شعيب بن حسين الأندلسي الزاهد أبي مدين التلمساني

شيخ المشايخ الغوث

تاريخ الولادة514 هـ
تاريخ الوفاة593 هـ
العمر79 سنة
مكان الولادةغير معروف
مكان الوفاةتلمسان - الجزائر
أماكن الإقامة
  • إشبيلية - الأندلس
  • بجاية - الجزائر
  • تلمسان - الجزائر
  • فاس - المغرب

نبذة

أبي مدين التلمساني 514 - 593 للهجرة شعيب بن حسين الأندلسي الزاهد أبي مدين. شيخ أهل المغرب توفى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بتلمسان. جال وساح، واستوطن بجاية مدة، ثم تلمسان. ذكره ابن الآبار، وأثنى عليه، قال: " مات في نحو التسعين وخمسمائة بتلمسان، وكان من أخره كلامه: " الله الحي!، ثم فاضت نفسه ".

الترجمة

أبي مدين التلمساني 514 - 593 للهجرة
شعيب بن حسين الأندلسي الزاهد أبي مدين. شيخ أهل المغرب توفى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة بتلمسان.
جال وساح، واستوطن بجاية مدة، ثم تلمسان. ذكره ابن الآبار، وأثنى عليه، قال: " مات في نحو التسعين وخمسمائة بتلمسان، وكان من أخره كلامه: " الله الحي!، ثم فاضت نفسه ".
وقال محي الدين بن العربي: كان سلطان الوارثين أخاه عبد الحق، وكان إذا دخل عليه وجد حالة حسنة سنية، فيقول: " وهذا وارث على الحقيقة! ومن علامات صدق المريد - في بدايته - لقطاعه عن الخلق، أو فراره؛ ومن علامات صدق فراره عنهم وجوده للحق؛ ومن علامات صدق وجوده للحق رجوعه للخلق ".
فأما قول أبي سليمان الداراني: " لو وصلوا ما رجعوا! ". فليس بمناقض لهذا. فإن أبا مدين على رجوعهم إلى إرشاد الخلق.

طبقات الأولياء - لابن الملقن سراج الدين أبي حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري.

 

 

 

 

أَبُو مَدْيَنَ:
شُعَيْبُ بنُ حُسَيْنٍ الأَنْدَلُسِيُّ الزَّاهِدُ، شَيْخُ أَهْلِ المَغْرِبِ، كَانَ مِنْ أَهْلِ حصنِ منتُوجت مِنْ عَمل إِشْبِيْلِيَة.
جَال وَسَاح، وَاسْتَوْطَنَ بجاية مدةً، ثم تلمسان.
ذكره الأَبَّار بِلاَ تَارِيخ وَفَاة، وَقَالَ: كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَمَل وَالاجتهَاد، مُنْقَطِع القرِيْنَ فِي العِبَادَةِ وَالنُّسك. قَالَ: وَتُوُفِّيَ بتِلِمْسَان فِي نَحْو التِّسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَكَانَ آخر كَلاَمه: الله الحيّ، ثُمَّ فَاضت نَفْسه.
قَالَ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ العَرَبِيِّ: كَانَ أَبُو مَدْيَنَ سُلْطَانَ الوَارِثِيْنَ، وَكَانَ جمَال الحُفَّاظ عَبْدُ الحَقِّ الأَزْدِيّ قَدْ آخَاهُ بِبجَايَة، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَيَرَى مَا أَيَّده الله بِهِ ظَاهِراً وَبَاطِناً، يَجد فِي نَفْسِهِ حَالَة سَنِيَّةً لَمْ يَكُنْ يَجِدُهَا قَبْل حُضُوْر مَجْلِس أَبِي مَدْيَن، فَيَقُوْلُ عِنْدَ ذَلِكَ: هَذَا وَارِث عَلَى الحقيقَة.
قَالَ مُحْيِي الدِّيْنِ: كَانَ أَبُو مَدْيَن يَقُوْلُ: مِنْ علاَمَات صِدْق المرِيْد فِي بدَايته انْقطَاعه عَنِ الخلْقِ، وَفرَارُه، وَمِنْ علاَمَات صِدْق فَرَاره عَنْهُم وَجُوْدُه لِلْحقِّ، وَمِنْ علاَمَات صدق وَجُوْده لِلْحقِّ رُجُوْعه إِلَى الخلْقِ، فَأَمَّا قَوْل أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيّ لَوْ وَصلُوا مَا رَجَعُوا فَلَيْسَ بِمنَاقض لِقَوْل أَبِي مَدْيَن، فَإِنَّ أَبَا مَدْيَن عَنَى رُجُوْعهُم إِلَى إرشاد الخلق، والله أعلم.

سير أعلام النبلاء - شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي.
 

 

 

 

شيخ المشايخ أبو مدين

أَبُو مَدْيَنَ شُعَيْبُ بنُ حُسَيْنٍ الأَنْدَلُسِيُّ الزَّاهِدُ، شَيْخُ أَهْلِ الـمَغْرِبِ، وسيد العارفين وقدوة السالكين في عصره. واشتهر بشيخ المشايخ، كَانَ مِنْ أَهْلِ العمل وَالاجتهَاد، مُنْقَطِع القرِيْن فِي العِبَادَةِ وَالنُّسك.

قال الشيخ أبو عبد الله التلمساني في كتابه: النجم الثاقب فيما لأولياء الله تعالى من المناقب: كان الشيخ سيدي أبو مدين فردًا من أفراد الرجال وصدرًا من صدور الأولياء الأبدال جمع الله له علم الشريعة والحقيقة.اهـ

من مناقبه

وذكر التادَلي وغيره أنه خرّج على يده ألف شيخ من الأولياء أولي الكرامات.اهـ

وقال التادلي: كان مبسوطًا بالعلم مقبوضًا بالمراقبة كثير الالتفات بقلبه إلى الله تعالى حتى ختم له بذلك.اهـ

وقال أبو الصبر كبير مشايخ وقته: كان أبو مدين زاهدًا فاضلا عارفًا بالله تعالى خاض بحار الأحوال ونال أسرار المعارف خصوصًا مقام التوكل لا يشق غباره ولا تجهل آثاره. اهـ

نشأته وطلبه العلم:

كَانَ مِنْ أَهْلِ حِصنِ مَنتُوجَبْ، مِنْ عَمل إِشْبِيْلِيَة، بالأندلس، جَال، وَسَاح، وَاسْتَوْطَنَ بِجَايَة مُدَّة، ثُمَّ تِلِمْسَان. جال في رحلته لطلب العلم، في المغرب وزار سبتة وطنجة بالشمال، واشتغل مع الصيادين ثم انتقل إلى مراكش بالجنوب وانخرط في سلك الجندية وفيها عرض أمره وغايته على من رآه نصوحًا فقال له: عليك بفاس.اهـ وفاس مدينة في بلاد المغرب.

يقول أبو مدين:" سرت إليها ( أي إلى مدينة فاس ) ولازمت جامعها ورغبت في من علمني أحكام الوضوء والصلاة ثم سألت عن مجالس العلماء فسرت إليها مجلسًا بعد مجلس". اهـ

وفي هذه المجالس أخذ عن شيوخ ولازمهم، ومال عن آخرين، وممن لازم وأخذ عنهم، الشيخ أَبُو يَعْزَى يلنور، (ت سنة 572هـ )، والشيخ أبو الحسن علي بن حِرْزِهِم، بكسر الحاء المهملة وسكون الراء وبعدها زاي، المشهور بابن حرازم رضي الله عنه(ت سنة 559 هـ). وقرأ عليه "الرعاية للمحاسبي". 

ومن الشيوخ كذلك الذين أخذ عنهم، الشيخ أبو الحسن بن غالب، فقيه فاس؛ أخذ عنه كتاب السنن للترمذي، والشيخ أبو عبد الله الدقاق وأخذ عنه التصوف.

ذكر عنه رضي الله عنه أنه قال: كنت في أول أمري وقراءتي على الشيوخ إذا سمعت تفسير آية أو معنى حديث قنعت به، وانصرفت لموضع خال خارج فاس، أتخذه مأوى للعمل بما فتح به علي، فإذا خلوت به تأتيني غزالة تأوي إلي وتؤنسني، وبقيت كذلك مدة وأخبار سيدي أبي يعزى ترد علي وكراماته يتداولها الناس وتنقل إلي فملأ قلبي حبه، فقصدته مع جماعة الفقراء، وشاهدت في الوقت عجائب من بركاته، ثم استأذنته في الانصراف بنية أداء الفريضة ( أي الحج) فأذن لي.اهـ

فتوجه الشيخ أبو مدين للشرق، وأنوار الولاية عليه ظاهرة، فأخذ عن العلماء واستفاد من الزهاد والأولياء، وتعرف في عرفة بالشيخ عبد القادر الجيلاني فقرأ عليه في الحرم الشريف كثيرا من الحديث وألبسه خرقة الصوفية.

وبعد زيارته المباركة للمشرق، عاد واستوطن مُدَّة في شرق الجزائر في مدينة بجاية. وكان يقول عنها:" إنها معينة على طلب الحلال".اهـ ولم يزل بها يزداد حاله على مر الليالي رفعة، ترد عليه الوفود وذوو الحاجات من الآفاق.

وفيها تزوج، وأنجب ولدًا. قال الشعراني في الطبقات الكبرى: "وولده مدين هو المدفون بمصر بجامع الشيخ عبد القادر الدشطوطي، ببركة القرع، خارج السور، مما يلي شرقي مصر، عليه قبة عظيمة، وقبره يزار".اهـ

حاله بين العلماء

كان رضي الله عنه من أعلام العلماء، وترد عليه الفتاوى في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه فيجيب عنها في الوقت، وله مجلس وعظ يتكلم فيه فتجتمع عليه الناس من كل جهة وتمر به الطيور وهو يتكلم فتقف تسمع وربما مات بعضها، وكثيرا ما يموت بمجلسه أصحاب الحب، تخرج عليه جماعة كثيرة من العلماء والمحدثين وأرباب الأحوال. وكان أولياء وقته يأتونه من البلدان للاستفتاء فيما يعرض لهم من المسائل.

قال الشعراني في " الطبقات الكبرى": قال الشيخ أبو الحجاج الأقصري سمعت شيخنا عبد الرزاق رضي الله عنه يقول: لقيت الخضر عليه السلام سنة ثمانين وخمسمائة، فسألته عن شيخنا أبي مدين، فقال: هو إمام الصديقين في هذا الوقت.اهـ

قلت: وأجمعت المشايخ على تعظيمه وإجلاله وتأدبوا بين يديه وكان ظريفا جميلا متواضعا زاهدا ورعا محققا مشتملا على كرم الأخلاق رضي الله عنه.اهـ كلام الشعراني.

 قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: قَالَ مُحْيِي الدِّيْنِ ابْنُ العَرَبِيِّ: كَانَ أَبُو مَدْيَنَ سُلْطَانَ الوَارِثِيْنَ، وَكَانَ جمَال الحُفَّاظ عَبْدُ الحَقِّ الأَزْدِيّ قَدْ آخَاهُ بِبجَايَة، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ، وَيَرَى مَا أَيَّده الله بِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، يَجد فِي نَفْسِهِ حَالَة سَنِيَّةً لَمْ يَكُنْ يَجِدُهَا قَبْل حُضُوْر مَجْلِس أَبِي مَدْيَن، فَيَقُوْلُ عِنْدَ ذَلِكَ: هَذَا وَارِث عَلَى الحقيقَة.اهـ

عقيدته:

من مصنفاته: أنس الوحيد ونزهة المريد في علم التوحيد والحكم.

قال الشيخ أبو مدين في عقيدته: الحمد لله الذي تنـزه عن الحد والأين والكيف والزمان والمكان المتكلم بكلام قديم أزلي صفة من صفاته قائم بذاته لا منفصل عنه ولا عائد إليه ولا يحُل في المحدثات ولا يجانس المخلوقات ولا يوصف بالحروف والأصوات تنـزَّهت صفات ربنا عن الأرض والسمـٰوات. اللهم إنّا نُوَحِّدُك ولا نَحُدُّك ونؤمن بك ولا نكَيِّفُك ونعبدك ولا نُشَبِّهُك ونعتقد أن من شبهك بخلقك لم يعرف الخالق من المخلوق اﻫ

وقال فيها: القُدُّوس على العرش استوى من غير تمكن ولا جلوس. اﻫ

وقال: العرش له حدٌّ ومقدار والرب لا تدركه الأبصار. العرش تُكَيِّفُه خواطر العقولق وتصفه بالعرض والطول وهو مع ذلك محمول وهو الذي لا يحول ولا يزول. العرش بنفسه هو المكان وله جوانب وأركان وكان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان ليس له تحتٌ فيُقِلَّه ولا فوقٌ فيُظِلَّه ولا جوانب فتعدله ولا خلْف فيسنده ولا أمام فيحده. اﻫ عن مخطوط في المكتبة الوطنية بباريس رقم 5485.

ومن أقواله المشهورة:

وكان أبو مدين يقول: كرامات الأولياء نتائج معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم وطريقتنا هذه أخذناها عن أبي يعزى بسنده عن الجنيد عن سري السقطي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ

وقال: من رزق حلاوة المناجاة زال عنه النوم، ومن اشتغل بطلب الدنيا ابتلي فيها بالذل، ومن لم يجد من قلبه زاجرا فهو خراب.اهـ

 وقال: بفساد العامة تظهر ولاة الجور، وبفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين الفتانون.اهـ

وقال: من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه، ومن خدم الصالحين ارتفع، ومن حرمه الله تعالى احترامهم، ابتلاه الله بالمقت من خلقه.اهـ

وقال: عُمْرُكَ نَفَسٌ وَاحِدٌ فَاحْرِصْ أنْ يَكُونَ لَكَ لاَ عليك. انتهى

وقال: احذر صحبة المبتدعة اتقاء على دينك.اهـ

وقال: الزهد عافية.اهـ

وقال: بالمحاسبة يصل العبد إلى درجة المراقبة.اهـ

ونختم هذه المأثورات بأبيات لأبي مدين نالت قبولا لدى الخاصة والعامة وتغنى بها المنشدون وتعالت بها أصواتهم في مجالس الذكر والإنشاد.

قال الشيخُ أبو مدين رحمه اللَّه :

مَا لذّةُ العَيشِ إلاّ صُحبَةُ الفُقَرا

هُم السّلاَطين والسَّادَاتُ والأُمَرا

فَاصْحَبْهُمُو وتأدَّب في مَجَالِسِهِم

وخلِّ حظَّكَ مَهمَا قدموك ورَا

واستغنم الوقت واحضر دائمًا معهم

واعلم بأن الرضا يختص من حضرا

أي ما لذة عيش السالك في طريق مولاه إلا صحبة الفقراء، والفقراء جمع فقير، والفقير هو المتجرد عن العلائق المعرض عن العوائق.

من كراماته:

الله تعالى أكرمه بكرامات كثيرة، قال الشيخ أحمد بن محمد الْمُقْرِي التلمساني في نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: ومن مشهور كراماته أنه كان ماشيا يوما على ساحل فأسره العدو وجعلوه في سفينة فيها جماعة من أسرى المسلمين فلما استقر في السفينة توقفت عن السير ولم تتحرك من مكانها مع قوة الريح ومساعدتها، وأيقن الروم أنهم لا يقدرون على السير، فقال بعضهم: أنـزلوا هذا المسلم، ولعله من أصحاب السرائر عند الله تعالى، وأشاروا له بالنـزول، فقال: لا أفعل إلا إن أطلقتم جميع من في السفينة من الأسارى، فعلموا أن لا بد لهم من ذلك، فأنزلوهم كلهم وسارت السفينة في الحال. اهـ

وذكر ابن بطوطة في رحلته أنه: يحكى أن الشيخ الولي أحمد الرفاعي رضي الله عنه كان مسكنه بأم عبيدة بمقربة من مدينة واسط، وكانت بين ولي الله تعالى أبي مدين شعيب بن الحسين وبينه مؤاخاة ومراسلة. ويقال: إن كل واحد منهما كان يسلم على صاحبه صباحًا ومساء فيرد عليه الآخر. اهـ

تلامذة الشيخ أبي مدين:

قال اليافعي في"مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان": وتخرج به جماعة من أكابر المشايخ الأصفياء، مثل الشيخ أبي محمد عبد الرحيم القنادي، والشيخ أبي عبد الله القرشي، والشيخ أبي محمد عبد الله الفارسي، والشيخ أبي محمد صاحب الدكالي، والشيخ أبي غانم سالم، والشيخ أبي علي واضح، والشيخ أبي الصبر أيوب المكناسي، والشيخ أبي محمد عبد الواحد، والشيخ أبي الربيع المظفري، والشيخ أبي زيدين هبة الله وغيرهم من العلماء ".اهـ

وفاته:

ولما اشتهر الشيخ أبو مدين، وكثر رواده وطلبته، وشى به بعض الحاقدين عند يعقوب المنصور، وقالوا:" إنا نخاف منه على دولتكم، وأتباعه كثيرون في كل بلد"، فبعث إليه السلطان ليختبره، وكتب لصاحب بجاية بالوصية والاعتناء بحمله، فشق ذلك على أصحاب الشيخ، حتى قال لهم:" إن منيتي قربت، فبعث الله من يحملني إليه برفق، وأنا لا أرى السلطان ولا يراني". اهـ

فارتحل به موكب السلطان إلى أن وصل مدينة العبَّاد بتِلِمْسَان، غرب الجزائر، فقال لأصحابه: " ما أصلحه للرُّقَادِ"، ومرض مرض موته، فتوفى هناك سنة أربع وتسعين وخمسمائة594هـ.

قال الصفدي في "الوافي بالوفيات": " كان آخر كلامه: الله الحي، ثم فاضت نفسه."اهـ

قال الشعراني في " الطبقات الكبرى": وكان سبب دخوله تلمسان أن أمير المؤمنين لما بلغه خبره أمر بإحضاره من بـجاية ليتبرك به، فلما وصل الشيخ شعيب إلى تلمسان، قال: ما لنا وللسلطان، الليلة نزور الإخوان، ثم نـزل وذهب إلى المسجد الجامع هناك، واستقبل القبلة وتشهد، وقال: ها قد جئت، ها قد جئت، وعجلت إليك رب لترضى، ثم قال: الله الحىّ، ثم فاضت روحه رضي الله عنه.اهـ

وسمع أهل تلمسان بجنازته فكانت من المشاهد العظيمة والمحافل الكريمة. ونقل المعتنون بأخباره أن الدعاء عند قبره مستجاب وجربه جماعة.

 وقد أطال في ترجمته يوسُفُ بن يَحْيَى التَّادَلِيُّ في كتابه: التشوف لرجال التصوف، وقد أفردها أبو العباس القُسمطيني الشهير بابنِ الخطيب وابنِ قُنفذ، بتأليف سماه: أنس الفقير.اهـ

رضي الله عنه وجمعنا معه تحت لواء المصطفى عليه السلام ءامين.

و مما يروى عنه أنه خرج من دائرته 300 عارف بالله دون الصالحين و قد ذكر أبو عبد الله الفاسي الصغير في المنح البرية لدى كلامه على طريق الشيخ أبي مدين رضي الله عنه ما نصه و خرج من دائرته 300 عارف بالله دون الصالحين و كان يقول في مجلسه الشيخ من هذبك بأخلاقه و أدبك بأطراقه و أنار باطنك باشراقه . و قيل أن رجلا دخل ليعترض عليه فجلس في الحلقة فأخذ صاحب الدويلة في القراءة فقال له الشيخ أمهل قليلا ثم التفت الى الرجل و قال له لم جئت فقال له لأقتبس من نورك فقال له الشيخ و ما الذي في كمك قال له مصحف قران فقال له افتحه و اقرأ في أول سطر يخرج لك ما تحتاج . فلما فتحه و نظر أول السطر فاذا فيه الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين. فقال له الشيخ أما يكفيك هذا فاعترف الرجل بذنبه و تاب و صلح حاله و لم يفارقه بعد ذلك. و من كراماته أيضا ما نقل عنه أنه كان رضي الله عنه يتكلم في الحقائق بعد صلاة الفجر فسمع به رهبان دير يعرفون بدير الملك و كانوا 70 فجاء من أكابرهم 10 بسبب الامتحان فتنكروا و لبسوا زي المسلمين و دخلوا المسجد و جلسوا مع الناس يستمعون و لم يعلم اذ ذاك أحد بهم . فلما أراد الشيخ أن يتكلم سكت حتى دخل رجل خياط فقال له الشيخ ما أبطأك قال له يا سيدي حتى فرغت من 10 طواقي التي أوصيتني عليها البارحة فأخذها الشيخ منه و نهض قائما و ألبس كل واحد من الرهبان طاقة فتعجب الناس و من ذلك لم يعلموا ما الخبر ثم شرع الشيخ في الكلام فكان من جملة قوله يا فقراء اذا هبت نسمة التوفيق من جانب الحق تعالى على القلوب المشرقة أطفأت كل النور ثم تنفس الشيخ رضي الله عنه فانطفأت قناديل المسجد كلها و كانت تفوق 30. ثم سكت الشيخ و أطرق فلم يجسر أحد أن يتكلم لعظم هيبته ثم رفع رأسه و قال لا الاه الا الله يا فقراء اذا أشرقت أنوار العناية على القلوب الميته عاشت و ضاء لها كل ظلمة ثم تنفس فاشتعلت القناديل و عاد اليها نورها و تطاربت و تمايلت حتى كاد أن يلحق بعضها ببعض. ثم تكلم الشيخ في اية السجدة فسجد و سجد الناس و سجد الرهبان مع الناس خشية الافتضاح فقال الشيخ في سجوده اللهم انك أعلم بتدبير خلقك و مصالح عبادك و ان هؤلاء الرهبان وافقوا المسلمين في لباسهم و السجود لك و انا قد غيرنا ظواهرهم و لن يقدر على تغير بواطنهم غيرك و قد أجلستهم على مائدة كرمك فانقذهم من الشرك و الطغيان و أخرجهم من ظلام الكفر الى نور الايمان فلما رفع الرهبان رؤسهم من السجود الا و قد مضى ما تقدم من الهجران و تخلصوا من الضلالة و الطغيان ثم تقدموا الى الشيخ و تابوا على يديه ببكاء و قلب حزين فصرخ الناس و بكوا لبكائهم و كان يوما مشهودا وقد مات في ذلك المجلس 3 أنفس.

 

 

 

 

ولي الله أبو مدين شعيب بن حسن الأندلسي البجائي: شيخ المشايخ وسيد العارفين وقدوة السالكين شيخ الطريقة جمع الله له علم الشريعة والحقيقة كان من الفضلاء وأعلام العلماء ومن حفاظ الحديث خصوصاً الترمذي وكان يقوم عليه وكانت ترد إليه الفتاوى في مذهب مالك فيجيب عنها في الوقت مناقبه شهيرة وكراماته كثيرة أخذ عن الحافظين أبي الحسن بن حرزهم وأبي الحسن بن غالب والشيخ أبي يعزى يلنور المتوفى سنة 572 هـ[1176 م]، المولود سنة 438 هـ رحل للمشرق فأخذ عن العلماء واستفاد من الزهاد والأولياء وتعرف في عرفة بالقطب الرباني. أبي صالح الشيخ عبد القادر الكيلاني: المتوفى سنة 560 هـ[1164 م]، ببغداد فقرأ عليه بالحرم الشريف كثيراً من الحديث وألبسه الخرقة وأودعه كثيراً من أسراره وحلاه بملابس أنواره ثم رجع إلى بجاية واشتهر بها أمره وقصد بالزيارة من جميع الأقطار وتخرج عليه أكثر من ألف شيخ منهم محيي الدين محمَّد بن عربي المشار إليه في ترجمة عبد الحق الإشبيلي والشيخ أبو محمَّد صالح بن عبد الخالق التونسي وأبو يوسف الدهماني القيرواني والشيخ طاهر المزوغي السافي وأبو عبد الله محمَّد الدباغ والد مؤلف معالم الإيمان له مجلس حافل للغاية تمر به الطيور وهو يعلم فتقف تسمع وربما مات بعضها وكثيراً ما يموت بمجلسه أهل الحب وله نظم جيد من ذلك القصيدة التي أولها:
بكت السحاب فأضحكت لبكائها ... زهر الرياض وفاضت الأنهار
ترجمته واسعة أفردت بالتأليف وكانت إقامته ببجاية وأمر بإشخاصه إلى مراكش ومات وهو متوجه إليها ودفن بتلمسان سنة 594 هـ[1197م]، عن نحو 85 سنة

وكانت جنازته من المشاهد العظيمة والمحافل الكريمة وقبره متبرك به إلى هذا الوقت مستجاب الدعاء عنده وفي السنة بعدها توفي:

 شجرة النور الزكية في طبقات المالكية _ لمحمد مخلوف

 

 

 

 

 

شعيب بن الحسن الأندلسي التلمساني، أبو مدين:
صوفي، من مشاهيرهم. أصله من الأندلس. أقام بفاس، وسكن (بجاية) وكثر أتباعه حتى خافه السلطان يعقوب المنصور. وتوفي بتلمسان، وقد قارب الثمانين أو تجاوزها. له (مفاتيح الغيب، لإزالة الريب، وستر العيب - خ) 92 ورقة، في شستربتي (الرقم 3259)  .

-الاعلام للزركلي-