عبد الله محمد باحمدين
عبد الله محمد باحمدين
قصير القامة ممتلئ الجسم أسمر اللون واسع الجبهة نظراته تشع ذكاء وفطنة يضع على عينيه نظارة ذهبية ويرتدي العباءة العربية بينما يعمم رأسه بعمامة ملفوفة على الطريقة الحجازية - وهذه العمائم يستعمل فيها الشال البغدادي وهو من صناعة حلب - ولد بمكة المكرمة في عام 1329 هجرية وتعلم بمدارسها ثم تعلم اللغة الانكليزية على يد بعض أساتذتها من الهنود بمكة المكرمة كذلك، وكان المتكلمون بهذه اللغة في مكة بالذات من أبناء البلاد ندرة قليلـة تعـد على الأصابع.
وتوفي والده وهو شاب وكان يعمل في متجر أبيه بالجودرية وأراد الشاب عبدالله باحمدين أن يجمع شمل الأسرة وأن يبقى المتجر الذي أسسه والدهم مفتوحا يعمل فيه الجميع، ولكن إخوته لم يوافقوا على هذا الرأي واقتسموا الثروة التي تركها والدهم وانفرد كل منهم بعمله الخاص، ورأى عبدالله باحمدين نفسه وحيدا ولم يكن نصيبه القليل من تركة أبيه كافيا لتحقيق طموحاته الكبيرة حدثني عن هذه الفترة من حياته، قال كنت قد اشتريت سيارة لاستعمالي الشخصي وكانت السيارة تحتاج الى سائق وإلى مصاريف للوقود فتركتها مخزونة بضع شهور لأني لم أكن قادرا على توفير ما يلزم لها من منصرفات.
وانكب الشاب عبدالله باحمدين على العمل في المتجر الذي أسسه لنفسه وأخذ يواصل عمل أبيه في استيراد الأقمشة وما إليها ولكن طموحه كان أعظم من هذا العمل الروتيني المحدود فما أكثر حوانيت الأقمشة من حوله وما أكثر مستورديها، إنه يفكر في أعمال كثيرة تحتاج اليها مكة المكرمة ولم يقدم عليها أحد بعد وهكذا فكر عبدالله باحمدين رحمه الله في صناعة الثلج.
مصنع الثلج
كان هناك مصنع وحيد للثلج في مكة المكرمة أسسه رجل سوري اسمه الحاج نسیم واشترك معه في تأسيسه من الناحية المالية بعض أهالي مكة وكان عبدالله باحمدين واحدا من هؤلاء المساهمين ولست أدري ان كانت هذه المساهمة من عهد والده وأرجح أنها كانت كذلك المهم في الأمران عبد الله باحمدين وجد نفسه في المجال الذي يرغب والذى يعلم أنه الأصلح لمواهبه والألزم لبلاده ولم يكن عبدالله باحمدين راضيا عن شركة الثلج بأوضاعها تلك ففكر في استيراد مصنع خاص للثلج يديره هو، وكانت مكة مفتقرة إلى أكثر من مصنع فالبلد شديد الحرارة والجو الحار يبقى أكثر من سبعة شهور في العام ولم تكن هناك الكهرباء ولا الثلاجات - فكانت الحاجة إلى الثلج تستمر طيلة العام وتزداد في موسم الحج وهكذا أقدم عبدالله باحمدين على الدخول في مضمار العمل الصناعي وهو في مطلع شبابه فاستورد لنفسه مصنعا كبيرا للثلج واختار له مكانا مناسبا في منطقة المعلاة بجوار مقبرة المعلاة، ولقد استطاع التغلب على المشاكل الفنية التي واجهته في استيراد المصنع ونقله إلى مكة ثم تركيبه وإدارته ولقد علمت أنه كان يشرف على كل صغيرة وكبيرة أثناء تركيب المصنع الذي تم بواسطة فنيين محليين ويشارك في تذليل الصعاب التي تعترض إتمام هذا العمل حتى أنه قضى ما يقرب من يوم وليلة في مقر المصنع منهمكا في العمل ناسيا أنه لم يطعم ولم ينم حتى تم إنجاز العمل ورأى الآلات تدور، وهذا التصميم إن دل على شيء فإنما يدل على العزيمة القوية والإرادة العظيمة لتحقيق النجاح مهما كانت المصاعب والعقبات.
الشركة العربة للتوفير والاقتصاد
لم يكتف عبد الله باحمدين بما حققه لنفسه من تأسيس مصنع كبير للثلج يسد حاجة مكة المكرمة في ذلك الوقت أو معظم احتياجاتها من الثلج فلقد كان رجلا واسع الطموح، عظيم الهمة وكان يرى أن بلاده مفتقرة إلى الكثير الذي يمكن تحقيقه من الأعمال الجديدة وخاصة ما يتعلق بالصناعة ولكن إمكانياته المادية لم تكن لتساعده على تحقيق ما يريد، وكان عضوا في مجلس إدارة الشركة العربية للتوفير والاقتصاد بمكة المكرمة ثم أصبح رئيسا لمجلس إدارة الشركة وأخيرا عهد اليه بإدارة أعمال الشركة المذكورة فوجد المجال أمامه مفتوحا لتحقيق بعض طموحاته في هذه الشركة الفتية فقام بشراء باخرتين صغيرتين للشركة وأخذ يسيرهما بين موانئ البحر الأحمر وخاصة بين موانئ جدة والحديدة، ولقد شهدت الرجل يتنقل بين مكة وجدة كلما وردت هذه البواخر أو إحداهما ليهيئ لرحلتها القادمة مستخدما كل جهده وتفكيره في إنجاح هذا العمل الجريء، ولقد علمت أن معالي الشيخ عبدالله السليمان وزير المالية حين ذاك قدر هذا العمل لمدير عام الشركة العربية للتوفير والاقتصاد وأبدى له من صنوف التشجيع ما جعله مطمئنا إلى الاستمرار في العمل فليس سرا أن عملا من هذا النوع معرض للخسارة أكثر مما هو معرض للربح وفي الأوقات المعتادة تضمن الحكومات لشركات البواخر نسبة معينة من الأرباح للإبقاء على الاتصالات البحرية بين بلادها والبلاد الأخرى حاملة للبضائع والركاب فالموضوع له أهمية اقتصادية عظيمة للدول ولقد افتتح عبد الله باحمدين فرعا في جدة لمواجهة أعمال البواخر والاشراف عليها من قريب وبقيت هذه البواخر تمخر عباب البحر الأحمر طيلة المدة التي قضاها عبدالله باحمدين على قيد هذه الحياة.
مَصْنع النسيج
وكان لشركة التوفير والاقتصاد مصنع صغير للنسيج فقام عبد الله باحمدين بإدخال التحسينات عليه وهو مصنع يدوي على الطريقة القديمة ولقد رأيت الصناع من الشباب السعودي يعملون على هذه الأنوال اليدوية وينتجون بعض الأقمشة وكان هذا في أيام الحرب العالمية الثانية وأذكر أنني كنت في القاهرة وكان عبدالله باحمدين هناك وكنا جميعا في مجلس الشيخ محمد سرور الصبان - رحمه الله - بداره بمصر الجديدة وكان يحضر المجلس أحد كبار أصحاب مصانع النسيج من أصدقاء الشيخ محمد سرور فجاء ذكر مصنع الشركة العربية للتوفير والاقتصاد فاقترح معالي الشيخ محمد سرور أن يقوم عبد الله باحمدين وأنا بزيارة مصانع الغزل الذهبية التي أسسها الرجل الحاضر معنا بالمجلس وحدد لنا الرجل في الحال موعدا في اليوم التالي وذهبنا إلى هناك فرأينا الآلات الميكانيكية تنتج الأقمشة المتنوعة في سرعة وإتقان وجمال وخرجنا من المصنع ونحن ممتلئون إعجابا بما رأينا، وتحدثنا في الأمر فاتفق الرأي على أن مصر تزرع القطن ولديها مصانع الغزل التي تحول القطن إلى خيوط ومن ثم يمكن لمصانع النسيج أن تستعمل هذه الخيوط في نسج الاقمشة وإنتاجها، ونحن في بلادنا نحتاج إلى استيراد كل شيء، استيراد خيوط الغزل من الخارج ثم نسجها إذا أردنا استيراد مصانع للنسيج مثل تلك التي شاهدناها، وكان السؤال الذي يدور في رؤوسنا أيهما أجدى اقتصاديا هل هو استيراد خيوط الغزل ونسجها في البلاد أم استيراد القماش منسوجا وجاهزا؟ وهل تستطيع الصناعة المحلية الناشئة مزاحمة السيل المتدفق من الصناعة الخارجية من جميع أنحاء العالم، هذا هو السؤال الذي كان يدور في أذهاننا بعد مشاهدة هذا المصنع الميكانيكي للنسيج ويبدو أنه كان هاما ولا يزال ليس لصناعة النسيج فحسب ولكن لأي صناعة يراد إدخالها إلى البلاد ولهذا فإن وزارة الصناعة تطالب قبل إصدار ترخيص بأي صناعة جديدة تطالب بدراسة للجدوى الاقتصادية وتقوم الوزارة نفسها بالدراسات للصناعات المختلفة قبل اتخاذ قرار بشأنها وهي الطريقة المثلى لإقامة الصناعات على أسس سليمة قوية حتى لا تتعرض للتعثر والانهيار.
الحافظة العربية
في أيام الحرب العالمية الثانية حدث نقص في أشياء كثيرة كما يحدث في أيام الحروب وكان بمستودع الشركة العربية للطبع والنشر التي تطبع فيها جريدة صوت الحجاز في ذلك الزمان كميات من الورق على اختلاف أنواعه وكانت الشركة تعاني من الخسارة وعلم عبد الله باحمدين بالأمر فقال ليس من المعقول أن تخسر الشركة وفى مستودعاتها الورق المعدوم في الأسواق والذي يحتاج إليه الناس وطلب الاطلاع على قائمة البضائع الموجودة بالمستودعات وما أن اطلع عليها حتى أبدى استعداده لشرائها وقد دفع فيها ثمنا يبلغ أربعة أضعاف الثمن المقدر لها في ذلك الوقت وتمت الصفقة وكنت أتوقع أن يقوم بعمل عادي مثل تصنيع الورق إلى دفاتر للكتابة وبيعه في الأسواق ولكنه فاجأني كما فاجأ الناس جميعا بشيء لم يكن في الحسبان، كانت في مستودعات الشركة كميات كبيرة من الورق المتين الذى يصلح لغلافات الكتب. وكانت الشركة فيما مضى تمارس طبع بعض الكتب المدرسية ثم توقفت عن ذلك وبقي هذا الورق بمستودعاتها كميات مهملة لا يستفاد منها، أقول أن عبد الله باحمدين فاجأني باستخراج هذا الورق وقصه وتقسيمه الى ملفات لحفظ الأوراق مثل الملفات – (الدوسيهات) التي كانت ترد إلينا من الخارج والتي كانت معدومة في الأسواق تماما، وطبع على هذه الملفات كلمة (الحافظة العربية) ولم يكتف بهذا فأحضر إلى مقر المطبعة بعض السماكرة الذين كانت دكاكينهم مجاورة لها بالشامية - وأطلعهم على الحدايد التي تمسك الأوراق التي توضع في الملفات واشترك معهم في ترتيب الصنع وما هي إلا أيام حتى كان السماكرة الوطنيون قد صنعوا هذه الحدايد وخرجت الحافظة العربية ملفا كاملا لا أغالي إذا قلت أنه كان يمتاز على الملفات الخارجية بجودة الورق وجمال الطبع، وأذكر أن وزارة المالية اشترت كل ما أنتجه عبد الله باحمدين من هذه الملفات لأن الدوائر الحكومية كانت تفتقر إليها، أن الورق كان موجودا في مخازن الشركة ولكن المسؤولين عنها كانوا يعتبرونه كمية مهملة وقد استطاع عبدالله باحمدين بفكره النير أن يحول هذه الكمية المهملة إلى عمل نافع يسد به حاجة البلاد في ذلك الوقت العصيب، ومن هنا تظهر اتجاهاته الفكرية التي تدل على ذهن متفتح يبحث دائما عن الجديد والمفيد.
مكائن الكهرباء
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أدخل عبد الله باحمدين تطورا ملموسا على تجارته أو على الأصح حاول إدخال تطور مفيد في التجارة في مكة المكرمة فلقد كان من أوائل الناس الذين قاموا باستيراد المكائن الزراعية ومكائن الانارة - المجموعات الكهربائية - في مكة المكرمة وبذلك يسر على الناس إنارة بيوتهم محلاتهم التجارية، وإني لأذكر مدينة جدة والإنارة الكهربائية مقتصرة فيها على بيوت السفارات ولم يكن في مدينة جدة كلها مكينة كهربائية إلا في بيت الشيخ محمد نور جوخدار وكان من أوائل المواطنين الذين أدخلوا الكهرباء إلى بيوتهم وأذكر أن الحاج عبد الله علي رضا حينما احتفل بزواج ابنه ـ معالي الشيخ محمد عبد الله رضا - وزير التجارة الاسبق - قام الشيخ محمد نور جوخدار بمد النور الكهربائي من منزله إلى منزل الحاج عبد الله علي رضا لهذه الغاية كما أن آل قابل كانوا من أوائل الناس الذين أدخلوا الكهرباء لا إلى منزلهم فحسب وإنما قاموا بإنارة شارع قابل المعروف باسمهم حاليا وزودوا كل دكان بمصباح للإضاءة ومروحة كهربائية، وكان هذا العمل في ذلك الوقت يعتبر فتحا جديدا لأنه أتاح الانارة الكهربائية والتهوية لشارع كامل، وبهذه المناسبة فإن هذا الشارع كان قد قام بتعميره الشريف الملك الحسين بن علي ابان العهد الهاشمي الأول وفي عهد الملك علي بن الحسين اشتراه آل قابل من الحكومة ومن الملك علي شخصيا رحمه الله لأنه كان محتاجا إلى المال والتموين لصرف أغذية ومرتبات الجنود أثناء الحصار الذي كان مضروبا على مدينة جدة خلال الحرب الهاشمية السعودية.
نعود الآن إلى المرحوم عبد الله باحمدين فنقول إنه بعمله هذا في إدخال التطور الحضاري على تجارة مكة المكرمة فقد يسر للراغبين الحصول على المكائن الكهربائية لإنارة بيوتهم ومحلاتهم بما يتبع هذه الإنارة من تهوية وتبريد وأني لأذكر أن هذه التجارة كانت محصورة في أيدى البيوت التجارية الأجنبية فإذا رغب المرء في شراء مكينة كهربائية ذهب إلى أحد هذه البيوت التجارية وطلب مترجما للدخول على المدير الإنجليزي وبعد شرح الطلب يدفع معظم القيمة التي يحددها هذا المدير وهي عادة كبيرة ومبالغ فيها ثم ينتظر بضعة شهور حتى ترد الماكينة فتسلم له أوراقها لإخراجها من الجمارك ثم يبحث عن مهندس لتركيبها واذا كان هذا الأمر يتم بهذه الصعوبات في مدينة جدة التي يكثر فيها الأجانب ويكثر فيها الفنيون والمتكلمون باللغة الانجليزية فإن الأمر بالنسبة لمكة المكرمة أكثر صعوبة دون شك، ولهذا فإن النظرة إلى هؤلاء الرجال الذين اتجهوا بتجاراتهم إلى توفير الوسائل الحضارية للناس يجب أن تكون نظرة تقدير وإكبار وخاصة في ذلك الزمن السحيق.
رحلته إلى أمريكا
انتهت الحرب العالمية الثانية وقبيل انتهائها قام عبد الله باحمدين رحمه الله برحلته الأولى إلى أمريكا وأراد الله أن أقوم برحلة بعده مباشرة إلى هناك وكانت السفارة السعودية في واشنطن قد قامت مشكورة باختيار مرافق لي في هذه الرحلة وكان هذا هو نفس الرجل الذي رافق عبد الله باحمدين أثناء زيارته للولايات المتحدة، وحدثني الرجل عن انطباعاته عنه بعد مرافقته بضع أسابيع، قال كان عبد الله باحمدين مهتما باستيراد قطع الغيار ولكنه لم يكن يتصل بالبائعين وإنما يحاول الوصول إلى الصناع الذين يمونون البائعين بإنتاجهم ولقد سمعت أحد رؤساء الشركات الأمريكان يثني عليه ويقول له إنك نمط فريد من الرجال الذين يزورون هذه البلاد من الشرق الأوسط أحدثك عن البيع فتحدثني عن الصنع، وهذه الحوادث وأمثالها تظهر طريقة تفكير الرجل كما تكشف عن تطلعاته
مصانع باحمدين
وبانتهاء الحرب العالمية الثانية أتيح لعبد الله باحمدين أن يحقق بعض طموحاته فحصل على أرض كبيرة خارج مكة المكرمة وأنشأ عليها مصانع باحمدين، هذه الأرض أقامت عليها الدولة فندق مكة انتركونتنتال وهدمت مباني مصانع باحمدين بعد شراء الدولة لها لإقامة هذا المبنى عليها، والذي كان الغرض منه أن يكون مبنى للمؤتمرات الدولية ثم تحول إلى فندق كما هو عليه الحال الآن؛ نقول أقام عبد الله باحمدين على هذه الأرض مصانعه أو على الأصح النواة الأولى لهذه المصانع فأنشأ عليها مصنعا كبيرا للثلج ومصنعا كبيرا للنجارة كذلك وورشة ميكانيكية، وكان قد بدأ النواة الأولى لتأسيس عمله العقاري بشراء أرض في مدخل مكة المكرمة وإقامة فيلات صغيرة عليها ثم بيعها للراغبين وقد أنشأ فعلا فيلا بمدخل مكة المكرمة اشتراها فيما بعد المرحوم الشيخ ضياء الدين رجب من ورثته كما أسس فيلا أخرى أمام المصانع وقد بيعت لأحد المواطنين حين بيع المصانع.
وَفاة عبد الله باحمدين
كان عبد الله باحمدين يفكر في أشياء كثيرة ويعمل لأشياء كثيرة وكان منكبا على عمله في متجره وفى مصانعه وفي الشركة العربية للتوفير والاقتصاد بجهد عظيم فلقد كان من الرجال الذين يحبون العمل ويتفانون فيه حتى أنه كان يقضي كل نهاره في مكتبه ومتجره متناولا غداءه وربما عشاءه في مقر العمل ولا يعود الى داره إلا بعد صدر من الليل وفى يوم من أيام رمضان عام 1369 هجرية شعر بتأثر في صحته فلم يستسلم للراحة أو يستدعي الطبيب وظن أنه مرض عارض لا يلبث أن يزول وذهب إلى المسجد الحرام للإفطار هناك وصلاة المغرب جماعة كما تعود وطاف بالبيت وصلى المغرب وعاد إلى داره وبعد الإفطار شعر بأعراض المرض ولكن النوبة القلبية التي داهمته كانت شديدة فأسلم الروح وانطفأ كما ينطفئ المصباح وهو أكثر ما يكون حيوية وأعظم ما يكون نشاطا وأشد ما يكون طموحا نعم اختطف الموت عبد الله باحمدين وهو في عنفوان رجولته إذ كان عمره حوالي الأربعين ولكن للقدر أحكامه وللخالق حكمته فتوفي مبكيا عليه من كل من عرفه من الناس وما أكثرهم ودفن في اليوم التالي بمقبرة المعلاه وظلت الصحافة تنشر للكتاب من أصدقائه مرثياتهم له وذكرياتهم عنه رحمه الله رحمة الأبرار فلقد كان طلعة بين من عرفت من الرجال في ذلك الزمان.
أعلام الحجاز، تأليف محمد علي مغربي الجزء الأول – ص 88 - 98.