محمد حسين زيدان
أصفر اللون، متوسط القامة، واسع العينين، حليق اللحية والعارضين، كان نحيف البدن في شبابه فلما علمت به السن صار أقرب إلى الامتلاء، وفي السنوات الأخيرة من عمره عشي بصره فكان يرى الأشباح ولكنه لا يميز التفاصيل، ولكن مرض عينه لم يقعده عن الحركة والعمل، فكان يملي ما يريد أن يكتب، ويزور من يحب زيارته وكان يرافقه غالبا صديق عمره السيد يسن طه، مد الله في حياته.
ولد بالمدينة المنورة سنة 1325 للهجرة، وتلقى تعليمه في الكتاب مثل أبناء جيله في ذلك الزمن، والتحق بالمدرسة الراقية الهاشمية وتخرج منها سنة 1343 هـ كما درس على المشايخ في حلقات المسجد النبوي الشريف، وعمل بالتدريس في المدرسة السعودية بالمدينة مدرسا للمواد الدينية والتاريخ سنة 1346 هـ، ثم قام بتدريس العقيدة السلفية في دار الأيتام بالمدينة المنورة، ثم عين مديرا مساعدا لها واستمر عمله بالتدريس إلى سنة 1358 هـ.
وانتقل الزيدان من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة سكرتيرا لشيخ مشايخ الجاوه الشيخ/ حامد عبد المنان في النصف الثاني من الخمسينات ولعل ذلك كان سنة 1358 هجرية.
ثم انتقل إلى العمل الحكومي عام 1358 هـ، فعين سكرتيرا للمجلس المالي بوزارة المالية، فرئيسا للقسم الحسابي، ثم رئيسا للمحاسبة.
ثم عين مديرا عاما مساعدا لمديرية الحج بمكة، وانتقل بعدها مديرا لمالية مكة، ثم مديرا عاما لشئون الرياض، ثم مفتشا عاما للحج.
وترك العمل الحكومي في سنة 1374 ليتفرغ للعمل الصحفي فشغل منصب مدير تحرير جريدة البلاد، ثم رئيسا لتحريرها، كما ترأس بعدها تحرير جريدة الندوة وكان خلال رئاسته لتحرير الصحيفتين وبعدها كاتبا بارزا في الصحف، وفي صحف المنطقة الغربية خاصة.
كان الزيدان يرحمه الله صاحب ثقافة موسوعية، وكان فصيح اللسان قوي الجنان خطيبا مفوها، إذا اعتلى المنبر ارتجل فأسمع وأبدع، وحينما بثت الإذاعة ثم التلفزة برامجها كان هو أحد فرسان الكلمة، بل كان من أحب المتحدثين إلى السامعين والمشاهدين، وإني لأذكر برنامجه الناجح في سير الصحابة الذي كان يبثه التلفاز في شهور رمضان لسنوات مضت، ثم توقف مع أنه كان من أنجح البرامج التلفزيونية وأحبها إلى الناس.
وقد جمع الزيدان يرحمه الله أحاديثه في هذا البرنامج وأضاف إليها ما يماثلها ونشرها في كتاب سماه (سيرة بطل) وحينما تأسست رابطة العالم الإسلامي عمل الزيدان مساعدا لأمين عام الرابطة.
وحينما أنشئت دارة الملك عبد العزيز بالرياض عين عضوا في مجلس إدارة الدارة، وكان لمكانته الثقافية أكبر الأثر في اختياره لهذا المنصب.
ثم عين رئيسا لتحرير مجلة الدارة، وهي مجلة تعني بالآثار التاريخية للمملكة سياسية وثقافية وعمرانية، وكان الزيدان يرحمه الله يمثل مجلة الدارة في الندوات العلمية والمؤتمرات أصدر الزيدان ثمانية عشر كتابا نورد أسماءها فيما يلي:
مؤلفات الزيدان
- سيرة بطل.
- أشياخ ومقالات.
- تمر وجمر.
- محاضرات في الثقافة.
- بنو هلال.
- عبد العزيز والكيان الكبير.
- المنهج المثالي لكتابة التاريخ.
- صور.
- كلمة ونصف.
- خواطر مجنحة.
- قضايا ومقالات في الشرق الأوسط.
- العرب بين الإرهاص والمعجزة.
- رحلات الأوربيين إلى نجد وشبه الجزيرة العربية.
- ذكريات.
- فواتح مجلة الدارة.
- مع الأيام.
- المقالات.
مخلاة الكاتب كشكول القارئ، وقد صدر منه الجزء الأول والثاني، وهناك خمسة أجزاء معدة للطبع كما ذكر لي نجله الكريم الأستاذ/ حسين زيدان.
ذكرياتي عن الزيدان
عرفت الأستاذ/ محمد حسين زيدان أول ما عرفته كاتبا في الصحف يتميز بأسلوب فريد، فقد كان أحد كتاب جريدة المدينة المنورة حين صدورها في 25 محرم سنة 1356 هـ بل كان أحد أفراد هيئة التحرير، كما ذكر الأستاذ عثمان حافظ.
كما أنه كان يرسل مقالاته إلى جريدة صوت الحجاز في مكة المكرمة.
وعرفته كذلك من رسائله التي كان يبعث بها إلى الشيخ محمد سرور الصبان الذي كان يتلقى الرسائل من الناس على مختلف طبقاتهم، حينما كنت أعمل سكرتيرا خاصا له منذ نهاية ب عام 1355 هـ في مكة.
وحينما وصل الزيدان إلى مكة سنة 1358 هـ للعمل في مكتب الشيخ حامد عبد المنان شيخ مشايخ الجاوه إذ ذلك كان يسكن في بيت الشيخ حامد عبد المنان في سوق الليل، وكان منزل الشيخ محمد سرور يرحمه الله على بعد خطوات من منزل الشيخ عبد المنان.
وكان الزيدان يتردد على مكتب الشيخ/ محمد سرور، وكنت أرى الزيدان كثيرا في تلك الأيام.
كان قد ترك المدينة المنورة، وله فيها ذكريات وصداقات، ذكريات عزيزة وصداقات حميمة، وكان يشعر بشيء من الوحشة أول مقدمه إلى مكة، وكان يتحدث عن المدينة والعواطف تتدفق في كلماته، والشوق يتجلى في ذكرياته، فكان يخرج معنا في الأصائل والأماسي إلى ظاهر مكة في المسفلة وجرول، وكنا مجموعة من الأدباء الشباب اتفقت مشاربهم، وتشابهت آمالهم، يتحدثون عما قرأوا ويزجون أوقات فراغهم في هذه المجالس التي تضمهم في المساء وصدر الليل.
وحينما حل الصيف كان الزيدان أحد أفراد هذه المجموعة التي تجتمع أصيل كل يوم في الطائف في قروة في سفح جبل السكارى، وفي الفضاء الفسيح الممتد أمام الثكنة العسكرية هناك.
وحينما دعوته أول مرة إلى بيتي في الطائف، ورأى الجبل شامخا وهو يجلس في الروشان قال لي أن هذا المنظر يذكرني بالمدينة وجبالها.
ما أكثر ما كانت المدينة في قلب الزيدان وفي روحه يرحمه الله، وكتابه ذكريات العهود الثلاثة من أمتع ما كتب عن المدينة وسأتحدث عنه حينما نتحدث عن مؤلفاته يرحمه الله.
وفاة الزيدان
مرض الزيدان وتردد على المستشفيات، وكان في أيامه الأخيرة قد غشيته كآبة رانت على نفسه، وتوفي صباح السبت التاسع والعشرين من شهر شوال سنة 1412 هـ، تغمده الله برحماته الواسعة، إنه كريم رحيم.
يوجد له ترجمة مطولة في كتاب أعلام الحجاز، تأليف محمد علي مغربي الجزء الرابع – ص 220 - 230.