محمد امين الطيب
محمد أمين بن إبراهيم بن يونس بن ياسين
سراج ذلك الربع وبدرها المستغني عن القنديل والشمع والنازل بها منزلة البصر والسمع نادرة ذلك البيت الذي باهت به رجالها واتممت بادبه أدبها وكمالها. فهو بحر فلكهم، وعقود سلكهم
ترجم له صاحب منهل الاولياء فقال محمد أمين بن إبراهيم بن يونس بن ياسين المفتي:قد سبقت اشارة الى ترجمة جده ياسين. فانه كان كبير المصر شرفا ورئيسهم فضلا وعلما علومه مشهورة،ومناقبه غير محصورة ومواقفه لنفع العامة مذكورة وكانت له صدقات جارية على أهل العلم والفضل.وكف بصره آخر عمره وكانت وفاته سنة خمس وثلاثين ومائة والف. ومنه أخذ علي العمري الفتوى ولم يبق له من العقب السالكين على منهجه سوى حفيده هذا فانه فاضل بارع جمع فاوعى وألف وصنف، وقرأ العلوم على عدة رجال من أهل الموصل. وعلماء الاكراد وابناء حيدر ومهر في علم الطب وله فيه مصنفات مفيدة، وفوائد سديدة وعلاجاته ابقراطية وتدبراته جالينوسية وبالجملة فلا قرين له في علمي الطب والتشريح وقد استفدنا منه فوائد جمة في العلمين وله في الشعر باع طويل ونظر حاذق ومنظوماته في غاية اللطف، ومنشوراته في نهاية الظرف نظم بديعة رائعة النمط، غريبة الحوك، بديعة الصوغ، بينة الانسجام
وكم له مثلها من قصيدة عجيبة ومقاطع انيقة. واما الديانة فهو مطلع نجومها، ومظهر اسرارها، يلازم على السنن والاذكار والتوحيد حسن الصلاة طويل القيام. كثير الخشوع يعاشر الفقراء مع التواضع ويعامل الاغنياء بالترفع في حسن سمت وطهارة طبع وقد جاوز الان ستين سنة وكانت له قرية باعشيقة وكان ينقل اليها عياله في فصل الربيع واولاده كلهم فضلاء شعراء! ابراهيم وعبد الله وسليمان ومحمد بديع ثم ذكر من شعره تقريضه لكتاب الروض النضر سيذكرها صاحب الروض في ترجمته كما ذكره ياسين العمري في كتابه غاية المرام فقال عنه ومما يدلك على فضله وطيب فرعه واصله، ماله من التصانيف منها اوراق الذهب وله اليد الطولى في الطب ومعالجة الأمراض وتركيب الادوية. وله نظم ونثر سافر الى بغداد مرارا. اخرها سنة 1184 واقام بها سنين وتزوج من احدى بنات فضلائها، وولد له منها ابناء نجباء ثم عاد الى بلده، اذ هي مأمنه ومعتمده. ولما قدم الى الموصل الوزير المحتشم علي باشا والي بغداد سنة 1220 حصل
بل وقاعدة تلك المعاقل، وقمر هاتيك المنازل، وآية نهارها وأشعة أقمارها، وديمة فضائلها، ونمو أعضائها، ونجم أفقها، وضوء فرقها، الذي هو لطلعتها غرة، ولعيونها قرة. ولزهرها نماء، ولدارها فناء، ولشهبها سماء. ولوهادها علم، ولإملائها قلم. ذو الحرم الأمن، والأدب الكامن. والأمن والأماني، والبشر والتهاني.
رئيس الأدباء، علامة الأطباء. بقراط الأدب، وردة ذلك البيت والنسب. الذي خاطبه الزمان، بأفصح لسان. بقوله:
أو لست رسطا ليس إن ... ذكر الفلاسفة الأكابر
وكذلك ان ذكر الخليل ... فأنت نحوي وشاعر
من هرمس من سيبويه ... من ابن فورك إذ تناظر
أليف الصبا وعصر الشباب، والواحد الذي لم يعتره ارتياب.
تقضت لنا معه أيام، أربت بلذاتها على الخمور والمدام. كلها أعياد ومواسم قرب واتحاد. لو ذكرت لكانت بردا محبرا
وعبقت لكانت مسكا وعنبرا. وهي كما قال الوزير الصاحب
- به بعض الامراض فاستدعاه وقربه فعالجه وخلع عليه خلعة القبول والرضى
وله ديوان شعر منه نسخة في خزانة المرحوم عباس العزاوي. وقد ذكر المرحوم الدكتور داود الجلبي في كتابه مخطوطات الموصل كتاب حاشية محمد امين على وجهة الوحدة انظر ص 137 و 223 و 245.
أبو القاسم، في مثل هذا اليوم الذي هو للأعياد مواسم
ويوم ظللنا والمنى تحت ظله ... تدار علينا بالسعادة أفلاك
بروض سقته الجاشرية مزنة ... لها صارم من لامع البرق بتاك
توسد بالصهباء اضغاث آسه ... كانا على خضر الأرائك أملاك
وقد نظمتنا للرضى راحة الهوى ... فنحن اللآلي والمودات أسلاك
تطاعننا فيه ثدي نواهد ... نهدن لحربي والسنور أنباك
وتجلى لنا فيه وجوه نواعم ... يخلن بدوراً والغدائر أحلاك
مضت أيامنا على هذا الحال ... من غير ريب واختلال. تهزا
بالربيع وأنواره، والرياض وأزهاره. ونحن الآن، على ما كنت وكان وكيف لا وهو الأديب الذي ليس فيه شك، والمتودد الذي لم يطر على خلوصه فك له في الطب والأدب أبواب لم يكن لغيره إلى تلك الدور دخول ولا إلى تلك المعالم انسياب. له من النظم ما هو كالعقود والجوهر ومن النثر ما هو في المذاق كالسكر المكرر.
قد أثبت منه ما يستحلى، وإلى أهل الأدب من عطارد يستملى.
فمن هطل ذلك السحاب، قوله لما سمع بجمع هذا الكتاب وهو:
لله روض نضير جل عن شبه ... قد حاز منتخب الآداب والكتب
مستظرف لجميع الفضل مشتمل ... على غريب بديع النظم والأدب
قد ضم أبكار أشعار محاسنها ... قد أخجلت قاصرات الطرف من عرب
وقد حوى كل فن في القريض كذا ... جمع العلوم وأنواعاً من النسب
وأبكم الفصحاء اللسن في حكم ... مخدرات عن الأفهام في حجب
لا تنكروا فضله إذ جاء تاليهم ... فإن في الخمر معنى ليس في العنب
كذا مصنفه الفرد الجواد بدا ... لقمع داء الدواهي الدهم منتدب
الوارث المجد عن آبائه الفضلا ... فليس إن فاق أهل العصر بالعجب
إن جاد فالبحر لا يوفي بنائله ... وإن سطا أهلك الأعداء بالعطب
إن أمه طالب أكفاه حاجته ... بالثوب والزاد ثم الشمع والحطب
ما جاءه قاصد يشكو ملمته ... إلا أزال العنا عن ذلك الكئب
وإن تمردت الأعداء قال لنا ... السيف أصدق أنباء من الكتب
لا عيب فيه سوى جود براحته ... قد فاق بالحلم أهل الفضل والحسب
شريف ذات زكي الأصل ذو همم ... بهي خلق جميل الخلق والنسب
ذو همة قد بدت فوق السماك علت ... قد أذهبت زلل الاكدار والكرب
سمي عثمان ذي النورين كنيته ... أبا شفيقة ثبت الجأش في النصب
يكفيك فضلا أبا نعمان يا ثقتي ... أن قد تفردت بالآداب والأرب
وفقت كل الورى طراً بمعرفة ... وحكمة وسخا يغني عن السحب
رقيت للمجد من درج إلى درج ... حتى رقيت السها بالعز والرتب
لا زلت في رفعة تسمو على شرف ... ما غرد الأيك والورقاء من طرب
وله مخمساً:
عذراء في مهد الدلال رباها ... تلفت حشاشة مهجتي بهواها
لا بد لي من وصلها وقراها ... قسماً بشمس جبينها وضحاها
وبليل طرتها إذا يغشاها ... منعوتة في خدها ذاك البهي
موصوفة في ريقها العذب الشهي ... لا انتهي عن حبها لا أنتهي
إن النفوس لغيرها لا تشتهي ... أبداً ولا تهوى القلوب سواها
يئس المحب من الملال بقربها ... ثم استجار بمن يجير بعربها
لما رأوه عائذاً من عجبها ... قالت محاسنها لوجه محبها
لنولينك قبلة ترضاها
كتاب الروض النضر في ترجمة ادباء العصر-الجزء الاول-عصام الدين عثمان بن علي بن مراد العمري-ص406