فتح بن سعيد الموصلي
أبي نصر
تاريخ الوفاة | 220 هـ |
أماكن الإقامة |
|
نبذة
الترجمة
فتح بن سعيد الموصلي - 220 للهجرة
فتح بن سعيد الموصلي، او نصر. من اقران بشر الحافي، وسري السقطي، كبير الشأن في باب الورع والمعاملات.
وكان يحضر بغداد لزيارة بشر، فورد عليه مرة زائراً، فأكل عنده، واخذ باقي الطعام، فقال بشر لمن حضر: " أتدرون لم حمل باقي الطعام؟ ". قالوا: " لا! ". قال: " أراكم انه إذا صحت التوكل لا يضر الحمل ".
قال ابرهيم بن نوح الموصلي: " رجع فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة، وكان صائماً، فقال: " عشيتموني؟ ". فقالوا: " ما عندنا شيء! ".
قال: " مالكم جلوس في الظلمة؟ "، فقالوا: " ما عندنا شيء نسرج به! ". فجلس يبكي من الفرح ويقول: " يا ألهي!. مثلي يترك بلا عشاء ولا سراج؟!، بأي يد كانت مني؟! ". فما زال يبكي حتى الصباح.
وقال بشر بن الحارث: " بلغني أن بنتاً لفتح الموصلي عريت؛ فقيل له " إلا تطلب من يكسوها؟ ". فقال: " ادعها حتى يرى الله عريها وصبري عليها ".
قيل: " وكانت إذا كانت ليالي الشتاء جمع عياله، وقال بكسائه عليهم، ثم قال: " اللهم!، أفقرتني وأفقرت عيالي، وجوعتني وجوعت عيالي، وأعريتني وأعريت عيالي، بأي وسيلة أتوسل إليك؟؛ وانما تفعل هذا بأوليائك واحبابك، فهل أنا منهم حتى افرح ".
قال فتح: " رأيت غلاماً بالبادية، لم يبلغ الحلم، وهو يمشي وحده، ويحرك شفتيه؛ فسلمت عليه فرد علي السلام؛ فقلت: " إلى اين؟ "، قال: " البيت ربي "؛ فقلت: " وبماذا تحرك شفتيك؟ "، فقال: " اتلوا كلام ربي ". فقلت له: " انه لم يجري عليك قلم التكليف! "، فقال: " رأيت الموت يأخذ من هو اصغر مني سناً ". فقلت: " خطوك قصير، وطريقك بعيد "، فقال: " إنما علي نقل الخطا، وعليه الإبلاغ ". قلت: " فأين الزاد والراحلة؟ "،
قال: " زاد يقيني، وراحلتي رجلاي ". فقلت: " أسألك عن الخبز والماء! "، فقال: " يا عماه!، أرأيت لو دعاك مخلوق إلى منزله، أكان يجمل بك ان تحمل معك زادك إلى منزله؟! "، قلت: " لا! "، فقال: " إن سيدي دعا عباده إلى بيته، وأذن لهم في زيارته؛ فحملهم ضعف يقينهم على حمل أزوادهم واني استقبحت لك، فحفظت الأدب معه، أفتراه يضيعني؟! "، فقلت: " كلا وحاشا! "؛ ثم غاب عن بصري، فلم اره إلا بمكة. فلما رآني فقال: " انت - ايها الشيخ - بعد على ذلك الضعف من اليقين؟! ".
وقال أبي إسماعيل، وكان من أصحاب فتح: " شهد فتح العيد ذات يوم بالموصل، ورجع بعدما تفرق الناس، ورجعت معه. فنظر إلى الدخان يفور من نواحي المدينة، فبكى ثم قال: " قد قرب الناس قربانهم، فليت شعري! ما فعلت في قرباني عندك أيها المحبوب؟! "، ثم سقط مغشياً عليه؛ فجئت بماء، فمسحت به وجهه فأفاق. ثم مضى حتى دخل بعض أزقة المدينة، فرفع رأسه إلى السماء، وقال: " علمت طول غمي وحزني، وتردادي في أزقة الدنيا، فحتى متى تحبسني أيها المحبوب؟! ". ثم سقط مغشياً عليه، فجاءت بماء، فمسحت به وجهه فأفاق، فما عاش بعد ذلك إلا أيام حتى مات ".
وقال أبي إسماعيل أيضاً: " دخلت عليه يوماً، وقد مد كفه يبكي، حتى رأيت الدموع من بين أصابعه تتحدر، فدنوت منه لا نظر أليه، فإذا دموعه قد غالطها صفرة، فقلت: " بالله يافتح! بكيت الدم؟ "، فقال: " نعم!. ولولا انك حلفتني بالله ما خبرتك ". فقلت: " على ماذا بكيت الدموع ثم الدم؟ ". فقال: " بكيت الدموع على تخلفي عن واجب حق الله؛ وبكيت الدم بعد الدموع حزناً إلا تكون قد صحت لي توبت1. فرأيته في المنام بعد موته، فقلت: " ما صنع الله بك؟ "، فقال: " غفر لي "، فقلت: " فما صنع في دموع؟ "، قال: " قربني ربي، وقال: يا فتح!، ادمع على ماذا؟ والدم على ماذا؟؛ فذكرت له ما سلف، فقال: يا فتح!، ما أردت بهذا كله؟!. وعزتي!، لقد صعد إلى حافظاك - من أربعين سنة - بصحيفتك، ما فيها خطيئة واحدة ".
مات سنة عشرين ومائتين.
طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.
فتح الموصلي:
الزَّاهِدُ الوَلِيُّ العَابِدُ أبي نَصْرٍ فَتْحُ بنُ سَعِيْدٍ المَوْصِلِيُّ.
وَقَدْ مَرَّ فَتْحٌ الكَبِيْرُ مِنْ أَقْرَانِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ أَدْهَمَ، وَكِلاَهُمَا مِنْ كِبَارِ المشايخ.
قِيْلَ: إِنَّ هَذَا صُدِعَ رَأْسُهُ فَسُرَّ، وَقَالَ: ابْتَلاَنِي بِبَلاَءِ الأَنْبِيَاءِ فَشُكْرُ هَذَا أَنْ أُصَلِّيَ أَرْبَعَ مائَةِ رَكْعَةٍ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: رَبِّ أَفْقَرْتَنِي، وَأَفْقَرْتَ عِيَالِي بِأَيِّ وَسِيْلَةٍ هَذَا؟ وَإِنَّمَا تَفْعَلُ هَذَا بِأَوْلِيَائِكَ.
وَعَنْهُ: مَنْ أَدَامَ النَّظَرُ بِقَلْبِهِ أَوْرَثَهُ ذَلِكَ الفَرَحَ بِاللهِ.
قَالَ الطُّفَاوِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى فَتْحٍ المَوْصِلِيِّ، وَهُوَ يُوْقِدُ فِي الآجُرِّ وَكَانَ شَرِيْفاً مِنَ العَرَبِ زَاهِداً.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ وَغَيْرِهِ.
رَوَى عَنْهُ: أبي حَفْصٍ ابْنُ أُخْتِ بِشْرٍ الحَافِي وَكَنَّاهُ: أَبَا بَكْرٍ.
تُوُفِّيَ سَنَةَ عِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَقِيْلَ: إِنَّهُ كَانَ يَتَقَوَّتُ بِفَلْسٍ نُخَالَةً، وَقَدْ قَدِمَ بَغْدَادَ زَائِراً لِبِشْرٍ الحَافِي فَأَضَافَهُ خُبْزاً وَتَمْراً بنصف درهم.
سير أعلام النبلاء: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي