السيد صالح مجدي بك
السيد صالح مجدي بك 1242هـ - 1298هـ.
هو من نوابغ أواسط القرن الماضي الذين ارتقوا بذكائهم ونشاطهم إلى مناصب الحكومة، ونبغوا في النظم والإنشاء والترجمة، وكان ذلك صعبا نادرا قبل النهضة الأخيرة.
ولد السيد صالح في أبي رجوان من مديرية الجيزة سنة 1242 للهجرة، وتلقى مبادئ العلم في مدرسة حلوان الأميرية، ثم انتقل إلى مدرسة الألسن وناظرها يومئذ المرحوم رفاعة بك الطهطاوي الشهير، فآنس فيه أساتذته ذكاء ونباهة فألحقوه بقلم الترجمة، ورقي لرتبة الملازم وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، ثم انتقل إلى مدرسة المهندسخانة الخديوية يتولى تدريس اللغتين العربية والفرنساوية فيها، وكانت كتب التدريس في العلوم الرياضية يومئذ لا يزال معظمها في اللغة الفرنساوية، فعهدوا إلى صاحب الترجمة نقلها إلى اللسان العربي، فنقل منها كتبا جمة لا تزال ينتفع بها إلى اليوم، منها كتاب في الطبوغرافية والجيولوجية، وكتاب في الميكانيكيات النظرية، وآخر في الميكانيكيات العلمية، وآخر في حساب الآلات، وكتب في الطبيعة والهندسة الوصفية، وكلها مطبوعة، فضلا عن كتاب في حفر الآبار، ورسالة في الأرصاد الفلكية، تأليف أرجو الشهير، لم تطبع، وألف كتبا أخرى.
وفي سنة 1271م، أحيل إلى آلاي المهندسين والكبورجية، وقد ترقى إلى رتبة يوزباشي، وتولى رئاسة الترجمة وتصحيح ما يعرب من الفنون العسكرية، وجعل يترقى في مناصب الحكومة بجده واستحقاقه حتى صار سنة 1277هـ ناظرا لقلم الترجمة بقلعة الجبل، وهو مع ذلك يلاحظ طبع الكتب العسكرية ولما تولى المغفور له إسماعيل باشا أعجبه ذكاؤه ونشاطه فرقاه إلى الرتبة الثالثة، وعينه في قلم الترجمة بالمعية السنية، ثم انتقل إلى ديوان المعاونة فالداخلية، ثم إلى ديوان المدارس، وتعين سنة 1286هـ مأمور إدارة المدارس، وفي سنة 1268هـ أنعم عليه بالرتبة الثانية، وفي سنة 1290هـ ألغيت إدارة المدارس فاعتزل الأعمال، وتشكلت المحاكم المختلطة بمصر سنة 1292ه فتعين قاضيا بمحكمة القاهرة، وما زال في هذا المنصب حتى توفاه الله في 16 ذي الحجة سنة 1298هـ/1881م.
وكان شاعرا مطبوعا، جمعت أشعاره في ديوان كبير طبع في المطبعة الأميرية سنة 1312ه، مصدرا بترجمة له مطولة، أخذنا عنها معظم ما ذكرناه عنه، وكان ميالا إلى الإنشاء، فلم تخل جريدة من جرائد تلك الأيام من مقالات بقلمه أو قصائد من نظمه، كالوقائع المصرية، وروضة المدارس، والجوائب.
ومما نقله إلى اللسان العربي من المؤلفات الرياضية غير التي تقدم ذكرها كتاب في الحساب، وآخر في الجبر، وآخر في تطبيق الجبر على الأعمال الهندسية، وآخر في المثلثات وغيرها، وكانت هذه الكتب لا تزال إلى عهد قريب معتمد المدارس الأميرية في تدريس هذه الفنون، وقد عرب وهو في آلاي المهندسين كثيرا من كتب الفنون العسكرية، منها كتاب الترع والأنهر، وكتاب ميادين الحصون والقلاع ورمي القنابر باليد والمقلاع وكتاب استكشافات عمومية، وكتاب استحكامات خفيفة، وكلها مطبوعة، وكتاب تذكار ضباط المهندسين وكتاب استحكامات قوية. ومن معرباته كتاب تذكير المرسل بتحرير المفصل والمجمل، واشترك في ترجمة قوانين فرنسا (كود نابوليون)، وترجم كتبا أخرى ونشر رسائل شتى في مواضيع مختلفة، واشترك في تحرير جريدة روضة المدارس التي أنشأها المرحوم علي باشا مبارك، واتحد مع علي باشا المذكور في تأليف تاريخ عام مطول للديار المصرية، فألفا منه ما يتعلق بالفراعنة والأكاسرة والبطالسة والرومانيين، حتى انتهيا إلى فتوح الإسلام، وتجاوزاه إلى سنة 160 بعد الفتح، فبلغ ما كتباه منه نحو 400 كراس، وتوفي صاحب الترجمة والكتاب بين أوراق المرحوم علي باشا مبارك، لا ندري ما آل إليه الأمر بعد وفاة علي باشا.
ويقال بالإجمال إن صالح مجدي بك كان من رجال العلم الذين خدموا آداب اللغة العربية بترجمة الكتب الرياضية والعسكرية، فضلا عن قريحته الشعرية؛ فإن صفحات ديوانه المطبوع 430 صفحة كبيرة تدل على طول باعه في النظم، واطلعنا مؤخرا على كتاب فيه مقالات أدبية من إنشاء صاحب الترجمة كانت تُنشر في جريدة روضة المدارس، قيل يومئذ إن فيها تعريضا ببعض رجال ذلك العهد، فمنع نشرها، فعني بجمعها نجله محمد مجدي بك، القاضي بمحكمة الاستئناف بمصر، وطبعها في المطبعة الأميرية.
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، تأليف جُرجي زيدان، ج/2 – ص: 179 – 181.