الشريف ( ... - 1055 هـ) ( ... - 1645 م)
أحمد الشريف الأندلسي الأصل، نزيل تونس، الحنفي المذهب، الصوفي المشرب، الجامع بين المعقول والمنقول، المحقق للفروع والأصول.
بارح وطنه الأندلس عند جلاء سكانها المسلمين منها لتغلب الملوك المسيحيين الإسبان، ورحل إلى تركيا، واستقر مدة ببلاد البوشناق وتفقه على علمائها، ثم انتقل إلى بروسا فأخذ عن علمائها، وكان رفيقه في الطلب هناك يحيى أفندي شيخ الإسلام فيما بعد في أيام السلطان مراد فاتح بغداد.
ولما بلغه استقرار قرابته بتونس الذين أجلتهم نكبة الأندلس توجه إلى تونس فدخلها بعلم كثير وبث فيها علما جما وبث فيها الفقه الحنفي، فأخذه عنه جماعة أعظمهم شأنا الشيخ مصطفى ابن عبد الكريم. وتولى التدريس بالمدرسة الشماعية وهو أول مدرس حنفي بها، وتولى الفتوى بعد عزل أحمد الشريف أيام الداي أحمد خوجة (المتولي سنة 1050/ 1638).
وقد كان السلطان مراد طلب من شيخ الإسلام يحيى أفندي أن يختار له فقيها يتخذه إماما ومعلما فذكر له صاحب الترجمة لسابق ما بينهما من الصحبة أيام القراءة، وعرف السلطان أنه بتونس، فخرج الفرمان، وعين به قبجي باشي في استدعائه للحضرة السلطانية، فأجاب بالامتثال وتهيأ للسفر لكن والدته وأقاربه شق عليهم ذلك وبكوا بين يديه وقالوا له: لا يحل لك أن تقطع الرحم، فبكى هو أيضا وكتب إلى شيخ الإسلام يحيى بالطاعة لله ولولي الأمر: «لكن منعني من ذلك خوف قطع الرحم» وكتب إلى شيخ الإسلام بعذره ليقره عند السلطان، فقره لديه فقبله منه وعين قبجي باشي ثانيا بفرمان يتضمن الأمر بتعيين ست ريالات من الجزية كل يوم:
فاستكثر ذلك المترجم وقال: «ربعها يكفيني» فاقتصر عليه ولما ظهر له بهاته الواقعة شفوف، وكان تعيين هذا القدر بهذا القطر غير مألوف في ذلك الزمان، مع أن داء الحسد الذميم بين الفقهاء قديم تعصبوا عليه فنصبوا له حبائل المكر حتى نسبوه للكفر في قضية حكاها في تأليف له في صفة الإيمان مضمونها أنه سئل عن صغيرة في حضانة أمها المطلقة وصلت حد الشهوة ولم تبلغ بعد هل تسقط حضانة أمها أم لا.
فأجاب بما هو المعتمد في المذهب من قول محمد بسقوطها، وكان المعارضون له أجابوا بقول الإمامين من عدم السقوط إلى البلوغ، وزعموا أن ذلك قول أبي حنيفة وجميع أصحابه. فقال المترجم: أما قول أبي حنيفة فصحيح، وأما قول أصحابه فباطل «(لأن منهم محمد بن الحسن، وليس ذلك قوله). قال المترجم: «ففهموا عني - أو جاءوا إفكا وزورا - أني حكمت ببطلان قول الإمام» ثم قال: «وأطلقوا على رد من تلفظ بذلك، وأطلقوا فتواهم مع ذلك القول، ولو فرض صدوره من مسلم لا يترتب عليه طعن في الدين، ولا إنكار ضروري من ضرورياته».
مع أن المترجم كان كما قال بعضهم في مثله: كان مقبلا على شأنه غير عارف بزمانه، وكما قال الشاعر:
كان لا يدري مداراة الورى … ومداراة الورى أمر مهم
ولما وقعت الواقعة عزل نفسه عن جميع الوظائف، واعتزل الناس حتى بنى على نفسه باب داره وبقي إلى أن توفي، ودفن بالزلاج قرب القنطرة التي أمام باب عليوة.
مؤلفاته:
1) الرد على بعض أقوال أشهب.
2) صفة الايمان.
3) شرح منية المصلي، أبان فيه عن يد طولى وباع مديد، ولا غرابة في تحقيق مذهبه وإنما العجب في تحقيقه مع ذلك لمذهب غيره من المالكية والشافعية بنقل نصوص كتبهم، ويبتدئ بالراجح على الأخذ منها بالمرجوح من ذلك المذهب
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثالث - صفحة 175 - للكاتب محمد محفوظ