخ أصحاب الكتب الستة، في الظاهرية .

-الاعلام للزركلي-

الحافظ أبو القاسم، علي بنُ أبي محمدِ الحسنِ بنِ هبةِ اللَّه بنِ عبد اللَّه بنِ الحسين، المعروف بابن عساكر، الدمشقيُّ، الملقبُ: ثقةُ الدين.
كان محدث الشام في وقته، ومن أعيان الفقهاء الشافعية، غلب عليه الحديث، فاشتهر به، وبالغ في طلبه إلى أن جمع منه ما لم يتفق لغيره، ورحل وطَوَّفَ وجاب البلاد، ولقي المشائخ.
وكان رفيقَ الحافظ أبي سعيد، عبدِ الكريم السمعاني في الرحلة، وكان حافظًا دَيِّنًا، جمعَ بين المتون والأسانيد، سمع ببغداد في سنة 520 من أصحاب البرمكي، والتنوخي، والجوهري، ثم رجع إلى دمشق، ثم رحل إلى خراسان ودخل نيسابور، وهراة، وأصبهان، والجبال، وصنف التصانيف المفيدة، وخرج التخاريج.
وكان حسنَ الكلام على الأحاديث، محفوظًا في الجمع والتأليف، صنف "التاريخ الكبير" لدمشق، في ثمانين مجلدًا، أتى فيه بالعجائب، وهو على نسق "تاريخ بغداد"، وله غيره تواليف حسنة، وأجزاء ممتعة، وله شعر لا بأس به، فمن ذلك قوله:
ألا! إن الحديثَ أجلُّ علمٍ ... وأشرفُه الأحاديثُ العَوالي
وأنفعُ كلِّ نوع منه عندي ... وأحسنُه الفوائدُ والأمالي
وإنك لن ترى للعلم شيئًا ... يُحققه كأفواهِ الرجال
فكنْ يا صاحِ ذا حرصٍ عليه ... وخذْه عن الرجال بلا مَلالِ
ولا تأخذْهُ من صحفٍ فتُرمى ... من التَّصحيفِ بالداء العُضالِ
ومن المنسوب إليه:
أيا نفسُ ويحكِ جاءَ المشيبُ ... فماذا التصابي وماذا الغَزَلْ
تولَّى شبابي كأنْ لم يَكُنْ ... وجاء مشيبي كأن لم يَزَلْ
كأني بنفسي على غِرَّةٍ ... وخَطْبُ المَنون بها قد نَزَلْ
فيا ليتَ شِعريَ مِمَّنْ أكونُ ... وما قَدَّرَ اللَّهُ لِي بالأزَلْ
قال في الآثار: وله كتاب "الاجتهاد في إقامة فرض الجهاد"، وكتاب "تبيين الوهم والتغليط الواقع في حديث الأطيط"، وهو رسالة في جزء ردّ فيه الحديثَ الذي أخرجه أبو داود، وهو: أن أعرابيًا أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فاستشفع للمطر، وفيه لفظ: أطيط الرحل بالراكب، ذكره ابن كثير. وله كتاب "تبيين كذب المفتري فيما نُسب إلى أبي الحسن الأشعري"، قال ابن السبكي: وهو من أجل الكتب فائدة، فيقال: كل سُنِّيٍّ لا يكون عنده ذلك الكتاب، فليس من نفسه على بصيرة، ولا يكون الفقيه شافعيًا على الحقيقة حتى يحصل له ذلك، اختصره الإمام اليافعي، وكتاب "مُبْهمات القرآن"، وغير ذلك، انتهى.
وكانت ولادته في أول المحرم سنة 499، وتوفي ليلة الاثنين الحادي والعشرين من رجب سنة 571 بدمشق، وحضر الصلاة عليه السلطان صلاح الدين - رحمه الله -.
وكان ولده أبو محمد القاسم الملقبُ: بهاء الدين أيضًا حافظًا، وتوفي أخوه الفقيه المحدِّث الفاضل صائنُ الدين هبة اللَّه بن الحسين سنة 563 بدمشق، ودرس في جامع دمشق، وأفتى وحدث.
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول - أبو الِطيب محمد صديق خان البخاري القِنَّوجي.

 

 عَليّ بن الْحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الْحُسَيْن الإِمَام الْجَلِيل حَافظ الْأمة أَبُي الْقَاسِم بن عَسَاكِر
وَلَا نعلم أحدا من جدوده يُسمى عَسَاكِر وَإِنَّمَا هُوَ اشْتهر بذلك
هُوَ الشَّيْخ الإِمَام نَاصِر السّنة وخادمها وقامع جند الشَّيْطَان بعساكر اجْتِهَاده وهادمها إِمَام أهل الحَدِيث فِي زَمَانه وختام الجهابذه الْحفاظ وَلَا يُنكر أحد مِنْهُ مَكَانَهُ مَكَانَهُ محط رحال الطالبين وموئل ذَوي الهمم من الراغبين الْوَاحِد الَّذِي أَجمعت الْأمة عَلَيْهِ والواصل إِلَى مالم تطمح الآمال إِلَيْهِ وَالْبَحْر الَّذِي لَا سَاحل لَهُ والحبر الَّذِي حمل أعباء السّنة كَاهِله قطع اللَّيْل وَالنَّهَار دائبين فِي دأبه وَجمع نَفسه على أشتات الْعُلُوم لَا يتَّخذ غير الْعلم وَالْعَمَل صاحبين وهما مُنْتَهى أربه حفظ لَا تغيب عَنهُ شاردة وَضبط أستوت لَدَيْهِ الطريفة والتالدة وإتقان سَاوَى بِهِ من سبقه إِن لم يكن فاقه وسعة علم أثري بهَا وَترك النَّاس كلهم بَين يَدَيْهِ ذَوي فاقة
لَهُ تَارِيخ الشَّام فِي ثَمَانِينَ مجلدة وَأكْثر أبان فِيهِ عَمَّا لم يَكْتُمهُ غَيره وَإِنَّمَا عجز عَنهُ وَمن طالع هَذَا الْكتاب عرف إِلَى أَي مرتبَة وصل هَذَا الإِمَام واستقل الثريا وَمَا رَضِي بدر التَّمام وَله الْأَطْرَاف وتبيين كذب المفترى فِيمَا نسب إِلَى الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وعدة تصانيف وتخاريج وفوائد مَا الْحفاظ إِلَيْهَا إِلَّا محاويج ومجالس إملاء من صدرة يخرلها البُخَارِيّ وَيسلم مُسلم وَلَا يرْتَد أَو يعْمل فِي الرحلة إِلَيْهَا البزل المهارى
ولد فِي مستهل سنة تسع وَتِسْعين وَأَرْبَعمِائَة
وَسمع خلائق وعدة شُيُوخه ألف وثلاثمائة شيخ وَمن النِّسَاء بضع وَثَمَانُونَ امْرَأَة وارتحل إِلَى الْعرَاق وَمَكَّة وَالْمَدينَة وارتحل إِلَى بِلَاد الْعَجم فَسمع بأصبهان ونيسابور ومرو وتبريز وميهنة وبيهق وخسروجرد وبسطام ودامغان والري وزنجان وهمذان وأسداباذ وجي وهراة وبون وبغ وبوشنج وسرخس ونوقان وسمنان وأبهر ومرند وخوى وجرباذقان ومشكان وروذراور وحلوان وأرجيش
وَسمع بالأنبار والرافقة والرحبة وماردين وماكسين وَغَيرهَا من الْبِلَاد الْكَثِيرَة

والمدن الشاسعة والأقاليم المتفرقة لَا يَنْفَكّ نائي الديار يعْمل مَطِيَّة فِي أقاصي القفار وحيدا لَا يَصْحَبهُ إِلَّا تَقِيّ اتَّخذهُ أنيسه وعزم لَا يرى غير بُلُوغ المآرب دَرَجَة نفيسة وَلَا يظلله إِلَّا سَمُرَة فِي رباع قفراء وَلَا يرد غير إداوة لَعَلَّه يرتشف مِنْهَا المَاء
وَسمع مِنْهُ جمَاعَة من الْحفاظ كَأبي الْعَلَاء الهمذاني وَأبي سعد السَّمْعَانِيّ وروى عَنهُ الجم الْغَفِير وَالْعدَد الْكثير وَرويت عَنهُ مصنفاته وَهُوَ حَيّ بِالْإِجَازَةِ فِي مدن خُرَاسَان وَغَيرهَا وانتشر اسْمه فِي الأَرْض ذَات الطول وَالْعرض
وَكَانَ قد تفقه فِي حداثته بِدِمَشْق على الْفَقِيه أبي الْحسن السّلمِيّ وَلما دخل بَغْدَاد لزم بهَا التفقه وَسَمَاع الدُّرُوس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية وَقَرَأَ الْخلاف والنحو وَلم يزل طول عمره مواظبا على صَلَاة الْجَمَاعَة ملازما لقِرَاءَة الْقُرْآن مكثرا من النَّوَافِل والأذكار وَالتَّسْبِيح آنَاء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَله فِي الْعشْر من شهر رَمَضَان فِي كل يَوْم ختمة غير مَا يَقْرَؤُهُ فِي الصَّلَوَات وَكَانَ يخْتم كل جُمُعَة وَلم ير إِلَّا فِي اشْتِغَال يُحَاسب نَفسه على سَاعَة تذْهب فِي غير طَاعَة
وَلما حملت بِهِ أمه رأى وَالِده فِي الْمَنَام أَنه يُولد لَك ولد يحيى الله بِهِ السّنة ولعمر الله هَكَذَا كَانَ أَحْيَا الله بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة يصدع بِالْحَقِّ لَا يخَاف فِي الله لومة لائم ويسطو على أَعدَاء الله المبتدعة وَلَا يُبَالِي وَإِن رغم أنف الراغم لَا تَأْخُذهُ رأفة فِي دين الله وَلَا يقوم لغضبه أحد إِذا خَاضَ الْبَاغِي فِي صِفَات الله
قَالَ لَهُ شَيْخه أَبُو الْحسن بن قبيس وَقد عزم على الرحلة إِنِّي لأرجو أَن يحيى الله تَعَالَى بك هَذَا الشَّأْن فَكَانَ كَمَا قَالَ وعدت كَرَامَة للشَّيْخ وَبشَارَة لِلْحَافِظِ
وَلما دخل بَغْدَاد أعجب بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَالُوا مَا رَأينَا مثله وَكَذَلِكَ قَالَ مشايخه الخراسانيون
وَقَالَ شَيْخه أَبُو الْفَتْح الْمُخْتَار بن عبد الحميد قدم علينا أَبُو عَليّ بن الْوَزير فَقُلْنَا مَا رَأينَا مثله ثمَّ قدم علينا أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فَقُلْنَا مَا رَأينَا مثله حَتَّى قدم علينا هَذَا فَلم نر مثله

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء الهمذاني لبَعض تلامذته وَقد استأذنه أَن يُسَافر إِن عرفت أستاذا أعلم مني أَو يكون فِي الْفضل مثلي فَحِينَئِذٍ آذن لَك أَن تُسَافِر إِلَيْهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تُسَافِر إِلَى الشَّيْخ الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر فَإِنَّهُ حَافظ كَمَا يجب
وَقَالَ شَيْخه الْخَطِيب أَبُو الْفضل الطوسي مَا نَعْرِف من يسْتَحق هَذَا اللقب الْيَوْم سواهُ
يَعْنِي لَفظه الْحَافِظ وَكَانَ يُسمى بِبَغْدَاد شعلة نَار من توقده وذكائه وَحسن إِدْرَاكه لم يجْتَمع فِي شُيُوخه مَا اجْتمع فِيهِ من لُزُوم طَريقَة وَاحِدَة مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة يلازم الْجَمَاعَة فِي الصَّفّ الْمُقدم التطلع إِلَّا من عذر ومانع وَالِاعْتِكَاف والمواظبة عَلَيْهِ فِي الْجَامِع وَإِخْرَاج حق الله وَعدم التطلع إِلَى أَسبَاب الدُّنْيَا وإعراضه عَن المناصب الدِّينِيَّة كالإمامة والخطابة بعد أَن عرضتا عَلَيْهِ
قَالَ وَلَده الْحَافِظ بهاء الدّين أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم قَالَ لي أبي لما حملت بِي أُمِّي رَأَتْ فِي منامها قَائِلا يَقُول لَهَا تلدين غُلَاما يكون لَهُ شَأْن فَإِذا ولدتيه فاحميله إِلَى المغارة يَعْنِي مغارة الدَّم بجبل قاسيون يَوْم الْأَرْبَعين من وِلَادَته وتصدقي بِشَيْء فَإِن الله تَعَالَى يُبَارك لَك وللمسلمين فِيهِ فَفعلت ذَلِك كُله وصدقت الْيَقَظَة منامها ونبهه السعد فأسهره اللَّيَالِي فِي طلب الْعلم وَغَيره سهرها فِي الشَّهَوَات أَو نامها وَكَانَ لَهُ الشَّأْن الْعَظِيم والشأو الَّذِي يجل عَن التَّعْظِيم
وَذكره الْحَافِظ أَبُو سعد بن السَّمْعَانِيّ فِي تَارِيخه فوصفه بِالْحِفْظِ وَالْفضل والإتقان
وَذكره الْحَافِظ ابْن الدبيثي فِي مذيلة عَليّ ابْن السَّمْعَانِيّ لِأَن وَفَاته تَأَخَّرت عَن وَفَاة ابْن السَّمْعَانِيّ ومدحه أَيْضا مدحا كثيرا
وَقَالَ ابْن النجار هُوَ إِمَام الْمُحدثين فِي وقته وَمن انْتَهَت إِلَيْهِ الرياسة فِي الْحِفْظ والإتقان والمعرفة التَّامَّة بعلوم الحَدِيث والثقة والنبل وَحسن التصنيف والتجويد وَبِه ختم هَذَا الشَّأْن

قَالَ وَسمعت شَيخنَا عبد الْوَهَّاب بن الْأمين يَقُول كنت يَوْمًا مَعَ الْحَافِظ أبي الْقَاسِم بن عَسَاكِر وَأبي سعد بن السَّمْعَانِيّ نمشي فِي طلب الحَدِيث ولقاء الشُّيُوخ فلقينا شَيخا فاستوقفه ابْن السَّمْعَانِيّ ليقْرَأ عَلَيْهِ شَيْئا وَطَاف على الْجُزْء الَّذِي هُوَ سَمَاعه فِي خريطته فَلم يجده وضاق صَدره فَقَالَ لَهُ ابْن عَسَاكِر مَا الْجُزْء الَّذِي هُوَ سَمَاعه فَقَالَ كتاب الْبَعْث والنشور لِابْنِ أبي دَاوُد سَمعه من أبي نصر الزَّيْنَبِي فَقَالَ لَهُ لَا تحزن وَقَرَأَ عَلَيْهِ من حفظه أَو بعضه قَالَ ابْن النجار الشَّك من شَيخنَا
وَصَحَّ أَن أَبَا عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي قَالَ قدم ابْن عَسَاكِر يَعْنِي الْحَافِظ فَقَرَأَ عَليّ ثَلَاثَة أَيَّام فَأكْثر وأضجرني فآليت على نَفسِي أَن أغلق بَابي فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قدم عَليّ شخص فَقَالَ أَنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْك فَقلت مرْحَبًا بك فَقَالَ قَالَ لي فِي النّوم امْضِ إِلَى الفراوي وَقل لَهُ قدم بلدكم شخص شَامي أسمر اللَّوْن يطْلب حَدِيثي فَلَا تمل مِنْهُ قَالَ الحاكي فوَاللَّه مَا كَانَ الفراوي يقوم حَتَّى يقوم الْحَافِظ
وَقَالَ فِيهِ الشَّيْخ مُحي الدّين النَّوَوِيّ وَمن خطه نقلت هُوَ حَافظ الشَّام بل هُوَ حَافظ الدُّنْيَا الإِمَام مُطلقًا الثِّقَة الثبت
وَحكى وَلَده الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم قَالَ كَانَ أبي قد سمع كتبا كَثِيرَة لم يحصل مِنْهَا نسخا اعْتِمَادًا مِنْهُ على نسخ رَفِيقَة الْحَافِظ أبي عَليّ بن الْوَزير وَكَانَ مَا حصله ابْن الْوَزير لَا يحصله أبي وَمَا حصله أبي لَا يحصله ابْن الْوَزير فَسَمعته لَيْلَة من اللَّيَالِي وَهُوَ يتحدث مَعَ صَاحب لَهُ فِي ضوء الْقَمَر فِي الْجَامِع فَقَالَ رحلت وَمَا كَأَنِّي رحلت وحصلت وَمَا كَأَنِّي حصلت كنت أَحسب أَن رفيقي ابْن الْوَزير يقدم بالكتب الَّتِي سَمعتهَا مثل صَحِيح البُخَارِيّ وَمُسلم وَكتب الْبَيْهَقِيّ وعوالي الْأَجْزَاء فاتفقت سكناهُ بمرو

وإقامته بهَا وَكنت أُؤَمِّل وُصُول رَفِيق آخر يُقَال لَهُ يُوسُف بن فاروا الجياني ووصول رفيقنا أبي الْحسن الْمرَادِي فَإِنَّهُ يَقُول لي رُبمَا وصلت إِلَى دمشق وتوجهت مِنْهَا إِلَى بلدي بالأندلس وَمَا أرى أحدا مِنْهُم جَاءَ إِلَى دمشق فَلَا بُد من الرحلة ثَالِثا وَتَحْصِيل الْكتب الْكِبَار والمهمات من الْأَجْزَاء العوالي فَلم يمض إِلَّا أَيَّام يسيرَة حَتَّى جَاءَ إِنْسَان من أَصْحَابه إِلَيْهِ ودق عَلَيْهِ الْبَاب وَقَالَ هَذَا أَبُو الْحسن الْمرَادِي قد جَاءَ فَنزل أبي إِلَيْهِ وتلقاه وأنزله فِي منزله وَقدم علينا بأَرْبعَة أسفاط مَمْلُوءَة من الْكتب المسموعات ففرح أبي بذلك فَرحا شَدِيدا وشكر الله سُبْحَانَهُ على مَا يسره لَهُ من وُصُول مسموعاته إِلَيْهِ من غير تَعب وَكَفاهُ مؤونة السّفر فَأقبل على تِلْكَ الْكتب فنسخ واستنسخ حَتَّى أَتَى على مَقْصُودَة مِنْهَا وَكَانَ كلما حصل على جُزْء مِنْهَا كَأَنَّهُ حصل على ملك الدُّنْيَا
قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عبد الْعَظِيم بن عبد الله الْمُنْذِرِيّ سَأَلت شَيخنَا الْحَافِظ أَبَا الْحسن عَليّ ابْن الْمفضل الْمَقْدِسِي فَقلت لَهُ أَرْبَعَة من الْحفاظ تعاصروا أَيهمْ أحفظ قَالَ من هم قلت الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر وَابْن نَاصِر قَالَ ابْن عَسَاكِر أحفظ قلت الْحَافِظ أَبُو الْعَلَاء وَابْن عَسَاكِر قَالَ ابْن عَسَاكِر أحفظ قلت الْحَافِظ أَبُو طَاهِر السلَفِي وَابْن عَسَاكِر فَقَالَ السلَفِي أستاذنا السلَفِي أستاذنا
قَالَ الْحَافِظ زكي الدّين وَغَيره من الْحفاظ الْأَثْبَات كشيخنا الذَّهَبِيّ وَأبي الْعَبَّاس بن المظفر هَذَا دَلِيل على أَن عِنْده ابْن عَسَاكِر أحفظ إِلَّا أَنه وقر شَيْخه أَن يُصَرح بِأَن ابْن عَسَاكِر أحفظ مِنْهُ
قَالَ الذَّهَبِيّ وَإِلَّا فَابْن عَسَاكِر أحفظ مِنْهُ وَقَالَ وَمَا أرى ابْن عَسَاكِر رأى مثل نَفسه

قلت وَقد كنت أتعجب من الْمُنْذِرِيّ فِي ذكره هَؤُلَاءِ وإهماله السُّؤَال عَن الْحَافِظ أبي سعد بن السَّمْعَانِيّ ثمَّ لَاحَ لي أَنه اقْتدى بِالْحَافِظِ أبي الْفضل مُحَمَّد بن طَاهِر حَيْثُ يَقُول فِيمَا أخبرنَا الْحَافِظ ابْن المظفر بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ اُخْبُرْنَا الْحَافِظ أَبُو الْحُسَيْن بن اليونيني بِقِرَاءَتِي أخبرنَا الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ أخبرنَا الْحَافِظ ابْن الْمفضل قَالَ سَمِعت الْحَافِظ السلَفِي يَقُول سَمِعت الْحَافِظ ابْن طَاهِر يَقُول سَأَلت سَعْدا الزنجاني الْحَافِظ بِمَكَّة وَمَا رَأَيْت مثله قلت لَهُ أَرْبَعَة من الْحفاظ تعاصروا أَيهمْ أحفظ قَالَ من قلت الدَّارَقُطْنِيّ بِبَغْدَاد وَعبد الْغَنِيّ بِمصْر وَأَبُو عبد الله بن مَنْدَه بأصبهان وَأَبُو عبد الله الْحَاكِم بنيسابور فَسكت فألححت عَلَيْهِ فَقَالَ أما الدَّارَقُطْنِيّ فأعلمهم بالعلل وَأما عبد الْغَنِيّ فأعلمهم بالأنساب وَأما ابْن مَنْدَه فأكثرهم حَدِيثا مَعَ معرفَة تَامَّة وَأما الْحَاكِم فأحسنهم تصنيفا
وَلَكِن بَقِي على هَذَا أَنه لم أهمل ذكر ابْن السَّمْعَانِيّ وَذكر غَيره كَابْن نَاصِر وَأبي الْعَلَاء وَالَّذِي نرَاهُ أَن ابْن السَّمْعَانِيّ أجل مِنْهُمَا وَقد يُقَال فِي جَوَاب هَذَا إِن ابْن السَّمْعَانِيّ لم يكن حِين سُؤال الْمُنْذِرِيّ قد عرف الْمُنْذِرِيّ قدره فَإِن تصانيفه فِيمَا يغلب على الظَّن لم تكن وصلت إِذْ ذَاك إِلَى هَذِه الديار بِخِلَاف هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة فَإِنَّهُم متقاربون ابْن عَسَاكِر بِالشَّام والسلفي بالإسكندرية وَابْن نَاصِر بِبَغْدَاد وَأَبُو الْعَلَاء بهمذان وَأما ابْن السَّمْعَانِيّ فَفِي مرو وَهِي من أقاصي بِلَاد خُرَاسَان وَأَبُو الْعَلَاء الْمشَار إِلَيْهِ هُوَ الْحسن بن أَحْمد بن الْحسن الْعَطَّار الهمذاني الْحَافِظ توفّي سنة تسع وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة بهمذان وَلَيْسَ هُوَ أَبَا الْعَلَاء أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْفضل الْأَصْفَهَانِي الْحَافِظ المتوفي سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة بأصبهان فَليعلم ذَلِك
وَقَالَ أَبُو الْمَوَاهِب بن صصري أما أَنا فَكنت أذاكره يَعْنِي الْحَافِظ فِي خلواته عَن الْحفاظ الَّذين لَقِيَهُمْ فَقَالَ أما بِبَغْدَاد فَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَأما بأصبهان فَأَبُو نصر اليونارتي لَكِن إِسْمَاعِيل الْحَافِظ كَانَ أشهر مِنْهُ
فَقلت لَهُ على هَذَا مَا رأى سيدنَا مثله فَقَالَ لَا تقل هَذَا قَالَ الله تَعَالَى {فَلَا تزكوا أَنفسكُم} قلت وَقد قَالَ تَعَالَى {وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} فَقَالَ نعم لَو قَالَ قَائِل إِن عَيْني لم تَرَ مثلي لصدق
قلت إِنَّا لَا نشك أَن عينه لم تَرَ مثله وَلَا من يدانيه
وللحافظ شعر كثير قَلما أمْلى مَجْلِسا إِلَّا وختمه بِشَيْء من شعره وَكَانَ بَينه وَبَين حَافظ خُرَاسَان أبي سعد بن السَّمْعَانِيّ مَوَدَّة أكيدة كتب إِلَيْهِ أَبُو سعد كتابا سَمَّاهُ فرط الغرام إِلَى ساكنى الشَّام وَكتب هُوَ إِلَى ابْن السَّمْعَانِيّ يعاتبه فِي إِنْفَاذ كتاب إِلَيْهِ
(ماكنت أَحسب أَن حاجاتي إِلَيْك ... وَإِن نأت دَاري مضاعه)
(أنسيت ثدي مودتي ... بيني وَبَيْنك وارتضاعه)
(وَلَقَد عهدتك فِي الْوَفَاء ... أَخا تَمِيم لَا قضاعه)
قَالَ المُصَنّف رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الْبَيْت الأول من هَذِه فِيهِ زِيَادَة جُزْء وَلَعَلَّه قَالَ
(مَا كنت أَحسب حَاجَتي ... لَك إِن نأت دَاري مضاعه)

توفّي الْحَافِظ فِي حادي عشر شهر رَجَب الْفَرد سنة إِحْدَى وَسبعين وَخَمْسمِائة بِدِمَشْق وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير
وَكَانَ الْملك الْعَادِل مَحْمُود بن زنكي نور الدّين قد بنى لَهُ دَار الحَدِيث النورية فدرس بهَا إِلَى حِين وَفَاته غير ملتفت إِلَى غَيرهَا وَلَا متطلع إِلَى زخرف الدُّنْيَا وَلَا نَاظر إِلَى محَاسِن دمشق ونزهها بل لم يزل مواظبا على خدمَة السّنة والتعبد باخْتلَاف أَنْوَاعه صَلَاة وصياما واعتكافا وَصدقَة وَنشر علم وتشييع جنائز وصلات رحم إِلَى حِين قبض رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي عَنهُ

طبقات الشافعية الكبرى - تاج الدين السبكي

 

 

ابن عساكر
الإِمَامُ العَلاَّمَةُ الحَافِظُ الكَبِيْرُ المُجَوِّدُ، مُحَدِّثُ الشَّامِ، ثِقَةُ الدِّيْنِ، أَبُو القَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ الشَّافِعِيُّ، صَاحِبُ "تَارِيْخِ دِمَشْقَ".
نَقَلْتُ تَرْجَمَتَهُ مِنْ خطّ وَلدِه المُحَدِّث أَبِي مُحَمَّدٍ القَاسِم بن عَلِيٍّ، فَقَالَ: وُلِدَ فِي المُحَرَّمِ فِي أَوِّلِ الشَّهْر سَنَة تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَسَمَّعَهُ أَخُوْهُ صَائِنُ الدِّيْنِ هِبَة اللهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَخَمْسِ مائة وبعدها، وارتحل إِلَى العِرَاقِ فِي سَنَةِ عِشْرِيْنَ، وَحَجّ سَنَة إِحْدَى وَعِشْرِيْنَ.
قُلْتُ: وَارْتَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ عَلَى طَرِيْق أَذْرَبِيْجَانَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائة.
وهو علي بن الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الحُسَيْنِ. فَعَسَاكِرُ لاَ أَدْرِي لَقَبُ مَنْ هُوَ مِنْ أَجدَادِه، أَوْ لَعَلَّهُ اسْمٌ لأَحدِهِم.
سَمِعَ: الشَّرِيْف أَبَا القَاسِمِ النَّسِيْبَ، وَعِنْدَهُ عَنْهُ الأَجزَاء العِشْرُوْنَ الَّتِي خَرَّجهَا لَهُ شَيْخُه الحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ سَمِعْنَاهَا بالاتصال، وسمع من قوام ابن زَيْدٍ صَاحِبِ ابْنِ هَزَارْمَرْدَ الصَّرِيْفِيْنِيّ، وَمِنْ أَبِي الوَحْشِ سُبَيْعِ بنِ قِيْرَاطٍ صَاحِبِ الأَهْوَازِيِّ، وَمِنْ أَبِي طَاهِرٍ الحِنَّائِيّ، وَأَبِي الحَسَنِ بنِ المَوَازِيْنِيِّ، وَأَبِي الفَضَائِلِ المَاسِحِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي العَلاَءِ المَصِّيْصِيّ، وَالأَمِيْن هِبَة اللهِ بن الأَكْفَانِيِّ، وَعَبْد الكَرِيْمِ بن حَمْزَةَ، وَطَاهِر بن سَهْلٍ الإِسْفَرَايِيْنِيّ، وَخَلْق بِدِمَشْقَ.
وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ خَمْسَة أَعْوَام، يُحصِّل العِلْم، فَسَمِعَ مِنْ هِبَة اللهِ بنِ الحُصَيْنِ، وَعَلِيِّ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ الدِّيْنَوَرِيِّ، وقراتكين بن أسعد، وأبي غالب بن البَنَّاءِ، وَهِبَةُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ الطَّبَر، وَأَبِي الحَسَنِ البَارِع، وَأَحْمَد بن مُلُوْك الوَرَّاق، وَالقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ المِصْرِيّ المُلَقَّب بِالغَزَالِ.
وَبِالمَدِيْنَة مِنْ عَبْدِ الخَلاَّقِ بن عَبْدِ الوَاسِعِ الهروي.

وَبِأَصْبَهَانَ مِنَ الحُسَيْن بن عَبْدِ المَلِكِ الخَلاَّل، وغانم بن خالد، وَإِسْمَاعِيْل بن مُحَمَّدٍ الحَافِظ، وَخَلْق.
وَبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الفُرَاوِيّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ السَّيِّدِيّ، وَزَاهِر الشَّحَّامِيّ، وَعَبْد المُنْعِمِ بن القُشَيْرِيّ، وَفَاطِمَة بِنْت زَعْبَل، وَخَلْق.
وَبِمَرْوَ مَنْ: يُوْسُف بن أَيُّوْبَ الهَمَذَانِيّ الزَّاهِد، وَخَلْق.
وَبِهَرَاةَ مِنْ: تَمِيْمِ بنِ أَبِي سَعِيْدٍ المُؤَدِّبِ، وَعِدَّة.
وَبِالكُوْفَةِ مِنْ: عُمَرَ بن إِبْرَاهِيْمَ الزَّيْدِيّ الشَّرِيْف. وَبِهَمَذَانَ وَتِبْرِيْز وَالمَوْصِل.
وَعَمِلَ "أَرْبَعِيْنَ" حَدِيْثاً بُلدَانِيَّة.
وَعددُ شُيُوْخِهِ الَّذِي فِي "مُعْجَمِهِ" أَلفٌ وَثَلاَثُ مائَةٍ شَيْخٍ بِالسَّمَاعِ، وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُوْنَ شَيْخاً أَنشَدُوْهُ، وَعَنْ مائَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ شَيْخاً بِالإِجَازَةِ، الكُلُّ فِي "مُعْجَمِهِ"، وَبِضْعٌ وَثَمَانُوْنَ امْرَأَةً لَهُنَّ "مُعْجَمٌ" صَغِيْرٌ سَمِعْنَاهُ.
وَحَدَّثَ بِبَغْدَادَ وَالحِجَازِ وَأَصْبَهَانَ وَنَيْسَابُوْرَ.
وَصَنَّفَ الكَثِيْرَ.
وَكَانَ فَهِماً حَافِظاً مُتْقِناً ذَكِيّاً بَصِيْراً بِهَذَا الشَّأْن، لاَ يُلحَقُ شَأْؤُه، وَلاَ يُشق غُبَاره، وَلاَ كَانَ لَهُ نَظير فِي زَمَانِهِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْمَر بن الفَاخِرِ، وَالحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ العَطَّار، وَالحَافِظُ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، وَابْنه القَاسِم بن عَلِيٍّ، وَالإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ القُرْطُبِيّ، وَالحَافِظُ أَبُو المَوَاهِبِ بنُ صَصْرَى، وَأَخُوْهُ أَبُو القَاسِمِ بنُ صَصْرَى، وَقَاضِي دِمَشْق أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ، والحافظ عبد القادر الرهاوي، والمفتي فَخْر الدِّيْنِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن عَسَاكِرَ، وَأَخوَاهُ زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنٌ، وَأَبُو نَصْرٍ عَبْد الرَّحِيْمِ، وَأَخُوْهُم تَاجُ الأُمَنَاءِ أَحْمَدُ، وَوَلَدُهُ العِزُّ النَسَّابَةُ، وَيُوْنُس بن مُحَمَّدٍ الفَارِقِيّ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن نَسِيم، وَالفَقِيْه عَبْد القَادِرِ بن أَبِي عَبْدِ الله البغدادي، والقاضي أبو نصر بن الشِّيْرَازِيِّ، وَعَلِيّ بن حجَاج البَتَلْهِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ القُرَشِيّ ابْن أَخِي الشَّيْخ أَبِي البَيَانِ، وَأَبُو المَعَالِي أَسْعَد، وَالسَّدِيْد مَكِّيّ ابْنَا المُسَلَّمِ بنِ عَلاَّنَ، وَمُحَمَّد بن عَبْدِ الكَرِيْمِ بن الهَادِي المُحْتَسِب، وَفَخْر الدِّيْنِ مُحَمَّد بن عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ الشِّيْرَجِيّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمُ وَعَبْد العَزِيْزِ ابْنَا أَبِي طَاهِرٍ الخشوعي، وعبد الواحد بن أحمد ابن أَبِي المَضَاءِ، وَنَصْر اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ فِتْيَانَ الأَنْصَارِيّ، وَعَبْد الجَبَّارِ بن عَبْدِ الغني بن الحرستاني، ومحمد ابن أَحْمَدَ المَاكِسِيْنِيّ، وَمَحَاسِن بن أَبِي القَاسِمِ الجَوْبَرَانِيّ، وَسَيْف الدَّوْلَةِ مُحَمَّد بن غَسَّانَ، وَعَبْد الرَّحْمَنِ بن شُعْلَةَ البَيْتَ سَوَائِيُّ، وَخَطَّابُ بنُ عَبْدِ الكريم المزي، وعتيق ابن أَبِي الفَضْلِ السَّلْمَانِيّ، وَعُمَر بن عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ البَرَاذعِيّ، وَمُحَمَّد بن رُوْمِيٍّ السَّقْبَانِيّ، وَالرَّشِيْد أَحْمَد بن المَسْلَمَةِ، وَبَهَاءُ الدِّيْنِ عَلِيُّ بنُ الجُمَّيْزِيّ، وَخَلْق.
وَقَدْ رَوَى لِشُيُوْخِي نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِيْنَ نَفْساً مِنْ أَصْحَابِ الحَافِظ أَفردت لَهُم جزءًا.
وَكَانَ لَهُ إِجَازَات عَالِيَة، فَأَجَازَ لَهُ مُسْند بَغْدَادَ الحَاجِب أَبُو الحَسَنِ بنُ العَلاَّف، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ بَيَان، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ نَبْهَانَ الكَاتِب، وَأَبُو الفَتْحِ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَدَّاد، وغانم البرجي، وأبو علي الحداد المقرىء، وعبد الغفار الشيروي صاحب القَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ الحِيْرِيّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم أَجَازُوا لَهُ وَهُوَ طِفْل.
قَالَ ابْنُهُ القَاسِم: رُوِي عَنْهُ أَشيَاء مِنْ تَصَانِيْفه بِالإِجَازَةِ فِي حيَاته وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ فِي الأَرْضِ، وَتَفَقَّهَ فِي حدَاثته عَلَى جَمَال الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ السُّلَمِيّ وَغَيْرِهِ، وَانتفع بصحبَة جدّه لأُمِّهِ القَاضِي أَبِي المُفَضَّل عِيْسَى بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ فِي النَّحْوِ، وَعلَّق مَسَائِل مِنَ الخلاَف عَنْ أَبِي سَعْدٍ بنِ أَبِي صَالِحٍ الكَرْمَانِيّ بِبَغْدَادَ، وَلاَزَمَ الدَّرسَ وَالتَّفَقُّهَ بِالنِّظَامِيَّةِ بِبَغْدَادَ، وَصَنَّفَ وَجَمَعَ فَأَحْسَنَ. قَالَ:
فَمَنْ ذَلِكَ "تَارِيخُهُ" فِي ثَمَانِ مائة جزء -قلت: الجزء عشرون وَرقَةً، فَيَكُوْنُ سِتَّةَ عَشَرَ أَلفَ وَرقَةٍ- قَالَ: وَجَمَعَ "المُوَافِقَات" فِي اثْنَيْنِ وَسَبْعِيْنَ جُزْءاً، وَ"عَوَالِي مَالِك"، وَ"الذَّيْل" عَلَيْهِ خَمْسِيْنَ جُزْءاً، وَ"غَرَائِب مَالِك" عَشْرَة أَجزَاء، وَ"المُعْجَم" فِي اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءاً -قُلْتُ: هُوَ رِوَايَة مُجرَّدَة لَمْ يُتَرْجِمْ فِيْهِ شُيُوْخَه- قَالَ: وَلَهُ "مَنَاقِبُ الشُّبَّانِ" خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءاً، وَ"فَضَائِل أصحاب الحديث" أحد عشر جزء، "فَضل الجُمُعَة" مُجَلَّد، وَ"تَبْيِين كذب المفترِي فيما نسب إلى الأشعري" مُجَلَّد، وَ"المُسَلْسَلاَت" مُجَلَّد، وَ"السُّبَاعِيَات" سَبْعَة أَجزَاء، "مَنْ وَافقت كُنْيَتُهُ كُنْيَة زوجتِهِ" أَرْبَعَة أَجزَاء، وَ"فِي إِنشَاء دَار السُّنَّةِ" ثَلاَثَة أَجزَاء، "فِي يَوْم المَزِيد" ثَلاَثَة أَجزَاء، "الزَّهَادَة فِي الشَّهَادَة" مُجَلَّد، "طُرُقُ قَبضِ العِلْمِ"، "حَدِيْث الأَطِيط"، "حَدِيْث الهُبُوطِ وَصحَّتُه"، "عَوَالِي الأَوْزَاعِيِّ وَحَالُهُ" جُزآن.
وَمِنْ تَوَالِيفِ ابْنِ عَسَاكِرَ اللَّطِيفَةِ: "الخُمَاسِيَّات" جُزء، "السُّدَاسِيَات" جُزء، "أَسْمَاءُ الأَمَاكن الَّتِي سَمِعَ فِيْهَا"، "الخِضَاب"، "إِعزَاز الهِجْرَة عِنْد إِعواز النُّصرَة"، "المَقَالَة الفَاضحَة"، "فَضل كِتَابَة القُرْآن"، "مَنْ لاَ يَكُوْن مُؤتَمناً لاَ يَكُوْن مُؤذِّناً"، "فَضل الكَرَم عَلَى أَهْلِ الحَرَم"، "فِي حَفرِ الخَنْدَق"، "قَوْلُ عُثْمَان: مَا تَغَنَّيتُ"، "أَسْمَاء صحَابَة المُسْنَدِ"، "أَحَادِيْثُ رَأْسِ مَالِ شُعْبَةَ"، "أَخْبَارُ سَعِيْدِ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ"، "مُسلسل العِيْدِ"، "الأُبْنَةُ"، "فَضَائِلُ العَشْرَةِ" جُزآنِ، "مَنْ نَزَلَ المِزَّةَ"، "فِي الرَّبوَةِ وَالنَّيربِ"، "في كفر سوسية"، "رواية أَهْلِ صَنْعَاءَ"، "أَهْل الحِمرِيين"، "فَذَايَا"، "بَيْت قُوفَا"، "البَلاَط"، "قَبْر سَعْد"، "جِسْرِيْن"، "كفر بَطنَا"، "حرستَا"، "دُومَا مَعَ مِسْرَابَا"، "بَيْت سَوَا"، "جَرْكَانَ"، "جَدَيَا وَطَرْمِيس"، "زَمْلَكَا"، "جَوْبَر"، "بَيْت لِهْيَا"، "بَرزَة"، "مَنِيْنَ"، "يَعقُوبَا"، "أَحَادِيْثُ بَعْلَبَكَّ"، "فَضل عَسْقَلاَن"، "القُدْس"، "المَدِيْنَة"، "مَكَّة"، كِتَاب "الجِهَاد"، "مُسْنَدُ أَبِي حَنِيْفَةَ وَمَكْحُوْلٍ"، "العَزلُ" وَغَيْر ذَلِكَ، وَ"الأَرْبَعُوْنَ الطّوَال" مُجيليد، وَ"الأَرْبَعُوْنَ البَلَديَة" جُزْء، وَ"الأَرْبَعُوْنَ فِي الجِهَادِ"، وَ"الأَرْبَعُوْنَ الأَبْدَال"، وَ"فضل عَاشُورَاء" ثَلاَثَة أَجزَاء، وَ"طرق قبض العِلْم" جُزْء، كِتَاب "الزلاَزل" مجيليد، "المصَاب بِالوَلَد" جُزْآنِ، "شُيُوْخ النَّبَل" مُجيليد، "عَوَالِي شُعْبَةَ" اثْنَا عَشرَ جُزْءاً، "عَوَالِي سُفْيَانَ" أَرْبَعَةُ أَجزَاءٍ، "مُعْجَم القُرَى وَالأَمصَار" جُزء، وَسَرَدَ لَهُ عِدَّةَ تَوَالِيفَ.
قَالَ: وَأَملَى أربعة مائَة مَجْلِس وَثَمَانِيَة.
قَالَ: وَكَانَ موَاظباً عَلَى صَلاَة الجَمَاعَة وَتِلاَوَة القُرْآن، يَخْتِم كُلّ جُمُعَة، وَيَخْتِم فِي رَمَضَانَ كُلّ يَوْم، وَيَعتكَفُ فِي المنَارَة الشَّرْقِيَّة، وَكَانَ كَثِيْرَ النَّوَافل وَالأَذكَار، يُحيِي لَيْلَة النِّصْف وَالعيدين بِالصَّلاَة وَالتسبيح، وَيُحَاسِب نَفْسه عَلَى لحظَة تَذْهَب فِي غَيْر طَاعَة، قَالَ لِي: لَمَّا حَمَلَت بِي أُمِّي، رَأَتْ فِي مَنَامهَا قَائِلاً يَقُوْلُ: تَلِدِينَ غُلاَماً يَكُوْن لَهُ شأن. حدثني أَنَّ أَبَاهُ رَأَى رُؤْيَا مَعْنَاهُ يُولد لَكَ وَلدٌ يُحْيِي الله بِهِ السّنَة، وَلَمَّا عزم على الرحلة، قَالَ لَهُ أَبُو الحَسَنِ بنُ قُبَيْس: أَرْجُو أَنْ يُحِيي الله بِك هَذَا الشَّأْن.
وَحَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنْتُ يَوْماً أَقرَأُ عَلَى أَبِي الفَتْحِ المُخْتَار بن عَبْدِ الحَمِيْدِ وَهُوَ يَتحدّث مَعَ الجَمَاعَة، فَقَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الوَزِيْر، فَقُلْنَا: مَا رَأَينَا مِثْله، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، فَقُلْنَا: مَا رَأَينَا مِثْله، حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا هَذَا، فَلَمْ نَر مِثْله.
قَالَ القَاسِم: وَحَكَى لِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الأَنْصَارِيّ الحَنْبَلِيّ، عَنْ أَبِي الحَسَنِ سَعْد الخَيْر قَالَ: مَا رَأَيْتُ فِي سنِّ أَبِي القَاسِمِ الحَافِظ مِثْله.
وَحَدَّثَنَا التَّاج مُحَمَّد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ المَسْعُوْدِيّ، سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا العَلاَءِ الهَمَذَانِيّ يَقُوْلُ لبَعْض تَلاَمِذته -وَقَدِ اسْتَأَذنه أَنْ يَرحل- فَقَالَ: إِنْ عَرَفْت أُسْتَاذاً أَعْلَم مِنِّي أَوْ فِي الفَضْلِ مِثْلِي، فَحِيْنَئِذٍ آذنُ إِلَيْك أَنْ تُسَافر إِلَيْهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أن تسافر إلى الحافظ بن عَسَاكِرَ، فَإِنَّهُ حَافِظ كَمَا يَجِبُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الحَافِظُ? فَقَالَ: حَافِظ الشَّامِ أَبُو القَاسِمِ، يَسكنُ دِمَشْق.. وَأَثْنَى عَلَيْهِ. وَكَانَ يَجرِي ذِكْرُهُ عند ابن شيخه وهو الخطيب أبو الفَضْل بن أَبِي نَصْرٍ الطُّوْسِيّ، فَيَقُوْلُ: مَا نَعلم مَنْ يَسْتَحقُّ هَذَا اللَّقَب اليَوْم -أَعنِي الحَافِظ- وَيَكُوْن حقيقاً بِهِ سِوَاهُ. كَذَا حَدَّثَنِي أَبُو المَوَاهِبِ بن صَصْرَى.
وَقَالَ: لَمَّا دَخَلت هَمَذَان أَثْنَى عَلَيْهِ الحَافِظُ أَبُو العَلاَءِ، وَقَالَ لِي: أَنَا أَعْلَم أَنَّهُ لاَ يُسَاجل الحَافِظ أَبَا القَاسِمِ فِي شَأْنه أَحَد، فَلَو خَالَقَ النَّاس وَمَازجهُم كَمَا أَصْنَع، إِذاً لاجْتَمَعَ عَلَيْهِ المُوَافِق وَالمُخَالِفُ.
وَقَالَ لِي أَبُو العَلاَءِ يَوْماً: أَيُّ شَيْءٍ فُتِحَ لَهُ: وَكَيْفَ تَرَى النَّاسَ لَهُ? قُلْتُ: هُوَ بعيد مِنْ هَذَا كُلّه، لَمْ يَشتغل مُنْذُ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً إلَّا بِالجمع وَالتصنِيف وَالتسمِيْع حَتَّى فِي نُزهه وَخلوَاته، فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ، هَذَا ثَمَرَة العِلْم، إلَّا إِنَّا قَدْ حَصَلَ لَنَا هَذِهِ الدَّارُ وَالكُتُب وَالمَسْجَد، هَذَا يَدلّ عَلَى قلّة حُظُوظ أَهْل العِلْمِ فِي بِلاَدكُم. ثُمَّ قَالَ لِي: مَا كَانَ يُسَمَّى أَبُو القَاسِمِ بِبَغْدَادَ إلَّا شعلَة نَار مِنْ تَوقُّده وَذكَائِهِ وَحُسن إِدرَاكه.
وَرَوَى زَين الأُمَنَاءِ، حَدَّثَنَا ابْنُ القَزْوِيْنِيّ عَنْ وَالِده مُدَرِّس النِّظَامِيَّة قَالَ: حَكَى لَنَا الفُرَاوِيّ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا ابْنُ عَسَاكِرَ، فَقَرَأَ عَلَيَّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَر، فَأَضجَرَنِي، وَآليتُ أَنْ أُغلِقَ بَابِي، وَأَمتنعَ، جرَى هَذَا الخَاطر لِي بِاللَّيْلِ، فَقَدم مِنَ الغَدِ شَخْص، فَقَالَ: أَنَا رسول رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْكَ، رَأَيْتهُ فِي النَّوْمِ، فَقَالَ: امْضِ إِلَى الفُرَاوِيّ، وَقُلْ لَهُ: إِن قَدِمَ بلدكُم رَجُل مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَسْمَر يَطلب حَدِيْثِي، فَلاَ يَأْخُذْكَ منه ضجر ولا ملل. قال: فَمَا كَانَ الفُرَاوِيّ يَقُومُ حَتَّى يَقُومَ الحَافِظ أَوَّلاً.
قَالَ أَبُو المَوَاهِب: وَأَنَا كُنْتُ أُذَاكِرُه فِي خَلَوَاتِهِ عَنِ الحُفَّاظِ الَّذِيْنَ لَقِيَهُم، فَقَالَ: أَمَّا بِبَغْدَادَ، فَأَبُو عَامِرٍ العَبْدَرِيّ، وَأَمَّا بِأَصْبَهَانَ، فَأَبُو نَصْرٍ اليُوْنَارَتِيّ، لَكِن إِسْمَاعِيْل الحَافِظ كَانَ أَشهر مِنْهُ. فَقُلْتُ لَهُ: فَعَلَى هَذَا مَا رَأَى سيدنَا مِثْل نَفْسه. فَقَالَ: لاَ تَقُلْ هَذَا، قَالَ اللهُ -تَعَالَى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النَّجْمُ: 32] . قُلْتُ: فَقَدْ قَالَ: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضُّحَى: 11] ، فَقَالَ: نَعَمْ، لَوْ قَالَ قَائِل: إِنَّ عَيْنِي لَمْ تَرَ مِثْلِي لَصَدَقَ.
قَالَ أَبُو المَوَاهِبِ: وَأَنَا أَقُوْل: لَمْ أَرَ مِثْله وَلاَ مَنِ اجْتَمَع فِيْهِ مَا اجْتَمَع فِيْهِ مِنْ لُزُوم طرِيقَة وَاحِدَة مُدَّة أَرْبَعِيْنَ سَنَةً مِنْ لُزُوم الجَمَاعَة فِي الخَمْس فِي الصَّفّ الأَوّل إلَّا مِنْ عذر، وَالاعتكَاف فِي رَمَضَانَ وَعشر ذِي الحِجَّةِ وَعدم التَّطَلُّع إِلَى تَحْصِيل الأَملاَك وَبنَاء الدّور، قَدْ أَسقط ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَعرض عَنْ طلب المنَاصب مِنَ الإِمَامَة وَالخطَابَة، وَأَبَاهَا بَعْدَ أَنْ عرضت عَلَيْهِ، وَقِلَّةِ التِفَاتِه إِلَى الأُمَرَاءِ، وَأَخذِ نَفْسه بِالأَمْرِ بِالمَعْرُوف وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَر لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لَوْمَة لاَئِم. قَالَ لِي: لَمَّا عزمت عَلَى التَّحْدِيْث وَاللهِ الْمطلع أَنَّهُ مَا حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ حبّ الرِّئَاسَة وَالتَّقَدُّم، بَلْ قُلْتُ: مَتَى أَروِي كُلّ مَا قَدْ سمِعته، وَأَيُّ فَائِدَة فِي كَونِي أُخلِّفُهُ بَعْدِي صَحَائِف? فَاسْتَخرتُ الله، وَاسْتَأْذنت أَعيَان شُيُوْخِي وَرُؤَسَاء البَلَد، وَطُفت عَلَيْهِم، فُكُلٌّ قَالَ: وَمَنْ أَحقّ بِهَذَا مِنْكَ? فَشرعت فِي ذَلِكَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِيْنَ، فَقَالَ لِي وَالِدِي أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ: قَالَ لِي جَدِّي القَاضِي أَبُو المُفَضَّل لَمَّا قَدَمت مِنْ سفرِي: اجْلِسْ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ هَذِهِ السَّوَارِي حَتَّى نَجلس إِلَيْك، فَلَمَّا عزمت عَلَى الجُلُوْس اتَّفَقَ أَنَّهُ مرضَ، وَلَمْ يُقدَّرْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الخُرُوجُ إِلَى المَسْجَد ...
إِلَى أَنْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ القَاسِم: وَكَانَ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- قَدْ سَمِعَ أَشيَاء لَمْ يُحصِّلْ مِنْهَا نُسَخاً اعتمَاداً عَلَى نسخ رفِيقه الحَافِظ أَبِي عَلِيٍّ بنِ الوَزِيْر، وَكَانَ مَا حَصلَه ابْن الوَزِيْر لاَ يُحصله أَبِي، وَمَا حَصلَه أَبِي لاَ يُحصله ابْن الوَزِيْر، فَسَمِعْتُ أَبِي لَيْلَة يَتحدّث مَعَ صَاحِب لَهُ فِي الجَامِع، فَقَالَ: رحلتُ وَمَا كَأَنِّيْ رحلتُ، كُنْت أَحسب أَنَّ ابْنَ الوَزِيْر يَقدَمُ بِالكُتُب مِثْل الصَّحِيْحَيْنِ وَكُتُبِ البَيْهَقِيّ وَالأَجزَاء، فَاتَّفَقَ سُكنَاهُ بِمَرْوَ، وَكُنْت أُؤمل وُصُوْل رفِيق آخر لَهُ يُقَالَ لَهُ: يُوْسُف بن فَارّوا الجَيَّانِيّ، وَوُصُوْل رَفِيقنَا أَبِي الحَسَنِ المُرَادِيّ، وَمَا أَرَى أَحَداً مِنْهُم جَاءَ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الرّحلَة ثَالِثَةً وَتَحصيل الكُتُب وَالمهمَات. قَالَ: فَلَمْ يَمض إلَّا أَيَّام يَسِيْرَة حَتَّى قَدِمَ أَبُو الحَسَنِ المُرَادِيّ، فَأَنْزَلَهُ أَبِي فِي مَنْزِلنَا، وَقَدِمَ بِأَرْبَعَة أَسفَاط كتب مَسْمُوْعَة، فَفَرح أَبِي بِذَلِكَ شدِيداً، وَكفَاهُ الله مُؤنَة السَّفَر، وَأَقْبَلَ عَلَى تِلْكَ الكُتُب، فَنسخ وَاستنسخَ وَقَابَلَ، وَبَقِيَ مِنْ مَسْمُوْعَاته أَجزَاء نَحْو الثَّلاَث مائَة، فَأَعَانه عَلَيْهَا أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ، فَنقل إِلَيْهِ مِنْهَا جُمْلَةً حَتَّى لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ أَكْثَر مِنْ عِشْرِيْنَ جُزْءاً، وَكَانَ كُلَّمَا حصل لَهُ جُزْء مِنْهَا كَأَنَّهُ قَدْ حصل عَلَى ملك الدُّنْيَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَرَأْت بِخَطِّ مَعْمَر بن الفَاخِرِ في "معجمه": أخبرني أَبُو القَاسِمِ الحَافِظُ إِمْلاَءً بِمِنَى وَكَانَ مِنْ أَحْفَظ مَنْ رَأَيْتُ وَكَانَ شَيْخنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ الإِمَام يُفضله عَلَى جَمِيْع مَنْ لقينَاهُم، قَدِمَ أَصْبَهَان وَنَزَلَ فِي دَارِي، وَمَا رَأَيْتُ شَابّاً أَحْفَظَ وَلاَ أَورعَ وَلاَ أَتقنَ مِنْهُ، وَكَانَ فَقِيْهاً أَدِيباً سَنِيّاً، سَأَلتُه عَنْ تَأَخُّره عَنِ الرّحلَة إِلَى أَصْبَهَانَ، قَالَ: اسْتَأَذنتُ أُمِّي في الرحلة إليها، فما أذنت.
وقال السَّمْعَانِيُّ: أَبُو القَاسِمِ كَثِيْرُ العِلْمِ، غزِيْر الفَضْل، حَافِظ مُتْقِن، ديِّن خَيِّر، حسن السَّمْت، جَمع بَيْنَ مَعْرِفَة المُتُوْنِ وَالأَسَانِيْد، صَحِيْح القِرَاءة، متثبِّت مُحتَاط ... إِلَى أَنْ قَالَ: جَمع مَا لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُ، وَأَرْبَى عَلَى أَقرَانِهِ، دَخَلَ نَيْسَابُوْرَ قَبْلِي بِشَهْرٍ، سَمِعْتُ مِنْهُ، وَسَمِعَ مِنِّي، وَسَمِعْتُ منه معجمه، وحصل لي بدمشق نسخة به، وَكَانَ قَدْ شَرَعَ فِي التَّارِيْخِ الكَبِيْرِ لِدِمَشْقَ، ثُمَّ كَانَتْ كُتُبُه تَصِلُ إِلَيَّ، وَأُنفذُ جَوَابَهَا.

سَمِعْتُ الحَافِظُ عَلِيّ بن مُحَمَّد يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الحَافِظُ أَبَا مُحَمَّدٍ المُنْذِرِيّ يَقُوْلُ: سَأَلت شَيْخنَا أَبَا الحَسَنِ عَلِيّ بن المُفَضَّلِ الحَافِظ عَنْ أَرْبَعَة تَعَاصرُوا، فَقَالَ: مَنْ هُم ? قُلْتُ: الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ، وَالحَافِظ ابْن نَاصِر، فَقَالَ: ابْنُ عَسَاكِرَ أَحْفَظ. قُلْتُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو مُوْسَى المَدِيْنِيُّ? قَالَ: ابْنُ عَسَاكِرَ. قُلْتُ: ابْنُ عَسَاكِرَ وَأَبُو طَاهِرٍ السِّلَفِيُّ? فَقَالَ: السِّلَفِيّ شَيْخنَا، السِّلَفِيُّ شَيْخنَا.
قُلْتُ: لَوَّحَ بِأَنَّ ابنَ عَسَاكِرَ أَحْفَظ، ولكن تأدب مع شيخه، وقال لفظًا مُحْتَمَلاً أَيْضاً لِتفْضِيْلِ أَبِي طَاهِرٍ، فَاللهُ أَعْلَمُ.
وَبَلَغَنَا أَنَّ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ المَقْدِسِيَّ بَعْد مَوْتِ ابْن عَسَاكِرَ نَفَّذ مَنِ اسْتَعَار لَهُ شَيْئاً مِنْ تَارِيْخِ دِمَشْقَ، فَلَمَّا طَالعه، انْبَهَرَ لِسعَة حِفْظ ابْن عَسَاكِرَ، وَيُقَالُ: نَدِمَ عَلَى تَفويت السَّمَاع مِنْهُ، فَقَدْ كَانَ بَيْنَ ابْن عَسَاكِرَ وَبَيْنَ المَقَادِسَةِ وَاقِعٌ، رَحِمَ اللهُ الجَمِيْع.
وَلأَبِي عَلِيٍّ الحُسَيْن بن عَبْدِ اللهِ بنِ رَوَاحَة يَرْثِي الحَافِظ ابْن عَسَاكِرَ:
ذَرَا السَّعْيَ فِي نَيلِ العَلَى وَالفَضَائِل ... مَضَى مَنْ إِلَيْهِ كان شدّ الرّواجل
وَقُولاَ لِسَارِي البَرْقِ إِنِّيْ نَعَيتُه ... بِنَارِ أَسَىً أَوْ دَمْعِ سحبٍ هَوَاطلِ
وَمَا كَانَ إلَّا البَحْرَ غَارَ وَمَنْ يُرِدْ ... سَوَاحِلَهُ لَمْ يَلْقَ غَيْرَ جَدَاوِلِ
وَهَبْكُمْ رَوَيتُم عِلْمَه عَنْ رُوَاته ... وَلَيْسَ عَوَالِي صَحبِه بِنَوازِلِ
فَقَدْ فَاتَكُم نورُ الهُدَى بِوَفَاتِهِ ... وَعزُّ التُّقَى مِنْهُ وَنُجْحُ الوَسَائِلِ
خَلتْ سُنَّةُ المُخْتَارِ مِنْ ذَبِّ نَاصِرٍ ... فَأَقْرَبُ مَا نَخشَاهُ بِدعَة خَاذِلِ
نَحَا لِلإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَقَالَةً ... فَأَصْبَح شَافِي عَيِّ كُلِّ مُجَادِلِ
وَسدَّ مِنَ التَّجسيمِ بَابَ ضلالةٍ ... وَردَّ مِنَ التَّشبيه شُبهَةَ بَاطِلِ.
قُتل نَاظمُهَا عَلَى عكَا سَنَة خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ.
وَمِنْ نَظْمِ الحَافِظِ أَبِي القَاسِمِ:
أَلاَ إِنَّ الحَدِيْث أَجَلُّ علمٍ ... وَأَشرفُه الأَحَادِيْث العَوَالِي
وَأَنفعُ كُلُّ نوعٍ مِنْهُ عِنْدِي ... وَأَحْسَنُه الفَوَائِدُ وَالأَمَالِي
فَإِنَّكَ لَنْ تَرَى لِلْعِلْمِ شَيْئاً ... تُحَقِّقُه كَأَفْوَاهِ الرِّجَالِ

فَكُنْ يَا صَاحِ ذَا حرصٍ عَلَيْهِ ... وَخُذهُ عَنِ الشُّيُوْخِ بِلاَ مَلاَلِ
وَلاَ تَأْخُذْه مِنْ صحفٍ فَتُرمَى ... مِنَ التَّصحيفِ بِالدَّاءِ العُضَالِ
وَلَهُ:
أَيَا نَفُْس وَيْحَكِ جَاءَ المَشِيْب ... فَمَاذَا التّصابي وماذا الغزل
تَولَّى شَبَابِي كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ... وَجَاءَ مَشِيبِي كَأَنْ لَمْ يَزَلْ
كَأَنِّيْ بِنَفْسِي عَلَى غرّةٍ ... وَخَطْبُ المَنُوْنِ بِهَا قَدْ نَزلْ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مِمَّنْ أَكُوْن ... وَمَا قدَّر اللهُ لِي فِي الأَزَلْ.
وَلابْنِ عَسَاكِر شِعْرٌ حسن يُملِيه عَقِيب كَثِيْرٍ مِنْ مَجَالِسه، وَكَانَ فِيْهِ انجمَاع عَنِ النَّاس، وَخَير، وَتَركٌ لِلشهَادَاتِ عَلَى الحُكَّام وَهَذِهِ الرعونَات.
تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَة إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ لَيْلَة الاثْنَيْن حَادِي عشر الشَّهْر، وَصَلَّى عَلَيْهِ القُطْب النَّيْسَابُوْرِيّ، وَحضره السُّلْطَان صَلاَح الدِّيْنِ، وَدُفن عِنْد أَبِيْهِ بِمَقْبَرَة بَاب الصَّغِيْر.
أَخْبَرَنَا الإِمَامُ أَبُو الحُسَيْنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ بنِ أَحْمَدَ اليُوْنِيْنِيّ بِبَعْلَبَكَّ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ، أَخْبَرَنَا القَاضِي عَبْد الوَاحِدِ بن أَحْمَدَ بنِ أَبِي المَضَاءِ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ بقِرَاءة الحَافِظ أَبِي مُوْسَى المَقْدِسِيّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الشَّافِعِيّ إِمْلاَءً بِبَعْلَبَكَّ سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَة، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ بِأَصْبَهَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ مَحْمُوْدٍ الثَّقَفِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّد بن الفَيْضِ، وَالحُسَيْن بن عَبْدِ اللهِ الرَّقِّيّ قَالُوا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ هِشَامِ بنِ يَحْيَى الغَسَّانِيّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عن عروة بن رويم اللَّخْمِيّ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ ذَا وُصلَةٍ لأَخِيْهِ المُسْلِمِ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ فِي تَبْلِيْغِ بِرٍّ أَوْ تَيْسِيْرِ عَسِيْرٍ، أَعَانَهُ اللهُ عَلَى إجازة الصراط يوم دحض الأقدام.

أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هبَةِ اللهِ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمنَاء الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَمِّي الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ النَّسِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيْمِيّ، أَخْبَرَنَا يُوْسُفُ بنُ القَاسِمِ المَيَانَجِيّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ التَّمِيْمِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَاتِمٍ الطَّوِيْل، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إِذَا اشْتَكَى قَرَأَ عَلَى نَفْسِهِ بِالمُعَوِّذَاتِ، وَنفث، أَوْ نُفث عَلَيْه.
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. أَمَا أَحْمَد بن حَاتِمِ بنِ مَخْشِي، عَنْ مَالِكٍ، فَشيخ بصري، وأما الطويل فبغدادي.
سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.