حسين الغلامي ومن أبناء عمهم الشاب الأرشد حسين بن محمد
اللذان هما في مجرة سماء المعالي كالفرقد. فهو كأبيه، ذلك الماجد النبيه، الذي تنثر الدراري من فيه. وأما الحسين فهو قسيم الإبريز ونفس اللجين، له أدب حسن، ومجموعهم حسن، وهم في الحقيقة شامة الزمن. وهو نادرة شرق البلاد وغربها، ووحيد عجم هذا الإقليم وعربها. القابض على شوارد البلاغة من أزمتها،
ترجم له صاحب منهل الاولياء 1/ 257 فقال عنه الاديب الكامل حسين بن محمد الغلامي: أديب ماهر وناظم ناثر وعالم شاعر له باع طويل في الفنون الادبية والعلوم العربية مع مشاركة في المعقول وعلمي الفروع والأصول
قرأ على شيخنا موسى الحدادي وغيره وتخرج به ومهر ولكنه لم يتوفق له التدريس والتفرقة لاشتغاله بالموانع ومنادمة الملوك وحفظه للتواريخ والشواهد والمناسبات لا ينكر وفضله في ذلك اشهر من ان يذكر
ثم ذكر عشرة ابيات مختارة من القصيدة البائية في مدح امين باشا الجليلي وهى التي اوردها المؤلف كاملة. وقال بعدها: ما احسن هذا الديباج الا اني لا ارى لقوله ما غادرت مكرمة الا وقد حزتها الى آخره كثير طائل لان من جملة المكارم التقوى والحلم والعفة واللين والرحمة ومثلها لا يتصور حوزه بالسمر والقضب وكذلك قوله من هام كل لبيب الأولى من هام كل لئيم ونحوه اذ لا معنى لقتل الالباء وأصحاب العقول
وترجم له صاحب كتاب قرة العين فقال عنه شيخ الأدب وشاعر باهر واريحي ماهر توفي سنة الف ومائتين وسنة ومن شعره:
هذا المرام وهذا غاية الطلب وذكر القصيدة التي ذكرها اخوه في منهل الاولياء.
وترجم له أبوه في شمامة العنبر (ص 125 - 130) فاثنى عليه ثناء كثيرا ثم ذكر له القصيدة البائية التي أوردها المؤلف ثم قصيدة في مدح النبي ﷺ مطلعها:
اورقاء تلك الأيك بالله رجعي ... عسى تسعديني في اراقة مدمعي
وقصيدة دالية مطلعها:
أأحبابنا مهلا فهذي المعاهد ... قفوا ساعة رفقا لعلي أناشد
والحاوي لمنتخبات نوادر الفصاحة بكمالها ورقتها. الذي مهد له الأدب في قبابه موضعا واحله من سماء المعارف مطلعا ملك الأدب بجملته، وسلمه زمام أعيانه وجلته فأعطته الكمالات أسرارها وأصعدته المعالي أسوارها
معارف أدهشت من ليس ذا نظر ... وسار سيرتها في السهل والجبل
فهو في الأدب الماء العذب النمير الذي ماله في نظم القريض نظير وقد أوردت من شعر النادر النظام الفريد الذي ما عليه كلام
فمن شعره قوله في مدح حضرة أمين باشا سلمه الله تعالى:
هذا المرام وهذا غاية الطلب ... وهذه ساحة العلياء والطرب
وذي المكارم قد وافى الزمان لها ... وقد سعت خببا تهدى بلا طلب
زفت إليك أمين الله مكرمة ... إذ كنت كفؤاً لهايا كامل الأدب
أمهرتها سؤدداً زادت به شرفا ... لان مجدك مجد غير مكتسب
هنيت فيها ودام السعد مرتقيا ... يعلو على قمة الجوزاء والحجب
أبا سليمان ما غادرت مكرمة ... إلا وقد حزتها بالسمر والقضب
أنقذتنا يا أمين الأمن من زمن ... قد بات فيه ذو والالباب في رعب
غذيت صارم عدل بات مختضبا ... من هام كل لبيب بالضلال ربي
شددت أزر العلا بالحكم فاندحرت ... جل الطغاة بما لاقوا من العطب
تبارك الله إذ ولاه نعمته ... وقد حباه بما أعطاه من رتب
فهو الكريم الذي يعطيك نائله ... من غير من ولا سؤل ولا سبب
ما حاتم حين أعطى من نفائحه ... إلا كبعض الذي يعطيه من نشب
هذا الهمام أبو العلياء منذ نشا ... أحيا موات الندى من سيبه العبب
له فصاحة لو سحبان أدركها ... لجاء معتذراً في زي منتسب
وكم شؤون له يوم النزال بدت ... فأوقعت عطبا في الجحفل اللجب
فهو الزبر مع الأشبال في أجم ... توقه في الوغى واحذر من الغضب
ودانه عند ما يسخر تجد ملكا ... يحييك فوق الذي ترجوه في طرب
يمم مطالع جود من سماحته ... فان نجم العطايا غير محتجب
وغص بساحل نيل منه منسكبا ... وحز لآلي الندى من فضله العذب
قد جاء ذو أدب بالغيث شبهه ... الغيث قطر وهذا ماطر الذهب
لا زال في نعم والله كالئه ... من الحوادث والأكدار والنصب
ومن شعره قوله مخمساً:
ظننت أهيل الود عني تدفعوا ... نزول خطوب للزمان وتردعوا
فيا خلة راموا هلاكي وأزمعوا ... تخذتكم درعاً حصينا لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها ... حبوتكم عزا بأصغى سريرة
وواصلتكم دهراً بعين قريرة ... وأخلصتكم ودي على غير ريبة
وكنت أرجيكم ليوم كريهة ... إذا فارقت كف اليمين شمالها
علام غدرتم بالوفي وخنتم ... زمام خليل برهة ما وفيتم
فما ضر لو صافيتم ووصلتم ... تعالوا إلى الإنصاف نحن وأنتم
وخلوا العدى ترمي علي نبالها ... فإن لم تكونوا كاشفين لشدة
ولا بان منكم غير سوء طوية ... فلم لا حفظتم عقد ود وذمة
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة ... فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
ولما كان تخميس هذه الأبيات مبنيا على حكاية، وكان التخميس بأمر حضرة أمين باشا خمسه الكثير من الناس فمنهم أحد رجالنا السيد موسى الحدادي :
حسبتكم عند الحوادث تنفعوا ... فأودعتكم سرى وللسر موضع
فيامن على قتلي سعوا وتجمعوا ... تخذتكم درعا حصيناً لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها ... جعلتكم عندي بأرفع رتبة
وكان اعتمادي فيكم خير عصبة
وسامرتكم ليلي على صفونية ... وكنت أرجيكم ليوم كريهة
إذا فارقت كف اليمين شمالها ... فماذا الذي مني بدا إذ قطعتم
ودادي وأحللتم دمي وغدرتم ... أقول لكم بين الورى لو سمعتم
تعالوا إلى الإنصاف نحن وأنتم ... وخلوا العدى ترمي علي نبالها
رجوتكم لي مسندا عند محنتي ... وقلت حماتي عند دفع مضرتي
فخنتم وصافيتم عدوي لنكبتي ... إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة
فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
ومما ألبسه حلل الفخار بتخميسه يونس كاتب ديوان الإنشاء بالموصل:
ألفتكم مذ كنت في المهد أرضع ... وكنت لكم من نسمة البرد أفزع
فيا من لا تلا في استمدوا وفزعوا ... تخذتكم درعاً حصينا لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها ... وآثرتكم نفسي بأعظم غيرة
وأيقنتكم لي خير صحب وجيرة ... وأملتكم عونا لسرب مثيرة
وكنت أرجيكم ليوم كريهة ... إذا فارقت كف اليمين شمالها
عزمتم على الإسراف حتماً وهنتم ... وملتم إلى الإرجاف إذ ما وهنتم
فبالله هل تدرون ما قد سننتم ... تعالوا الى الانصاف نحن وأنتم
وخلوا العدى ترمي علي نبالها ... ولا زلتم بالنقض والنكث كالتي
واني بكم لا زلت أدفع بالتي ... فبعد اللتيا آخر القول والتي
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة ... فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
وقلت أنا:
فيا من على قتلي أصروا وأجمعوا ... وحفظ عهودي للخيانة ضيعوا
لما كنت منكم زخرف القول اسمع ... تخذتكم درعاً حصينا لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها ... ظننت بكم نفعاً لدى عظم رهبة
وأملتكم أعوان ضنك وكربة ... وكنت لكم خلا بحسن طوية
وكنت أرجيكم ليوم كريهة ... إذا فارقت كف اليمين شمالها
لما قد جفيتم بعد ذاك وبنتم ... وفي زعمكم ودي عن الغير صنتم
صفوت فكدرتم حفظت فخنتم ... تعالوا إلى الإنصاف نحن وأنتم
وخلوا العدى ترمي علي نبالها ... حسبتكم ملجا بكل مهمة
وذخرا لدى الجلي بأرفع همة ... فخنتم ولم ترعوا لعهد وذمة
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة ... فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
وممن كللها ريحانة الأدباء محمد الغلامي :
على نقض عهدي سل صحاباً تجمعوا ... وقل هل بقى في القلب للصلح موضع
فيا من حفظت العهد فيهم وضيعوا ... تخذتكم درعا حصينا لتمنعوا
سهام العدى عني فكنتم نصالها ... رعيت الوفا فيكم بعين نبيهة
وكم صنتكم عن كل ذات سفيهة ... بنفس لنا عن كل غش نزيهة
وكنت أرجيكم ليوم كريهة ... إذا فارقت كف اليمين شمالها
أأصحابنا عنا الجميل أبنتم ... رعيت لكم عهداً قديماً وخنتم
فيا مدعين العدل فيما سننتم ... تعالوا إلى الإنصاف نحن وأنتم
وخلوا العدى ترمي علي نبالها ... خصائلكم أملتها برد نسمة
على كبدي جاءت عواصف نقمة ... فيا من رجوناهم لكل مهمة
إذا لم تكونوا لي لدفع ملمة ... فكونوا كنفس لا عليها ولا لها
ولما شاعت معاطاة أولي النفوس الأبيات، تخميس هذه الأبيات، أرسلت إلى الغلامي محمد هذا الأديب المذكور بأن ينظم أبياتا في مدح حضرة أمين باشا المشار إليه فنسج على منوالها واستهزأ بعقود على لآلئها وهي:
صحبت أناساً فاختبرت رجالها ... أتحسن بالصنع الجميل فعالها
فكانوا علينا ليلة ذات حندس ... أبى الله إلا أن أكون هلالها
أأصحابنا لا كنتم الشمس بهجة ... وعارضكم بدري أحال كمالها
وأظهر في عين الكمال كسوفها ... وقاربها ظهري فأبدى زوالها
تخذتكم روحاً لتسكين فتنة ... من الدهر تغشاها فكنتم جدالها
وأعددتكم ترساً يقيني سيوفها ... إذا نسفت دهم الحروب جبالها
فجرتم واتهمتم سواكم بجوره ... كشوهاء عابت في المرأة خيالها
فخلوا سبيلي التقي الخطب مفرداً ... إذا ما موداتي قطعتم حبالها
فلي صدر حر في المعامع واسع ... إذا كسرت فوق الدروع نصالها
إذا غضبوا قومي وكانوا بمعزل ... بصد أموري لا أخاف اختلالها
وإن نحن أعرضنا عن الصحب ساعة ... وإن قربت منا أملنا اعتدالها
ومن سد فك الأفعوان بكفه ... وأهلك نفساً لا يلوم نكالها
ومن عارض السلطان في عز ملكه ... فقد سام منه محنة لا دوالها
بني معشري أولاكم الدهر رفعة ... وينبوعها مني ومني اشتمالها
فلي في نحور الناس أطواق نعمة ... ظننتم بأن الناس ليست عيالها
ظلمتم فقد أوردتكم أي رفعة ... ولم أر إلا بالأمين انفصالها
هو الرجل الحامي العشيرة دأبه ... يغض حليماً إن أخلت كمالها
أحب العلا طفلا فامهرها الندى ... وكان لها كفؤا فأدنت وصالها
وميل في يوم الجلاد ببأسه ... جبابرة سحب العطا ما أمالها
فودت أهلات الشهور بخيله ... لما حاز من عليا تكون فعالها
وسال بيوم الجود فيض يمينه ... فقل للغوادي أن تحاكي شمالها
جميل حباه الله أحسن طلعة ... فقامت بدور التم تحكي خيالها
وكم عبقت في الناس أنفاس ذكره ... فرق نسيم الروض يروي خصالها
إليك أبا سلمان خذ بنت ساعة ... لدى السدة العلياء حطت رحالها
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر-الجزء الاول-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمري-ص496