أحمد بن مصطفى العلوي

تاريخ الولادة1285 هـ
تاريخ الوفاةغير معروف
مكان الولادةمستغانم - الجزائر
مكان الوفاةمستغانم - الجزائر

نبذة

هو القطب الأغر و الغوث المشتهر كهفنا الرفيع و حصننا المنيع منبع الأسرار الربانية و مصدر طريقتنا المدنية العلوية سيدنا و أستاذنا و عمدتنا و ملاذنا مولانا أحمد ابن عليوة المشهور بالعلوي الحسني الشريف ابن سيدي مصطفى ابن سيدي محمد ابن سيدي أحمد المعروف بأبي شنتوف القائل فيه صاحب سبيكة العقيان مع من بمستغانم من الأعيان (و الحنفي اللازم التعبد *** نجل عليوة الفقيه المهتدى) ابن الولي الصالح الملقب بمدبوغ الجبهة ابن الحاج علي المعروف عند العامة بعليوة ابن غانم و هو القادم من الجزائر العاصمة إلى مستغانم.

الترجمة

أحمد بن مصطفى العلويّ الجزائري:
فقيه متصوف. مولده ووفاته في مستغانم Mostaganem)) بالجزائر. له كتب، منها (المنح القدسية - ط) تصوف، و (لباب العلم في تفسير سورة: والنجم - ط) و (مبادئ التأييد - ط) في الفقه والتوحيد، و (ديوان - ط) من نظمه، و (الأبحاث العلوية في الفلسفة الإسلامية - ط)  .

-الاعلام للزركلي-

 

ترجمة الشيخ العلوي بقلم الشيخ محمد المدني المديوني رضي الله عنهما

هو القطب الأغر و الغوث المشتهر كهفنا الرفيع و حصننا المنيع منبع الأسرار الربانية و مصدر طريقتنا المدنية العلوية سيدنا و أستاذنا و عمدتنا و ملاذنا مولانا أحمد ابن عليوة المشهور بالعلوي الحسني الشريف ابن سيدي مصطفى ابن سيدي محمد ابن سيدي أحمد المعروف بأبي شنتوف القائل فيه صاحب سبيكة العقيان مع من بمستغانم من الأعيان

و الحنفي اللازم التعبد *** نجل عليوة الفقيه المهتدى

ابن الولي الصالح الملقب بمدبوغ الجبهة ابن الحاج علي المعروف عند العامة بعليوة ابن غانم و هو القادم من الجزائر العاصمة إلى مستغانم.

ولد رضي الله عنه عام 1869 الموافق لـ 1285 من هجرة نبينا عليه الصلاة و السلام فنشأ الشيخ الأستاذ رضي الله عنه في طاعة الله عز وجل منذ كان طفلا صغيرا مشتغلا بالعبادة , حسن السيرة , طاهر السريرة , تجنح به همته إلى المرامي العالية و المقاصد السامية باحثا عن علم الأذواق , طابا الوصول إلى الله قاصدا القرب لله و التلاق , حتى اجتمع بشيخه الولي المشهور و العارف المبرور ذي القدر المنيف سيدي محمد بن الحبيب البوزيدي الشريف الحسني , فخصه من بين أقرانه و أفاض عليه من فيض فضله و إحسانه حتى صدره في حياته ثم خلفه بعد وفاته , فهو وارث سره حقيقة و الله يمن بفضله على من يشاء من عباده فنهل من فيضه ينابيع الحكم و من علومه جداول المعارف و أنهار الكلم و وجه كليته لعلم القوم حيث كان أشرف العلوم و أزكى المعاني و الفهوم فأظهر فيه الباع الطويل و أخذ منه الحظ الجزيل حتى ركب ذروة سنامه إن لم نقل حمل رايته و اعلامه و صار فريد عصره و أيامه و لسان حاله ينشد بفصيح كلامه

هذا فريد العصر في هذا المقام *** هذا وحيد الدهر قد نال المرام

و هذا قطب هذا غوث ارثــه *** حقيــقة من كنز سيد الأنام

و حصل على يده فتح عظيم للفقراء و لقد كثر السالكون على يديه و انتسبت الطريقة إليه و قد شاهدنا كثيرا من الفقراء فتح الله عليهم بمجرد دخولهم للخلوة و رأينا كثيرا من الفقراء فتح الله عليهم بمجرد مذاكرته لهم رضي الله عنه كذا بالأصل و ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء , سبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء من كرامته رضي الله عنه أن فتح على يديه على أربعين فقيرا في سياحة واحدة ساحها إلى البادية, أما اللذين فتح الله عليهم فلا يحصون كثرة , فالفتح عنده قريب و إن كان عند غيره صعبا و إني قد فتح الله عليَّ ببركاته , الحمد لله جازاه الله بما هو أهله فأزال عني كل حجاب حتى أوصلني إلى رب الأرباب و نفى عن قلبي الغين حتى ثبتت فيه العين و الحمد لله رب العالمين ثم إنهل عليه سحاب الفيض الرحماني و المدد الرباني فأخذ في تأليف قواعد الدين و أذواق أهل الكاملينو لقد ظهر على يده كثير من الكرامات و قد أخذ عنه الطريق كثير من العلماء و ممن ينتسب إلى العلم و اعترف له الجميع بالفضل و علو المقام و هكذا شأنه رضي الله عنه يجتمع عليه العلماء الأعلام و يعاملونه بمزيد التبجيل و الإحترام

و قد سافرت معه للمغرب الأقصى فتلقاه علماء مدينة وجدة بأعظم اكرام و ذاكرهم الشيخ بكثير من المسائل العلمية و الحقائق التوحيدية الصوفية , منها أنا كنا في ضيافة أحد أهل البلد و صحبتنا جميع علمائها و كنا لا نعرف رب الدار المتكرم علينا , و بعد أن بسطت النعم و وضعت موائد الفضل و الكرم قال الشيخ رضي الله عنه " إن النعم مبسوطة علينا من كل نوع و إنا و إن كنا نتحقق أنها من عند المنعم لأننا في داره و لكن هل يحسن بنا أن نخرج من الدار دون أن نعرف رب الدار و هل يرضى رب الدار إذا لم نسأل عنه و نعرفه حقيقة " , فأجاب الجماعة كلهم " لا " فقال " كذلك و لله المثل الأعلى إننا الآن في هاته الدار الدنيا و نعم الله علينا لا تحصى و نتحقق أنها من عند المنعم جل و علا و نستدل بها عليه و لكن ذلك معرفة مجرد اليمان أو نقول معرفة الدليل و البرهان و لكن القلوب لا ترتاح و لا تهنأ العقول و الأرواح حتى نعرف الحق معرفة إيقان أو نقول معرفة شهود و عيان و الحق تعالى لا يرضانا إذا لم نرق إلى أعلى درجات الإحسان" , فأخذ الجماعة الحاضرين وجد عظيم و تمكن من قلوبهم هذا المثال المنطبق على معرفة الكبير المتعال

و الحاصل أن ما ظهر به الأستاذ رضوان الله عليه من الفتح الكبير و الفهم الغزير و التئاليف الكثيرة و المعاني الدقيقة العالية المستنيرة أدهش العقول و حيَّر الفحول لأنه لم يكن عن كثرة رواية و مزاولة دروس , إنما هو من منح الملك القدوس , و قد سأله بعضهم بقوله إني لم أر تلك كثرة قراءة في العلوم أو حضور في الكتب و الدروس فمن أين كانت لك هاته التئاليف و هاته الأفهام و الأذواق؟ فقال له الشيخ " و تلك حجتنا أي عدم كثرة القراءة حجتنا على أن هذا الأمر الذي حصل لنا إنما هو محض فتح من الله تعالى" و كأنه يشير بذلك إلى آخر الآية و هو قوله تعالى " نرفع درجات من نشاء " فسبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء و من ذلك قوله لنبيه عليه الصلاة و السلام " ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان و لكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء " إهـ

بحر المعارف و العلــوم لكنه *** كنز المعاني بين الأعلام منفرد

باهي السجايا كريم الفعل خصاله *** بين البرايا تضئ كأنها الفرقد

لا عيب فــيه إلا أن مجلسه *** روض أنيــق بالأزهار مورَّد

 

المرائي الصالحة التي بشرت بخلافة الشيخ أحمد العلوي

رؤية سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى العلوي رضي الله عنه

قبل وفاة أستاذي سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي رضي الله عنه بأيام رأيت نفسي جالسا، وإذا بداخل عليّ فقمت إجلالا له لما لحقني من هيبته، وبعد ما أجلسته جلست بين يديه، فظهر لي أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فعدت على نفسي باللوم، حيث لم أقم بواجب احترامه، لأنّي ما كنت أظنّ أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبقيت منكمشا مطرق الرأس حتى خاطبني قائـلا ألم تعلم لأي سبب جئتك ؟، فقلت لا أدري يا رسول الله !، فقال لي إنّ سلطان الشرق قد توفي، وستكون أنت إن شاء الله سلطانا بدله، فما تقول ؟، فقلت إذا توليت أمر ذلك المنصب فمن ذا الذي ينصرني ؟، ومن ذا الذي يتبعني ؟، فأجاب عليه الصلاة والسلام: أنا معك، وأنا أنصرك ثمّ سكت، وبعد هنيهة انصرف عليه الصلاة والسلام، فاستيقظت على أثر خروجه من عندي، وكأنّي ألاحظ أثر انصرافه يقظة

رؤية سيدي عبد القادر بن عبد الرحمن رضي الله عنه

بعد أن توفي سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي ترك القلوب متشوقة، وعندما نمت تلك الليلة رأيته رضي الله عنه، وأنا أعلم أنّه توفي، فسألته عن حاله، فقـال لي أنا في رحمة الله، ثمّ قلت له ولمن تركت الفقراء يا سيدي ؟، فأجابني قائلا إنّ الغرس أنا غرسته، ولكن سيدي أحمد بن مصطفى بن عليوة هو الذي يقوم عليه، ويتمّ نجاحه على يديه إن شاء الله تعالى

رؤية سيدي المنور بن تونس المستغانمي رضي الله عنه

رأيت ذات ليلة نفسي بزاوية سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي، وكان سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة جالسا حذو قبره، والقبر في ذلك الحين مفتوح، وإذا بجسد سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي رضي الله عنه، يصعد إلى أن ظهر على وجه الأرض، فتقدّم إليه سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه، وأزال الكفن عن وجهه، وإذا بالشيخ على هيئة حسنة على غاية ما يكون، ثمّ طلب من سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة أن يأتيه بنصيب من الماء للشراب، وبعد شربه منه ناولني إيّاه، فجعلت أقول للفقراء إنّ هذا الماء الذي بقي من سؤر الشيخ فيه شفاء من كلّ داء، ثمّ أخذ الشيخ يتكلّم مع سيدي أحمد بن مصطفى بن عليوة، وأول ما قاله له أنا معك حيثما كنت فلا تخف، وأبشّرك بأنّك حصلت على خير الدنيا والآخرة، وليكن في علمك إنّي في المكان الذي تكون فيه، وبعد ذلك التفت إلينا سيدي الشيـخ أحمد بن مصطفى بن عليوة، وقال إنّ الشيخ رضي الله عنه ليس بميت، وإنّما هو كما ترونه، وتلك فريضة أدّاها لا غير

رؤية سيدي مولاي الحسن البوعدلي المستغانمي رضي الله عنه

رأيت سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه يهيىء طعاما للجموع الكثيرة من الناس، وكان يأمرني أن آتي له من الأسواق بمن يأكل الطعام، وبعد ذلك أخذني من يدي وسار بي إلى محل كنت أعرفه، وإذا به على غير الهيئة الأولى، وكنّا وجدنا في الطريق أحجارا عظيمة الجرم، تحت كلّ حجر عينا فائضة بالماء، فأمرني أن نوسّع مجاري الماء، وأن نحتفظ به، حتى لا يتغيّر طعمه ولا لونه، وكلّما أمرني أن أرفع بصري إليه، أجده طويل القامة، ولولا أنّه ينحني إليّ حال المكالمة لما استطاع بصري أن يدرك رأسه

رؤية سيدي الشيخ الحسن بن عبد العزيز التلمساني رضي الله عنه

رأيت نفسي بوسط بطحاء مدينة تلمسان وهي غاصّة بجمّ غفير من الناس، وهم ينتظرون نزول عيسى عليه السلام من السماء، وإذا برجل قد نزل منها، فقيل هذا عيسى، فلمّا وقع بصري عليه وجدته هو سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليــوة، رضي الله عنه

رؤية سيدي محمد بن ثرية رضي الله عنه

رأيت سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه جالسا بعين الشمس بالسماء الرابعة قابضا بيديه على ركبتيه أي محتبئا وبين رجليه ساقية من الماء، وبيده طاسة بيضاء، ومرسوم عليها ثلاثة خيوط خضر، وهو يسقي الناس، وعن يمينه سيدي الشيخ أبو مدين الغوث، وعلى يساره سيدي الشيخ أبو العباس المرسي، رضي الله عنهم أجمعين وهما يقولان له اسق يا أحمد ولا سـاقي غيرك في هذا الزمان

رؤية سيدي أحمد بن محمد بن دحمان رضي الله عنه

إنّه مقدّم طائفة سيدي الشيخ عدة بن غلام الله، رضي الله عنه قال رأيت سيــــدي الحسـن، والحسين رضي الله عنهما يتحاوران بين يديّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فضممتهما وأخذت أقبّلهما، وأقول يا من لكما الشفاعة، يا أولاد رسول الله اشفعوا لنا !، وكانت فاطمة البتـول رضي الله عنها أمامهما، وخديجة رضي الله عنها قريبة منهما، ولمّا ألححت عليهما في الطلب، قالا لي تلقى مطلبك عند ابن عليوة، رضي الله عنه، لأنّه يخدم معنا، ويعاوننا على مثل ذلـــــك

رؤية سيدي الشيخ عبد الرحمن بو عزيز رضي الله عنه

وهو صاحب الزاوية ببلدة الجعافرة، قال ذكر لنا بعض الفقراء أنّه رأى القمر منشقّا على نصفين، ثمّ نزلت منه لوحة معلّقة بالسلاسل، وما زالت تدنو من الأرض حتى لم يبق إلاّ مقدار يسير، وإذا بالأستاذ العلوي رضي الله عنه ظهر من أعلاّها، ومعه سيدنا عيسى عليه السلام، فقام المنادي ينادي إنّ كلّ من أراد أن يرى عيسى عليه السلام مع الأستاذ الأعظم فها هما قد نزلا من السماء فليأت مسرعا، فرجّت الأرض بأهلها رجّا، واجتمعت الخلائق كلّها، وطلبوا الركوب مع الأستاذ على تلك اللوحة، فقال لهم امكثوا فسنرجع إليكم

رؤية العارف بالله سيدي الشيخ صالح بن ديمراد التلمساني رضي الله عنه

رأيت في المنام الإمام عليّا كرّم الله وجهه، فقال لي اعرفني أنا عليّ، وطريقتكم علاوية، وكأنه يشير بتسميتها العلوية نسبة إلى نفسه رضي الله عنه

رؤية العارف بالله والدّال عليه سيدي الشيخ محمد المدني القصيبي المديوني رضي الله عنه

لما تعلّقت بالطريقة العلويّة رأيت سيدي الشيخ الصادق النيفر القاضي بحاضرة تونس يقول لي هل تعرف سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي ؟، فقلت له نعم، هو الشيخ الذي أخذ عليه أستاذي سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنهم أجمعين، وأخذت في مدحه، وبينما أنا كذلك إذ تمثّلت طيرا، وأخذني الشيخ النيفر، فرماني من وراء الحائط، وقال لي اغمض عينيك، فسيلقاك سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه، ورماني أيضا، وعندما فتحت عيني وجدت نفسي بين يدي سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه واقفا عند باب دارنا

رؤية الفقيه الورع سيدي الشيخ محمد بن حمو جوهره رضي الله عنه

رأيت حضرة سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه يشير إليّ لأتبعه، فاتبعته فخاض في بحر من نور، فاقتفيت أثره حتى وقف على الروضة الشريفة، فانشق القبر، وخرج عليه الصلاة والسلام فعانقه الشيخ مدّة من الزمن، وبعد ذلك أخذني الشيخ بيده إلى أن أوقفني بجنبه عليه الصلاة والسلام، فصرت أقبّل ثيابه، ولمّا جلس أجلسني الشيخ أمامه، وأشار إليّ أن نجلس في حجر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فتأخرت فتكرّر ذلك منّي ومنه مرارا، ثمّ أخذ يلاطفني حتى فعلت ما أمرني به، وصرت أبكي وأتبرّك بثيابه عليه الصلاة والسلام، ثمّ طلب منّي الشيخ أن يرقيني، فوضع يده على ناصيتي، ولمّا أردت الانصراف، قال لي حضرة الشيخ إيّاك أن تعود لمثل ما فعلت من عدم الامتثال

رؤية صديق المحبّة طاهر السريرة سيدي أحمد بن حاجي التلمساني رضي الله عنه

حينما كنت مشتغلا بذكر الاسم الأعظم، رأيت حروف الجلالة قد ملأت الكون بأسره، ونشأت منها ذات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على شكل نوراني، ثمّ تجلّت على هيئة أخرى، فرأيت فيها شهداء رقباء، ثمّ تجلّت تلك الحروف مرّة ثالثة بصورة الشيخ وعلى رأسه تاج، وبينما نحن كذلك إذ بطائر نزل على رأسه يقول لي أنظر هذا مقام عيسى عليه السلام

رؤية الحامل لكتاب الله سيدي الشيخ الحاج قويدر بن عمّار البوعدلي رضي الله عنه

رأيت كأنّ الدين الإسلاميّ تمثّل إليّ بشرا عليه صفة الحزن، وكان اسمه في ذلك الحال النافر المنفور وإذا بالأستاذ سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه أمامه شاخصا إليه ببصره وهو يقول أي الإسلام ينجذب إليه شيئا فشيئا، حتى قرب منه جدا، ثمّ انحنى وقبّله من وسط رأسه، وكان الفقراء حافين من حولهما من كلّ جانب ينتظرون ما يقع، فإذا بالأستاذ رضي الله عنه التفت للجميع قائلا إنّ النصر والفتح قريب إن شاء الله، وإذا بالفقراء أخذوا ينشدون الأشعار فرحا بما بشّروا به

رؤية سيدي محمد محي الدين الجزائري رضي الله عنه

قبل انشغالي بالذكر رأيت عدة مرائي، وبعدها دخلت الخلوة رأيت نفسي داخلا إلى الجنّة، وعندما أتيت إلى بابها أظهرت ورقة الدخول وكانت صغيرة، فلمّا رآها البوّاب، قال لي اذهب وات بورقة أكبر منها ؟، فرجعت في الحين إلى تبديلها، ولمّا وصلت إلى المكلّف بتبديل الأوراق، وجدته هو سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه جالسا على كرسي، فلمّا عرفته قلت له وهل الصوفيّ يحاسب ؟، فهزّ رأسه وقـال نعم نحن كذلك

رؤية وليّ الله سيدي بن عبد الله بن قطاط رضي الله عنه

رأيت نفسي في المنام بصحبة سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة ومعنا السيد عبد القادر بو زيد رضي الله عنهم أجمعين ونحن في محل، وكانت به جماعة جالسة قبلنا، وفيهم رجل شديد بياض الثياب، أزهر الوجه، وبذقنه البياض أكثر من السواد، فتحقّقت أنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والجماعة الذين حوله أصحابه رضوان الله عليهم، في ذلك الحال قلت في نفسي بحال استغراب يا سبحان الله !، إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بشر مثلنا، وعند ذلك تقدّم الأستاذ عليه رضوان الله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجلس أمامه جاثيا على ركبتيه، وصار يشتكي إليه من المعترضين، ويقول له يا سيدي إنّ سيرتي كذا وكذا، ويذكر له في الحالة ما هو عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإرشاد العباد إلى سبيل النجاة، وما هو من هذا القبيل والناس ضيّقوا علينا بالنكير، وفعلوا معنا كذا وكذا، فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اجتهد، اجتهد، اجتهد، وكرّرها ثلاثا، ثمّ خرج الأستاذ ونحن بصحبته

رؤية سيدي المقدّم البركة وليّ الله سيدي البشير بن ناصر رضي الله عنه

بعدما تعلّقت بالطريقة، نمت ذات ليلة فرأيت سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه وأنا من خلفه، وإذا بالأشجار والأحجار تسلّم عليه، فتقدّم إليّ رجل، وقال لي قد رأيت أنّ هذا الإنسان تسلّم عليه الأشجار والأحجار، فحافظوا على عهدكم، وسيروا معه حسب إشارته

رؤية المنتسب الصالح سيدي الحبيب بن يحي رضي الله عنه

اجتمعت بسيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه بزاويته بمستغانم، فأخذت العهد عليه وفي تلك الليلة رأيت نفسي في بلادنا، وإذا برجل قادم علينا على فرس وعليه ثياب بيض، والناس تستبق إلى التبرّك به، فقلت من هذا الرجل ؟، فقيل لي هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا ذهبت واجتمعت به وجدته سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه، وقلت للجماعة هذا هو الشيخ الذي أخذت عنه بمستغانم، وقيل لي لأنّه رسول الله بمعنى أنّه خليفته، ثمّ ضمّني الشيخ إليه، وقال لي أنت الذي زرتنا إلى زاويتنا ؟، فقلت له نعم

رؤية المحبّ الأديب سيدي الطيّب بن الحبيب بن شنين رضي الله عنه

كنت مشغول الفكر بعد وفاة سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي رضي الله عنه من أجل الطائفة وما يؤول إليه أمرها، وفي ذات ليلة رأيت نفسي ذاهبا إلى مكان المقدّم سيدي الحاج بن عودة بن سليمان رضي الله عنه، أسأله عمّن سيقوم مقام الشيخ، فأجابني إنّ الذي يقوم مقام الشيخ هو سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه، ولمّا قصصت عليه الرؤيا، قال نعم فالأمر كذلــك

رؤية العارف الكبير الصوفي الشهير وليّ الله سيدي الشيخ قدور بن عاشور الإدريسي رضي الله عنه

عندما اجتمعت بسيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه بمدينة تلمسان لم أزد على أن رأيته كأحد المنتسبين، فعندما قمنا للصلاة تقدّم للإمامة فانفتح لي باب في ظهره فرأيت منه الكعبة، ثمّ رأيت بعد ذلك بنحو اليومين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لي إذا كنت ولدي حقّا فعليك بمتابعة هذا الرجل، ويشير بيده الشريفة إلى سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنــه

رؤية العارف بالله سيدي الشيخ محمد بن سالم بن وناس الشريف التونسي رضي الله عنه

كنت ذات ليلة مشتغل الفكر بالحقيقة المحمديّة، إلى أن أخذني النوم، فرأيت سيدي الشيــخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه جالسا وحوله خلق كثير، وأنا من بينهم، وإذا به أخذ يتكلّم في الحقيقة المحمديّة، فقال خلق الله المحمديّة من نوره تعظيما وتشريفا له صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ أحاط نوره بتلك القبضة، وأحاطت تلك القبضة بغيرها من المخلوقات، ولم يزل نورها متواصلا إلى أن مدّني الله به، إنّني أتجلّى فيها كما تتجلّى الصورة في المرآة، وظهوري فيها كظهوره في كلّ المخلوقات، ولهذا قال تعالى قل انظروا ما في السّماوات والأرض

رؤية المقدّم سيدي بو زيد بن مولاي رضي الله عنه

بعد وفاة سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي رضي الله عنه، رأيت في المنام جمّا غفيرا من الناس سائرين في الطريق، والشيخ سيدي أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه في وسطهم وأنا خلفهم نصيح بأرفع صوت قائلا الرياح موجودة من وراء سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه بمهر طفيف لا تكلّف فيه

رؤية سيدي محمد بن البشير الجريدي التونسي رضي الله عنه

كان قد وقع لي نوع انقباض بسبب المعترضين على الطريقة، وعندما نمت في تلك الليلة رأيت نفسي خارج العالم في فراغ لا نهاية له، وإذا بنور احمر على هيئة عجيبة قد تجلّى، وسمعت هاتفا يقول ذلك المحل هو الذي دخل منه مولاي عبد القادر الجيلاني نفعنا الله ببركاته، ثمّ ظهر نور أصفر يشبه ما قبله، إلاّ أنّ الأول أقوى منه فقيل لي هذا أيضا المحل الذي دخل منه الشيخ الحنضالي رضي الله عنه، ثمّ ظهر نور أبيض أشدّ قوّة من النورين السابقين، قال ذلك الهاتف هذا المحل هو الذي دخل منه سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه

رؤية العارف بالله المتفاني في خدمة نسبته سيدي الكيلاني ابن العربي رضي الله عنه

رأيت بعد وفاة سيدي الشيخ محمد بن الحبيب البوزيدي رضي الله عنه، كأنّي على شاطىء البحر، وبه سفينة من أكبر السفن وفي وسطها منارة، وسيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه في أعلاها، وإذا بمنادي يقول يا معشر الناس اركبوا السفينة فأتوها من كلّ جهة، إلى أن امتلأت، والناس في ذلك الحال يعرفون أنّ السفينة لسيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه، وعندما غصّت السفينة بالخلائق، تقدّمت إلى الشيخ وقلت له إنّ السفينة قد امتلأت فهل لك قدرة على حفظها ؟، فقال نعم نحفظها بإذن الله

رؤية المنتسب المحبوب سيدي علي أوعمر الجزائري رضي الله عنه

في الليلة التي أخذت فيها الطريقة على سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليــوة رضي الله عنه، رأيت نفسي على جبل مرتفع للغاية، ولا مسلك فيه للنزول منه، فبقيت متحيّرا، وبعد حين ظهر لي أن نلقي بنفسي من ذلك الجبل، ثمّ ترددت، ثمّ خطر لي قول من يقول من له شيخ يلق بنفسه من شاهق ولا عليه، فقلت كيف أخاف وقد لقيت شيخا عارفا بالله، ثمّ رميت بنفسي من ذلك الجبل وإذا أنا على كتف سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه، وأخرجني من تلك الأوعـــار

رؤية وليّ الله سيدي محمد بن المقدّم سيدي العربي الشوار رضي الله عنه

رأيت نفسي دخلت مسجدا عظيما، فوجدت فيه عددا كبيرا من الفقراء وغيرهم، فأخذت أسأل عن سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه، فقيل لي تجده في ذلك المحراب أمامك عند زريبة خضراء، فأخذت أخترق الصفوف، وإذا بإنسان يقول لي أين تذهب ؟، فقلت له أريد زيارة الشيخ لأنّني منذ مدّة لم اجتمع به، فصرت إلى المحراب فوجدت الشيخ يعظ الناس، وإذا بإنسان يقول قوموا بنا إلى مقابلة أهل السلسلة من مشايخنا، فخرجنا فوجدناهم قاصدين نحونا، فحييناهم بالسلام، فحيّونا بمثل ذلك، ولم نصافح أحدا منهم لكثرة الازدحام، وكانوا كلّهم على صفة واحدة، إلاّ إنسانا منهم كان شائبا، فرفع يده، وقال انظروا لهؤلاء الناس !، وأشار إلى أهل السلسلة وقال أنا أشرف منهم، وأنا أعلى منهم، ثمّ أشار إلى سيدي الشيخ أحمد بن مصطفى بن عليوة رضي الله عنه، وقال هذا أفضل منّي، وأنا أبو مدين الغوث المدفون بتلمسان ففتحت العمارة عندئذ، فاعترتهم أحوال مختلفة، ثمّ أخذوا في التبّرك بحضرة الشيخ، ولم أعرف منهم إلاّ سيدي أبو مدين الغوث، وسيدي مولاي محمد العربي الدرقاوي، وسيدي محمد بن الحبيب البوزيدي رضي الله عنهم أجمعين

 

يقول الدكتور و طبيب الشيخ العلوي الخاص مارسيل كاري

ومنذ أول لقاء لي معه داخلني شعور بأنّي في حضرة شخصيّة غير عاديّة، كانت الحجرة التي اقتدت إليها مثل غيرها من الحجرات في بيوت المسلمين عارية من الأثاث، ولم يكن بها سوى صندوقين عرفت فيما بعد أنّهما كانا مليئين بالكتب والمخطوطات، وكانت الأرضيّة مغطّاة من أولها لأخرها بالأبسطة والحصر التي يسهل طيّها، وهنالك في ركن من الحجرة جلس الشيخ على مرتبة تغطيها بطانيّة مستندا بظهره إلى بعض المساند معتدلا في جلسته متربّعا وقد أراح يديه على ركبتيه، كان في جلسته ساكنا سكون القديسين طبيعيّا لأبعد الحدود، وأول ما راعني فيه هو ذلك الشبه الكبير بينه وبين التصورات المعتادة للمسيح عليه السلام، فملابسة قريبة الشبه إن لم تكن مطابقة تماما لتلك الملابس التي لا بدّ أنّ المسيح اعتاد أن يرتديها، وذلك الغطاء الرقيق الذي وضعه على رأسه والذي يكتنف وجه منظره بشكل عام كلّ شيء فيه كان يتآمر على توكيد هذا الشبه، وإظهار هذا التطابق، وخطر لي أن المسيح لا بدّ أنّه كان يبدو على هذه الصورة عندما كان يستقبل تلامذته طيلة فترة إقامته مع مارتا وماريه، وأوقفتني الدهشة للحظة حائرا عند عتبة الدار، كما إنّه هو بدوره ثبت بصره على وجهي، ولكن في نظرة تائهة، ثمّ قطع السكون بدعوته لي بالدخول مستخدما نفس كلمات الترحيب المعتادة، وأحضر لي كرسيّا لأجلس عليه، لكنّي رفضته مفضلا الجلوس على أحد المساند، فتبسّم الشيخ في خفية، وشعرت بهذا أنّي قد استحوذت على عطفه ورضاه بهذه اللفتة البسيطةكان رقيق الصوت خفيضه، وكان قليل الكلام، يتحدث في جمل قصيرة، وكان كلّ من حوله يسمعونه في غير ما ضجة، وكانوا رهن كلمة منه أو إشارة، أحسست أنّه كان محوطا بأعمق آيات التبجيل

وازداد لذلك شغفي واهتمامي بالشيخ، أن يوجد مريض لم يفتنه العلاج والتطبيب فهذا أمر نادر حقا، ولكن أن يوجد مريض لا يشعر برغبة ذاتيّة في تحسن حالته، وكلّ ما يريده هو أن يعرف موقفه من المرض ليس إلاّ، فهذا ما يفوق في ندرته أي شيء آخر، وشرعت في فحص مريضي بدقة متناهية بينما هو مستسلم لي برضا بالغ، وكانت ثقته تزداد فيّ كلّما ازددت أنا دقّة وحذرا في فحصه، وقد كان نحيفا للغاية، وبعد أن فرغت من الكشف عليه عاد الشيخ إلى جلسته السابقة على المساند، وتمّ إحضار المزيد من الشاي، ثمّ أوضحت للشيخ أنّه مصاب بنوبة أنفلونزا حادة نسبيا، ولكن ليس هنالك خطر عليه، وأنّ أعضاءه الرئيسيّة تعمل بانتظام، وأنّه يتعين عليّ أن أمر عليه ثانية من باب الحيطة، ثمّ أعقبت مبديا رأيي في أنّ نحافته أمر يدعو إلى الانزعاج مقترحا عليه أن يزيد في كميّة الأكل التي اعتاد تناولها كلّ يوم حيث إنّ غذاءه اليوميّ لم يكن يتعدّى لترا من اللبن، وقليلا من التمر مع موزة أو موزتين، وقليل من الشاي، وأبدى الشيخ ارتياحه لنتيجة فحصي وشكرني بوقار معتذرا عما سببه لي من متاعــب، وأخبرني بأنّه يمكنني زيارته مرّة ثانية في أي وقت شئته، ومتى وجدت ضرورة لذلك، أمّا فيما يتعلق بطعامه فإنّ وجهة نظره في هذا الأمر كانت تختلف عن وجهة نظري

إنّني لم ألمّ بشيء البتة عن الشيخ قبل هذه المرة، وحاولت أن أعرف شيئا من أمر هذا الشخص العجيب، ولكنّ أحدا لم يستطع أن يخبرني شيئا على وجه التخصيص، فالأوروبيون في شمال أفريقيا يجهلون جهلا تامّا تأثير الإسلام في نفوس أهله بدرجة تجعلهم ينظرون إلى كلّ شيخ أو مرابط على أنّه مشعوذ لا وزن له ولا أهميّة، ومع ذلك فقد بدا لي الشيخ بسيطا وطبيعيّا إلى درجة جعلت انطباعاتي الأوليّة عنه لا تزايلني، وذهبت لأعوده أياما متتالية إلى أن بريء من مرضه، وفي كلّ مرّة زرته كنت أجده كسابق عهدي به ساكنا في نفس جلسته، يحتل نفس البقعة، ولم تزايله نظراته الحالمة، ولا تلك الابتسامة الباهتة على شفتيه، ومع كلّ زيارة جديدة كان يزداد ترحيبا بي وثقة في شخصي، وسرعان ما ربطت بيننا أواصر الصداقة حتى أنّني عندما أخبرته أنّ زياراتي له كطبيب لم تعد ضروريّة البتّة فأجابني بأنّه سعد بمعرفتي، وأنّه سيكون من دواعي سروره أن أمرّ عليه من وقت لآخر، ومتى سنحت لي الفرصة بذلك، وبقيت هذه الصداقة حتى وفاة الشيخ عام / 1934م، حيث كنت أذهب إليه، لأنعم بالحديث معه، وشيئا فشيئا أصبحت أنا وزوجتي من المقربين إلى داره وأهل بيته، وبعد فترة جعلونا برفع الكلفة بيننا، وانتهى بهم الأمر إلى اعتبارنا من أفراد العائلة، على أن هذا تمّ بالتدريج وبطريقة لا تكاد تلحظ

ثمّ كيف طبقت شهرة الشيخ كلّ هذه الآفاق؟، فلم تكن هنالك دعاية منظمّة، كما إنّ تلامذة الشيخ لم يحاولوا على الإطلاق تجنيد أشياع جدد له، ومع ذلك يزداد نفوذ الشيخ مع الأيام قوة، ويقبل مريدون من كلّ حدب وصوب يلتمسون الانضمام إلى الطريقة، وأخذ العهد على الشيخ، وذات يوم تفوهت أمام الشيخ بما يعبّر عن دهشتي بكلّ هذا، فأجابني قائلا إنّ كلّ من يأتي إليّ هنا يشغله التفكير في الله , ثمّ أردف معقبا بكلمات حقيقة بالإنجيل , إنّهم يتلمسون طريقهم إلى السلام الباطني , وكثيرا ما كنت أسمع في أثناء حديثي مع الشيخ لفظ السلام الباطني

وأدهشني ما كان عليه الشيخ من اتساع أفق وتسامح، وكنت سمعت من قبل ذلك أنّ جميع المسلمين متعصبون لا يستشعرون إلاّ الازدراء لكلّ أجنبيّ لا يدين بدينهم، وقال الشيخ إنّ الله خصّ ثلاثة رسل بوصيّة هم على التوالي موسى، عيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام، ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك/ غافر آية / 78 واستنتج الشيخ من ذلك أنّ الإسلام أكمل العقائد الثلاثة، لأنّ رسالته هي أحدث الرسالات، إلاّ أنّه أضاف قائلا إنّ المسيحيّة واليهوديّة أيضا ديانتان منزلتان

وكان فهمه للإسلام يتميّز بنفس التسامح واتساع الأفق، ولم يكن يصر إلاّ على ما هو جوهريّ منه، وقد اعتاد أن يقول يكفي المسلم الحقّ أن يتمسّك بخمس أن يؤمن بالله، وأن يشهد أنّ محمدا خاتم رسله، وأن يؤدي فروض الصلوات، وأن يؤتي الزكاة، وأن يصوم الشهر، وأن يحج إلى البيت في مكة

إنّه لم يحاول الشيخ أدنى محاولة أن يجعلني اعتنق الإسلام، بل أنّه ظلّ لفترة طويلة غير مكترث بالمرّة بأمر عقيدتي الدينيّة، وقد اعتاد أن يعبّر عن رأيه في هذا الصدد فيقول إنّ من يحتاجني يسعى إليّ، فلم أحاول استمالة الآخرين؟، إنّ هؤلاء لا يكترثون للقضايا الكبرى الجديرة باهتمامهم، بل تراهم ينصرفون عنها.

لقراءة ذكريات الدكتور مارسيل كاريه كاملة مع الشيخ أحمد العلوي, إنقر هنا

 

المصادر

الروضة السنية في ذكر المآثر العلاوية لسيدي عدة بن تونس

برهان الذاكرين للشيخ سيدي محمد المدني

ملخص كتاب صفحات مطويّة في التصوّف الإسلاميّ للشيخ الحاج أحمد حسن ردايده

 

 

 

الشيخ أحمد العلوي, بقلم صالح خليفة

ولادته, دراسته ومهنته (1869م – 1886م)

 ولد أحمد بن عليوة "المشهور بالعلوي" بتيجديت, ضاحية من ضواحي مستغانم عام 1869م, كان له اثنتين من الأخوات, كانت والدته فاطمة امرأة تقية, رأت النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيا يهدي لها وردة حمراء قبيل ولادة أحمد العلوي. والده مصطفى, لم يكن يدع علامات الحاجة تظهر على ‏ملامحه كرامة للنفس, فأقل ما يمكن قوله هو أن الفقر كان سائدا في بيت عائلة بن عليوة. لم يرسل الأب قط ابنه أحمد إلى الكتَّاب ‏‏"ولو ليوم واحد", ‏هو بنفسه من تولى تعليمه في البيت, علمه القراءة وحفظ القرآن حتى سورة الرحمن. ‏

لكن الأب توفى عام 1886م, بينما ‏أحمد لم يبلغ السابعة عشر من عمره. الحاجة صارت أكثر ‏إلحاحا ‏داخل الأسرة المتواضعة. تذبذب أحمد من كل أعماقه لحالة عائلته, مما اضطره إلى أخذ مكان الأب ‏المتوفى ومارس مختلف الحرف. كانت صناعة الأحذية العمل الأفضل الذي مهر فيه والذي سمح ‏له ضمان, نوعا ما, سهولة العيش. ‏عمل في الجلود خلال عدة سنوات, ثم توجه بعد ذلك نحو التجارة.

من ناحية أخرى, كان يحترق عطشا إلى العلم الذي استولى عليه طلبه له. ولكن لم يكن ليستطيع أن يتفرغ لهذا الطلب كليا نظرا لاحتكار التجارة لجل وقته, ولولا القريحة وملكة الفهم, ما كان تحصل منه على شيء يُذكر.

ولكنه كان يواكب النقص في العلم بالليل, مرافقا إياه بعض المشايخ في بيته, كان منكبا على الدروس بكل طاقته, منهمكا في الكتب وأخذ ذلك منه الليل كله, حتى أن زوجته أُهملت وينتهي بها الأمر أن ‏تطلب الطلاق بدعوى عدم تحقيق الواجبات الزوجية, وقد كان شيء من ذلك.

هذه المواظبة على الدروس (تحت إشراف سلسلة من المشايخ المحليين) مكنت لأحمد العلوي غرس منهج عقلي معين في المعرفة ‏القائم على فهم بعض الرقائق من العقائد, وتدريجيا توسعت آفاق معرفته, وخاصة تلك التي تتعلق ‏بعلم القوم الذي لم يفارقه طوال حياته. ‏

الحاجة إلى العمل في النهار جعلت هذا التعطش إلى العلم أكثر خفقانا, فكان يغادر بيته بالليل, ويذهب لحضور الدروس والمشاركة في اجتماعات الذكر. والدته كانت تخاف عليه ‏أكثر من اللزوم, وذلك لأن بيت الأسرة, الواقع خارج المدينة, معزول والطريق خطرة, فلهذا السبب عارضت خروجه بالليل باستخدام كل الوسائل, ولكن عبثا. ‏

‏العيسوي الموهوب والملهَم (1886م – 1894م) ‏

 تميزت فترة ما بين عام 1886م إلى عام 1894م, بتأثره بشكل قطعي بالطريقة العيسوية, وذلك لنقاء سريرة شيخها المعاصر لأحمد العلوي واستقامته وتقواه الواضح للعيان, والذي شغف أحمد بمحبته. انضبط أحمد مع مبادئ الطريقة العيسوية, ‏‏وسرعان ما حقق في وقت وجيز مرونة في ممارسات الطريقة, حتى أن جميع رفقاءه ‏أصبحوا معجبون به, فأحاطت به هالة من الهيبة ‏, واكتسب سمعة "عيسوي متحقق", يستطيع ‏القيام ‏ دون خطأ بالخوارق اللاتي كان يتباهى بها أعضاء هذه الطريقة وكانت عقيدته فيما يتعاطاه إلا التقرب إلى الله عز وجل جهلاً منه, كما ذكر ذلك في مذكراته.

وفي ذات يوم, لمح ورقة معلقةً على جدار أحدهم عند اجتماعهم في بيته, ينسبه صاحبه حديثا للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم, ألزمه ذلك الكلام المكتوب بترك ما كان يتعاطاه من الخوارق, وألزم نفسه على أن يقتصر في تلك النسبة على ما كان من قِبل الأوراد والأدعية والأحزاب. لم ينسحب من الطريقة فحسب ولكن ‏واصل في التنصل من الجماعة, فقد كان ذلك مضيعة للوقت والجهد, وترك ما كان من الأوراد ولم يداوم إلا على أخد الأفاعي فقط بانفراده أو ‏بحضور بعض الأصدقاء. ‏

الانعراج الأول والتعرف على الشيخ محمد البوزيدي 1894‏‎‏م ‏

الآن ومن دون مرشد روحي, دفعه ذلك إلى أن يفاتح ‏صديقه ‏و شريكه في التجارة بن سليمان بن عودة في الأمر, هذا الأخير تكلم معه بشكل مطول, وبحماس مخلص عن شيخ معين... رجل تقي عائد من المغرب.. حمّو الشيخ البوزيدي : "من ‏المؤكد أن هذا ‏الشيخ من أهل الخمول, لكن باستقامته وسعة معرفته في علم القوم, ولطفه على الرغم ‏من كثرة أعدائه... يبدو أن كل شيء يشير إليه كونه المرشد الروحي الوحيد في مستغانم." هذا ما كان يفكر فيه باعتقاد بن سليمان بن عودة.

هذه الملاحظة تركت أصداء عميقة لدى أحمد العلوي, التواق للمثل الروحي الأعلى, فقرر أن يتعرف عليه. القضاء تحمل عنه ذلك. بعض أيام فقط من اتخاذ ذلك القرار, وفي حين كانا الصديقان في محلهما, مرَّ من أمامهما حمّو الشيخ البوزيدي,‏ فتوجه نحوه بن سليمان بن عودة و دعاه إلى الدخول إلى المحل والجلوس معه بعض الوقت, قَبِلَ الشيخ الدعوة, وتناجيا بعض الوقت, ‏بينما كان احمد العلوي منشغل بعمله. فلما أعرب الشيخ البوزيدي عن رغبته في الذهاب, طلب منه بن عودة بعدم توقف زياراته لهما : "كلامه أعمق بكثير من ‏محتوى الكتب", مشيرا بذلك بن سليمان بن عودة إلى صديقه. ‏

 عاد الشيخ إلى زيارة الصديقين أكثر من مرة, وكان من الطبيعي أن يعرف أن أحمد العلوي ‏أصبح ‏موهوباً في أخذ الأفاعي, فسأله يوما: "يمكنك فعل ذلك هنا أمامي؟" ذهب أحمد خارج أسوار المدينة, ولم يعثر سوى على حية صغيرة لا تتعدى نصف ‏الذراع, وبدأ في ملاعبتها كما تعلمه عند اتصاله بالعيسويين. عندئذ قال له الشيخ البوزيدي: "لكن هل ‏يمكنك التحكم في أفعى اكبر من ‏هذه؟" فرد عليه : "كلهم عندي سواء!" فقال الشيخ البوزيدي : "إذا سأريك واحدة أكبر بكثير, وأكثر خطورة, إذا نجحت في التغلب عليها, فإنك ستكون حكيماً !" فسأله أحمد: "‏ولكن أين هي؟" فرد عليه الشيخ: "نفسك التي بين جنبيك, فسمُّها ‏أقوى بكثير من سم الأفعى, ‏ستكون حقا حكيماً إذا تمكنت منها مثلما تقوم به مع هذا الجنس من الأفاعي... لا تكرر هذه ‏التجارب..." ‏

هل من الممكن أن تكون النفس أكثر خطورة من سم الأفعى؟ هذا السؤال عن النفس, طالما خالج ‏هاجس ‏أحمد العلوي. وبسرعة فائقة اكتشف الشيخ البوزيدي فيه المؤهلات, ليس لتلقي التعليم فحسب, بل ولنشره على ‏نطاق أوسع, ولم يتردد في تبشيره بمقام عالي: "إذا عاش طويلا, وإذا شاء الله". بعد ‏وقت ‏قصير, أخذ أحمد العلوي الطريق عن الشيخ البوزيدي‏ واتخذه مرشدا روحيا, وارتبط بذلك بالطريقة الدرقاوية. ‏

استئناف التربية الروحية في إطار الطريقة الدرقاوية تحت مشيخة محمد البوزيدي (1894م - 1909م)

‏قبل شهرين من دخول احمد العلوي في الطريق, كان قد سبقه إليه بن سليمان بن عودة, ولكنه لم يلفظ بذلك لصديقه احمد الذي لم يعلم بالأمر إلا ‏بعد دخوله في الطريق.‏ فلقنه الشيخ البوزيدي أنواع الأوراد المحدودة والمناسبة للطريقة الدرقاوية ‏وأوصاه ‏بقراءتها بعد صلاة الفجر والمغرب. ‏

مر أسبوع فقط حين قام الشيخ البوزيدي بتلقين لأحمد العلوي الاسم الأعظم وكيفية لفظه, ‏والطريقة ‏التي يجب أن يجلس عليها لتصدره, وأمره لهذا الغرض أن يكرس نفسه. ولكن لعدم وجود مكان للخلوة, كان من الصعب عليه ممارسة الاسم الأعظم بكل ارتياح, كان من الضروري إذا البحث عن مكان مناسب, ولكن عبثا, فاشتكى ذلك إلى شيخه الذي قال له: "أن أفضل مكان للعزلة هو بلا شك المقبرة." ولكن كانت المقبرة تقلق أحمد العلوي وتخيفه رغم كل النوايا الحسنة التي أبداها, فلم يتمكن له ذلك بممارسة الاسم الخاص, ففاتح ثانية شيخه الذي أوضح له أنه لم يلزمه الذهاب ‏إلى المقبرة ليلا, كما حاول القيام ‏به, فأمره أن يذكر في الثلث الأخير من الليل.

وهكذا كان يذكر ليلاً ويجتمع به نهاراً, إما بمجيء الشيخ البوزيدي عند الشيخ العلوي أو بذهاب هذا الأخير عند شيخه, وكان مع ذلك يلازم بعض دروس علمية كانت له من قبل, يحضرها وسط النهار, فسأله شيخه ذات يوم: "بأي فن يتعلق هذا الدرس الذي أراك تُحافظ عليه؟" فقال له : "بفن التوحيد وأنا الآن في تحقيق البراهين" فقال : "قد كان سيدي فلان يُسميه بفن التوحيل..." ثم قال: "إن الأولى لك الآن أن تشتغل بتصفية باطنك حتى تُشرق فيه أنوار ربك, فتعرف معنى التوحيد, أما علم الكلام فلا تستفيد منه إلا زيادة الشكوك وتراكم الأوهام..." قال له كلاماً هذا معناه... ثم قال له: "الأولى لك الآن أن تترك سائر الدروس حتى تفرُغ من عملك الحاضر, لأن تقديم الأهم واجب." لم يشق على الشيخ العلوي شيء من أوامر شيخه مثلما شق عليه هذا الأمر حتى كاد ألا يمتثل له بما تعوده من محبة الدروس مع مساعدة الفهم, لولا أن ألقى الله بباطنه "وما يُدريك أن يكون ذلك من قبيل العلم الذي أنت طالبه أو أعلى منه" وثانيا سلاَّ نفسه بما أنه لم يكن المنع مؤبداً, وثالثاً بما أنه كان بايعه على الامتثال, ورابعا ربما أراد أن يمتحنه بذلك كما هي عادة المشايخ, وكل ذلك لم يفده سلامة من وقوع حزازة في الباطن, إلا أنها ذهبت بما أنه استبدل أوقات القراءة بالإنفراد للذكر وبالأخص عندما بدأت تظهر له نتائجه. ‏

وخلال هذه الفترة التي تميزت بتعميق تجربته في التصوف السني الصحيح, وتحت تأثير روحي قوي صعب الاحتمال, ولرد هجمات ذلك, والذي حاول إيقافه بكل معنى, أنشأ كتاب مفتاح الشهود في مظاهر الوجود ثم كتابه الشهير المنح القدوسية.

عندما فرغ من واجب استيعاب الاسم الأعظم , كلفه الشيخ البوزيدي‏ بالدلالة على الله والإرشاد, امتلك الشيخ العلوي الخوف وسأله : " وهل ترى أنهم يسمعون لي؟" فأجابه : "إنك ستكون مثل الأسد, مهما وضعت يدك على شيء إلا أخذته !" فكان الأمر كما ذكر. وكان مهما تكلم مع أحد وعقد العزيمة على انقياده للطريق إلا وانقاد لكلامه, وعمل بإشارته, حتى انتشرت تلك النسبة والحمد لله. ‏

ومن المحتمل جدا أن احمد العلوي لم يبق وقتاً طويلاً مخفياً, نعتقد أنه في اقل من سنة, جنا ثقة شيخه, لاستعداداته الاستيعابية لدقائق علم التصوف, ولإخلاص ‏مشاعره, ولصلابة إيمانه, ولتحققه الروحي. ‏

‏وهكذا لن يكون من المدهش أن نراه عُيِّن مقدما (مندوبا) للشيخ البوزيدي‏ وعمره لم يتجاوز ‏‏25 ‏عاما (1894). ومما يؤكد لنا هذه الفكرة, هو ما وجُد في نفس النص من سيرته الذاتية بعد تحدثه ‏عن إدراكه الروحي أو تحققه "ثم دمنا على صحبته خمسة عشر من السنين, عاملين في كل ذلك على نصرة الطريق..."

اكتسى محل الصديقان أكثر حلة الزاوية من مكان للأعمال التجارية, كان يلقي فيه الشيخ ‏‏البوزيدي الدروس ليلاً, مع تدفق متزايد من التلاميذ, و يتعاطون في النهار الذكر. وخلال هذه الفترة, أهمل الشيخ العلوي بعض الضروريات من الأشغال في مصالحه التجارية, ولولا شريكه وصديقه بن سليمان بن عودة, الذي كان يحافظ له على ماليته والذي اتخذ بعض من الحرص وضبط صديقه من جهة تجارته, لأعلن أحمد العلوي إفلاسه, و لقضى عليها من أصلها, كما عبَّر بذلك في مذكراته. ‏

خلو مقام المرشد الروحي واختيار الخليفة (أكتوبر1909م)

 لم يعين الشيخ البوزيدي أحداً أبدا ً لخلافته. قال يوما لأحد أتباعه والذي كان مغروراً في حد ذاته, بتخيله أنه مؤهلا لإرشاد الأخوة بعد شيخه الذي قال له يوماً ‏(لأن المسالة كانت أكثر من مرة قد طُرحت من طرف هذا التلميذ المريض) : "مثلي مثل الذي يستأجر بيتا بإذن ‏من صاحبه, وإذا جاء وقت انتهاء إجازة الإقامة, تُرد المفاتيح لصاحب البيت, فهو فقط له الحق لإعطاء المفاتيح لمن يريد." ‏

لم يكن بإمكان الفقراء ترك الأمر أكثر من ذلك. ولاستيعاب الحيرة التي تركها فيهم اختفاء الشيخ البوزيدي, كان ‏لكثير منهم الاستعداد لوضع أيديهم في يد الشيخ العلوي وتقديم البيعة له, أولاً لاستخلافه من طرف شيخه لما كان حيا يرزق, وثانيا لتوليه الإرشاد للمريدين حتى نهاية سلوكهم الروحي, فكان ذلك ‏أكثر من كونه مقدم ‏عادي, ولكنه قرر أن يهجر البلد نحو المشرق.

لم يسمح اختلاف تباين الآراء للإجتماع الذي عقده الفقراء من أن يأخذوا قراراً في تعيين خليفة لشيخهم الراحل. وبرأي ‏راشد من المقدم بن سليمان بن عودة, أرجئت المداولات إلى الأسبوع التالي, أملاً في أن تظهر في ‏ذلك الوقت رؤى توجههم في اختيار مرشد جديد.

لكن وقبل مضي الوقت المحدد, ظهرت كثير من الرؤى, وكلها لم تترك أي شك عن الشخص الذي سيترأس ‏‏مصير الطريقة, فدُونت كلها. هذه الرؤى تروي بوضوح أن المهمة الرئيسية ينبغي أن تقتصر على احمد ‏‏العلوي فقط. (حتى هو بنفسه شهد في رؤيا قبل وفاة شيخه ببضعة أيام, النبي صلى الله عليه وسلم يعلن له انه سيكون خليفة سلطان الشرق وانه سيكون دعمه الرئيسي). ولكن, وأكثر من أي وقت مضى, وضع احمد العلوي في ذهنه موضوع الهجرة إلى الشرق, وبالفعل, فقد قام بتصفية جميع ممتلكاته من قطع الأثاث, وراهن ما لم يستطيع بيعه مع تحميل أصدقائه مسؤولية تصفيتها عند غيابه. ‏

توسل إليه بعض الأخوة ليقوم بالاشتغال بمهمة التذكير, على الأقل خلال انتظراه رخصة السفر من الإدارة الفرنسية. هدفهم كان يرمي إلى تحويله عن هذه الرحلة, وللتوصل لهذا الغرض, اقترح عليه صديقه أحمد بن ‏‏ثرية أن يتزوج بابنته دون ‏أي شرط, فقبل الشيخ العلوي هذا العرض. ‏

بينما في الوقت ذاته, عقد الفقراء جمعا عمومياً في الزاوية. كلهم قدَّموا الولاء لأحمد ‏العلوي. حتى أعضاء الطريقة القاطنين خارج مستغانم, لم يتأخروا في القدوم في مجموعات ‏صغيرة لبيعة شيخهم الجديد. يقول الشيخ العلوي في تفسير هذه ‏التلقائية واتحاد ‏الفقراء حوله : "وكان يعد ذلك الانضمام من الفقراء كرامة, لأنه لم يكن بيدي من الأسباب والدواعي الخارجية ما يستلزم الإحاطة بإفراد مختلفي البقاع, إلا ما لديهم من اليقين الصرف من جهة ما كنت عليه من المكانة مع الأستاذ في هذا الشأن... ‏ولم يبق من أفراد الطائفة إلا اثنان أو ثلاثة..." ووافق على يمين الولاء. ‏

الهجرة أو البحث عن وطن بديل (نوفمبر/ ديسمبر ‏‏1909م)

 كانت الرغبة في الهجرة قوية جداً, استولت عليه حتى قبيل وفاة الشيخ محمد البوزيدي. كان للمشرق ‏جذب قوي, بالإضافة إلى ذلك يقول في سيرته الذاتية: "رأيت البلد غرق في الفساد الأخلاقي, فمجموعة من أصدقائي أيضا لهم نية ‏على ‏الهجرة... "

محمد وعبد القادر بن عليوة‘ أبناء عمه, كانوا قد سبقوه إلى طرابلس قبل بضعة أسابيع من وفاة ‏الشيخ ‏محمد البوزيدي‏. أما هو, فقد كانت الحيرة مهيمنة عليه, كان منقسما بين الحاجة إلى ترك البلد والواجب على البقاء للدلالة على الله. لم يدم ‏تردده طويلا, فزيارة ديار الخلافة العثمانية كان لها ضغط أقوى من أن تقاوم. ‏

اصطحب الشيخ العلوي معه محمد بن قاسم الباديسي, فزار فقراء غليزان وبقي بها يومين, ثم اتجه نحو الجزائر العاصمة‏ بنية طبع مخطوط (المنح القدوسية), لكن, ‏ولا مطبعة واحدة وافقت على طبعه, فتوجها نحو الشقيقة تونس, فاستأجرا سكنا بعاصمتها وعاهد الشيخ العلوي نفسه ألا يترك المكان حتى يأتيه‏ أحد من الذاكرين يخرج معه, وسبب ذلك لرؤيا رآها وهي أن مجموعة ‏من ‏الإخوة أتوا إلى المكان الذي هو موجود فيه وأخذوه إلى مكان اجتماعهم.

استمر الحال على ما هو عليه ‏أربعة ‏أيام حيث بقي احمد العلوي في البيت لتنقيح المخطوط الذي بحوزته بينما مرافقه محمد بن قاسم في الخارج بصدد قضاء بعض الحاجات. ثم أتته مجموعة من الأشخاص, والتي هي بذاتها التي رآها في الرؤية, وكانوا من مريدي ‏الشيخ سيدي ‏صادق الصحراوي (وسنده يتصل بمحمد ظافر عن أبيه محمد المدني عن مولاي العربي الدرقاوي), وقد كان توفي قبل ذلك بأشهر.

أصر الفقراء كثيرا على الشيخ العلوي أن يرافقهم إلى مكان اجتماعهم فانتهى به الأمر إلى أن وافق, وأنزلوه بمحل أحد الأصدقاء, كانت تنبعث من زيارة هؤلاء الإخوان لوائح المحبة التي كانت تظهر على سيماهم ومجاملاتهم له وكان يتوافد عليه في تلك المدة أفراد من الفقهاء والمتخصصين في الحديث, ومن جملتهم : سيدي الأخضر بن حسين, سيدي ‏‏عبد الرحمن البناني, الأستاذ الكبير سيدي صالح خليفة من قصيبة ‏المديوني. ‏

وكانت مجموعة من الطلبة مرافقة لأساتذتهم, وأحيانا تأتي بمفردها ‏للاستماع إلى الذي يقال عنه كونه (متبحر في علوم القوم)‏, ومن بين هؤلاء الشباب, محمد ‏بن خليفة المدني, فاقترحوا ‏على الشيخ العلوي أن يجعل لهم درساً في "المرشد المعين" وأن يبسط لهم كلاماً فيه من طريق الإشارة, فوقع ذلك موقعاً حسناً عند السامعين, وكان هو السبب في تعلق بعض الطلبة بالطريق.

بعدما اتفق الشيخ العلوي مع صاحب المطبعة على طباعة المخطوط, قرر التحرك نحو طرابلس بليبيا لزيارة أبناء عمومته. وكان من المقرر أن يذهب بعدها لزيارة بيت الله الحرام وقبر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام, و تزامن الحج آنذاك مع شهر ‏ديسمبر1909. لكن وصلته رسالة من مستغانم تخبره أن الحج ممنوع من السلطات الفرنسية, وتحذره من الوقوف في تلك السنة بما يعود عليه بفرض عقوبة ‏مالية قوية. وربما كان ‏هناك وباءا, ينتشر في التجمعات المماثلة, مما أدى بالإدارة الاستعمارية ‏إلى المنع للحد من انتشاره.

توجه أحمد العلوي منفردا نحو طرابلس, رغم علمه أنه لن يستطيع الذهاب إلى الحج هذه السنة‏. وكانت ليبيا آنذاك ما تزال سالمة من السيطرة الأجنبية, وبدا للشيخ العلوي أن البلد صالح للهجرة والإقامة به, وبما أن طبيعة سكانه مماثلة قدر الإمكان من طبيعة أهل بلده وحتى أن هناك تشابه في اللغة والتقاليد. ‏

في نهاية اليوم الثالث التي قضاها في طرابلس, ركب البحر نحو إسطنبول‏. ولكن هناك, أصيب بخيبة ‏أمل ‏كبيرة من الاضطرابات التي هزت الخلافة. فولى راجعا إلى الجزائر, وقال عن عودته إلى وطنه : "لم يرتح لي بال ولم يسكن روعي إلا في اليوم الذي وطئت فيه تراب الجزائر." ‏

العودة إلى الحظيرة, وأول الصعوبات تواجه الشيخ الدرقاوي الجديد (1909م– 1914م) ‏

عزم الشيخ العلوي, انطلاقاً من مستغانم, حسم معركة الذود عن الإيمان, لكنه كان مجرداً من أدوات الدفاع, فقد باع تقريبا كل أملاكه لدفع ثمن سفره ولم يبقى له إلا القليل الذي كان يستعمله لنشر الطريقة الدرقاوية, لأنه عزم ألا يدخر جهداً ‏لنصر حزب الله.

عارض أولا بعض الممارسات التي شكلها بعض مريديه وهي في لقاءهم كل يوم خميس حول قبر ‏الشيخ البوزيدي‏ ثم يقومون بحرق العطور وتلاوة الأذكار والغناء بقصائد الصالحين. ‏مرت الأسابيع وهي تتشابه في محتواها, لم يستطع الشيخ العلوي تحمل أكثر تلك اللقاءات حول قبر الشيخ البوزيدي, والتي وصفها بأنها تشبه اجتماعات النساء العجائز, ثم قال : "لا أعتقد أن سيدي حمّو الشيخ البوزيدي‏ حينما أورثنا من علمه أراد بذلك أن نحُّل مكانه, بل على العكس, تركنا مثل مطروحات شجرة قديمة,‏ فالشجرة انتهى وقتها, ولكن مطروحها باقي ليمنح ثماره, وإذا كانت الثمار لا تباع عند الشجرة, فيجب إذاً على المرء أن ‏يذهب بها إلى ‏السوق... علينا بإبلاغ ما لدينا وليس كتمه, لأنه مفيد لإخواننا البشر" وفي هذا المعنى, ‏يقول في مرثيته لشيخه البوزيدي:

خلّفت رجالا في الطريق لصونها _ فكنت لها بدر وهم لها زهر

أخذنا عنه علوما فزنا بصونها _ ولما حنّ الزمان تعيّن الجهر

أبذل الشيخ العلوي كل وسعه لتنشيط الطريقة, حتى أنفق كل ما تبقى من ممتلكاته, لم يكن ‏‏يطلب أي شيء من مريديه لأنه لم يكن يرتاح ابدأ لطلب المال من الغير, ثم تجاوزت هذه الصعوبات المالية المرحلة الصعبة, فقد رهن الشيخ احمد العلوي منزله لأنه وجد أنه الحل الوحيد الذي بقي له, وهو رهن العقار الوحيد لديه. ‏

حَمْل أعباء التكفل بالفقراء حيث كان عددهم يتزايد بسرعة, في حقيقة الأمر, منعه من قضاء ديونه. ‏‏بالإضافة إلى ذلك, فان بعض المشايخ ‏والمقدمين الدرقاوة في مستغانم وفي منطقة الغرب الجزائري, ‏‏لم يتراجعوا لوضع العقبات على طريقه حسدا من عند أنفسهم بسبب الإقبال الكبير على الشيخ الدرقاوي الجديد, لم يدخروا جهدا لمنعه‏ من الدعوة عن طريق ‏المؤامرات, ‏الإشاعات الكاذبة, الاستفزازات, إلخ... وزد على ذلك, فإن السلطات الاستعمارية التي لم تقف مكتوفة الأيدي, ‏بسبب المقاومة المسلحة التي مارستها الطائفة الدرقاوية في السنوات الأخيرة, ولذا كانت لهم بالمرصاد ‏وخصوصا أتباع الشيخ الجديد, والتي كانت ترى فيه في نفس الوقت عدوا صاعدا لسلطتها.

ولنذكر على سبيل المثال واقعة تجسد ما قلناه : بعد أن عادت مجموعة من فقراء تلمسان من ‏زيارتها للشيخ احمد العلوي, وفي الوقت الذي نزلت فيه من القطار, تجمعت حولهم فرقة من ‏الشرطة, وطرحوا عليهم السؤال التالي : "هل أنت ‏درقاوي؟" طرح السؤال على الفقراء, كل واحد على حدة, ومن المعلوم أن من اقّرَّ مثل هذا فسيقبض عليه حالا ويودع في السجن. الكل أنكر ارتباطه بالطريقة باستثناء المقدم سيدي العربي الشُوَّار, ‏الذي اعترف بانتسابه إلى الطريقة وزاد على ذلك بأن قال أنه يعيش ‏ويموت في سبيلها, فاقتيد إلى مبنى الشرطة وسجن على الفور ولكن تم الإفراج عنه في وقت ‏قريب. ‏

الاستقلالية أو تأسيس الطريقة العلوية‏ ‏

كان عداء رؤساء الزوايا الدرقاوية المجاورة يتزايد بمقدار توسع المساحة الجغرافية لأتباع الشيخ العلوي الذي داع صيته حتى في الدواوير (القرى الصغيرة) والتي كانت معروفة حتى لوقت سابق بمقاومتها لكل دعوة دينية. فتحول عداء شيوخ الزوايا إلى كراهية بلا هوادة عندما قرر الشيخ اتخاذ استقلاليته بالنسبة إلى الزاوية الأم الدرقاوية ببني زروال في المغرب عام 1914, فأخذت الطريقة اسم العليوية الدرقاوية الشاذلية. (إن كلمة العليوية لثقلها على اللسان العربي والعجمي على السواء, تحولت إلى العلوية لسهولة نطقها ثم زيد بعد ذلك الألف بعد اللام ليتناسب مع النطق المغاربي بصفة عامة).

رأى الشيخ العلوي في ضرورة الخلوة كمحور رئيسي لطريقته, والتي لا يمارسها الشاذلية إلا أحيانا, بخلوات منفردة طبيعية, إذ ستشكل الخلوة بالنسبة للشيخ العلوي جزء لا يتجزأ من طريقته. ‏هذه ‏الحاجة الملحة للعمل بها جاءت من استفادته الشخصية منها, عندما لم يكن يملك مكان ‏مناسب لتكريس وقته لها. ‏

الغضب من منافسيه لم يتمهل في ظهوره, إدخال الخلوة كقاعدة أساسية كانت بالنسبة إليهم بدعة. عدائهم له وصل إلى ذروته, استعملت جميع الوسائل لتحويل فقراء الشيخ البوزيدي عن الشيخ العلوي, بالفعل نجحوا في فصل البعض عنه ولكن بالمقابل ارتبط به المئات من المريدين الجدد الذين تدفقوا من كل الآفاق, حتى وصل الأمر إلى مبايعة واحد أو اثنان من رؤساء الزوايا مع كل مريديه للشيخ العلوي. ثم إن ارتباط ‏‏محمد بن الطيب الدرقاوي, حفيد مولاي العربي الدرقاوي, بالشيخ العلوي, رمى الارتباك ‏ ‏بين صفوف أعداء الشيخ الذين ظلوا عن السبيل. ‏

رسالة لمحمد بن الطيب الدرقاوي, نشرت في كتاب محمد بن عبد الباري الحسني (الشهائد والفتاوي فيما صحَّ لذا العلماء من أمر الشيخ العلوي) يمكن قراءة ما يلي : "...ما لاحظته في الشيخ... دفعني للارتباط به, بالشوق إلى ‏الظفر بفتح البصيرة, فطلبت منه الإذن في الذكر بالاسم الأعظم. ‏كنت في عهدي عضو كباقي الإخوة في طريقتنا, إنما سمعت أن أسلافي يعتبرون الطريقة كوسيلة مباشرة للتحقيق وليس كونها رابطاً بسند روحي فقط. لما قمت بممارسة الاسم الأعظم طبقا لتوجيهات الشيخ, لم يمض وقت طويل, حتى تحصلت على العلم اللدني..." ‏

الشيخ المربي ( 1934/1914 ) ‏

أ) نشاط حيوي ‏

 لم تتأخر شرارة وعداوة خصومه الدرقاوة من الخمود كما خمدت نار نمرود أمام النشاط الحيوي للشيخ. كان ‏في ‏كل مكان و‏في كل مكان يمر به إلا وارتبط به المئات من المريدين الجدد, حتى أنه وقع أن ارتبطت به وبطريقته وبتعاليمه قبيلة بأسرها, و ذلك من الإمدادات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة.

ذات يوم وهو يمشي بالجزائر العاصمة, وكانت وجهته نحو الجامع الكبير, كان يتبعه في الطريق نحو المائة ‏شخص, ليس لهم من الإسلام إلا الاسم, وعند عتبة الجامع, اقترح عليهم الشيخ الدخول معه, فتقدموا دون ‏تردد, فدعاهم للجلوس وجلس في وسطهم, وقام بتعليمهم. عند انتهاء الدرس تحول الجميع نحو القبلة معلنين توبتهم ثم قدموا اليمين ‏للشيخ واقسموا على عدم ‏مخالفة شرع الله. ‏

ويمكن للمرء أن يرى أمام الشيخ... الآلاف من البشر, إذا تكلم اطرق جلساءه كأن على رؤوسهم الطير, قلوبهم خاشعة وأعينهم تسيل بالدمع, ينهلون من كلامه بشغف. كيف ‏يمكن ‏تفسير هذه الظاهرة, إلا لكون الشيخ, بكلامه إلى الناس, يتحدث بلغة شفافة ‏ومقنعة, منبعثة من قلب سليم من الإسلام الأدبي, السطحي, الصعب فهمه, المحبذ لدى طائفة الظاهر, فكلامه مستقيم ينبعث من قلب مستقيم, لا يمكن له إلا ‏اختراق مسامع الحاضرين. ‏

الحديث التالي لوحده يعبر أكثر من أي كلام عن نظرة الشيخ في أسلوب توجيهه في الطريق. ‏يقول المحدث : ‏‏"ارتبطت بشيخ في مدينة بجاية وأخذت منه العهد بشرط قراءة عدد كبير من الأوراد يوميا. ثابرت في قراءتها بانتظام, وبعد فترة زمنية معينة, أمرني بالصيام كل يوم ولا آكل إلا خبز الشعير ‏مشبعا بالماء. التزمت أوامره, ثم لقنني الأسماء السبعة الخاصة المستخدمة في طريقته... أيام قليلة مضت بعد ذلك, أجازني بالإرشاد والدلالة على الله, ‏وفي انتظار ذلك, غلبني الإحباط وخيبة الأمل لأنني اعلم أنني لم أقصده من أجل هذا. لم آخذ منه سوى بعض الإشارات الغامضة والتي لم أفهم معانيها, ولما سألته منعني بشدة من تجديد السؤال أمامه أو أمام مريديه, خشية التسبب في الشكوك من جهته, فتركته وقمت بالبحث عن شيخ آخر يكون أجدر بالارتباط, حتى جاء بفضل الله اليوم الذي سمح لي بالاتصال بالأستاذ الكبير الشيخ ‏سيدي أحمد العلوي, عن طريق أحد مريديه المقدم الحسن الطرابلسي, الذي أعدني قبل ذلك وإعطاني قراءة ‏‏كتاب الشيخ (المنح القدوسية). ثم جاء اليوم الذي قدم علينا الشيخ بنفسه زائرا وسائحا في شرق الجزائر عام 1919, ‏جددت معه العهد وبادرني بتلقيني الإسم الأعظم كما يمارسه أتباعه وقال لي انه يمكن لي أن أذكره في كل مكان إن أمكن, في السر ‏أو علانية. بقي معنا ثلاثة عشر ‏يوما وخلال هذا الوقت ارتبط به ألفين من البشر, رجال ونساء وشباب. ثم بعد عودته إلى مستغانم, ذهبت إليه ‏وأدخلني الخلوة. مكثت فيها ستة أيام وحصلت على كل ما رغبته قبل ذلك.‏‏" ‏

كان توجيه الشيخ العلوي على مراحل, أولها تطهير نفس المبتدئ, ولما تتزكى النفس, وتشرق الأنوار الإلهية في القلب, يأذن لبعض من مريديه الذي وصلوا إلى هذا المقام بالإرشاد والدلالة على الله, وكثير هم من أجيزوا بالإرشاد. ‏

وكان ينتظر من مقدميه أو مندوبيه النزاهة في السلوك, عندما كان يبعث مثلا أحدهم إلى قبائل معينة, كان يمنعه من قبول الغذاء إلا لضرورة من أمره, لا يمكن له سوى طلب الماء للوضوء. ‏

هذه الفترة من 1914 إلى 1934, شهدت تأسيس شبكة من الزوايا في المغرب العربي وفي ‏‏الشرق الأوسط وفي أوروبا. كانت الزاوية الأم بمستغانم تتذبذب من شدة السكر الروحي. ‏

 كانت الرحلات ضرورية لنشر الطريق وإنشاء زاويا, و تلقين المريدين تعاليم الطريقة, فبادر الشيخ عدة رحلات, ما عدا رحلاته داخل البلاد, ذهب مرة أخرى إلى تونس وخاصة في منطقة الساحل, ‏وزار‏ أحد مريديه المفضلين, الشيخ محمد المدني في قصيبة المديوني‏, وكان ذلك في عام 1915, ثم في عام 1918, أين تباحث فيها مع ‏علماء الزيتونة وعاد ‏أكثر من أي ‏وقت مضى إلى بلاده مسرورا للمستوى الرفيع للحديث معهم, اتجه في 1924 إلى المغرب ‏وكانت تلك زيارته الأولى, وفي ‏عام 1928 زار مرة أخرى المغرب وتباحث في فاس مع عدد من العلماء القرويين, وفي ربيع ‏عام 1930, قام بأداء فريضة ‏الحج, ثم زار القدس والخليل وغزة هاشم, ثم دمشق, ثم بيروت التي ‏عادت منها إلى الجزائر عبر مرسيليا. ‏

تأسيس زاويا في مختلف الأماكن التي ذهب إليها لم يكن كافيا بالنسبة له, ولمراعاة هذه المراكز الإشعاعية, ‏كان من الضروري لدى الشيخ العلوي تأسيس في العشرينات, ‏جمعية التنوير, وكان دورها الحرص على خدمة المساجد والزوايا العلوية‏ حتى لا ينقصها أي شيء مثل الإضاءة وتغطية الأرض ومن غسل وضمان صيانة المباني وإعادتها إذا لزم الأمر, وكان ذاك هو الهدف ‏الحقيقي للجمعية‏ التي شهدت فروعها تتضاعف بسرعة. ‏

 لكي يكون الشيخ حاضرا بدوام, وتكون تعاليمه مسموعة في آن واحد من جميع طلبته, في الجزائر, في المغرب, في تونس وفي منطقة ‏الشرق ‏الأوسط, , كان لا بد من تأسيس جريدة أسبوعية (لسان ‏الدين) التي تأسست ‏في يناير 1923 و التي لم تدم طويلا وكان عددها لم يتجاوز 25 رقم لأسباب معينة, ولسد هذه ‏الثغرة في مجال الطباعة كان من الضروري أن تكتسب الطريقة مطبعة خاصة بها, وحصل ذلك يوم 22 نوفمبر 1924, عن ‏طريق مساهمة ابن ‏عم له عبد القادر, وأحد مريديه بن دمراد الصالح, فاشترى مطبعة بالجزائر العاصمة, فأسس جريدته ‏الأسبوعية (البلاغ الجزائري‏) عام 1926. ‏

ومن ناحية أخرى, لم يتوقف الشيخ العلوي من نشر دراسات في التطور (الروحي والأخلاقي), في التفسير والذود عن ‏‏التصوف, فكانت الفترة ما بين 1914 و 1934, بشكل قاطع أخصب فترة في هذا الصدد. ‏

ب) الدفاع عن دين الله

الشغل الشاغل لحماية الإسلام من الأخطار المتعددة التي تهدده وتريد تفكيكه, كان ذلك الهاجس الدائم للشيخ العلوي. كان إذا من الضروري بالنسبة للشيخ التصدي لأسوأ أعداء الدين, أولئك الذين يتحدثون ‏باسمه, بمن فيهم شيوخ الطرق الذين غلبهم طمع الدنيا, ذوي الشهية الشرهة التي تستغل سذاجة الشعب المغلوب على أمره, إذ شكَّلوا هدفا ‏مختارا ‏لجريدة الشيخ العلوي "البلاغ الجزائري", خاصة أنهم كانوا يذيعون وسط الأغلبية الأمية جراثيم الشعوذة و‏الخرافات وبعض الممارسات التي غطت شيئا فشيئا الإيمان الحقيقي بعبادات الجاهلية مثل عبادة القبور "عادة بليدة وجاهلية".

التغريب أو الغوربة (أي التأثير الغربي), مع كل السلبيات التي يحملها, لم يغب عن هجمات الشيخ الشديدة. ‏التجنيس ‏كان يمثل خطرا حقيقيا وخسارة أكيدة للهوية الإسلامية, لأنه يزعزع الإيمان وقانون الأحوال ‏الشخصية ‏للمواطنين, لأنه من اللحظة التي يتمتعون فيها بالجنسية الفرنسية فإنهم يخرجون من إطار قانون الشريعة الإسلامية ويطبق عليهم القانون الفرنسي الذي لديه أكثر من نقطة تناقض مع الشريعة السمحاء.

كثيرا ما ‏كانت مواضيع ‏‏(البلاغ الجزائري) تكتسي صيغة أدبية حيث يمكن القول أنها كانت تحمل همّا ثقيلا, كان الأسلوب واضحا, يوقظ ويثير المشاعر التي كانت غافية شيء ما : " أيها الشعب, الذي لم يخن أبدا العهد مع الله, كنتَ تضحي دائما لأجل هذه الأمانة المقدسة, أيمكنك ‏التضحية بماضيك, والبيع بالرخيص الكثير من المزايا أو السماح لحديثي النعمة ذوي المصالح فعل ذلك ؟‏‏".

كان الإدمان على الخمر آفة اجتماعية أخرى, إذ كان المجتمع الجزائري ملغوما. لما أصدر وزير الحرب مرسوما ‏يحظر ‏استهلاك المشروبات الكحولية على الجنود المحليين (المسلمين), لم يتردد الشيخ العلوي لمراسلته ببرقية بما أن هذا الموضوع كان يشغله كثيرا : "باسمي شخصيا وباسم المسلمين الجزائريين نهنئكم على ‏جهودكم لمنع ‏‏(المشروبات الكحولية), آملا في حكومتكم تمديد هذا الإصدار لجميع السكان في ‏المستقبل القريب"‏. إن مفسدة الإدمان على الخمر كانت في حقيقة الأمر من الأشكال المتعددة للتقليد (الأعمى), و‏‏واحدة من الألف وجه ووجه من تغريب العقول وفساد الأخلاق, وتغيير طريقة التفكير بالنظر إلى الأشياء والإحساس بها بصفة عامة.

‏كما ‏كان انتشار عادات وضع القبعة على الرأس ولبس البنطلون من أعراض الشخصية, ومن ‏الواضح أن التخلي عن اللباس التقليدي الذي يذكر بالبيئة النفسية, واعتماد ‏الملابس الحديثة كان يعني التخلي عن الهوية الثقافية, أو ببساطة فصل جزء محدد من ‏الإرث التاريخي ‏والثقافي.

كانت مكافحة الاتجاهات النابذة تمر حتما عن طريق الدفاع عن الإسلام, فكثيرا ما كان الشيخ ينادي بالعودة إلى إسلام الصحابة: "إلى إسلام قريب العهد إلى النبوة, الذي لم يتجمد بعد من أعمال الفقهاء الذين أتوا من بعد" ثم إن اللغة العربية كانت مهملة وفي آخر قائمة انشغالات الهيئة التربوية للاستعمار الفرنسي, ‏فكان الشيخ‏ العلوي من السابقين الذين نادوا لإدراجها و تجديدها. ولفهم القرآن وكتب الحديث كان لا بد من معرفة ‏اللغة ‏العربية, فكانت (البلاغ الجزائري) تجتهد و تبذل كل طاقتها‏ لتصل في النهاية إلى الاستياء من الانحطاط الفكري ‏وخاصة من بعض التجمعات الفكرية (الجزائرية)‏ التي كانت تطالب بالاندماج مع وطن المستعمر, فرنسا, وعلى رأسهم ‏" فرحات عباس".

إذا كان استنتاج المضللين أن الشيخ العلوي رجل جاهل ورجعي, فهذا التفكير خاطئ وظالم, لا أحد من معاصريه اتهمه بذلك, ففي الحقيقة كان الشيخ متفتحا إلى درجة عالية من أن يدعو‏ إلى الجاهلية.‏

ج) الشيخ العصري

رأى الشيخ العلوي أنه يجب على كل مسلم أن يكون على علم باللغة, كان يوصي بالتعليم ويشجع العلم مثلما اهتم ‏المسلمون في العصور الأولى بالحضارات القديمة مثل اليونانية والفارسية على وجه ‏الخصوص: "لماذا تريدون منا, نحن الذين نعاصر الحضارة الأوروبية, أن لا نهتم بهذه ‏الحضارة الرائعة؟ من ناحيتي, فإنه لا يمر يوم بدون أن أوصي أتباعي بإرسال أطفالهم إلى ‏المدرسة لكي يتعلموا اللغة الفرنسية, على قيادة السيارة... ثم إن استيعاب الأعمال الرائعة لعلم الآلات لا يتعارض مع الدين ولا يمنع الإنسان من الوصول إلى ‏أعلى القمم في العلم, وهو (أي علم الآلات) كالمرشد الذي يبذل قصارى جهده‏ ليرفع الإنسان إلى الأفضل ويدمر في نفس الوقت غرائزه السيئة. ما نقوم به سوى أننا نوطد مبادئ إبراهيم, سليمان, عيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين".‏

كان تدينه المعاصر على درجة من الإقدام مما أربك جميع علماء عصره. ففي الأزهر مثلا, وقع سنة 1931 جدال حاد حول ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية, فكونت لجنة فرعية ‏‏خاصة من العلماء فقط لحل هذه المشكلة الشائكة, فبعد مناقشات ‏طويلة, خرجت اللجنة بقرار أن "ترجمة معاني القرآن جائزة على شرط أن لا تأخذ هذه الترجمة عنوانا لها بالقرآن وإن استنساخ كلمات المصحف كلمة كلمة, غير جائز. "‏

في سنة 1930 تحديدا, أي سنة واحدة قبل القرار (التاريخي) لجامعة الأزهر, أقر الشيخ العلوي ‏أنه لا يرى أي مانع من ترجمة معاني القرآن إلى الفرنسية أو إلى الأمازيغية, ومن المعلوم أن نظام قراءة القرآن له ضوابطه العلمية, لكن لانتشار كتاب الله على نطاق أوسع, يمكن تجاوز ‏الكلمة لبقاء المعنى, وحجته في ذلك "أن كل إنسان موهوب العقل من حقه الاتصال المباشر مع ‏كتاب الله ولا يجب حجبه عنه لجهله اللغة العربية", بل أفضل من ذلك, أفتى خلافا لرأي ‏كل الفقهاء‏ ‏التقليديين "أن الشهادة في غياب معرفة اللغة العربية, يمكن أن تلقن بلغة أخرى لأن ‏الهدف من ذلك هو ‏الاعتراف بوحدانية الله وبرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم".‏

د) الشيخ وتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين‏

لنشر الإسلام وإعادة مكانته ومجده في قلوب الناس مثلما كان عليه في الماضي, استوجب اقتران جهود جميع أصحاب النوايا الحسنة المدافعين عن الهوية الثقافية والمحافظين على ‏شخصيتهم خوفا من أي تفكك للمجتمع الجزائري على يد السلطات الاستعمارية ‏وأصحاب فكرة الاندماج في المجتمع الغربي, فنتجت عن هذه الإرادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

ما يجهله ‏المؤرخون الجزائريون قاطبة, هو لما وقعت فكرة الجمعية في بال أحد أثرياء الجزائر العاصمة من أصل أمزيغي, واسمه عمر إسماعيل, فاتح بها رئيس تحرير جريدة "البلاغ الجزائري" التابعة للشيخ العلوي, وكان رئيسها آنذاك محمد ‏المهدي الذي من جانبه تكلم مع الشيخ العلوي الذي بدوره اعتبر أن ‏الفكرة جيدة وتبناها, ‏فكانت جريدته الأسبوعية الوسيلة التي أتيحت له للتعريف بالمشروع, فالبلاغ الجزائري هي الجريدة الوحيدة من بين ‏الصحف الجزائرية التي أشادت بفوائد تأسيس جمعية من هذا النوع... حتى استجاب لها ‏مجموعة من العلماء.‏

 وقع في صدر العلماء, الذين استجابوا للدعوة آنذاك, تخوف على مصير ومستقبل الجمعية وخشوا أن تكون أداة بين أيدي شيوخ الزوايا, ‏فلذا عند موعد المجلس التأسيسي, رتبوا ترتيبا استراتيجيا يتلخص منه أن يكونوا أكثر عددا من شيوخ الزوايا. إذا كان الشيخ البشير ‏الإبراهيمي‏ والشيخ الحمودي والشيخ العقبي و الشيخ الزاهري و الشيخ الأزهري (رحمهم الله) قد حظروا فالشيخ عبد الحميد بن باديس (رحمه الله) لم يحظر "لسبب مرضه", ولكن حين عين من طرف ‏الجمعية رئيسا لها "شفي على الفور من ‏مرضه ". أما من جانب شيوخ الزوايا فلم يحظر منهم سوى ثلة من الرجال, إلى الآن مازال دورهم متجاهل من طرف المؤرخين, من جانب الزاوية العلوية حضر في المجلس التأسيسي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين : الشيخ أحمد العلوي ومحمد المهدي وعدة بن تونس, "من الواضح أن ابتدءا من هذا اليوم انتقلت الجمعية ‏ بين أيدي الإصلاحيين ‏و ليس العلماء... وتظهر كل يوم بثوب إصلاحي جديد ‏لدرجة أنها أصبحت إحدى الجمعيات الوهابية مائة في المائة..."

إن فشل هذه التجربة المقترنة بالجهود بين مختلف التجمعات الإيديولوجية المسلمة, لم تهزم قوة إرادة الشيخ العلوي, ‏‏حيث بقت مجلته الأسبوعية الأداة الوحيدة والتي كانت تعتبر الصحيفة الأقوى سحبا في الجزائر ‏و‏تقرأ في كل الأصقاع, وبعد ذلك بعام, كان التفكك النهائي مع "الإصلاحيين" فأسس العلماء من أهل السنة والجماعة جمعية علماء السنة في الجزائر.

‏ه) مبادراته في الخارج

على الإسلام البقاء في أوروبا والانتشار بها, كما كان عليه في الماضي, ليس بقوة السيوف ولكن بالرفق والكلمة الطيبة التي هي "كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء", فكانت الأولوية استعادة المهاجرين ‏‏المسلمين في فرنسا الذين يعملون في ظروف, من المحتمل ليس فقط أن تبعدهم عن دينهم بل تجعلهم يتناسونه, هذا هو ‏‏الهدف الفوري بالنسبة للشيخ العلوي الذي قرر تنفيذه.

في العشرينيات, أي مسلم تتوفاه المنية في فرنسا لا يحق لأسرته إعادة رفاته, في حين كان مجبرا عليها دفنه بالديار الفرنسية وذلك لموقف السلطات الفرنسية التي تمنع منعا باتا نقل الجثمان خارج أراضيها, مما دفع الشيخ العلوي بطلب تخصيص مقبرة للمسلمين, وانصاعت فرنسا لطلبه وأنشأت المقبرة الفرنكو- إسلامية, أما ما يخص المبادرة الثالثة فقد قدم طلبا بإنشاء مستشفى خاص بالجالية المسلمة وتم بالفعل إنشاءه وسمي بالمستشفى الفرنكو - إسلامي.

في عام 1924, كان عدد الأتباع العلويين العاملين في ميادين بناء السكك الحديدية وتوفير وسائل النقل العام في المدينة من مترو الأنفاق, كان كبيرا. في تقرير مجلس النواب أتى بالآتي : "أن أتباع الشيخ السيد العلوي, هم أشخاص ذوي نظافة, ويعيشون حياة سليمة, فهم مهذبون أخلاقيا, و تعاليمهم تدعو إلى محبة الآخرين...". وبما أن هؤلاء الناس كانوا يطلبون مكانا للاجتماع لغرض الصلاة والذكر, مشجعين بالتأكيد من قبل المقدمين (المندوبين من طرف الشيخ), فكان تقرير غرفة النواب يصب في هذا الاتجاه, وبدأ بناء أول مسجد بباريس, وافتتحه الشيخ العلوي في يوم الخميس 15 تموز / يوليو 1926, حيث قام بإلقاء خطبة الافتتاح.

‏‏من جهة أخرى, وُكِلت إلى المقدمين ذوي الأصل الأوربي مهمة إلقاء الضوء على ‏‏الإسلام في أوروبا, لأن بعض العقول المخربة كانت تردد أن الإسلام دين تعصب ودين دموي. كان إذا على المقدمين ‏‏التحدث مع الجميع دون تمييز بين العرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي, عليهم "التحدث مع مختلف الشعوب عن الإسلام".‏

و) التوفيق بين الإسلام والغرب

من الأكيد أن المبشرين بالمسيحية في شمال إفريقيا (الآباء البيض), كانوا على أكثر الترجيح سعداء بعملهم في بلاد القبائل, مما جعلهم يمثلون ‏‏خطرا حقيقيا على الهوية الإسلامية للقبائل الأمازيغية. وإذا كان الشيخ العلوي ومن خلال جريدة البلاغ قد هاجم هذه ‏‏الهيأة التبشيرية الناقلة لجراثيم التفكك الروحي لهوية القبائل الدينية من جهة‏, فإنه من جهة أخرى كان يدافع عنهم عند الحاجة, حيث كان يقول "أنه في الواقع إن الغالبية من هؤلاء ليسوا حتما أدوات ‏سياسية ‏لحكوماتهم, وأنهم غير راضين عن سياسة الاستعمار الانتهازية, ويحثون بلدانهم‏ بالتخلي عن المكاسب المادية لتكريس الجهود بكل جدية في سبيل معالجة المشاكل الأخلاقية ‏التي تعاني منها الشعوب المستعمرة".

كان الشيخ العلوي بعيد كل البعد عن الآراء المتطرفة التي تنقل أفكار عدائية تجاه المسيحيين, بل كان يريد صداقتهم "لو ‏‏وجدت مجموعة من الأشخاص التي تترجم عني إلى العالم الأوروبي, فإنه سيتعجب الجميع حين يدرك أنه لا شيء يفرق بين ‏‏الغرب والإسلام..."‏ ليس لأنه كان يرغب في إتحاد توفيقي بين المسيحية والإسلام, كما كتب ذلك "بروست- بيرابن", الذي صرح أن الشيخ كان يدرس مع ‏قس كاثوليكي من "جيريفيل"‏ الوسائل التي توفر الانسجام بين الإسلام والمسيحية, ولكن ‏بما أنه كان يكِّن ‏احتراما عميقا لأهل الكتاب, كان يبحث عن توافق في الحوار بين الفرنسيين الكاثوليك ‏والمسلمين, حيث طلب من النصارى "التخلي عن التثليث وكذلك التجسيد, فإن تم ذلك, فلا شيء يفرق بيننا أبدا". وقع هذا الحوار, في حقيقة الأمر, بين الشيخ والقس "جياكوبيتي" على جسر الباخرة في تموز / جويلية 1926, حيث كان الشيخ مدعوا لحضور ‏افتتاح مسجد باريس والآخر وجهت له دعوة ليلقي محاضرة "بلوفان" ببلجيكا حول الطرق الصوفية في الإسلام, ‏يقول القس "جياكوبيتي" في مذكراته :"وجدت الشيخ جالس على جلد الغنم, في مكان الهزات على جسر الباخرة التي تنقلنا إلى مرسيليا, وفي إطار الحديث قلت له إذا أراد أن يكون هذا السلام مع المسيحيين, كان عليه أن لا يطالبهم بالانتحار, لأنه يعني أن ينتهوا من أن يكونوا مسيحيين إذا تخلوا عن هذين السرين الرئيسين في دينهم... ثم تفارقنا على حسن الوداد‏‏".‏

 

ز) السنوات الأخيرة أو الإنهاك البطيء (1934/1932)‏

 كان الشيخ لا يأكل إلا قليلا من الطعام, كانت من عادته شرب لتر واحد من الحليب وبعض حبات الثمر الجاف, ولكن في الأعوام الأخيرة من عمره لم يكن يأكل إلا إذا اشتدت الحاجة الملحة للأكل لأنه لم يكن يجد في نفسه الحاجة إلى الطعام. إضافة إلى ذلك نجده يقول: "أن ‏تناول ‏اللحم جريمة, وأكل النبات هو ذاته اعتداء على الحياة, يجب امتداد الأخوة الإنسانية ‏للحيوانات ‏والنباتات, وإنه من الضروريات الفظيعة أن لا تستطيع الحياة في الاستمرار إلا على حساب الأشياء الحية, قطف ‏زهرة هي قمة القسوة".‏

عند منتهى حياته, وصل الشيخ العلوي إلى نوع من ‏ فكر "تولستوي" , "حيث الاستسلام للضرر يتلوَّن بالرحمة... ‏ بالرقة والعناية اتجاه الآخرين... منهم الحيوان والنبات أيضا..."‏

كان يستغرق أكثر من أي وقت مضى في الاسم الأعظم ولا يغذي نفسه إذا جاز التعبير, رغم إلحاح ‏الطبيب. كان على علم أن لحظة انتقاله اقتربت, ولكن على الرغم من اقترابه من الشيخوخة ونحولهالمزمن وإصابته بمرض الرّبو, كان يتابع في تربية تلامذته واستقبال تلاميذ جدد و الحديث معهم, ولكن لضعف القوى كان لا يطيل حضوره بينهم. ضعف قلبه‏ و‏أصبحت نبضاته غير منتظمة, وخلال عام 1932م غرق في نصف الغشيان.

 عندما وصل ‏الطبيب مارسيل كاري, بكل ‏استعجال, كان نبض الشيخ شبه غائب. بعد هذا الإنذار, تتابعت إنذارات كثيرة. فخلال تلك "السكنات القلبية" كان الشيخ يقوم بالتدريس من جديد, ويباشر توجيهاته الروحية. "يبدو أنه يتطلع إلى ‏النهاية ‏و ينتظرها بصبر. كل حياته الباطنية الحادة لا تظهر إلا من خلال لمح بصره. الجسم يبدو أكثر من وقت مضى كعضد يكاد يستنفد من لحظة إلى أخرى. صباح أحد الأيام, دعاني الشيخ, لم يكن ‏يبدو في حالة سيئة كالأيام السابقة, ولكنه قال لي: "هذا هو اليوم, أعدني ألا تفعل ‏شيئا واترك الأمور تنقضي". أوضحت له انه لا يبدو لي أكثر سوءا من أمس, ‏لكنه أصر: "أعرف انه هذا هو اليوم, ومن الضروري أن تتركني انتقل إلى الرفيق الأعلى". تركته وأنا كلي إعجاب, لكن كنت على شيء من الريب من ذلك, لأني شاهدت ذلك مرارا, عندما يكاد يفقد الحياة ثم ترجع إليه, ‏وهكذا سيكون هذا اليوم مثل المرات السابقة." بعد ساعتين من زيارة الطبيب, انتقل الشيخ إلى الرفيق الأعلى, استهلكت المشكاة كل ما تبقى لها من الزيت ‏‏وانطفأ النور صباح يوم السبت 14 تموز / يوليو 1934 الموافق للأول من ربيع الثاني 1335 من هجرة نبينا عليه الصلاة و السلام‏.

‏صورة تعبيرية للشيخ العلوي

"كان عليه جلباب ذو لون داكن وعلى رأسه عمامة بيضاء, مع لحية فضية, ونظرة مطَّلعة, وأيادي ‏طويلة كأنها ثقلت بفعل تدفق بركاته"

‏‏"كان مظهره يوحي بالضعف"‏

‏"يمكنني أن أضيف أنني وجدت نحافته قلقة"‏

‏"كان صوته وديع للغاية, كأنه شبه محجوب, ولا يتكلم إلا قليلا وفي جمل قصيرة... بصوت كأنه زجاج متصدع, يلقي ‏‏كلماته, قطرة قطرة, وكان لصوته نبرة استسلام وزهد, وبدا لي أن الأفكار التي ينقلها لنا صوته كأنها تجليات رقيقة وشفافة جدا"

‏‏"كان يتحدث مع كل أحد على حسب قدرته الفكرية واستعداده الخاص, وعندما يناقش مع شخص ما, كان يبدو على ‏هذا ‏الشخص كأنه الوحيد الذي أخلص له الشيخ محبته... ومع ذلك بدا لنا أن الشيخ كأنه مقصر قليلا وكأنه وضع اعتماده على ‏بعض الإمدادات الخارجية, ولكن في نفس الوقت كان يسيطر على القلوب ويفرض عليها وجهة نظره "

‏‏"لا يقول أبدا كلاما لا جدوى منه"‏

‏"كان ينبثق منه إشعاع استثنائي وجاذبية لا تقاوم. لنظرته الذكية والمستنيرة جاذبية فريدة ‏‏تكشف عن مهارة طبيب للقلوب والقوة الخالصة الوثيقة التي يتمتع بها. إنه لطيف جدا ومهذب ومتواضع, جميع أحواله تشير إلى أنه ميال للتسامح, إنه حقق بشكل يثير الإعجاب مضامين الولي الصالح العارف بالله. نشعر من جانبه إرادة صلبة وحدَّة لطيفة التي في لحظات قليلة ينهي من خلالها موضوع حواره. أما إذا ظهر منه حماس مفرط, فيظهر لي أنه ليس ذلك كله منبعث من علم الباطن أكثر من إشعاعه الخاص"‏

"إن الإشعاع الذي ينبعث منه عند قدومه على جلساءه جلُّي إلى درجة أنه لما يغادرهم بالإمكان جذبهم من وراءه إلى ‏الشارع بشكل لا يمكن مقاومته"‏

"وكان قد انتهى من استعمال سيدي محمد (ابن أخيه) كمترجم في محادثتنا الخاصة ومع ذلك كان هذا الأخير دائما متواجدا عند كل اجتماع لي معه. كنا نتحدث عادة بالفرنسية ولم يكن سيدي محمد ليتدخل إلا إذا وجد الشيخ نفسه عاجزا عن إبداء رأي معين له باللغة المذكورة."

‏‏"كان فضوله الفكري ينضج كل يوم إلى أن تلفظ أنفاسه الأخيرة, كان أحد المتحمسين لتقصي ‏‏الغيبيات. جاب كل المسائل وقليلا منها التي لم يتطرق لمعالجتها, يؤججها بلون أرجواني بمنطقه الرشيق والطفيف. كلامه الفلسفي الأفلاطوني كان أنيق ورائع وكانت مخيلته مندفعة ومتألقة في غاية التفاوت, يحل بضربة من جناح في مناهج صعبة. ‏ومن شدة تحمسه للأفكار كان يفرض ذلك عليه أن يهدأ من حماسه لها ويوفق ما بينها ثم يجعلها في تركيب فسيح المعاني".

‏"لديه معرفة واسعة وبلاغة فريدة وثاقبة"‏.

‏"تحصل حتى على حب المراقبين له الذين اتصلوا به للتجسس عليه عن قرب, وعادوا منبهرين متحلُّين بلباس العقيدة و‏مقيَّدين هم الآخرون أيضا بهذا الأثر من الروح والقلب الذي ذهب الشيخ بسره"‏

الشهادة الغير معترض عليها للأب جيكوبيتي التي يجب إثباتها من بين أمور أخرى,والتي تتعلق بالطريقة التي كان الشيخ ‏العلوي يجلس عليها, والتي تتطابق تماما هي الأخرى مع التجرد المتعلق بالإطار الذي عاش فيه الشيخ جل حياته الخمسينية والتي بشأنها نقل لنا الطبيب مارسيل كاري وصف دقيق... "كانت الحجرة التي أدخلت إليها مثل غيرها من الحجرات في بيوت المسلمين, عارية من الأثاث و لم يكن بها سوى صندوقين (عرفت فيما بعه أنهما كانا مليئين بالكتب و المخطوطات), ولكن الأرضية كانت مغطاةمن أولها لآخرها بالسجَّاد والحصائر وفي ركن من الحجرة جلس الشيخ على مرتبة تغطيها بطانية".

من هذه الخلوة, كانت تنبعث بوفرة هالة من قذائف المحبة التي كانت تصل بالأولوية إلى أتباعه الفقراء. يوما ما بينما كان الشيخ منشغلا بالقراءة, دخل عليه أحد أتباعه وذكر له أن أخا لهم قام بعمل خطير, لكن الشيخ استمر في القراءة وكأن ‏شيئا لم يكن, فأعاد التلميذ قائلا: "سيدي, فلان أخطأ ‏!", لكن الشيخ تابع القراءة ثانية, فأصر التلميذ بكل قواه تبليغ الوضع المستنكر لأخيه المخطئ, ‏ثم فجأة, وضع الشيخ العلوي الكتاب على ركبتيه وترك نظارته ‏ونظر إلى تلميذه وسأله : "لما ينام أخاك على حافة الطريق وتقوم الريح بتحريك قميصه وتكشف عنه عورته, هل تستره وتسدل عليه قميصه أم ترفعه لتكشف عنه أكثر؟", فرد التلميذ بخجل: "سيدي, أستره", فقال له الشيخ : "إذا أستر, أستر أخاك, أستر".‏

حتى معارضيه و من بينهم أعداءه هم الآخرون وجدوا أنفسهم معَرَّضين رغما عنهم لهذه المحبة. ‏رئيس ‏تحرير جريدة "الشهاب", عبد الحميد ابن باديس, الذي لم يرفق بالشيخ العلوي في جريدته, ولم يكن يدعأية فرصة ويستثمر كل مناسبة ‏لانتقاد ‏الشيخ العلوي, لأن بالنسبة لابن باديس جميع شيوخ الزوايا ملة واحدة وفصل "الحنطة من الزُّؤَانُ" لا يشكل جزءا من شواغله الرئيسية. إذا كثير من ‏الأحيان كانت تتجه سهام "الشهاب" نحو ‏الزاوية العلوية بمستغانم بهجمات قلَّما تخلو من شدة العنف والذي دفع جريدة الشيخ العلوي "البلاغ الجزائري" بتجنب هذه ‏‏الهجمات بالردود. ولكن جاءت مناسبة غير منتظرة, تلقى الشيخ العلوي وكذلك ابن باديس دعوتان لحضور عرس ‏بمستغانم ووجدوا أنفسهم وجها لوجه, وكان ذلك في عام 1931م, فاستضاف الشيخ العلوي معارضه إلى زاويته, فقبل ابن باديس ‏الدعوة. يمكن لنا قراءة ما جاء في جريدة "الشهاب" ما أعقب عن هذا الاجتماع : "دعانا الشيخ سيدي أحمد بن عليوة إلى العشاء عنده والشيخ الحاج الأعرج بن الأحول شيخ الطريقة القادرية إلى الغذاء، فلبينا دعوتهما شاكرين، وفي حفلة العشاء عند الشيخ سيدي أحمد بن عليوة حضرها من أعيان البلد ومن تلامذة الشيخ ما يناهز المائة، وبالغ الشيخ في الحفاوة والإكرام، وقام على خدمة ضيوفه بنفسه، فملأ القلوب والعيون وأطلق الألسنة بالشكر، وبعد العشاء قرأ القارئ آيات، ثم أخذ تلامذة الشيخ في إنشاد قصائد من كلام الشيخ ابن الفارض بأصوات حسنة، ترنحت لها الأجساد، ودارت في أثناء ذلك مذاكرات أدبية في معاني بعض الآيات زادت المجلس رونقا. ومما شاهدته من أدب الشيخ وأعجبت به أنه لم يتعرض أصلا لمسألة من محل الخلاف يوجب التعرض لها على أن أبدي رأيي وأدافع عنه، فكانت محادثاتنا كلها في الكثير مما هو محل اتفاق دون القليل الذي هو محل خلاف, وانصرف المدعوون ونحن من جملتهم شاكرين فضل حضرة الشيخ وأدبــه ولطفه وعنايته، كما شكرنا أدب تلامذته وعنايتهم بضيوف أستاذهم وخصوصا الشيخ عــدة بن تونس تلميذ الشيخ الخاص."

لكي نتأثر‏ بمثل هذه الآداب أمام أحد أبرز الخصوم, من الضروري أن يتوفر أكثر مما يعرف بالدبلوماسية, ‏من ‏البراعة في التعامل, من الذكاء, يجب أن يكون القلب مسكونا بالحب وانه لم يكن رد "البلاغ الجزائري" موجها لشخص ابن ‏باديس نفسه.

حتى غير المسلمين شاهد على هذا الحب. عندما ذهب الطبيب كاري لعيادة الشيخ ‏لأول مرة, يقول :"أحضر أحد التلاميذ صينية كبيرة من النحاس عليها بعض الكعك والشاي تنبعث منه رائحة النعناع, ولم يتناول الشيخ شيئا بل دعاني إلى شرب الشاي ثم نطق بالبسملة نيابة عني عندما هممت برفع الفنجان إلى شفتي".

طلب البركة أي (الفيض الإلهي) لغير المسلمين, أليس ذلك تعبيرا صامتا عن حب عميق صادق لشخص لا يعرفه بعد. لا أحد يمكن له أن يقول أنه ربما ‏كان ذلك من حسابات الشيخ لطلب البركة للذي جاء لمعالجته كرمز جزائي. ‏ولكن شهادة الطبيب صريحة : "لم يرسل في طلبي لأصف له دواء لحالته كما قيل لي, سوف يتناول بكل تأكيد الدواء لو أنني رأيت أن ذلك ضروري ومفيد وحتى لو اعتقدت أن هذا سوف يعمل على تحسين صحته ولكنه لم تكن له أيه رغبة قوية في هذا. كان يريد أن يعرف بكل بساطة ما إذا كان ذلك المرض الذي ألَّم به منذ أيام قليلة مرض خطير من عدمه. وقد اعتمد علي في أن أصارحه وألا اخفي عنه أي شيء فيما يتعلق بحالته,أما ما عدا ذلك فقد كان في نظر ألشيخ قليل الأهمية أو معدومها".‏‏‏بالطبع هذا الحب كان يستبعد في نفسه كل لون من أشكال العنف, الذي كان يبغضه.

"وازداد لذلك شغفي واهتمامي بالشيخ، أن يوجد مريض لم يفتنه العلاج والتطبيب فهذا ‏أمر نادر حقا, ولكن أن يوجد مريض لا ‏يشعر برغبة ذاتية ‏في تحسن حالته وكل ما يريده هو أ‏ن يعرف ‏موقفه من المرض ليس إلا, فهذا ما يفوق في ندرته أي شبيه آخر".

"عيناه كأنهما ‏‏مصباحين مقبورين, لا يبدو أنهما يريان شيئا دون الانقطاع لشيء ما, ولكن الكل بالنسبة لهما حقيقة واحدة المتمثلة في ما لا نهاية عبر الأشياء أو ربما لا شيء في مظهر الأشياء. نظرته منتصبة, صعبة شيئا ما بسبب جموده ‏المبهم ولكنها مليئة بالشفقة".

"وغالبا ما كانت عيناه تتسع فجأة كأنه أصابتهما دهشة أو جذبهما مشهد ‏رائع. كأن إيقاع الأناشيد والاهتزازات وطقوس العبادة لا تفارق باطنه الذي يتذبذب بدون نهاية. في بعض الأحيان كان يهز رأسه هزاً باطنيا ‏بينما قلبه مستغرق في الأسرار المطلقة للأسماء ‏الإلهية أثناء الذكر. يجتابنا انطباع بحالة وهمية من ناحيته حين يبدو بعيدا عنا, مغلقا, غير‏ مدرَك في كل بساطته المجردة".‏

"لا احد يستطيع التشكيك في صدقه, في أمانته الروحية. كان إيمانه فياضا ومتواصلا مع الغير في ألحان متدفقة. كان ينتمي إلى هذه الفئة من الأرواح المتكاثرة في شمال إفريقيا والتي يمكن لها أن تمر ‏دونمرحلة وسيطة من الحلم إلى التصرف, من استحالة التقدير إلى الحياة, من التحرك العظيم للأفكار إلى ‏النظر المجهري في سياسة فرنسا نحو ‏سكان البلاد الأصليين".‏

‏"من أول اتصالي به, جاءني انطباع أنني أمام شخصية غير عادية".

‏"كان محاطا بالتبجيل الذي يجب نحو الأولياء الصالحين... كالذي أحاط الصالحين من العصور الوسطى أو نبّي من الأنبياء الساميين".‏

 "جلس الشيخ على ذلك الفراش وكان مستندا بظهره إلى بعض المساند معتدلا في جلسته متربعا، وقد ألقى يديه على ركبتيه, كان في جلسته ساكنا سكون القديسين لأبعد الحدود ولكن ينتابنا شعور أنها جلسة طبيعية. أول ما راعني فيه هو ‏‏وجه الشبه بينه وبين المسيح حسب ما اعتدنا رؤيته على اللوحات التعبيرية. فملابسه قريبة الشبهإن لم تكن مطابقة تماما لتلك التي لا بد وان المسيح اعتاد أن يرتديها, وذك الغطاء الأبيض من النسيج الدقيق جدا الذي وضعه على رأسه والذي يكتنف وجهه, منظره بوجه عام وكل شيء فيه كان يتمر على دعم هذا الشبه وإظهار هذا التطابق. وخطر لي أن المسيح لا بد أنه كان كذلك وهو يستقبل تلامذته فترة إقامته عند مارتا ومريم العذراء. تساءلت حينها ما إذا كنت ضحية خيالي. فذاك الوجه المسيحي ونغمة صوته الهادئة واللطيفة ‏وأخلاقه الكريمة, يمكن أنها مارست علي تأثيرا ايجابيا, ‏سمحت لي مناسبة افتراض روحانية ربما لم تكن موجودة. ربما كانت جلسته عن طوع إرادته مخضعة لتدبير ما, ‏وتحت هذا المظهر الذي يبدو وكأنه يحجب شيئا معين أو ربما ليس هناك أي شيء. ‏ولكن بالمقابل ظهر لي في غاية البساطة ‏والطبيعية بحيث تمادى أول انطباعي والذي تأكد لي بعد ذلك".‏

هذا الانطباع كان صادقا حيث أن الطبيب كان يجهل كل شيء عن الشيخ قبل أن يراه.

"كيف يمكن لنا نسيان ‏هذا ‏المظهر من المفارقة التأريخية المؤثرة, هذا الشيخ المسن الناعم والعصيب في نفس الوقت, يبدو وكأنه خرج من الكتب السماوية القديمة أو من القرآن... والذي ينبعث منه شيئ من البيئة العتيقة والصافية من زمن سيدنا إبراهيم الخليل".‏

خلاصة

يعتبر الشيخ أحمد العلوي بذكائه النادر الذي وصل إلى أعلى قمم المعرفة الروحية ومناهج الحكمة, وصل بفضل الله و بإرادته وخصوصا بفضل استعداداته الطبيعية, على عكس تأكيدات "أوغسطين برك" و "غاردي و الناواتي", الشيخ لم يسافر إلى إيران و لا حتى إلى الهند ولم يكن في هذه المناطق النائية ليطلب تعلم اليوجا و الشرب من كأس الحكمة.

فمستغانم فقط كانت مكان سلوكه و بدايته المحرقة و رسوخه في الطريق و نهايته المشرقة, لان عدد الرحلات التي قام بها لم تكن لتسمح له سوى بالانشغال ببناء و فتح زوايا جديدة, و الاجتماع بمريديه و الذين يعدون بالمئات أو الآلاف ثم تذكيرهم بمراحل سيرهم و استقبال مريدين جدد. على أية حال, لم تكنتلك الأيام كافية لتمكنه من اكتساب بعض المعرفة, ثم إن قصده الديار المقدسة للحج و الرحلة التي قطعها على نفسه في المشرق العربي لم تتعدى أربعة أشهر. أما الرحلات اللاتي قام بها في الجزائر , تونس , طرابلس , إسطنبول, قصيبة المديوني, باريس وفاس لم يلتمس فيها أية فائدة تذكر, و لم تدم سوى أيام أو أسابيع على الأكثر. ليس هناك أي فترة مبهمة من حياته بالنسبة لنا, بفضل مختلف الشهادات اللاتي تحصلنا عليها, و تفرغنا عمليا بإعادة صياغة جميع الخطوط العريضة في ترجمته.

جميع الشهادات المنبثقة بالإضافة إلى ذلك, من شخصيات مستقلة عن الطريقة تأكد على أن الشيخ لم يكن منتحلا , و أن حياته الشخصية المتواضعة كانت صفحة بيضاء لا يشوبها عيب يذكر, دون أدنى ترف و باتساع عقله و روح التسامح لديه فاجئ جميع الزوار الأجانب.

كان يحظ على نسيان الإهانات, والحاجة إلى التسامح والحب بين المسلمين , بين كل الأجناس , إن فيوضاته تجمع بالحب بين الإنسان والحيوان والنبات, ثم إنه نجح في الإرشاد إلى المحبة الإنسانية و خاصة ممارستها عالميا و كونيا.

عقل حاد, كان يستطيع التحكم بدقة فائقة في مسائل صعبة, و كان حساس لمعاناة الجميع وكان يظهر حقيقة كحامل بريق الولاية تهدف إلى صهر الانتهاكات المتجلية في جدران المبنى الكوني. ولا شك انه ليس من المبالغة إن أكدنا أن الشيخ احمد العلوي كان من الرجال العظام الذين شهدهم القرن العشرين. بأثرهالراسخ على المجتمع , و تأثيره الدائم على كل من اقترب منه, و نشره روح التسامح و تعاليمه العالمية, و كان من اكبر دعاة السلام بين جميع المخلوقات , و للأخوة المترابطة بين البشر الذين كان يرى عمق معاناتهم و التي رسخ طول حياته لاستيعابها ودعوة الناس إلى طريق الله , إلى الله , و إليه المنتهى.

باختصار, في الوقت الذي نشهد فيه الانتصار المادي الأعمى الذي يؤدي حتما إلى تدمير الجنس البشري , فإن شعلة العلم و المعرفة و النور كانت مرفوعة و مشدودة بقوة من طرف الشيخ احمد العلوي.

 

ترجمه إلى العربية درويش العلوي (أحباب الشيخ أحمد العلوي – العلاوي) رضي الله عنه كاملة من الفرنسية, وهذه الترجمة للشيخ العلوي بقدر ما هي وافية فهي غزيرة التفاصيل عن حياته وأعماله انقلها لكم راجيا من المولى ان يتقبلها خالصة لوجهه الكريم ومحبة لوليه الكبير سيدي ومولاي الشيخ احمد بن مصطفى العلوي الحسني رزقنا الله رضاه, آمين. كتبها الدكتور صلاح خليفة (العلوية و المدنية من مصادرها المباشرة إلى الخمسينات) أطروحة للحصول على دكتوراه الدولة في الدراسات العربية والإسلامية. جامعة ليون جان مولان.