الحاج أحمد مسلم الشهير بأخي بابا
مطلع شمس القريض ومشرق أقمار المعارف، ووحي رسل الأدب الذي هو بمعجزات النشيد هاتف. روض الكمال الزاهر النضر، الفائق بسنائه على جميع الأقمار.
والقمر الكامل البدر، الرائق بأشعة أدبه المستهزئ بجميع الأقمار.
شيخ الأدب ومرجع أمة النشيد. ومقتدى أرباب الأدب. الذي ما عليه في الكمال مزيد. صاعدا سنحة القريض، الذي حطت بمعاهده الرحال، وبحر النظم والفضل المفيض، الذي رست في غيبته سفائن معارفه الثقال. تعمر حتى عمر في الفضائل منازل وشيد ربوعا، وروى الفصيح من أصناف الكمالات لأرباب المعارف مبتكرا ومسموعا.
مسلسل مسند يرويه عن أدب ... وعن كمال وعن فيض وإلهام
معنون حسن حاد لكل على ... مرفوع فضل وإحسان وإكرام
رتع في ميادين البلاغة حتى انتهى إلى أغوارها وانجادها، وهمع على رياض الفصاحة إلى أن أروى فصحاء العرب وأمجادها. فصار مرجع الأدباء وملهج لسانها وحل من عيون البلاغة المحدقة مكان إنسانها. ورقى إلى قمة هام النباهة، فكان كالقطب في ذلك الفلك. وصعد إلى أعلى أنجاد الفقاهة، فكان كالبحر للسمك.
اخترع في فنون البديع فحير العقول واغرب، وتفنن في أصناف البيان فاعجز في إيجازه فأطنب. تسلق إلى بيوت الشعر وصعد أعلاها، وحاز الغاية القصوى من النباهة فكان مناها.
عالي المقامة حيث حل مقامه ... كالنجم حيث بدا رفيع سناء
ندب بدا كالشمس في أفق العلى ... فتعرضت أهل العلى كهباء
فهو شيخ الأدب والشعر، الذي افتخر به هذا الدهر على كل دهر، وهو شامة أيامه، ومصباح ظلامه.
له من الشعر ما ينبه الوسنان، ويزين المقصورات الحسان.
وقد أثبت منه ما هو كالمسك المعطر الشائع بكل قطر.
فمن أشعاره الدالة على علو مقداره قوله:
القلب صار من الهوى أفلاذا ... وبمن حببت قد استجار ولاذا
ولهيب وجدى قد شوى ما في الحشى ... فلم التجافي والصدود لماذا
واذا أخذت القلب واستملكته ... أفلا تكن لحشاشتي أخاذا
في الحب تعذيبي غدا عذبا وقد ... ألفيت ذلي في هواك لذاذا
كلفت في البلوى فؤادي صبوة ... إن ذاب منها لا يرى الانفاذا
وجعلت روحي قربة لدنوه ... ومددت كفي سائلا شحاذا
وتركت ملة لائم في لومه ... اهدى الهدى لكنه ملاذا
وقصدت باب أحبتي متذللا ... ووضعت خدي بالعتاب عياذا
وصببت فيض مدامعي من مقلتي ... خوف النوى وبهم غدوت معادا
والسقم أفرط بي وصبري مر من ... هجر وطرفي تابع ممشاذا
وبقيت في حكم القضاء مسلما ... لو صيروني في الغرام جذاذا
وهذه القصيدة من عروض قصيدة العارف بالله الشيخ عمر بن الفارض. وقد أخذ الكثير منها ومطلعها:
صد حمى ظمئي لماك لماذا ... وهواك قلبي صار منه جذاذا
وقصيدة الشيخ مشهورة. ومن شعر صاحب الترجمة:
كم ذا التباعد والهجران بالحجج ... يا من تنسك فيه الصب بالحجج
وكم غرام بلا وعد ولا صلة ... وكم هيام وكم وجد مع الوهج
أما كفى ما جرى في الحب من سقم ... وما جرى من دموع العين كاللجج
أما الفؤاد فمن وجدي به لهب ... والجسم مضني مع الأحشاء والمهج
عذبتني في الهوى بعد النوى أفلا ... ترثي لحالي بما عودت من فرج
مر اصطباري وشوقي زادني نصبا ... ما ذقت طعم وصال طيب الأرج
والجفن ساه فلم يدر المنام ولا ... يدري سوى ألم بالقلب ممتزج
ليل الصدود دجا ما بان آخره ... عسى أرى صبح وصل منك منبلج
ألقيتني في مهاوي العشق يا أملى ... من بعد أن كنت في قومي على درج
وصرت في ذلة بين الأنام إلى ... إن عدت في معشري أدهى من الهمج
وبات ينكرني من كان يكرمني ... وراح يعذلني في نصحه السمج
يا أيها العاذل المشغوف في عذلي ... كن عاذري فبسمعي اللوم لم يلج
فاترك ملامي وإن كنت الصديق فقم ... واسلك سبيل الهوى واثبت ولا تعج
فلي حبيب هواه مذهبي وارى ... حبيبه بين الورى من أوضح النهج
من أجله لم أزل حيران في وله ... شوقا إلى نظرة من حسنه البهج
وطالما قمت ليلي طالبا فرجا ... أقول في شدتي يا أزمة انفرجي
وهذا البيت مضمن بعضه من قصيدة الشيخ ابن الفارض التي مطلعها:
ما بين معترك الاحداق والمهج ... أنا القتيل بلا إثم ولا حرج
ودعت قبل الهوى روحي لما نظرت ... عيناي من حسن ذاك المنظر البهج
لله أجفان عين فيك ساهرة ... شوقا إليك وقلبا بالغرام شجي
والبيت المقصود منها:
أصبحت فيك كما أمسيت مكتئبا ... ولم أقل جزعا يا أزمة انفرجي
أهفو إلى كل قلب بالغرام له ... شغل وكل لسان بالهوى لهج
وقد ضمنه ابن سناء الملك فقال:
تاهت سفينة صبري في محيط هوى ... بحر الحبيب ولم انج من اللجج
صبرت من شحن فيه على محن ... ولم أقل جزعا يا أزمة انفرجي
ما كلما ولجت في قلبه حرق ... وهاج من نوحه البلبال كل شج
إلا ينادي وقد ذابت حشاشته ... أنا القتيل بلا اثم ولا حرج
ومطلع هذه القصيدة:
من كحل المقلة السوداء بالدعج ... وخضب الوجنة الحمراء بالضرج
من على ذلك الورد الجني جنى ... ومن بأسنى التجني فاز بالمهج
يا مشتري الخد بالمحمر من ذهب ... دارك فؤادي باغضا طرفك الغنج
وراقب الله في روح قد انتهكت ... ما بين معترك الاحداق والمهج
وضمنه ابن المليك (1) أيضا بقوله من قصيدة:
راح العذول يطيل العذل قلت له ... أقصر فسمعي فيه اللوم لم يلج
والروح قد تلفت لم تلق من فرح ... ما بين معترك الاحداق والمهج
وصحت مصطرخا والحب ير مقني ... أنا القتيل بلا إثم ولا حرج
يا متلفي في الهوى لي مقلة نظرت ... شوقا إليك وقلب بالغرام شج
أهيم فيك إلى أن لم أجد رمقا ... ولم أقل جزعا يا ازمة انفرجي
ومن شعر صاحب الترجمة:
ما بين سفح الأخشبين فؤادي ... خلفته فلذا عدمت رشادي
ولبعده عن ناظري تسابقت ... حمر الدموع على الخدود غوادي
ولجيرة سكنوه قلبي في النوى ... مقتول عشق ما له من فادي
يا أيها الغادي لذاك الحي قف ... بين الربوع مسلما يا غادي
عرض بذكري عند من أحببته ... باللطف حيث منازل الأوتاد
فعسى يقل كيف العبيد تركته ... أم كيف حال المستهام الصادي
واشرح له فرط الغرام بحبه ... وانقل حديث تفتت الأكباد
قل عبدك المضني له وله إلى ... رؤيا جمال جل عن أنداد
ومن اللطائف في هذا الباب قول الواواء الدمشقي:
بالله ربكما عوجا على سكني ... وعاتباه لعل العتب يعطفه
وعرضا بي وقولا في كلامكما ... ما بال عبدك بالهجران تتلفه
فإن تبسم قولا عن ملاطفة ... ما ضر لو بوصال منك تسعفه
وأن بدا لكما من سيدي غضب ... فغالطاه وقولا ليس نعرفه
وللشريف الرضي في هذا الباب:
أيها الرائح المغذ تحمل ... حاجة للمتيم المشتاق
اقر مني السلام أهل المصلى ... فبلاغ السلام بعض التلاقي
وإذا ما مررت بالخيف فاشهد ... أن قلبي إليه بالأشواق
واذا ما سئلت عني فقل نض ... وهوى ما أظنه اليوم باقي
وابك عني فطالما كنت من قب ... ل أعير الدموع للعشاق
ومنها يقول:
أمعيني على بلوغ الأماني ... وشفائي من علتي واشتياقي
أينعت بيننا المحبة حتى ... جللتنا والدهر بالأوراق
كم مقام خضنا حشاه الى الله ... وجميعا والليل ملقى الرواق
ومزجنا خمر الرضا بين في الرش ... ف برغم المدام تحت العناق
قم نبادر رمي الظلام ببين ... فسهام الخطوب في الاتفاق
نحن غصنان ضمنا عاطف الوج ... د جميعا في الحب ضم النطاق
في جبين الزمان منك ومني ... غرة كوكبية الائتلاق
كلما كرت الليالي علينا ... شق منا الوفاء جيب الشقاق
ومثله للصاحب بهاء الدين زهير :
وخذ جانب الوادي كذا عن يمينه ... بحيث القنا يهتز منه طواله
هناك ترى بيتا لزينب مشرقا ... إذا جئت لا يخفى عليك جلاله
فقل ناشد عان ومن ذا ومثله ... لذي جيرة لم يدر كيف احتياله
فعرض بذكري حين تسمع زينب ... وقل ليس يخلو ساعة منك باله
عساها إذا ما مر ذكري بسمعها ... تقول فلان عبدنا كيف حاله
وبديع هنا قول البهاء زهير أيضا:
فيا نسيم الصبا أنت الرسول له ... والله يعلم أني منك غيران
بلغ سلامي إلى من لا أكلمه ... أني على ذلك الغضبان غضبان
لا يا رسولي لا تذكر له غضبي ... فذاك مني تمويه وبهتان
فكيف اغضب لا والله لا غضب ... أني بما رام من قتلي لفرحان
يلذ لي كل شيء منه يؤلمني ... أن الإساءة عندي منك إحسان
في كل يوم لنا رسل مرددة ... وكل يوم لنا في العتب ألوان
استخدم الريح في حمل السلام لكم ... كأنما أنا في عصري سليمان
ولصاحب الترجمة:
عقل المتيم فيك حائر ... أو ما تراه اليك طائر
والصبر مر وقد حلا ... عيشي بحبك في العشائر
إنكار غيرك في الهوى ... فرضي وأني لست ناكر
أخفيت فيك تولعي ... أبدته أدمعي المواطر
وكتمت فرط صبابتي ... فتقرحت منه المحاجر
وملكت رقي ها أنا ... عبد الجمال إليك سائر
ديني هواك ووجهتي ... لجمال وجهك في السرائر
عذبتني ولي الهنا ... يا من لعقل الصب باهر
أصبحت في وجدي كما ... لي في الهوى أمسيت هاجر
وقطعت فيك مواصلي ... وتركت درسي والدفاتر
ونسيت ألفي نافيا ... عني البوادي والحواضر
لكن لأجل تستري ... كررت أسماء المظاهر
وذكرت سلمى والرباب ... وزينب بين العشائر
يا جنتي وجهنمي ... في حالتي قرب ونافر
أنت المنية والمنى ... وتنزهي دون الأزاهر
ولأنت شمسي والضحى ... والنور لا تلك الزواهر
يا روع راحاتي ويا ... إنسان عيني في النواظر
وهذه القصيدة عروض قصيدة بهاء الدين زهير. وقيل هي للشيخ عمر بن الفارض وهي على طريقة الغرامي:
غيري على السلوان قادر ... وسواي في العشاق غادر
لي في الغرام سريرة ... والله أعلم بالسرائر
وهي مشهورة. ولي أنا على هذا المنوال من الغرام على هذه القافية:
نسمة الروض ضوعتها الازاهر ... وذكت أطيب العبير المجامر
مالت القضب والغصون وماست ... فحمام النوى من القلب طائر
خفقت راية الغصون فدقت ... زمر الريح في الفؤاد البشائر
وعلتها بلابل الأنس لما ... شق جيب الشقيق صوت المزامر
ما ترى الروض قد تكلل حسنا ... قم وقلنا من نار حر الهواجر
وتنبه لرقة العيش واغنم ... فرصة الوقت فالزمان مسافر
بين روض ونرجس وأقاح ... بدور وأنجم ودياجر
وارشف الشهد من مباسم غيد ... واعتنق في الدجا المها والجاذر
واجن وردا من الخدود مريعا ... بخفاء عن العيون النواظر
أخذت حسنها عن الشمس لما ... هتكت في عيونها كل ساحر
وأعارت إلى السيوف مضاء ... وسناء إلى الظبا والبواتر
خطرت وانثنت ومرت دلالا ... فوددت المرور فوق المحاجر
ورنت في العيون واللحظ تسطو ... وأنا في الهيام أضحيت حائر
طمع القلب في الوصال بليل ... حيث قد قيل إنما الليل كافر
أسكرتني بلفظها حيث قالت ... لوصال الملاح شقت مرائر
ما شكوت الصدود إلا ورقت ... فتعجب لمن شكى وهو شاكر
حشدت من جمالها جيش حسن ... وسطت في الورى بتلك العساكر
جردت أسهم اللحاظ وغارت ... وأنا في غرامها لست غادر
أبعدتني عن الركائب تيها ... فسرت والفؤاد بالركب سائر
يا لها من مليحة تاه فيها ... ساهي قلب من الغرام وساهر
لا تلمني على محبة ظبي ... سكن القلب والحشى والضمائر
لم أفه باسمه ولو مت هجرا ... وهو أدرى بما تكن السرائر
فسقى الله معهدا لظباء ... حادث الدهر عنه قد كان نافر
كم ليال مرت لنا في ذراه ... وأنا في الوصال ناه وآمر
يا لها في الزمان أوقات وصل ... ظل من طيبها نقوش الدفاتر
ومن شعر صاحب الترجمة:
أبعدت عن ناظري تلك الخيام ... فعلى سكانها مني السلام
أيها الحادي إليها قف على ... أيمن الوادي ونادي يا كرام
في نواحي موصل الحدبا لكم ... عبد رق نوحه فاق الحمام
يشتكي فرط اشتياق مسه ... طرفه بالبعد جافاه المنام
ولما له من حب المشايخ من الشغف فكثيرا ما يتتبع كلام الشيخ ابن الفارض. وهذا كقول الشيخ رضي الله تعالى عنه:
يا سائق الظعن يطوي البيد معتسفا ... طي السجل بذات الشيح من أضم
عج بالحمى يا رعاك الله معتمدا ... خميلة الضال ذات الرند والخزم
وقف بسلع وسل بالجزع هل مطرت ... بالرقمتين اثيلات بمنسجم
ناشدتك الله أن جزت العقيق ضحى ... فاقرئ السلام عليهم غير محتشم
وقل تركت صريعا في دياركم ... حيا كميت يعير السقم للسقم
فمن فؤادي لهيب ناب عن قبس ... ومن جفوني دمع فاض كالديم
وهذه سنة العشاق ما علقوا ... بشادن فخلا عضو من الألم
وكقول الشيخ رحمه الله تعالى من أخرى:
يا راكب الوجناء وقيت الردى ... أن جبت حزنا أو طويت بطاحا
وسلكت نعمان الأراك فعج إلى ... واد هناك عهدته فياحا
وبأيمن العلمين من شرقيه ... عرج وأم أديمه الفواحا
وإذا وصلت إلى ثنيات اللوى ... فأنشد فؤادا بالأبيطح طاحا
واقر السلام عربية عني وقل ... غادرته لجنابكم ملتاحا
ومنها يقول:
مذ غبتموا عن ناظري لي أنة ... ملأت نواحي أرض مصر نواحا
وإذا ذكرتكموا أميل كأنني ... من طيب ذكرا كم سقيت الراحا
تتمة القصيدة المترجمة
ألم أودى به يا ليته ... ساعة يحظى بكم قبل الحمام
يا أصيحابي اشرحوا حالي لهم ... وانقلوا عني أحاديث الغرام
آه مما ذقت من حر الجوى ... والهوى أوهى بجسمي والعظام
وفؤادي كاد من نار القلى ... يتسلى مذ تولاه السقام
ما لثكلى حزن مثلي على ... فرقة الأحباب بعد الالتئام
يا زمان الوصل هل من عودة ... فو حق الشوق أني مستهام
ما لقلبي سلوة عنهم كما ... ما لهم لي وصلة بين الأنام
عذب التعذيب فيهم حيث لم ... اسمع العذل وان طال الملام
جيرتي طال الجفا حتى نفى ... عن جفوني الغمض والسلوى حرام
لست أخشى الموت في عشقي بل ... أختشي اقضي وما اقضي مرام
يا مسلم دم على أعتابهم ... خاضعا تنج غدا يوم الزحام
وله أيضا:
برق الغمام بأفق القلب قد لمعا ... وجمر شوقي بكانون الهوى سطعا
وسحب دمعي لأرياض الخدود سقت ... وغصن عشقي بأرض الوجد قد نبعا
يا ساكنا بديار القلب قد برحت ... بك المنازل تحكي العيد والجمعا
أخذتني وملكت القلب فانعقلت ... بك الحشاشة تحكي البعد والجزعا
وله أيضا:
أنت المنى ومنيتي تحلو إذا ... ما رمت قتلي دع أموت قتيلا
لا أستطيع الصبر عن حبيك لو ... أسقيت من سحب الملام سيولا
وله أيضا:
يا عاذلي في الهوى دعني أمت كمدا ... فالموت قصدي بحد الوجد أن حصلا
من مات شوقا بمن يهواه عاش ولا ... خوف عليه ولا حزن له وصلا
أخذه من قول الشيخ ابن الفارض رحمه الله تعالى:
من لي بإتلاف روحي في هوى رشأ ... حلو الشمائل بالأرواح ممتزج
من مات فيه غراما عاش مرتقيا ... ما بين أهل الهوى في أرفع الدرج
وقال أيضا رحمه الله تعالى:
يا قلب أنت ودعتني في حبهم ... صبرا فحاذر أن تضيق وتضجرا
أن الغرام هو الحياة فمت به ... صبا فحقك أن تموت وتقبرا
ولصاحب الترجمة:
لو في هواك القلب يسلى ... ما كان يوما عنك يسلا
حتام ترمي مهجتي ... من مقلة دعجاء نصلا
يا فاتني بجماله ... هيمت لي قلبا وعقلا
كم ذا تعذب مالكي ... عبدا بجمر الشوق يصلى
ما آن أن ترثي له ... من قبل أن في الحب يبلى
تيمتني يا قاتل ... مهلا حبيب القلب مهلا
كم ذا التجني والنوى ... هل لا رحمت الصب هل لا
يا مفردا في حسنه ... جد للمتيم منك وصلا
أمسى طريحا فصلت ... أوصاله الأحزان فصلا
فأنينه لا يختفي ... وحنينه للوصل أعلى
والدمع فاض كعندم ... والقلب بالأشواق يقلى
يا من كساني حبه ... من بعد ثوب العز ذلا
ما أنت إلا فتنة ... للخلق تفصيلا وجملا
بالقد افتنت القنا ... منك اكتست قدا وعدلا
وفضحت غزلان النقا ... بالطرف عادت وهي خجلي
مولاي جد وارحم فتى ... لم يستطع للصد حملا
للروح راح مسلما ... لم يدر ترضى الروح أم لا
وله مخمسا لأبيات الشيخ الأكبر حضرة محي الدين ابن العربي قدس الله سره:
غمام غمي بكربي يمطر الأسفا ... ومدمعي عندم قد قارب التلفا
فقلت مذ بان ذنبي مفرطا سرفا ... أن كان يونس قد ناجاك معترفا
بذنبه عند ما أدخلته الظلما ... لا علم أدريك فيه لا وليس عمل
دنياي قد صيرت جسمي بسوء خبل ... حالي لقد حال من جهلي غدوت مثل
فالجهل كالليل والبحر المحيط هو ال ... دنيا وجسمي هو الحوت التي التقما
يا منيتي لم تزل بي في الأمور حفي ... لكن لحظي وبعدي قد بدا تلفى
فليس لي عمل يرضيك من سرف ... فكل حين أنا العاصي المغاضب في
بحر الحظوظ غريق اشتكى الألما ... الطاف جودك بالاحسان قدسني
وسود ذنبي برؤيا الغير دنسني ... أن كان أيوب قال الضر يمسسني
فما أنا يونس واللطف يؤنسني ... أدعوك مبتهلا فاسمح وجد كرما
وله مخمسا أيضا:
عذبت قلبي بالبعاد وخاطري ... فلذا لروحي قلت وجدا خاطري
فإذا قصدت زيارتي يا هاجري ... بالله ضع قدميك فوق محاجري
فلقد رضيت من الوصال بذاكا ... طرفي لفرط الهجر ليس بهاجع
بعد السهاد سهى بطرف هامع ... فارفع بفتح الوصل خفض مطامعي
وأطل محادثتي فإن مسامعي ... تهوى حديثك مثل ما أهواكا
ترجم له محمد امين العمري في منهل الاولياء 1: 302 فقال: «الشيخ أحمد بن مسلم الشهير باخي بابا. كان رجلا فاضلا، له خبرة بلسان القوم وطريق الصوفية مع مشاركة في غير ذلك. وله نسبة الى عمر بن الخطاب، ولم أقف على صحتها أو فسادها. وكان فيه صلاح وتقوى. ومات بعد سنة سبعين بخمس سنين فيما اظن.
وله شعر رقيق من الطريق الغرامي، يتابع فيه الشيخ عمر بن الفارض ثم اورد له ثلاث مقطوعات. وترجم له محمد الغلامي في شمامة العنبر 233 - 241 فقال أحمد مسلم بن عبد الرحمن: «شيخ في جبهة الايام غرة. وفي قلوب الفتيان مسرة، ... أديب مداح، وبلبل صداح، امتزج شعره في مدح الانبياء وأهل الصلاح له من المسامرة ماتود أيها المسافر ان تزيد في طول ليلها سواد الخال من وجنة حبيبك الوضاح، بل تتمنى لبقائها ان يمحو الليل آية الصباح. ومعاشرته سلوة المحب عن الحبيب، والمزين عن الطبيب. وأما ملحه فمرقصة مطربة، ونوادره مشرقة مستغربة. وأما سياحته فهلال هل في آفاق البلاد لا تغيره اختلاف المطالع. ومنزله بين أهل المعارف فكالشمس في الحمل أشرف المواضع. له معنى من لطائف الصحبة ما يود عذار المليح ان يكون سطرا من كلامه مكتوبا، ولآلئ عرق المحبوب ان ينتظم في سلك درر أحاديثنا جامدا مثقوبا.
تبوأ له من قلبي أشرف دار. ولا بدع فان جار الدار أولى بهذا الجار، جاري الذي هو في الجسد كالروح جاري. زند أدبه الوارى، اقتبس فكري جذوة من عنصره الناري.
لعبت في هذا الأديب في مبتدأ ايامه نسائم صباه: فساح في الارض كدمع العاشق الأواه، فشرق وغرب كفكر يلوح في قلب مهجور يحتال للوصال على أن عقله وادراكاته أرسى من الجبال. وها هو شيخ معمر وعقله عقله لم يأخذ منه الكبر، وأدبه أدبه روض معاهد تعاهدها المطر. وملحه ملحه كنز دقائق ودرر، ونشاطه نشاطه لم يعتر المحاق عند ما تم ذلك القمر.» ثم ذكر له قصيدة لامية طويلة يعارض فيها «بانت سعاد» وقصيدة نونية وثانية قافية وموشحة ثم قصيدة قافية في الجناس المذيل وتخميسين ولم يذكر صاحب الروض من كل ذلك الا التخميس الذي ذكره في آخر المختارات من شعره.
وترجم له صاحب هدية العارفين 1: 171 فقال: الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الموصلي القادرى الرفاعي الشهير بالمسلم صنف «تذكرة المتذكر وتبصرة المتبصر و سراج الكلام في شرح كف الظلام
و الدر النقي في فن الموسيقى طبعت سنة 1364 وناشرة الفرح وطاوية الترح منه نسخة في خزانة كتب جامع النبي شيت في الموصل مخطوطات الموصل 212
وترجم له صاحب العلم السامي ترجمة لا تزيد على ما ذكرنا شيئا ومما يلاحظ ان اسمه جاء في منهل الاولياء حمد بن مسلم وهو خطأ فهو ابن عبد الرحمن ومسلم لقب له وليس باسم ابيه
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر-الجزء الثاني-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمري-ص330-349