أحمد بن محمد بن محمد بن أبي العافية المكناسي الزناتي، أبو العباس بن القاضي:
مؤرخ رياضي، من أهل مكناس (بالمغرب) ولي القضاء في سلا، واشتهر، وركب البحر حاجا سنة 994 هـ فأسره قرصان الإسبان وعذبوه، فافتداه أبو العباس أحمد المنصور السعدي أمير المسلمين بمبلغ كبير من المال. وكانت مدة أسره أحد عشر شهرا. له نحو 15 كتابا، منها (جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام مدينة فاس - ط) و (درة الحجال في أسماء الرجال - ط) جزان و (درة السلوك في من حوى الملك من الملوك - خ) منظومة ذيل بها رقم الحلل لابن الخطيب، و (لقط الفرائد - خ) عندي ذيل به وفيات ابن قنفذ، والمنتقى المقصور على مآثر الخليفة أبي العباس المنصور) و (غنية الرائض في طبقات أهل الحساب والفرائض) و (المدخل في الهندسة) وغير ذلك. توفي بفاس .
-الاعلام للزركلي-
أبو العباس أحمد بن عمر بن أبي العافية: الشهير بابن القاضي الإِمام العالم الجليل المفضال الفقيه المتفنن المؤرخ الرحال. أخذ عن أئمة من أهل
المشرق والمغرب منهم والده المتوفى بفاس سنة 981 هـ وأحمد بابا والمنجور والسراج وابن جلال والقصار ويحيى الحطاب وابن مجبر والبدر القرافي وسالم السنهوري، وعنه جماعة منهم ابن عاشر وميارة والشهاب المقري. ألّف ثمانية عشر تأليفاً منها درة الحجال في أسماء الرجال وغنية الرائض في طبقات أهل الحساب والفرائض وجذوة الاقتباس فيمن حلّ من الأعلام بفاس ونيل الأمل فيما به بين المالكية جرى العمل وفهرسة ولقطة الفرائد والفوائد ذيل به تاريخ أبي العباس بن قنفذ القسنطيني، مولده سنة 960 هـ وتوفي سنة 1025 هـ[1616م].
شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف
ابن القاضى - أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى.
هو أبو العباس: أحمد بن محمد بن أبى العافية، المشهور بابن القاضى، المكناسى؛ فهو منسوب إلى موسى بن أبى العافية، ثم إلى مكناس بن وصطيف كما حدث عن نفسه فى «جذوة الاقتباس» وهو أيضا من أهل «مكناس» (بالمغرب)
نشأته:
ولد بها عام 960 هـ، ونشأ فى بيت علم فكان أول تلقيه على أبيه: عمر بن أبى العافية المتوفى بفاس سنة 981 هـ ثم أخذ عن أعلام عصره ما بين المغرب والمشرق.
شيوخه:
فمعن أخذ عنهم فى المغرب: أبو العباس: أحمد بن على المنجور الفاسى (926 - 995 هـ).
كان مستبحرا فى كثير من العلوم، لا سيما علم الأصول والمنطق، والتاريخ، والبيان. وقد ترجم له ابن القاضى فى هذا الجزء ترجمة ضافية (ص 156 - 163) ذكر فيها كثيرا من أخباره وأشعاره، ومناقبه وآثاره، ثم قال:
«ولقد أجاز لى جميع ما يحمله، وجميع تآليفه، وصارت الدنيا تصغر بين عينى كلما ذكرت أكل التراب للسانه، والدود لبنانه.
ولقد لازمته كثيرا من سنة 975 إلى وفاته، رحمه الله. وما فارقته إلا زمن رحلتى للمشرق، وزمن أسرى فقط، أو مدة أقمتها بمراكش فى حياته. . . إلخ.
وحديث ابن القاضى عن شيخه هذا فى سائر الترجمة ينبئ عن مدى ما كان يكن له من إجلال وتوقير، وما كان يأخذ به نفسه من ملازمته ومتابعته، والاعتذار عن يسير مفارقته.
وهو أمر ينبئ بدوره عن مدى تعلق ابن القاضى بالعلم. وحرصه على تحصيله وفقهه؛ فملازمة الأعلام، ودوى المثالة فى العلم حين تتجرد عن غرض الدنيا لا تكون لشئ إلا للإفادة منهم، والتحمل عنهم، وهى الطريقة المثلى لنشر العلم، وخلود الأثر! .
وقد كانت علاقة ابن القاضى بابن المنجور صورة رائعة لهذا الذى نقول.
... ومنهم: أبو العباس: أحمد بابا بن أحمد بن عمر بن أقيت التنبكتى الصنهاجى الفقيه المؤرخ المحقق.
له ما يزيد على الأربعين تأليفا منها: «شرح على مختصر خليل» من الزكاة إلى النكاح، و «فوائد النكاح، على مختصر الوشاح» للسيوطى، و «نيل الابتهاج بتطريز الديباج» «وكفاية المحتاج لمعرفة من ليس فى الديباج» كانت مكتبته تضم ألف مجلد وستمائة مجلد، وكان يقول: أنا أقل عشيرتى كتبا.
توفى سنة 1032.
وقد انتفع ابن القاضى بشيخه هذا أيما انتفاع ولعل الناحية التاريخية كانت أظهر ما انتفع به منه.
... ومنهم أبو عثمان: سعيد بن أحمد المقرى التلمسانى (930 - 1911 هـ).
كان مفتى تلمسان نحوا من ستين سنة، وخطيبها بجامعها الأعظم خمسا وأربعين سنة. وكان فقيها وراوية.
وعنه أخذ ابن القاضى الفقه والتاريخ.
... ومنهم: أبو العباس: أحمد بن جيدة العالم الرحال الفقيه الأديب صاحب النظم الجيد، والنثر الرائق.
توفى سنة 1009
... ومنهم: أبو المحاسن: يوسف بن محمد القصرى الفاسى العالم الفقيه العارف بالله المؤرخ: ولد سنة 937 وتوفى سنة 1013.
ومنهم: أبو عبد الله: محمد بن القاسم القيسى الشهير بالقصار الفقيه المحدث، المحقق شيخ الفتيا بفاس، وخاتمة أعلامها.
له مؤلفات عديدة، وفهرسة جمعت روايته فى الفقه والحديث.
ولد سنة 936 وتوفى سنة 1012.
... ومنهم: أبو عبد الله: محمد بن الشيخ أبو بكر، الدلائى. الإمام العالم العامل العارف بالله، المستبحر فى علوم القرآن والسنة والكلام، انتهت إليه الرياسة الإمامة والفتيا فى زمنه.
قال ابن مخلوف فى شجرة النور الزكية 1/ 301:
وكان أعلام وقته كالشهاب المقرّى، وأبو العباس الفاسى (ابن القاضى) يقصدون زيارته، والتبرك به، ويراجعونه فى عويص المسائل اه.
ولد سنة 967 وتوفى سنة 1046 هـ.
ومن هذا النص نستطيع أن نلمح مدى ما كان عليه أبو العباس بن القاضى؛ فإنه لا تجوز مراجعة الأعلام وذوى الشأن فى عويص المسائل، ولا الغوص معهم فى محيط العلوم إلا لمن كان ذا تمكن واقتدار.
ناهيك إذا بابن القاضى، وما كان له من مكانه فى العلم! ومثالة بين القوم! ؟
... وممن أخذ عنهم فى المشرق، إبراهيم بن عبد الرحمن العلقمى المصرى الشافعى الأشعرى، المحدّث الرواية الراحالة.
وقد ترجم له ابن القاضى ص 203 - 204 وقال: «أخذت عنه «البخارى» -رواية-بمصر سنة 986 بداره. . ثم ذكر طرفا من إنشاده لنفسه ولغيره، وأنه توفى سنة 997.
... ومنهم: أبو عبد الله: محمد بن سلامة البنوفرى.
من أعيان فقهاء مصر كان مشهورا بالدين والورع، وانفرد أخيرا برياسة المذهب وكان-على ما قيل-يختم إقراء «مختصر خليل» فى أربعة أشهر، ويمشى لرباط الإسكندرية أربعة أشهر، ويحج فى أربعة أشهر. توفى فى حدود سنة 998 هـ
... ومنهم القاضى بدر الدين: محمد بن يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس المصرى القرافى كان مشارا إليه بالعلم والصلاح ورواية الحديث. تولى قضاء المالكية بمصر كان-على ما قيل-أمثل قضاته، شرح مختصر خليل فى أسفار، وله حاشية على القاموس سماها «القول المأنوس» وله تعليق على «أوائل ابن الحاجب» و «ذيل على الديباج» فيه تراجم لأكثر من ثلاثمائة شخص، وله شرح على «الموطأ» وله شعر حسن.
ولد سنة 938 وتوفى سنة 108.
... على هؤلاء الأعلام وعلى غيرهم فى الشرق والغرب تتلمذ ابن القاضى وتغدى بلبان المعرفة فى الفقه، والحديث، والتفسير، والتاريخ، واللغة، والرياضة، والأدب، ثم غدا كما قال الكنانى: «حافظا، ضابطا، محققا، مؤرخا، إخباريا ثقة، سيّال القريحة بالشعر، حسن العبارة، لطيف الإشارة، مستجمعا لعلوم الأدب، ماهرا فى معرفة علوم الأوائل، مشاركا فى غير ذلك، وانفرد بعلم الحساب والفرائض فى وقته شرقا وغربا (1)
... ولقد كان ابن القاضى بعد تحمله للعلم وإعمال فكره فيه، وتمثله لمسائله حريصا على أدائه ونشره، ومن هنا كانت عنايته بالتربية والتدريس ومثابرته على التأليف والتصنيف.
ولقد أثمرت مدرسته فتخرج على يديه الكثيرون ممن ترسم هديه، واقتفى أثره، وقاربه أوفاقه فى تحصيل العلم، وخلود الأثر.
فلا غرو أن مثّل ابن القاضى-بالمدرسة الفكرية التى تأثر بها، ثم بتلامذته الذين صنعهم على عينه، ودفعهم للعلم والعمل بتوجيهه- لا غرو أن مثل ابن القاضى بأولئك وهؤلاء حلقة ضخمة فى سلسلة الحركة العلمية أينعت بها حقول المعرفة، فاستنارت البصائر، وتطور المجتمع، وازدهرت الحياة.
فمن تلاميذه: شهاب الدين: أبو العباس: أحمد بن محمد المقرى.
ولد بتلمسان ثم رحل إلى فاس والقاهرة.
كان محدثا، راوية، متكلما، مؤلفا محققا، عارفا بالسير وأحوال الرجال، آية فى الحفظ والذكاء والأدب، نثرا ونظما.
وله مؤلفات عديدة تدل على سعة أفقه، وضبطه وحفظه منها: «نفح الطيب» و «أزهار الرياض» و «النفحات العنبرية، فى فعل خير البرية» و «إضاءة الدجنة فى عقائد أهل السنة» و «عرف النشق، فى أخبار دمشق» و «الغث والسمين، والرث والسمين» و «البداءة والنشأة» أدب كله و «الدر الثمين فى أسماء الهادى الأمين» و «شرح مقدمة ابن خلدون» وغير ذلك.
وقد تولى الخطابة بجامع القرويين، وحج خمس حجج، وأقرأ هناك الحديث وغيره، ورحل إلى دمشق فأملى صحيح البخارى فى الجامع الأموى وحاضر الآلاف هناك، وتكلم بكلام فى العقائد، والحديث لم يسمع له نظير، وأثر فى الناس أى تأثير، ثم عاد إلى مصر وبها كانت وفاته سنة 1041 هـ.
... ومنهم: أبو مالك: عبد الواحد بن أحمد بن عاشر الأنصارى الأندلسى الفاسى. الفقيه الأصولى، المتكلم، النظار.
له تآليف عديدة: منها: «المنظومة المسماة بالمرشد المعين» و «شرح مورد الظمآن، فى علم رسم القرآن» وشرح على المختصر. من أثناء النكاح إلى السلم. وتقييد على كبرى السنوسية وغير ذلك.
توفى سنة 1040 هـ
ومنهم أبو عبد الله: محمد بن أحمد ميارة.
الفقيه، المستبحر فى العلوم، الثقة، الأمين، الورع.
مؤلفاته
أما مؤلفاته-عدا هذا الكتاب-فعديدة، منها:
1 - المنتقى المقصور على مآثر الخليفة أبى العباس المنصور.
2 - غنية الرائض فى طبقات أهل الحساب والفرائض.
3 - المدخل فى الهندسة.
4 - نيل الأمل، فيما به جرى بين المالكية العمل.
5 - نظم تلخيص ابن البناء.
6 - نظم منطق السعد.
7 - تقاييد على جداول الحوفى.
8 - الفتح النبيل لما تضمنه من أسماء العدد التنزيل.
9 - فهرسة.
10 - لقط الفرائد فى تحقيق الفوائد أو: لقط الفرائد من لفاظه حلو الفوائد.
وقد ألفه كما ألف كثيرا من كتبه للسلطان أبى العباس المنصور، وجمع فيه تراجم من كان من أعيان القرن الثامن، مرتبا على السنين إلى آخر القرن العاشر وجعله كالذيل لكتاب شرف الطالب فى أسنى المطالب، لابن قنفذ وهو كتاب جامع مختصر بنحو فيه منحى الذهبى فى العبر. وهذا نموذج منه، قال بعد المقدمة:
«سنة سبعمائة».
توفى أبو العباس بن سرور، قاضى الأنكحة بتونس، له شرح على المعالم الدينية، وأحمد بن عبد المجيد المقدسى. . إلخ.
السنة الأولى منها من العشرة الأولى سنة إحدى وسبعمائة:
توفى أبو القاسم بن زرقون: والحاكم بأمر الله العباسى فى جمادى الأولى، ودفن عند السيدة نفيسة بنت زين العابدين، وخلف ابنة المستكفى، وأبو زكريا: يحيى اليفرنى. . إلخ.
السنة الثانية منها سنة اثنين وسبعمائة.
توفى الإمام: تقى الدين بن دقيق العيد: ولد بساحل «ينبع» من أرض الحجاز: من نظمه:
لعمرى لقد قاسيت بالفقر شدة … وقعت بها فى حيرة وشتات
فان فهت بالشكوى هتكت مروءتى … وأن لم أبح بالضر خفت مماتى
فأعظم به من نازل بملمّة … يزيل حيائى أو يزيل حياتى
والحسين بن طاهر بن رفيع الحسنى. . إلخ.
ويقع الكتاب فى اثنتين وأربعين ورقة. وقد فرغ منه المؤلف سنة 1000 هـ ومنه نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية رقم 2025 تاريخ.
... 11 - درة السلوك، فيمن حوى الملك من الملوك.
وهو منظومة فى سيرة النبى صلّى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وتواريخ الدولة الأموية، والعباسية، ودولة ابن الزبير. ودولة الشيعة فى إفريقيا، والدولة الأيوبية. والأتراك التركمان من بنى عثمان، ومن ثار بالمغرب من الأدارسة. وانتهى فيها إلى دولة الشرفاء الينبوعيين، ثم الدرعيين بالمغرب.
وقد جعلها ذيلا لكتاب «رقم الحلل. فى نظم الدول» للسان الدين ابن الخطيب.
راجع فهرس دار الكتب المصرية رقم 1027 تاريخ.
... 12 - «جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام مدينة فاس»
وهو تأريخ لمدينة فاس: مدارسها ومصانعها ومبانيها وملوكها وعلمائها وآثارهم العلمية والأدبية. وقد صنف-فى الحرف الواحد-كل نوع على حدة فهو فى الأحمدين يبدأ بالملوك فإذا ما فرغ منهم أخذ فى الحديث عن الفقهاء من أهلها. ثم يختم الحرف بالحديث عن الغرباء الوافدين ثم يقول: من اسمه إبراهيم من الملوك. . من الفقهاء من أهلها. . ومن الغرباء. . وهكذا.
وقد بدأه بمقدمة ذكر فيها سبب تأليفه للكتاب، وترتيبه بين سائر كتبه ومنهجه فيه فقال بعد الديباجة:
فلما خفف الله تعالى إصرى، وفك من ربقة العدو الكافر-دمره الله تعالى-أسرى، على يد الإمام المعظم، والملك الأفخم إمام المسلمين، وناصر الملة المحمدية والدين. من لا زال فى مفرق الدهر تاجا، وبتحية الملك على مر الليالى مناجى. . وهو الأسد الهصور. والهمام المشهور، الشريف الحسنى مولانا: أبو العباس المنصور-خلد الله بملكه ذكره، وأعز يمنه ونصره.
وكنت جمعت لإيالته الكريمة تآليف تنوب عن شكرى لأياديه ونعمته، ولتكون كالإقرار بمنته، كالمنتقى المقصور، على مآثر الخليفة أبى العباس المنصور، و «درة الحجال، فى أسماء الرجال» و «درة السلوك، فيمن حوى الملك من الملوك» و «لقط الفرائد، من حقائق الفوائد» فأردت إنشاء هذا أيضا؛ تجديدا لشكره اللازم، ولأستدرك به ما فات من بعض الواجب اللازم، فوضعته وسميته «جذوة الاقتباس، فيمن حل من الأعلام مدينة فاس».
وانتقيت أن أذكر أولا: المدينة ومحاسنها، وما اختصت به، ثم بعد ذلك أذكر على حروف المعجم: ملوكها، وعلماءها، وأعلامها، وما لهم من نظم وتأليف، ومن أخذوا عنه، أو أخذ عنهم، سواء كان من الغرباء القادمين عليها، أو من أهلها، إلا أنى إن شاء الله تعالى أفرد فى كل حرف ترجمة الغرباء الوافدين عليها ومن الله استمدادى، وعليه اعتمادى، وهو حسبى ونعم الوكيل اه
وقد اشتملت تراجم الجذوة أعلام الحقبة ما بين سنة 337 هـ إلى منتصف القرن العاشر الهجرى.
وقد طبع فى فاس سنة 1309 هـ طبعة غير محققة.
لهذا، ولما للكتاب من مكانة تاريخية خاصة، ولما ينبئ عنه مؤلفه فيه من ذاتية فى التفكير، واستيعاب للمادة، وتركيز فى العبارة، وتجنب للإيجاز المخل، وتوخ للتصنيف والتنسيق، اعتزمت أن يكون تحقيق «الجذوة» هو التالى للدرة إن شاء الله.
ولابن القاضى مؤلفات أخرى عدا ما ذكرناه، وهى كما ترى فى فروع شتى من المعرفة فى التاريخ، والأدب، والفقه، والرياضة، وعلوم القرآن والسنة.
ولا ريب أنها جميعا كانت أثرا لثقافته على الشيوخ الكبار ذوى الثقافات العديدة، والمكانة المرموقة.
تولى القضاء بسلا، فحسنت سيرته، وحمدت نزاهته.
وقصة الأسر التى يتحدث عنها ابن القاضى ويذكر أنها كانت سببا فى تأليفه أكثر كتبه واحدا بعد الآخر-يشير بها إلى المحنة التى حدثت له وهو فى طريقه إلى الحج فى شعبان عام 994 هـ حيث كان يركب إحدى السفن فأثره قرصان الأسبان وأذاقوه النكال الأليم، ولقى منهم البلاء العظيم: تجويعا وتعذيبا.
ولعل أبا العباس المنصور كان له بابن القاضى معرفة وثيقة. قدر بها حقه ومكانته، فما أن وافاه خبر أسره حتى كتب فى شأنه لقواد الثغور أن يبحثوا عنه ويفتدوه حيث يكون، وابن القاضى نفسه يعلل هذا فى كتابه المنتقى بتعلق همة أبى العباس بإخراجه من أسره تعظيما لقدره.
ولعل ابن القاضى لم يعلم بما اعتزم أبو العباس من طلبه وافتدائه، فأنشأ قصيدة يستعطفه بها ويستصرخه لإنجائه وفيها يقول:
تجلت عن العانى الأسير المكبل … هموم سرت فى الجسم فى كل مفصل
بذكر الإمام الهاشمى الذى سما … بسيمة خير الخلق فى كل محفل
إمام العلى المنصور فخر أئمة … به قد تحلى كل جيد معطل
إمام همام همه طول همة … ظبى بانة عين المعالى بصيقل
وكم جاوزت الغايات حتى لو انه … أراد الثريا أمها فى التنزيل
... فعز الليالى من سناه توقدت … ضياء لنور بالخلافة-مشعل
زكىّ زهىّ للسماح سماؤه … جناح لنسر النصل فى كل محفل
إمام الهدى، بحر الندى، قسور الردى … إلى المعتفى والفاجر المتضلل
... بحق الذى أولاك ملكا فنجنى … من الهلك يا قصد السبيل المكبل
وكن يا امام العدل فى عون خائر … أسير كسير ذى جناح مذلل
... لقد مزقت أيدى الزمان وريده … ودارت عليه الدائرات كجلجل
وأخنى عليه الدهر من كل وجهة … وداست عليه النائبات بأرجل
... فعافاك رب العرش يا ملك العلى … ودمت إماما فى علاء مزمل
ولا زلت حجّ المعتفين وكعبة … مطافا لأهل الفضل فى كل محفل
وأيا ما كان فقد افتداه أبو العباس المنصور بمبلغ كبير من المال دل على أثير مكانته، وعظم منزلته: افتداه بما يعدل عشرين ألف أوقية من الذهب على ما ذكر ابن زيدان فى اتحاف أعلام الناس بجمال حاضرة مكناس 1/ 326 - 337 بعد أن كان الأعداء قد طلبوا فكاكه بكلب تعنتا.
وكانت مدة أسره أحد عشر شهرا فلم يفرج عنه إلا فى رجب عام 995 هـ.
عاش ابن القاضى يطلب العلم، ويسعى فى تحصيله، ويعنى بتدريسه وتصنيفه، والسير فى الحياة على ضوئه، ومات سنة 1025 هـ بيد أنه بقى بسلوكه وتآليفه زكى السيرة، خالد الأثر!
من مقدمة كتاب:ذيل وفيات الأعيان المسمى «درّة الحجال في أسماء الرّجال»
المؤلف: أبو العبّاس أحمد بن محمّد المكناسى الشّهير بابن القاضى (960 - 1025 هـ)