الحاج زينل علي رضا
الحاج زينل علي رضا
قصير القامة أبيض اللون تشوب بياضه حمرة، تزين وجهه لحية بيضاء متكاملة ونظرة رقيقة حانية وكان دائما يرتدي البياض فتراه في لباسه الأبيض من الكتان وقد وضع العمامة الحجازية على رأسه فتطالعك صورة رجل وقور إلا أنك تشعر أن هذه الصورة تفيض حنوا وحبا، وقد أدركته في الأربعينات قبل دخول السيارات إلى البلاد وهو يمتطي صهوة حصان أحمر اللون - ولقد كان كبراء جدةجميعا يستعملون الخيل في تنقلاتهم في العهد العثماني والعهد الهاشمي ـ حيث لم تكن السيارات قد وصلت إلى البلاد أو على الأصح لم يكن يسمح بدخولها الشريف الملك الحسين بن علي كما أسلفنا في حلقات سابقة من هذه التراجم وكان لهؤلاء الكبراء اسطبلات للخيل وسواس يرعونها ولقد أدركت هذا العهد الذي ظل سائدا في مدينة جدة إلى أن بدأ العهد السعودي فسمح بدخول السيارات وتألفت شركات خاصة وعامة لها بعد ذلك.
نعود بعد هذا إلى الحاج زينل علي رضا فنقول إنه كان من أكبر تجار جدة وقد أسس مع شقيقه الأصغر الحاج عبدالله علي رضا قائممقام جدة الأسبق مع بيتهم التجاري في مدينة جدة ثم في بومباي، وكان الحاج عبدالله هو المدير الفعلي لهذا البيت التجاري في الوقت الذي كان فيه الحاج زينل يكبره في السن.
إن ما يلفت النظر في سيرة الحاج زينل ليس ثراؤه وتجارته فما أكثر التجار وأصحاب الثراء ولكن ما عرف عنه من البذل الكثير وخاصة للفقراء والمساكين، لقد رأيت الحاج زينل والمساكين يحيطون به في مسجد المعمار كلما ذهب لأداء الصلاة ويلتفون حوله وهو خارج من داره سواء للمسجد أو لزيارة بعض أصدقائه، فيقف لهم باسما ويمنحهم الأعطيات، ولم يكن يظهر عليه التأفف أو الضيق وهم يعانقونه ويتوددون إليه، بل كثيرا ما رأيتهم يوقفونه في الطريق ويدلون إليه بحاجاتهم فلا يجدون إلا يداً سخية ووجها باشا وكلاما حسنا، وهذه الصفات لا تدل على الكرم المطبوع فحسب وإنما تدل على أن نفس الرجل قد اشربت حب الخير والعطف على المحتاجين فبذل لهم من نفسه كما بذل لهممن ماله ورفده.
وخلال الحرب السعودية الهاشمية كانت مدينة جدة محاطة بالأسلاك الشائكة وكان السلطان عبد العزيز يعسكر بجيشه في الرغامة وكانت المدينة تعاني من الحصار، كما أن واردات جدة من البضائع قد تأثرت بسبب الحرب أقول في تلك الأيام كان الحاج زينل علي رضا يتولى ذبح الذبائح وطبخ الطعام من الأرز ليطعم هؤلاء الفقراء والمساكين وكنت أراه وهو يقف بنفسه أمام القدور العظيمة التي يطهى فيها الطعام وينظر إلى الطاعمين في بشاشة ولطف وإيناس، كما رأيته وهو يأمر بإخراج بالات السليطي ـ قماش من القطن نباتي اللون تستعمله البادية في الثياب - فتوزع على هؤلاء الفقراء ثيابا تكسو أجسادهم وتدخل السعادة إلى قلوبهم ولقد اشتهر الحاج زينل رحمه الله بحبه للفقراء وحدبه عليهم حتى لقب بأبي المساكين.
وَالِد مُؤسّس الفلاح
ولعل من المهم هنا أن نذكر أن الحاج محمد علي زينل مؤسس مدارس الفلاح الشهيرة والعظيمة هو الابن الأكبر للحاج زينل رحمهما الله فكأنَّ حب الخير الذي تأصل في نفس الحاج زينل قد انتقل إلى ابنه البكر الحاج محمد علي فقام بعمله العظيم الخالد في إنشاء مدارس الفلاح والإنفاق عليها طيلة ما يقرب من أربعينعاما فكانت حسنة عظيمة وصدقة جارية فكان هذا الشبل من ذاك الأسد ولقد كان الحاج زينل يرغب أن يرى ابنه محمد علي وهو يعمل في بيته التجاري ليكون امتدادا لاسمه وعمله ولكن فكرة نشر العلم التي استأثرت بجهود محمد علي صرفته عن العمل في ظل أبيه فانفرد بعمله الخاص في تجارة اللؤلؤ، وقرت عين الحاج زينل بابنه محمد علي وهو من أعظم الرجال ثراء وإن كان يستعمل هذا الثراء في تعليم أبناء الأمة وإعدادهم رجالا للبلاد، ولا شك أن الله تعالى اختار لكليهما ما هو خير فليس أسعد من أن يرى الانسان ابنه وقد شق طريقه في الحياة وأثمر سعيه وتهيأت له أسباب النجاح فظهر اسمه ولمع نجمه.
ولقد رأى الحاج زينل ذلك في ابنه محمد علي كأحسن ما يمكن أن يرى أب في أبنائه وهذا هو صنع الله العلي القدير لمن شاء من عباده وحكمته البالغة في التدبير والتقدير.
وفاة الحاج زينل
هذا ولقد توفي الحاج زينل علي رضا عام 1348 هـ بمدينة جدة عن عمر يناهز الرابعة والثمانين من العمر إذ كانت ولادته عام 1265 هـ واشترك أهل جدة كلهم في تشييعه والصلاة على جثمانه، وكان أبرز ما رؤي في هذه الجنازة بكاء الفقراء وعويلهم على الفقيد الراحل ومزاحمتهم الأعيان والأثرياء في حمل جثمانه والصلاة عليه، تغمده الله برحمته الواسعة فلقد كان مثلا في البر بالفقراء والمساكين.
أعلام الحجاز، تأليف محمد علي مغربي الجزء الأول – ص 36 - 40.