ابن أبي لحية (كان حيا 1032 هـ) (1622 م).
المنتصر ابن المرابط أبي يحيى أو أبي لحية القفصي، كان صوفيا من أتباع الشيخ أبي الغيث القشاش، وشيخ زاوية القشاشين بقفصة، لا نعلم من حياته شيئا إلاّ ما ذكره هو في كتابه، وأمه عائشة أخت أحمد البرجي شيخ زاوية أسلافه بقفصة. وكان صديقا ومريدا لأبي الغيث القشاش ودعا أهل قفصة لاتباع طريقة هذا الشيخ، وأسس بقفصة زاوية باسم أبي الغيث القشاش. وكانت عائشة مثل أخيها معروفة من الشيخ أبي الغيث القشاش وأسرته وأقامت عندهما مرات، وكان لهما اعتبار إزاءها لأنها من عائلة مرابطية، وهذا من جملة الأسباب التي دعت أبا الغيث إلى تسمية المترجم خلفا لخاله وصهره أحمد البرجي بعد وفاته بالرغم من معارضة بعض فقراء قفصة وبعد وفاة والد المترجم أبي لحية لم يقم أبو الغيث وزنا للتحفظات المحلية، وسمى ابنه المنتصر في الوظائف التي كان يمارسها أبوه.
والمترجم لا يعلمنا إلاّ قليلا بالدراسات التي تلقاها، استظهر القرآن لأنه معدود من حملة القرآن، وحفظ بعض المتون في النحو والفقه، وحضر دروسا في الحديث، وحضر بانتظام في زاويتهم بقفصة وزاوية أبي الغيث بتونس حلقات الذكر. وأسلوب كتابه نور الأرماش يدل على أن تعلمه لم يكن عميقا.
وإدارة الزاويتين بقفصة زاوية القشاش وزاوية البرجي لم يلتهما كل وقته فإنه مارس نشاطات أخرى، كاحتراف التجارة في الصوف وأغطية الصوف المصنوعة بقفصة المشهورة والمطلوبة في العاصمة ولعله كان ينسجها بنفسه وكان كثير التردد على العاصمة لبيع وإهداء ما عنده من أغطية ويحمل منسوجات أخرى من الجريد والتمر.
ولا نعرف شيئا عن علاقاته بالمخزن التركي وتداخل أبو الغيث لدى مراد باي لإطلاقه من سجن قفصة الذي قضى به شهرين.
له نور الارماش في مناقب أبي الغيث القشاش أتم تأليفه بعد وفاة أبي الغيث القشاش بعد نحو أحد عشر شهرا أو عام وأبو الغيث توفي في الثالث من ربيع الثاني سنة 1031/ 10 فيفري 1621 فيكون الكتاب ألّف ما بين صفر وربيع الأول /1022 ديسمبر 1622 جانفي 1623.
والكتاب يحتوي على خمسين فصلا، ولكل فصل عنوان، والكتاب خليط من الذكريات الشخصية وحكايات حكاها راو، وفيه كثير من التكرار، ولغته يشوبها غموض، وهي وسط بين الفصحى والدارجة ويمكن بشيء من الصبر جمع معلومات هامة من هنا وهناك عن عصر ليس لنا فيه أي تأليف تاريخي معاصر والكتاب يجلي شخصية أبي الغيث القشاش ودوره التاريخي، وصلاته السياسية مع السلطان العثماني وفي تونس له شبكة من الأتباع والمراسلين يغطون كامل البلاد. وهذا النفوذ والتأثير يثيران الحكام الأتراك، وقوة أبي الغيث سمحت للحد من قوة الديوان والدايات في القرن الحادي عشر ويؤخذ من الكتاب أن مساجد وزوايا تونس وغيرها لها أوقافها التابعة لأبي الغيث ويقوم بشئونها لأن الميليشيا الرسمية لا تهتم غالبا إلاّ بنقل ريع الأوقاف إلى أعضائها الأقوياء أو الأكثر جسارة وفي عمل أبي الغيث معارضة للإفراط في السلطة.
توجد من الكتاب ثلاث نسخ بالمكتبة الوطنية أصلها من المكتبة الأحمدية الزيتونية
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الرابع - من صفحة 211 الى صفحة 212 - للكاتب محمد محفوظ