الدرعي (1318 - 1385 هـ) (1902 - 1965 م)
أحمد الدرعي، الكاتب المفكر، رجل القانون، صديق الطاهر الحداد ونصيره.
ولد بتونس، وتعلم بإحدى المدارس الابتدائية، ثم التحق بجامع الزيتونة، وتخرج منه محرزا على شهادة التطويع عام 1920، ثم تابع دروس المدرسة العليا للآداب العربية، وأحرز على ديبلومها، ثم تابع دروس الحقوق التونسية، وأحرز على شهادتها. واشتغل سنوات قبل الحرب العالمية الثانية مترجما بادارة الفلاحة، وبعدها في أعقاب الحرب باشر مهنة المحاماة، ثم اختار الالتحاق بسلك القضاء العدلي بعد الاستقلال إلى أن توفي.
انتسب إلى الحزب الدستوري القديم، وعمل مع الحداد، والدكتور محمد علي في الكفاح النقابي والاجتماعي. قال عنه صديقه الحداد في كتابه «العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية»، «هو من خيرة الشباب الساعين لخير بلادهم بشعور حي وفكرة صحيحة وعميقة، يؤمن بأولوية الحركة الاجتماعية ويراها منبع القوة الشعبية وسبيل الفوز في الحياة، هو قليل الإيمان بالأفكار السلبية القائمة على مجرد الجدل والحق المنطقي، فمجيء الحركة النقابية قد كان باعثا قويا لنشاطه، ملآنة نفسه ببؤس البائسين وأنين المظلومين، فهو كئيب بكآبتهم ومتألم بألمهم، كان في مجموع أعماله مثالا واضحا للأخلاق والتضحية ونضوج الرأي وزكاء النفس».
وقد كان هو والحداد وأفراد آخرون قلائل يمثلون الجناح اليساري التقدمي في الحزب، وانفصل من الحزب بعد تغذية هذا الأخير الحملة ضد الحداد. وله موقف شجاع كان له صدى كبير في وقته، وذلك عند صدور أوامر التجنيس سنة 1922 فأرسل إلى الباي محمد الحبيب برقية ضمنها بيتا لابن رشيق قائلا في أولها: «إن تم هذا يكون ملكك كما قال الشاعر:
القاب سلطنة في غير مملكة … كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
فحكم عليه من أجلها بالسجن مع الإسعاف بقانون التأجيل، قال عنه أحمد توفيق المدني: «هو من خيرة شبابنا علما وعملا». (حياة كفاح 1/ 283).
وقد ساهم في إنشاء كثير من الجمعيات والعمل ضمن مشاريع خيرية أفادت الشعب التونسي منها جمعية المساكن الرخيصة، وآخر عمل قام به في هذا الميدان مساهمته في تأسيس الاتحاد القومي للمكفوفين.
وكان رجلا اجتماعيا لين الجانب قوي التفكير واسع الأفق.
وقد عاش مناصرا لآراء الحداد. وبعد وفاة هذا الأخير لم يتوان عن تأييده بالكتابة كلما سنحت الفرصة، وما زلت اتذكر أنه حوالي عام 1937 كتب في جريدة «البوق» لصاحبها عزّ الدين بلحاج مقالا عنوانه: «الاشراك بالله والتغرير بالناس» رد به على بعضهم، وأثار مقاله عاصفة من الردود منها مقال تافه في جريدة «النهضة» عنوانه «جرثومة الالحاد تتحرك».
وفي الخمسينات نشر سلسلة من الفصول في جريدة «الصباح» في نقد مجلة الاجراءات الشرعية لواضعها الشيخ محمد العزيز جعيط شيخ الإسلام المالكي. ومن جملة عيوب هذه المجلة هو الجمود الغريب على أقوال بعض الفقهاء التي تجاوزتها الأحداث، ولم يعد مستساغا التمسك بها في حياتنا الحاضرة كالتفريق بين قاضي الحاضرة وغيره في بعض الاجراءات القضائية، وهو رأي يعبر عن اتجاه طبقي لا سند له إلا اجتهاد شخصي، ولو ألقى واضع المجلة المذكورة نظرة عابرة على مجلة قانون المرافعات المدنية لالغى هذا الفصل بدون توقف، وأقوال الفقهاء الاجتهادية لا قداسة لها حتى يقع التشبث بها رغم تطور الأحوال وتغير الظروف.
وقد دلت الفصول الموما إليها على تمكن المترجم من الفقه والقانون، وعلى عقليته النقدية التحليلية التي لا تقف عند ظواهر النصوص، وكان لها دوي في الأوساط المهتمة بمثل هذه الدراسات.
مؤلفاته:
حياة الطاهر الحداد (تونس 1395/ 1975) بتحقيق وتقديم محمد أنور بوسنينة وضع فيه شخصية الحداد في اطارها التاريخي المتدرج فترة فترة وحدثا حدثا مبرزا كل ما يمكن إبرازه، والملاحظ أنه يلح على تحليل الحياة الاجتماعية أكثر من الحديث عن حياة الحداد. وهذا الكتاب ألفه بعد حياة الحداد بفترة قصيرة.
دفاعا عن الحداد أو كبت الكبت، وهو رد على كتاب الطاهر الحداد للأستاذين محمد المرزوقي والجيلاني بن الحاج يحيى (تونس 1976).
كتاب تراجم المؤلفين التونسيين - الجزء الثاني - صفحة 300 - للكاتب محمد محفوظ