ذويب (1199 هـ) (1788 م)
علي ذويب الصفاقسي، الأديب الشاعر المشارك في علوم الأوائل (الفلسفة في المصطلح القديم) من طب وموسيقى، يجيد الضرب على العود.
قرأ ببلده صفاقس على الشيخ الأومي، وعنه تمكن في علم العروض، وأخذ عنه العربية، والفقه وعلى الشيخ رمضان بو عصيدة الكفيف الأدبيات، كما قرأ على الشيخ الطيب الشرفي، ثم ارتحل إلى تونس وأخذ عن شيوخ جامع الزيتونة، وامتدح أمراء تونس، وأخذ جوائزهم، وقد زامله في الدراسة بصفاقس الشاعران إبراهيم الخراط، وعلي الغراب.
وكان سليط اللسان هجا جماعة لا يستحقون الذم، فجمعوا أمرهم، وكادوا له حتى اضطر إلى الهجرة إلى القاهرة المعزية سنة 1173/ 1760 قال في تقريراته على شرح الاشموني «ولما توجهت إلى مصر القاهرة سنة ثلاث وسبعين من هذا القرن وجدت الشيخين الشيخ محمد الحفناوي، وأخاه الشيخ يوسف في سن الشيخوخة إلا أن الشيخ يوسف أصغر سنا من الشيخ محمد، وأكثر ضعفا منه لتوالي السقم عليه الذي حمله على هجر الأزهر، والشيخ محمد أصح بدنا فلم يترك الأزهر للاقراء فقرأنا عليه مدة يسيرة، ثم هجر الأزهر لاشتغاله بطريق القوم من التصوف، واجتمعت عليه تلامذة لا يحصون عددا لأخذ ورد اسم الجلالة وغيره فصارت له مواعيد بالديار المصرية، وعظّمته الحكام والأمراء تعظيما لا يعدله تعظيم، فكان منزله ملجأ الخائف والجامع، والغريب والجاني، حتى أنه ليسمع من أصوات اللائذين به من المذكورين أصوات كأصوات دوي النحل في القفار، والرياح في البحر، وله مطبخ في بيته يصرف فيه كل يوم ما تصلح به الأطعمة والبزارات، ما يشرب من القهوة ثمانية عشر محبوبا.
هذا كله بعد ما ظهرت هذه الحاشية وخرجت ومضى على ذلك سنين لأن الحاشية وصلت صفاقس قبل سفري إلى القاهرة بسنين عديدة، ولما وردتها وجدت الشيخ يوسف في غاية الضعف والسقم، فلم يمكنني التلاقي به إلا في محله، ولم آخذ عليه شيئا في غيره لكونه هجر الجامع.
فكان سفري إلى القاهرة والتلاقي بأشياخها، والأخذ عنهم مما جمعته طراز مفاخري على أقراني ولله الحمد على ذلك».
وقد ذاكر الشيخ يوسف الحفناوي في الشعر ونقده، واثبت طرفا من ذلك في حاشيته، كما أخذ عن الشيخ علي الصعيدي، وسافر إلى الاسكندرية، واجتمع فيها بأحد الأدباء الظرفاء أحمد شتوان أصيل بلدة بني غازي، واستعار منه «وفيات الأعيان» لابن خلكان، واقتبس منه فوائد، وقيد منه شوارد وكان هذا دأبه مدة مقامه بمصر، فهو مغرم بمطالعة الكتب النادرة الوجود ببلده «كوفيات الأعيان» و «خريدة القصر» للعماد الأصبهاني.
ثم إن والده توسط له في الرجوع إلى مسقط رأسه فرجع ولبث بها مدة إلى أن توفي شهيدا بالطاعون.
والظاهر أن اعتداده بمواهبه وعلمه، وسلاطة لسانه، والمجابهة بالمكروه، والتهكم على الناس جرت له المتاعب في حياته، وكونت له عقدة بغضاء لبلده ومعاصريه، وننقل عنه حادثة دونها بقلمه تؤيد ما قلناه «قلت ومن الغرائب أنه دخل عليّ بعض المدرسين وأنا أكتب في هذا المحل فوقف على قوله «والعائد على المبتدأ الأول مستتر في بانوها» فأشكل عليه قوله «مستتر في بانوها» ثم قال كيف يقول «مستتر» وهو ظاهر موجود يعني بارزا.
- فقلت له: يا مولانا! أقرأت الخلاصة؟
- فقال: نعم! مرارا كثيرة.
- فقلت له: أقررت للطلبة «وارفع بواو وبيا اجرر وانصب».
- فقال: نعم! ثم قال: هذا هو الجواب عن الإشكال فتضاحكنا فقام مغضبا فأنشدته:
وما عليّ إذا لم تفهم البقر.
- فقال: لا تراني بعدها.
- فقلت: انصرف إلى حيث إذا سار.
إلى أن قال: أكثر الله من أمثاله في هذا البلد الظالم أهله».
وكان شاعرا مكثرا ذكر له مقديش في نزهة الأنظار مرثيته الطويلة في شيخه الطيب الشرفي على تحريف كثير فيها، وذكرها هو في تقريراته على حاشية شيخه يوسف الحفناوي، قال مقديش: «وله قصائد ومقطعات لا تعد ولا تحصى كثرة».
مؤلفاته:
تقريرات على حاشية شيخه يوسف الحفناوي على شرح الاشموني على الخلاصة الألفية لابن مالك في النحو.
توجد منها قطعة بالمكتبة الوطنية بتونس، وأصلها من المكتبة النورية بصفاقس. ويشير إلى شيخه المذكور بقوله «قال شيخنا قدس الله سره»، وهو يستطرد فيها كثيرا إلى إيراد النكت الأدبية والشعر والتراجم للقدامى والمحدثين، فذكر فيها ترجمة الشيخ يحيى الشاوي، والشيخ علي النوري وأورد فيها قطعة غزلية من نظمه.
كناش أدبي
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثاني - صفحة 323 - للكاتب محمد محفوظ