عبد الله عبد الرحمن سراج
متوسط القامة أقرب إلى الطول منه إلى القصر، مليء الجسم في غير إسراف، قمحي اللون، واسع العينين ثاقب النظرة، عظيم الأنف، وخط الشيب لحيته وعارضيه، تلمح في وجهه ملامح الذكاء والإباء، يرتدي الجبة والعمامة الحجازية، وتتميز لفة العمامة بالميسم الذي تتميز به عمائم العلماء فلا ترى لها عذبة ظاهرة كما هو شأن التجار والوجهاء، ولكنها متكورة اللفات شأن العلماء في سمتهم.
ولد الشيخ عبد الله سراج في سنة 1296 هـ بمكة وتلقى تعليمه فيها، فالتحق بالمدرسة الصولتية التي ابتدأت الدراسة فيها في سنة 1290 هـ وتخرج منها كما تتلمذ على أعلام علماء مكة، فقد أدرك الشاب عبد الله سراج أباه وصاحبه حينما نفاه الشريف عون الرفيق من مكة، صاحبه إلى جدة أولا ثم سافر معه إلى مصر وبقي بجانب أبيه إلى حين وفاته في مصر سنة 1314 هـ، وكان عبد الله سراج في ذلك الحين فتى يقترب من العشرين من العمر، وكان والده كما وصفه صاحب كتاب (نشر النور والزهر).
أوحد علماء هذا العصر وفقهائه وأدبائه وشعرائه، تفنن في علومه، وأجاد في منثوره ومنظومه، وتميز بالفضل على أقرانه، وزاحم بمنكبه صدور أهل زمانه إلخ.
نعم لقد تلقى عبد الله سراج من والده الكثير من العلم والمعرفة كما تلقى عنه دروسا أخرى لا تقل أهمية عنها.
الشيخ عبد الرحمن سراج يؤدب ابنه
كان الشريف عون الرفيق قد نفى كبار علماء مكة المكرمة وأصحاب الفتيا فيها، وكان أحد المنفيين هو الشيخ عبد الرحمن سراج الذي سافر معه ابنه عبد الله سراج فوصلوا إلى جدة ونزلوا في بيت شيخ دلالي الأسماك فيها وكان عبد الرحمن سراج مريضا، ولم يكن معه من المال ما يصلح أحواله وأحوال ابنه، وفي المسكن البسيط الذي لجأ إليه في جدة زار الشيخ عبد الرحمن سراج رسول المعتمد البريطاني في جدة وعرض على الشيخ عبد الرحمن سراج رغبة الحكومة البريطانية إصدار فتوى بجواز أن يكون للمسلمين خليفتان في وقت واحد، فإذا أصدر الشيخ عبد الرحمن هذه الفتوى، فإن الحكومة البريطانية تنقله في بارجة حربية إنجليزية إلى الهند ليتولى منصب قاضى القضاة هناك.
ونظر عبد الرحمن سراج إلى ابنه، كأنه يستطلع رأيه، ورأى الشاب عبد الله سراج أن الفرج قد جاء إلى أبيه في هذا العرض الذي يسترد به ما فقد من منصب وجاه، فقال لأبيه، إنه لا يرى بأسا بإصدار هذه الفتوى؟
ولكن عبد الرحمن سراج نظر إلى ابنه نظرة صاعقة، وأهوى بيده على وجهه فلطمه على خده لطمة أليمة، والتفت إلى رسول المعتمد البريطاني يقول:
ارجع لسيدك فأخبره أني لا أبيع ديني بدنياي.
هذه اللطمة التي أهوى بها عبد الرحمن سراج على وجه ابنه الشاب كانت له درسا من أعظم الدروس، ظل يهتدي به طول حياته، حتى أنه حدث ابنه البكر حسين سراج عنه بعد عشرات السنين.
مرض عبد الله سراج ووفاته
أصيب الشيخ عبد الله سراج بالشلل، وبقي سبعة عشر عاما وهو يعاني من هذا الداء العضال، إلى أن توفاه الله تعالى في شهر رجب من عام 1368 هـ الموافق لعام 1948م.
عاش فقيرا ومات فقيرا:
ورثاه الملك عبد الله بن الحسين في جريدة الأردن فقال عنه فيما قال: عاش فقيرا، ومات فقيرا دأب من شايع بني هاشم، وأمر بدفنه في المقابر الملكية بعمان.
رحم الله الشيخ عبد الله سراج فلقد كانت حياته مثالا للعصامية والكفاح، خرج من بلاده شابا وعاد إليها بعد أن صار رجلا، وقد تزود من العلم في أسفاره واغترابه، وتبوأ أعلى المناصب في الحجاز والأردن، وتقلب به الزمان فكان ملتزما بأخلاقه ومبادئه، وعاش فقيرا ومات فقيرا كما وصفه الملك عبد الله بن الحسين، فلم تكن هذه المناصب العظيمة لتغير من أخلاقه أو تجلب له الثراء الحرام.
يوجد له ترجمة مطولة في كتاب أعلام الحجاز، تأليف محمد علي مغربي الجزء الثالث – ص 375 - 393.