محمد عبد القادر مغيربي فتيح
وصفه
أبيض اللون، متوسط القامة والبنية، حسن الملامح، تزين وجهه لحية صغيرة، متوقد الذكاء، في وجهه إباء وشمم، تلمح في أحاديثه ما وهبه الله من ثقافة ومعرفة، يرتدي العباءة العربية والعقال.
ولادته وتعليمه
ولد الشيخ محمد بن عبد القادر مغيربي بالمدينة المنورة وكان والده قد هاجر إليها قبل .. ولد في الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة 1318 هـ، وتلقى تعليمه الابتدائي بالمدينة المنورة فحفظ القرآن الكريم على يد الشيخ إبراهيم طرودي وجوَّده على يد الشيخ إبراهيم فقيه، ودرس الفقه والتوحيد، ومبادئ الصرف والنحو على يد المشايخ محمود عبد الجواد والشيخ المعصوم والشيخ محمد سعيد مدرِّس، كما درس الخط ومبادئ اللغة التركية على الأستاذ محمد أمين عيسى روحي وكان يتلقى دروسه في المسجد النبوي الشريف، وفي المنزل.
والتحق بالمدرسة الإعدادية العثمانية بالمدينة المنورة، وكانت تسمى إذ ذاك المدرسة الرشدية، بعد نجاحه في امتحان الشهادة الابتدائية، وقد أتم دراسته في المدرسة الإعدادية هذه بعد أن تدرج في المرحلة الإعدادية المتوسطة والعلمية النهائية، كما درس السنة التجهيزية التي تعادل في الوقت الحاضر الشهادة الثانوية.
اجتاز الشاب محمد المغيربي الاختبار النهائي للمدرسة الإعدادية العثمانية بالمدينة المنورة بتفوق ملحوظ فكان من أوائل المبتعثين في ذلك العهد لتلقي تعليمه العالي في كلية صلاح الدين الأيوبي بالقدس، وكانت هذه الكلية قد افتتحت بالقدس استعاضة عن الكلية الإسلامية التي تقرر إنشاؤها في المدينة المنورة في العهد العثماني، ويبدو أن ظروف ذلك الزمان حالت دون إنشاء هذه الكلية في المدينة فاستعيض عنها بكلية صلاح الدين الأيوبي في القدس.
كانت مطامح الشاب محمد المغيربي كبيرة، وكان حلمه الأكبر أن يتعلم الطب، ولما لم يكن في كلية صلاح الدين الأيوبي بالقدس ما يحقق هذه الآمال فقد انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وكانت الحرب العالمية الأولى قد ألقت بظلالها على العالم، وكانت التوقعات بدخول أمريكا الحرب إلى جانب الحلفاء، وضد ألمانيا التي وقفت الدولة العثمانية في صفها، كانت هذه التوقعات ذات أثر كبير في تغيير مجرى دراسة المغيربي فتحول من الجامعة الأمريكية في بيروت إلى الجامعة الأمريكية في روملي حصار اسطنبول، وتحول كذلك من دراسة الطب إلى دراسة الاقتصاد والعلوم السياسية، وحصل على البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصاد قبل دخول أمريكا الحرب العالمية الأولى بأيام قلائل.
كانت الحرب العالمية الأولى قد اشتد أوارها، وثار الشريف الحسين بن علي ملك الحجاز على الأتراك وزحفت جيوشه بقيادة أبنائه تفتح مدن الحجاز الواحدة بعد الأخرى، وكان القائد التركي في المدينة فخري باشا مصرا على القتال، وكانت سكة حديد الحجاز قد خصصتها الدولة التركية لنقل المؤن والذخائر والجند فلا مكان فيها للركاب، في هذا الوقت كان المغيربي قد أتم دراسته وحصل على البكالوريوس من الجامعة الأمريكية في استانبول وتهيأ للعودة إلى أهله بالمدينة المنورة، وأدرك والده الشيخ عبد القادر المغيربي المصاعب التي تحول بين ابنه وبين الوصول إلى المدينة المنورة فكتب إلى صديقه السيد أحمد الصافي عضو مجلس المبعوثان - البرلمان العثماني - عن المدينة المنورة، كتب إليه يرجوه أن يصحب ابنه محمدا في مجيئه إلى المدينة من دار الخلافة.
وفاة المغيربي
توفى المغيربي فجر يوم الأحد غرة جمادى الثانية عام 1409 هـ ودفن بالمدينة المنورة في بقيع الغرقد بعد صلاة العشاء عن عمر يناهز التسعين عاما ونصف العام، بعد حياة حافلة، تسلق فيها ذروة المجد صغيرا، وعصفت به أعاصير السياسة في شبابه وصدرا من رجولته، فتغرب عن وطنه طالب علم، ورجل سياسة، ثم عاد إليه عاملا في مجال الخدمة العامة بكل ما أوتي من قوة، وما وهبه الله من علم ومعرفة، ثم فرغ نفسه لتربية أبنائه وبناته، فكانوا أعلاما في مجالاتهم، بتوفيق من الله تعالى لهم، وبما بث فيهم والدهم من حسن الرعاية لهم والقوامة عليهم.
رحم الله الشيخ محمد عبد القادر المغيربي وجزاه خير الجزاء.
يوجد له ترجمة مطولة في كتاب أعلام الحجاز، تأليف محمد علي مغربي الجزء الثالث – ص 441 - 465.