ابن يوسف (1274 - 1358 هـ) (1863 - 1939 م)
محمد بن يوسف، من كبار أعلام تونس في العصر الحديث، وهو إلى جانب مكانته العلمية له ميل إلى الأدب، يطالع الكتب، وينظم الشعر، وله ذوق أدبي رفيع.
ولد بمدينة تونس، وكان والده يوسف بن إبراهيم جنديا من ضباط الأمن العام بالمدينة، ينتمي إلى أصل جركسي، دخل المترجم الكتاب فحفظ القرآن العظيم، وأتقن مبادئ العلوم، ثم دخل جامع الزيتونة، فأقبل على طلب العلم بهمّة ونشاط وانقطاع عن كل ما يشغل أو يضيّع الوقت حتى اتخذ لنفسه بيتا بالمدرسة الباشية اقتصادا في أوقات الذهاب والإياب بين منزله والجامع، فكان يقضي يومه بين الجامع والمدرسة والمكتبة العبدلية الزيتونية، ولم يكن يدخل منزل والده إلا ليلا عند انتهاء أشغاله العلمية.
قرأ على المفاتي أحمد بن الخوجة، وحسين بن حسين، ومحمد النجار، ومحمد بيرم، وسالم بو حاجب، والمشايخ: عمار بن سعيدان، ومحمد الشاذلي بن القاضي، وغيرهما، واجتاز امتحان شهادة التطويع سنة 1297/ 1866، ونجح بتفوق، ونال الإعجاب والتقدير، واستقرت منزلته العالية في نفوس المشايخ النظّار (المشرفين على إدارة الجامع المسماة بالنظارة العلمية) إلى أن حصل شغور في التدريس من الطبقة الثانية، ولم تمض على نجاحه في امتحان شهادة التطويع أشهر عديدة فانتخبه النظّار لخطة التدريس من الطبقة الثانية سنة 1298/ 1867، وانتقل إلى التدريس من الطبقة الأولى سنة 1311/ 1880، واشتغل بالعدالة (التوثيق) حتى عدّ من أشهر الموثقين وأفقههم بالإجراءات على المذهب الحنفي، وزاد اشتهارا بذلك عند ولاية صديقه الشيخ إسماعيل الصفائحي خطة القضاء الحنفي واعتماده عليه في تهيئة النوازل للقضاء، ثم عمل عدلا بجمعية الأوقاف، وترقّى من ناظر العدول بها إلى خطة كاتب أول، ثم سمي عضوا بمجلس الجمعية على عهد الرئيس البشير صفر، وحاز شهرة علمية فائقة، ودعي سنة 1316/ 1896 للسفر إلى باريس لتمثيل جامع الزيتونة في مؤتمر المستشرقين، وكان سفره بصحبة صديقه الشيخ محمود بن محمود، والمستشرقين الفرنسيين برنار روا الكاتب العام للحكومة التونسية، ولويس ماشويل مدير العلوم والمعارف، وفي هذه الرحلة قلّد وسام العلوم من الدرجة الأولى، كما سمي عضوا في مجلس إصلاح التعليم بجامع الزيتونة مرتين الأولى سنة 1328/ 1908، والثانية سنة 1342/ 1924، وعضوا في لجنة إصلاح نظام العدول التي انعقدت برئاسة المقيم العام لوسيان سان، وصدر عنها الأمر المؤرّخ في محرم سنة 1348 المعمول به الآن في نظام الإشهاد العام.
وفي حدود سنة 1317/ 1897 قام برحلة زار فيها مصر، وإستانبول، ولقي العلماء منهم الشيخ محمد نجيب المطيعي الذي كان يحبه ويعجب به.
أما عمله في دار الشريعة فقد ولي خطة الإفتاء سنة 1334/ 1894، فأظهر البراعة في التطبيق والضلاعة في جلب النصوص الفقهية، والنظر الدقيق في طرق الإجراءات وسير النوازل، وكانت له مواقف شهيرة في العمل لمخالفة طرائق الفقهاء بالقضاء لا يقرّها التحقيق ولا التطبيق.
«ولما أسندت إليه مشيخة الإسلام الحنفية قام بأعبائها سبع سنين في نشاط لائق وحكمة في إدارة المجلس الحنفي ودقة في إجراء النوازل لا تبقي وراءها مجالا للنظر، واستمر قائما بأعباء هذا العمل إلى أن اختاره الله لجواره صباح يوم الخميس في 25 شوال 1358، ورفع جثمانه من منزله صباح الجمعة بمحضر الأمير أحمد باشا باي الثاني، وصلّى عليه بساحة القصبة، ودفن بمقبرة الزلاج.
وهو في الأدب كثير الميل إلى الناحية الفنية، ولذلك كان يتعصب للشعر الأندلسي، ويعكف على مطالعة نفح الطيب، ويذهب مذهب الأندلسيين في تفضيل طريقة البحتري على طريقة أبي تمّام والمتنبي، فكان يرى أن العمل الفني الشعري هو العمل الذي يعدّ ابتكار المعنى من اختيار الألفاظ والذوق في تركيبها وصبغ التركيب صبغة تحسين بها تلقي النفوس للمعاني التي يريد الشاعر أداءها، فذلك هو الفن الشعري عنده، وذلك هو عمل الشعراء الذين تفاوتوا في إجادته، وكان يرى أن للأذن حكما لا يرفض في هذا الغرض.
قام بتدريس مقامات الحريري بجامع الزيتونة في حدود سنة 1315 «وعلى أصوله النقدية هذّب شعره ونثره حتى أتى في النثر بالمتين المعجب، وفي الشعر بالرقيق المغرب».
مؤلفاته:
1) رسالة أدبية حرّرها لأحد أصدقائه يردّ مذهبه في تفضيل المتنبي على البحتري، ويوضّح أن مدار جودة الشعر في نظره على الرقة والسلامة.
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الخامس - من صفحة 150 الى صفحة 152 - للكاتب محمد محفوظ